التاج في أخلاق الملوك/باب في المنادمة/إغضاء البصر وخفض الصوت بحضرة الملك
إغضاء البصر وخفض الصوت بحضرة الملك
ومن حق الملك، إذا أنس بإنسانٍ حتى يضاحكه ويهازله ويفضي إليه بسره ويخصه دون أهله، ثم دخل على الملك داخل أوزاره زائر، أن لا يرفع إليه طرفه، إعظاماً وإكراماً، وتبجيلاً وتوقيراً، ولا يعجب لعجبه. وليكن غرضه الإطراق والصمت وقلة الحركة.
ومن حق الملك أن لايرفع أحد صوته بحضرته، لأن من تعظيم الملك وتبجيله، خفض الأصوات بحضرته، إذ كان ذلك أكثر في بهائه وعزه وسلطانه.
وبهذا أدب الله أصحاب رسوله، ﷺ، فقال عز من قائل: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعضٍ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ".
فأخبر أن من رفع صوته فوق صوت النبي فقد آذاه، ومن آذاه فقد آذى الله، ومن آذى الله فقد حبط عمله.
وكان قوم من سفهاء بني تميم أتوا النبي، ﷺ، فقالوا: يا محمد! أخرج إلينا نكلمك. فغم ذلك رسول الله، ﷺ، وساءه ما ظهر من سوء أدبهم، فأنزل الله عز وجل: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ".
ثم أثنى على من غض صوته بحضرة رسوله، فقال جل اسمه: " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ".
فمن تعظيم الملك وتبجيله خفض الأصوات بحضرته، وإذا قام عن مجلسه، حتى لا يدخل الملك وهن ولا خلل ولا تقصير، في صغير أمرٍ ولا جليله.