التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/استقبال الملوك للناس في الأعياد
استقبال الملوك للناس في الأعياد
ومن أخلاق الملك القعود للعامة يوماً في النيروز، ولا يحجب عنه أحد في هذين اليومين من صغير ولا كبير، ولا جاهلٍ ولا شريف.
وكان الملك يأمر بالنداء قبل قعوده بأيام، ليتأهب الناس لذلك، فيهيئ الرجل القصة، ويهيئ الآخر الحجة في مظلمته، ويصالح الآخر صاحبه إذا علم أن خصمه يتظلم منه إلى الملك.
فيأمر الموبذ أن يوكل رجالاً من ثقات أصحابه، فيقفون بباب العامة، فلا يمنع أحد من الدخول على الملك. وينادي مناديه: من حبس رجلاً عن رفع مظلمته، فقد عصى الله، وخالف سنة الملك، ومن عصى الله، فقد أذن بحربٍ منه، ومن الملك.
ثم يؤذن للناس، وتؤخذ رقاعهم فينظر فيها. فإن كان فيها شيء يتظلم فيه من الملك، بدي به أولاً، وقدم على مظلمة. ويحضر الملك الموبذ الكبير والدبيربذ ورأس سدنة بيوت النار، ثم يقوم المنادي فينادي: ليعتزل كل من تظلم من الملك. فيمتازون.
ويقوم الملك مع خصومه حتى يجثو بين يدي الموبذ فيقول له: أيها الموبذ، إنه ما من ذنبٍ أعظم عند الله من ذنب الملوك! وإنما خولها الله تعالى رعاياها لتدفع عنها الظلم، وتذب عنه بيضة الملك جور الجائرين، وظلم الظالمين. فإذا كانت هي الظالمة الجائرة، فحق لمن دونها هدم بيوت النيران، وسلب ما في النواويس من الأكفان. ومجلسي هذا منك، وأنا عبد ذليل، يشبه مجلسك من الله غداً، فإن آثرت الله آثرك، وإن آثرت الملك عذبك.
فيقول له الموبذ: إن الله إذا أراد سعادة عباده، اختار لهم خير أهل أرضه. فإذا أراد أن يعرفهم قدره عنده، أجرى على لسانه ما أجرى على لسانك.
ثم ينظر في أمره، وأمر خصمه بالحق والعدل. فإن صح على الملك شيء، أخذه به، وإلا حبس من ادعى عليه باطلاً، ونكل به، ونودي عليه: هذا جزاء
من أراد شين الملك، وقدح في المملكة.
فإذا فرغ الملك من مظالمه في نفسه، قام فحمد الله ومجده طويلاً، ثم وضع التاج على رأسه، وجلس على سرير الملك، والتفت إلى قرابته وحامته وخاصته، وقال: إني لم أبدأ بنفسي فأنصف منها إلا لئلا يطمع طامع في حيفي. فمن كان قبله حق، فليخرج إلى خصمه منه، إما بصلحٍ وإما بغيره.
فكان أقرب الناس إلى الملك في الحق كأبعدهم، وأقواهم كأضعفهم.
فلم يزل الناس على هذا في عهد أردشير بن بابك ثم هلم جراً، حتى ملكهم يزدجرد الأثيم، وهو النحس البارتكر. فغير سنن آل ساسان، وعاث في الإرض، وظلم الرعايا، وأظهر الجبرية والفساد، وقال: ليس للرعية أن تنتصب من الراعي، ولا للسوقة أن تتظلم من الملوك، ولا للوضيع أن يساوي الرفيع في حق ولا باطل.