التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/استقبال الملوك للناس في الأعياد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

استقبال الملوك للناس في الأعياد

ومن أخلاق الملك القعود للعامة يوماً في النيروز، ولا يحجب عنه أحد في هذين اليومين من صغير ولا كبير، ولا جاهلٍ ولا شريف.

وكان الملك يأمر بالنداء قبل قعوده بأيام، ليتأهب الناس لذلك، فيهيئ الرجل القصة، ويهيئ الآخر الحجة في مظلمته، ويصالح الآخر صاحبه إذا علم أن خصمه يتظلم منه إلى الملك.

فيأمر الموبذ أن يوكل رجالاً من ثقات أصحابه، فيقفون بباب العامة، فلا يمنع أحد من الدخول على الملك. وينادي مناديه: من حبس رجلاً عن رفع مظلمته، فقد عصى الله، وخالف سنة الملك، ومن عصى الله، فقد أذن بحربٍ منه، ومن الملك.

ثم يؤذن للناس، وتؤخذ رقاعهم فينظر فيها. فإن كان فيها شيء يتظلم فيه من الملك، بدي به أولاً، وقدم على مظلمة. ويحضر الملك الموبذ الكبير والدبيربذ ورأس سدنة بيوت النار، ثم يقوم المنادي فينادي: ليعتزل كل من تظلم من الملك. فيمتازون.

ويقوم الملك مع خصومه حتى يجثو بين يدي الموبذ فيقول له: أيها الموبذ، إنه ما من ذنبٍ أعظم عند الله من ذنب الملوك! وإنما خولها الله تعالى رعاياها لتدفع عنها الظلم، وتذب عنه بيضة الملك جور الجائرين، وظلم الظالمين. فإذا كانت هي الظالمة الجائرة، فحق لمن دونها هدم بيوت النيران، وسلب ما في النواويس من الأكفان. ومجلسي هذا منك، وأنا عبد ذليل، يشبه مجلسك من الله غداً، فإن آثرت الله آثرك، وإن آثرت الملك عذبك.

فيقول له الموبذ: إن الله إذا أراد سعادة عباده، اختار لهم خير أهل أرضه. فإذا أراد أن يعرفهم قدره عنده، أجرى على لسانه ما أجرى على لسانك.

ثم ينظر في أمره، وأمر خصمه بالحق والعدل. فإن صح على الملك شيء، أخذه به، وإلا حبس من ادعى عليه باطلاً، ونكل به، ونودي عليه: هذا جزاء

من أراد شين الملك، وقدح في المملكة.

فإذا فرغ الملك من مظالمه في نفسه، قام فحمد الله ومجده طويلاً، ثم وضع التاج على رأسه، وجلس على سرير الملك، والتفت إلى قرابته وحامته وخاصته، وقال: إني لم أبدأ بنفسي فأنصف منها إلا لئلا يطمع طامع في حيفي. فمن كان قبله حق، فليخرج إلى خصمه منه، إما بصلحٍ وإما بغيره.

فكان أقرب الناس إلى الملك في الحق كأبعدهم، وأقواهم كأضعفهم.

فلم يزل الناس على هذا في عهد أردشير بن بابك ثم هلم جراً، حتى ملكهم يزدجرد الأثيم، وهو النحس البارتكر. فغير سنن آل ساسان، وعاث في الإرض، وظلم الرعايا، وأظهر الجبرية والفساد، وقال: ليس للرعية أن تنتصب من الراعي، ولا للسوقة أن تتظلم من الملوك، ولا للوضيع أن يساوي الرفيع في حق ولا باطل.



التاج في أخلاق الملوك لعمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبي عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى عام 255هـ)

باب في الدخول على الملوك | دخول الأشراف | دخول الأوساط | كيفية الدخول على الملك | استقبال الملك للملوك | وداع الملك للملوك | باب في مطاعمة الملوك | المنصور والفتى الهاشمي | على مائدة اسحق بن ابراهيم | شرف مؤاكلة الملوك | بين معاوية والحسن بن علي | شره القضاة | الملك وضيوفه على المائدة | الحديث على المائدة | طبقات الندماء | في حضرة الملك | مراتب الندماء والمغنين | أقسام الناس | انقلاب الحال في عهد بهرام جور | في عهد الأمويين | الخليفة الأمين | الخليفة المأمون | أخلاق الملك السعيد | أنعام الملوك ومنتهم | العفو عند المقدرة | آداب البطانة مع الملوك | حديث الملك | بين معاوية والرهاوي | أقوال في حسن الاستماع | عود إلى أخلاق الملوك | معاقبة أنوشروان للخائن | عبد الملك والأشدق | الرشيد والبرامكة | مراعاة حرمة الملك | إغضاء البصر وخفض الصوت بحضرة الملك | في غياب الملك | مكافآت الملوك | باب في صفة ندماء الملك | عدة الملك في سفره أو نزهته | خلال الندماء وملاعبة الملوك | آداب الندماء عند نعاس الملك | إمامة الملك للصلاة | آداب مسايرة الملك | مسايرة الموبذ لقباذ | مسايرة شرحبيل لمعاوية | صاحب الشرطة والهادي | ما قاله الهاشمي للخراساني | عدم تسمية أو تكنية الملك | عند تشابه الأسماء | ما يتفرد به الملك في عاصمته | دعاء الملك وتعزيته | غضب الملك ورضاه | وعلى هذا أخلاق الملوك وصنيعهم | أسرار الملك | حفظ حرم الملك | امتحان من يطعن في المملكة | تقاضي الملك عن الصغائر | رد على العامة | إكرام الأوفياء | أدب سماع الملك ومحادثته | إعادة الحديث | أمارات الذهاب من مجلس الملك | اغتياب الآخرين أمام الملك | آداب رسول الملك | احتياط الملك | معاملة ابن الملك للملك | صلاح الجفوة في التأديب | صفات المقربين من الملك | سخاء الملك وحياؤه | اعتلال الملك | جوائز البطانة | هدايا المهرجان والنيروز | لهو الملوك وشربهم | زيارة الملوك لأخصانهم | استقبال الملوك للناس في الأعياد | عقوبة الملك الظالم | استقصاء أحوال الرعية | الملوك أمام الأمور الجليلة | الحرب خدعة | النهاية |