التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/زيارة الملوك لأخصانهم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

زيارة الملوك لأخصانهم

ومن أخلاق الملوك الزيارة لمن خص بالتكرمة منهم وآثروه المنزلة ورفع المرتبة.

وزيارة الملك على أربعة أقسام: فمنها الزيارة للمطاعمة والمنادمة، ومنها الزيارة للعيادة، ومنها الزيارة للتعزية في المصيبة، ومنها الزيارة للتعظيم فقط.

وأكبر هذه الأقسام وأرفعها ذكراً الزيارة للتعظيم. لأن هذه الأقسام الثلاثة أكثر ما تقع وتتفق بسؤال المزور الملك، وتلطفه في ذلك.

وربما رفع الملك مرتبة الوزير، وخصه، وقدمه على سائر بطانته، فيكون من حيل الوزير أن يتعالل فيعوده الملك، فيظهر للعامة منزلته عنده وتكرمته إياه وإيثاره له.

وأيضاً، فقل ملك سأله وزيره أو صاحب جيشه أو أحد عظمائه زيارته إلا أجابه إلى ذلك، ولا سيما إذا علم أن غرضه في ذلك الزيارة في المرتبة، والتنويه بالذكر.

فإذا كانت الزيارة من الملك على أحد هذه الأقسام الثلاثة، فهي منزلة كان صاحبها يحاولها فبلغها، وأمنية طلبها فأدركها.

فأما الزيارة للتعظيم، فإنها لا تقع بسؤالٍ، ولا بإرادة المزور، إذ كان ليس من أخلاق وزيرٍ ولا شريفٍ أن يقول للملك: زرني لتعظمني، ولترفع في الناس من ذكري وقدري.

فإذا كان ذلك من الملك ابتداءً، فقد علمنا أن تلك أرفع مراتب الوزراء، وأفضل درجات الأشراف.

وكان أردشير وأنوشروان إذا زار وزيراً من وزرائهما أو عظيماً من عظمائها للتعظيم لا لغيره، أرخت الفرس تلك الزيارة، وخرجت بذلك التاريخ كتبهم إلى الآفاق والأطراف.

وكانت سنة من وزاره الملك للتعظيم أن توغر ضياعه، وتوسم خيله ودوابه، لئلا تسخر، ولا تمتهن. ويأتيه خليفة صاحب الشرطة في كل يوم مع ثلاثمائة راكبٍ ومائة راجلٍ، يكون بابه إلى غروب الشمس. فإن ركب كانت الرجالة مشاةً أمامه والركبان من خلفه. ولا يحبس أحد من حامته وخاصته لجنايةٍ جناها، ولا يحكم على أحدٍ من عبيده بحكمٍ، وإن وجب على أحدٍ من بطانته حد، وجه به إليه ليرى فيه رأيه، ويؤخر عليه وظيفة ما عليه من خراج أرضه حتى يكون هو الحامل له، وتقدم هداياه في النيروز والمهرجان على كل هدية، وتعرض على الملك، ويكون أول من يأذن له الحاجب، ويكون من الملك، إذا ركب عن يمينه، منزوياً، وتكون مرتبته إذا قعد عن يمينه، وإذا خرج من دار المملكة، لم يقعد بعده أحد.

وكانت ملوك آل ساسان لا تزور أحداً لعلةٍ من هذه العلل التي قدمنا ذكرها، فينصرف بخلعه أو طيبٍ أو تحفةٍ أو هديةٍ من جاريةٍ أو غلام. غير أنه كان إذا نزل الملك، وطأ لرجله فرساً رائعاً بسرج مذهبٍ، وأداةٍ تامة، فقدم إليه إذا أراد الانصراف.

فكان الأمر كذلك، حتى ملك بهرام بن يزدجرد. فكان ينادم الاساورة من أبناء أهل الشرف، فيخلع عليه في كل ساعةٍ خلعة مجددة، ويشتهي الزامرة والمغنية والرقاصة، فيأخذها. وكان أول من أطلق يده في ذلك، لغلبة اللهو علي، وإيثاره هواه.

فأما من كان من ملوكهم، فعلى الأمر الذي ذكرنا، والحكاية التي أدينا.



التاج في أخلاق الملوك لعمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبي عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى عام 255هـ)

باب في الدخول على الملوك | دخول الأشراف | دخول الأوساط | كيفية الدخول على الملك | استقبال الملك للملوك | وداع الملك للملوك | باب في مطاعمة الملوك | المنصور والفتى الهاشمي | على مائدة اسحق بن ابراهيم | شرف مؤاكلة الملوك | بين معاوية والحسن بن علي | شره القضاة | الملك وضيوفه على المائدة | الحديث على المائدة | طبقات الندماء | في حضرة الملك | مراتب الندماء والمغنين | أقسام الناس | انقلاب الحال في عهد بهرام جور | في عهد الأمويين | الخليفة الأمين | الخليفة المأمون | أخلاق الملك السعيد | أنعام الملوك ومنتهم | العفو عند المقدرة | آداب البطانة مع الملوك | حديث الملك | بين معاوية والرهاوي | أقوال في حسن الاستماع | عود إلى أخلاق الملوك | معاقبة أنوشروان للخائن | عبد الملك والأشدق | الرشيد والبرامكة | مراعاة حرمة الملك | إغضاء البصر وخفض الصوت بحضرة الملك | في غياب الملك | مكافآت الملوك | باب في صفة ندماء الملك | عدة الملك في سفره أو نزهته | خلال الندماء وملاعبة الملوك | آداب الندماء عند نعاس الملك | إمامة الملك للصلاة | آداب مسايرة الملك | مسايرة الموبذ لقباذ | مسايرة شرحبيل لمعاوية | صاحب الشرطة والهادي | ما قاله الهاشمي للخراساني | عدم تسمية أو تكنية الملك | عند تشابه الأسماء | ما يتفرد به الملك في عاصمته | دعاء الملك وتعزيته | غضب الملك ورضاه | وعلى هذا أخلاق الملوك وصنيعهم | أسرار الملك | حفظ حرم الملك | امتحان من يطعن في المملكة | تقاضي الملك عن الصغائر | رد على العامة | إكرام الأوفياء | أدب سماع الملك ومحادثته | إعادة الحديث | أمارات الذهاب من مجلس الملك | اغتياب الآخرين أمام الملك | آداب رسول الملك | احتياط الملك | معاملة ابن الملك للملك | صلاح الجفوة في التأديب | صفات المقربين من الملك | سخاء الملك وحياؤه | اعتلال الملك | جوائز البطانة | هدايا المهرجان والنيروز | لهو الملوك وشربهم | زيارة الملوك لأخصانهم | استقبال الملوك للناس في الأعياد | عقوبة الملك الظالم | استقصاء أحوال الرعية | الملوك أمام الأمور الجليلة | الحرب خدعة | النهاية |