محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة عشر
كتاب الزكاة
656 - مسألة : ومن ساقى حائط نخل أو زارع أرضه بجزء مما يخرج منها فأيهما وقع في سهمه خمسة أوسق فصاعدا من تمر ، أو خمسة أوسق كذلك من بر ، أو شعير : فعليه الزكاة ، وإلا فلا ؟ وكذلك من كان له شريك فصاعدا في زرع أو في ثمرة نخل بحبس ، أو ابتياع ، أو بغير ذلك من الوجوه كلها ولا فرق ؟ فإن كانت على المساكين ، أو العميان ، أو المجذومين ، أو في السبيل ، أو ما أشبه ذلك - مما لا يتعين بأهله - أو على مسجد ، أو نحو ذلك : فلا زكاة في شيء من ذلك كله ؟ لأن الله تعالى لم يوجب الزكاة في أقل من خمسة أوسق مما ذكرنا ؛ ولم يوجبها على شريك من أجل ضم زرعه إلى زرع شريكه ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وأما من لا يتعين فليس يصح أنه يقع لأحدهم خمسة أوسق ؛ ولا زكاة إلا على مسلم يقع له مما يصيب خمسة أوسق ؟ وقال أبو حنيفة في كل ذلك الزكاة ؟ وهذا خطأ ، لما قد ذكرنا من أنه لا شريعة على أرض ، وإنما الشريعة على الناس ، والجن ؛ ولو كان ما قالوا لوجبت الزكاة في أراضي الكفار فإن قالوا : الخراج ناب عنها ؟ قلنا : كانوا في عصر النبي ﷺ لا خراج عليهم ، فكان يجب على قولكم أن تكون الزكاة فيما أخرجت أرضهم ؛ وهذا باطل بإجماع من أهل النقل ، وبإجماعهم مع سائر المسلمين . وقال الشافعي : إذا اجتمع للشركاء كلهم خمسة أوسق فعليهم الزكاة - وسنذكر بطلان هذا القول - إن شاء الله تعالى - في زكاة الخلطاء في الماشية ، وجملة الرد عليه أنه إيجاب شرع بلا برهان أصلا - وبالله تعالى التوفيق .
657 - مسألة : ولا يجوز أن يعد الذي له الزرع أو التمر ما أنفق في حرث أو حصاد ، أو جمع ، أو درس ، أو تزبيل أو جداد أو حفر أو غير ذلك - : فيسقطه من الزكاة وسواء تداين في ذلك أو لم يتداين ، أتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو الثمر أو لم تأت ، وهذا مكان قد اختلف السلف فيه ؟ - : حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن أبي عوانة عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية - عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس ، وابن عمر ، في الرجل ينفق على ثمرته ، قال أحدهما : يزكيها ، وقال الآخر : يرفع النفقة ويزكي ما بقي . وعن عطاء : أنه يسقط مما أصاب النفقة ، فإن بقي مقدار ما فيه الزكاة زكى ، وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : أوجب رسول الله ﷺ في التمر والبر والشعير : الزكاة جملة إذا بلغ الصنف منها خمسة أوسق فصاعدا ؛ ولم يسقط الزكاة عن ذلك بنفقة الزارع وصاحب النخل ؛ فلا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سنة ثابتة ؟ وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابنا ، إلا أن مالكا ، وأبا حنيفة ، والشافعي في أحد قوليه تناقضوا وأسقطوا الزكاة عن الأموال التي أوجبها الله تعالى فيها إذا كان على صاحبها دين يستغرقها أو يستغرق بعضها ؛ فأسقطوها عن مقدار ما استغرق الدين منها .
658 - مسألة : ولا يجوز أن يعد على صاحب الزرع في الزكاة ما أكل هو وأهله فريكا أو سويقا - قل أو كثر - ولا السنبل الذي يسقط فيأكله الطير أو الماشية أو يأخذه الضعفاء ، ولا ما تصدق به حين الحصاد ؛ لكن ما صفي فزكاته عليه ؟ برهان ذلك - : ما ذكرنا قبل أن الزكاة لا تجب إلا حين إمكان الكيل ، فما خرج عن يده قبل ذلك فقد خرج قبل وجوب الصدقة فيه . وقال الشافعي : والليث ، كذلك . وقال مالك ، وأبو حنيفة : يعد عليه كل ذلك . قال أبو محمد : هذا تكليف ما لا يطاق ، وقد يسقط من السنبل ما لو بقي لأتم خمسة أوسق ، وهذا لا يمكن ضبطه ولا المنع منه أصلا . والله تعالى يقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
659 - مسألة : وأما التمر : ففرض على الخارص أن يترك له ما يأكل هو وأهله رطبا على السعة ، لا يكلف عنه زكاة . وهو قول الشافعي ، والليث بن سعد . وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا يترك له شيئا ؟ برهان صحة قولنا حديث سهل بن أبي حثمة الذي ذكرنا قبل من قول رسول الله ﷺ : { إذا خرصتم فخذوا أو دعوا الثلث أو الربع } ولا يختلف القائلون بهذا الخبر - وهم أهل الحق الذين إجماعهم الإجماع المتبع - في أن هذا على قدر حاجتهم إلى الأكل رطبا - : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا هشيم ، وزيد كلاهما : عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار قال : بعث عمر بن الخطاب أبا حثمة الأنصاري على خرص أموال المسلمين ، فقال : إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا فدع لهم ما يأكلون ، لا تخرصه عليهم . وبه إلى أبي عبيد عن يزيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا ميمونة أخبره عن سهل بن أبي حثمة : أن مروان بعثه خارصا للنخل ، فخرص مال سعد بن أبي وقاص سبعمائة وسق ، وقال : لولا أني وجدت فيه أربعين عريشا لخرصته تسعمائة وسق ؛ ولكني تركت لهم قدر ما يأكلون . قال أبو محمد : هذا فعل عمر بن الخطاب ، وأبي حثمة ، وسهل ، ثلاثة من الصحابة ، بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، لا مخالف لهم يعرف منهم ، وهم يشنعون بمثل ذلك إذا وافقهم - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يزكي ما بقي بعدما يأكل - وهذا تخليط ومخالفة للنصوص كلها .
660 - مسألة : وإن كان زرع ، أو نخل يسقى بعض العام بعين ، أو ساقية من نهر أو بماء السماء ، وبعض العام بنضح ، أو سانية ، أو خطارة ، أو دلو ، فإن كان النضح زاد في ذلك زيادة ظاهرة وأصلحه : فزكاته نصف العشر فقط ؛ وإن كان لم يزد فيه شيئا ولا أصلح فزكاته العشر . قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : يزكي على الأغلب من ذلك ؛ وهو قول رويناه عن بعض السلف - : حدثنا حمام ثنا أبو محمد الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال قلت لعطاء : في المال يكون على العين أو بعلا عامة الزمان ، ثم يحتاج إلى البئر يسقى بها ؟ فقال : إن كان يسقى بالعين أو البعل أكثر مما يسقى بالدلو : ففيه العشر ، وإن كان يسقى بالدلو أكثر مما يسقى بالبعل : ففيه نصف العشر قال أبو الزبير : سمعت جابر بن عبد الله ، وعبيد بن عمير يقولان هذا القول . وقال مالك مرة : إن زكاته بالذي غذاه به وتم به ، لا أبالي بأي ذلك كان أكثر سقيه فزكاته عليه - وقال مرة أخرى : يعطي نصف زكاته العشر ونصفها نصف العشر ، وهكذا قال الشافعي . قال أبو محمد : قد حكم النبي ﷺ فيما سقي بالنضح بنصف العشر ، وبلا شك أن السماء تسقيه ويصلحه ماء السماء ؛ بل قد شاهدنا جمهور السقاء بالعين والنضح إن لم يقع عليه ماء السماء تغير ولا بد ، فلم يجعل عليه السلام لذلك حكما ؛ فصح أن النضح إذا كان مصلحا للزرع أو النخل فزكاته نصف العشر فقط : وهذا مما ترك الشافعيون فيه صاحبا لا يعرف له مخالف منهم .
661 - مسألة : ومن زرع قمحا أو شعيرا مرتين في العام أو أكثر ، أو حملت نخلة بطنين في السنة فإنه لا يضم البر الثاني ولا الشعير الثاني ولا التمر الثاني إلى الأول ؛ وإن كان أحدهما ليس فيه خمسة أوسق لم يزكه ؛ وإن كان كل واحد منهما ليس فيه خمسة أوسق بانفراده لم يزكهما . قال علي : وذلك أنه لو جمعا لوجب أن يجمع بين الزرعين والتمرتين ولو كان بينهما عامان أو أكثر ؛ وهذا باطل بلا خلاف ، وإذ صح نفي رسول الله ﷺ الزكاة عما دون خمسة أوسق فقد صح أنه راعى المجتمع ، لا زرعا مستأنفا لا يدرى أيكون أم لا - وبالله تعالى التوفيق .
662 - مسألة : وإن كان قمح بكير أو شعير بكير أو تمر بكير وآخر من جنس كل واحد منها مؤخر ، فإن يبس المؤخر أو أزهى قبل تمام وقت حصاد البكير وجداده فهو كله زرع واحد وتمر واحد ، يضم بعضه إلى بعض ، وتزكى معا ؛ إن لم ييبس المؤخر ولا أزهى إلا بعد انقضاء وقت حصاد البكير فهما زرعان وتمران ، يضم أحدهما إلى الآخر ولكل واحد منهما حكمه . برهان ذلك - : أن كل زرع وكل تمر فإن بعضه يتقدم بعضا في اليبس والإزهاء ؛ وإن ما زرع في تشرين الأول يبدأ يبسه قبل أن ييبس ما زرع في شباط ، إلا أنه لا ينقضي وقت حصاد الأول حتى يستحصد الثاني ؛ لأنها صيفة واحدة ، وكذلك التمر - وأما إذا كان لا يجتمع وقت حصادهما ولا يتصل وقت إزهائهما فهما زمنان اثنان كما قدمنا - وبالله تعالى التوفيق . وأبكر ما صح عندنا يقينا : أنه يبدأ بأن يزرع في بلاد من شنت برية ، وهي من عمل مدينة سالم بالأندلس ، فإنهم يزرعون الشعير في آخر أيلول وهو " شتنبر " لغلبة الثلج على بلادهم ، حتى يمنعهم من زرعها إن لم يبكروا به كما ذكرنا ؛ ويتصل الزرع بعد ذلك مدة ستة أشهر وزيادة أيام ، فقد شاهدنا في الأعوام زريعة القمح والشعير في صدر " آذار " وهو " مرس " . وأبكر ما صح عندنا حصاده فألش فألش " من عمل " تدمير " فإنهم يبدءون بالحصاد في أيام باقية من " نيسان " وهو " أبريل " ويتصل الحصاد أربعة أشهر إلى صدر زمن " أيلول " وهو " أغشت " وهي كلها صيفة واحدة ، واستحصاد واحد متصل .
663 - مسألة : فلو حصد قمح أو شعير ثم أخلف في أصوله زرع فهو زرع آخر ، لا يضم إلى الأول ؛ لما ذكرنا قبل - وبالله تعالى التوفيق .
664 - مسألة : والزكاة واجبة في ذمة صاحب المال لا في عين المال ؛ قال أبو محمد : وقد اضطربت أقوال المخالفين في هذا . وبرهان صحة قولنا - : هو أن لا خلاف بين أحد من الأمة - من زمننا إلى زمن رسول الله ﷺ - في أن من وجبت عليه زكاة بر أو شعير أو تمر أو فضة أو ذهب أو إبل أو بقر أو غنم فأعطى زكاته الواجبة عليه من غير ذلك الزرع ومن غير ذلك التمر ومن غير ذلك الذهب ومن غير تلك الفضة ومن غير تلك الإبل ومن غير تلك البقر ومن غير تلك الغنم - : فإنه لا يمنع من ذلك ، ولا يكره ذلك له ، بل سواء أعطى من تلك العين ، أو مما عنده من غيرها ، أو مما يشتري ، أو مما يوهب ، أو مما يستقرض ، فصح يقينا أن الزكاة في الذمة لا في العين إذ لو كانت في العين لم يحل له البتة أن يعطي من غيرها ، ولوجب منعه من ذلك ، كما يمنع من له شريك في شيء من كل ذلك أن يعطي شريكه من غير العين التي هم فيها شركاء إلا بتراضيهما ، وعلى حكم البيع ؟ وأيضا - فلو كانت الزكاة في عين المال لكانت لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما - : إما أن تكون في كل جزء من أجزاء ذلك المال ، أو تكون في شيء منه بغير عينه . فلو كانت في كل جزء منه لحرم عليه أن يبيع منه رأسا أو حبة فما فوقها ؛ لأن لأهل الصدقات في ذلك الجزء شريكا ، ولحرم عليه أن يأكل منها شيئا لما ذكرنا ، وهذا باطل بلا خلاف . وللزمه أيضا : أن لا يخرج الشاة إلا بقيمة مصححة مما بقي ، كما يفعل في الشركات ولا بد ، وإن كانت الزكاة في شيء منه بغير عينه ؛ فهذا باطل . وكان يلزم أيضا : مثل ذلك سواء سواء ؛ لأنه كان لا يدري لعله يبيع أو يأكل الذي هو حق أهل الصدقة . فصح ما قلنا يقينا - وبالله تعالى التوفيق .
665 - مسألة : فكل مال وجبت فيه زكاة من الأموال التي ذكرنا ، فسواء تلف ذلك أو بعضه - أكثره أو أقله - إثر إمكان إخراج الزكاة منه ، إثر وجوب الزكاة بما قل من الزمن أو كثر ، بتفريط تلف أو بغير تفريط - : فالزكاة كلها واجبة في ذمة صاحبه كما كانت لو لم يتلف ، ولا فرق ؛ لما ذكرنا من أن الزكاة في الذمة لا في عين المال ؟ وإنما قلنا : إثر إمكان إخراج الزكاة منه لأنه إن أراد إخراج الزكاة من غير عين المال الواجبة فيه لم يجبر على غير ذلك ، والإبل وغيرها في ذلك سواء ، إلا أن تكون مما يزكى بالغنم وله غنم حاضرة فهذا تلزمه الزكاة من الغنم الحاضرة ، وليس له أن يمطل بالزكاة حتى يبيع من تلك الإبل ، لقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } .
666 - مسألة : وكذلك لو أخرج الزكاة وعزلها ليدفعها إلى المصدق أو إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه إعادتها كلها ولا بد ، لما ذكرنا ؛ ولأنه في ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بإيصالها إليه - وبالله تعالى التوفيق . وهو قول الأوزاعي ، وظاهر قول الشافعي في بعض أقواله ؟ وقال أبو حنيفة : إن هلك المال بعد الحول - ولم يحد لذلك مدة - فلا زكاة عليه بأي وجه هلك ؛ فلو هلك بعضه فعليه زكاة ما بقي فقط ، قل أو كثر ؛ ولا زكاة عليه فيما تلف ، فإن كان هو استهلكه فعليه زكاته ؟ . قال أبو محمد : وهذا خطأ ، لما ذكرنا قبل ؛ فإن لجأ إلى أن الزكاة في عين المال ، قلنا له : هذا باطل بما قدمنا آنفا ، ثم هبك لو كان ذلك كما تقول لما وجب عليه زكاة ما بقي من المال إذا كان الباقي ليس مما يجب في مقداره الزكاة لو لم يكن معه غيره ؛ لأن التالف عندكم لا زكاة فيه لتلفه ، والباقي ليس نصابا ، فإن كان الباقي فيه الزكاة واجبة ؟ فالتالف فيه الزكاة واجبة ولا فرق . وقد قدمنا ؛ أن الزكاة ليست مشاعة في المال في كل جزء منه كالشركة ؛ إذ لو كان ذلك لما جاز إخراجها إلا بقيمة محققة منسوبة مما بقي . وقد قال الشافعي بهذا في زكاة الإبل ، وقال به أصحاب أبي حنيفة في الطعام يخرج عن الطعام من صنفه أو من غير صنفه ؛ فظهر تناقضهم ؟ وقال مالك : إن تلف الناض بعد الحول ولم يفرط في أداء زكاته فرجع إلى ما لا زكاة فيه فلا زكاة عليه فيه ؛ وكذلك لو عزل زكاة الطعام فتلفت فلا شيء عليه غيرها ، لا عن الكل ولا عما بقي ، فلو لم يفعل وأدخله بيته فتلف فعليه ضمان زكاته قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ لأن الزكاة الواجبة لأهل الصدقات ليست عينا معينة ؛ بلا خلاف من أحد من الأمة ولا جزءا مشاعا في كل جزء من المال . وهذان الوجهان هما اللذان يكون من كانا عنده بحق مؤتمنا عليه فلا ضمان عليه فيما تلف من غير تعديه ؛ فإذ الزكاة كما ذكرنا وإنما هي حق مفترض عليه في ذمته حتى يؤديه إلى المصدق ، أو إلى من جعلها الله تعالى له - : فهي دين عليه لا أمانة عنده والدين مؤدى على كل حال - وبالله تعالى التوفيق . وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث ، وجرير ، والمعتمر بن سليمان التيمي ، وزيد بن الحباب ، وعبد الوهاب بن عطاء ، قال حفص عن هشام بن حسان عن الحسن البصري ؛ و قال جرير عن المغيرة عن أصحابه ؛ وقال المعتمر عن معمر عن حماد ، وقال زيد عن شعبة عن الحكم ؛ وقال عبد الوهاب عن ابن أبي عروبة عن حماد عن إبراهيم النخعي ، ثم اتفقوا كلهم : فيمن أخرج زكاة ماله فضاعت : أنها لا تجزي عنه وعليه إخراجها ثانية ؟ وروينا عن عطاء : أنها تجزئ عنه ؟
667 - مسألة : وأي بر أعطى ، أو أي شعير : في زكاته كان أدنى مما أصاب أو أعلى - : أجزأه ، ما لم يكن فاسدا بعفن ، أو تآكل ، فلا يجزئ عن صحيح ، أو ما كان رديئا برهان ذلك - : أنه إنما عليه بالنص عشر مكيلة ما أصاب أو نصف عشرها إذا كانت خمسة أوسق فصاعدا ، ولو كان لا يجزئه أدنى من صفة ما أصاب لكان لا يجزئه أعلى من تلك الصفة ؛ وهذا لا يقولونه ، فإذا لم يلزمه بالنص من العين التي أصاب ؛ فمن ادعى أن لا يجزئه إلا مثل صفة التي أصاب لم يقبل قوله إلا ببرهان . وأما قولنا - : إلا أن يكون الذي أعطى فاسدا عن صحيح فلأن المكيلة عليه بالنص وبالإجماع ، وبالعيان ندري أن العفن والمتآكل قد نقصا من المكيلة ما لا يقدر على إيفائه أصلا ، ولا يجزئه إلا المكيلة تامة - وبالله تعالى التوفيق .
668 - مسألة : وكذلك القول في زكاة التمر ، أي تمر أخرج أجزأه ، سواء من جنس تمره ، أو من غير جنسه ، أدنى من تمره أو أعلى ، ما لم يكن رديا كما ذكرنا ، أو معفونا أو متآكلا ، أو الجعرور ، أو لون الحبيق فلا يجزئ إخراج شيء من ذلك أصلا ، وسواء كان تمره كله من هذين النوعين أو من غيرهما ، وعليه أن يأتي بتمر سالم غير رديء ، ولا من هذين اللونين . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا سليمان بن كثير ثنا الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه { أن رسول الله ﷺ نهى عن لونين من التمر : الجعرور ، ولون الحبيق ، وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم فيخرجونها في الصدقة ؛ فنهوا عن ذلك } ، ونزلت { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا مؤمل بن إسماعيل الحميري ثنا سفيان الثوري ثنا إسماعيل السدي عن أبي مالك عن البراء بن عازب قال كانوا يجيئون في الصدقة بأدنى طعامهم ، وأدنى تمرهم ، فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } . فإن قال قائل : الخبيث لا يكون إلا حراما ؟ قلنا : نعم ، وهذا المنهي عن إخراجه في الصدقة هو حرام فيها ، فهو خبيث فيها لا في غيرها ؛ ولا ينكر كون الشيء طاعة في وجه معصية في وجه آخر ؛ كالأكل للصائم عند غروب الشمس ، هو طاعة الله تعالى طيب حلال ، ولو أكله في صلاة المغرب لأكل حراما عليه خبيثا في تلك الحال ، وكذلك الميتة ولحم الخنزير ، هما حرامان خبيثان لغير المضطر ، وهما للمضطر غير المتجانف لإثم حلالان طيبان غير خبيثين ؛ وهكذا أكثر الأشياء في الشرائع . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال { نهى رسول الله ﷺ عن الجعرور ، ولون ابن حبيق أن يؤخذا في الصدقة } قال الزهري : لونين من تمر المدينة ؟