محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة عشر
كتاب الزكاة
وأما الخيل ، والرقيق - فقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك : أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من الرأس عشرة ومن الفرس عشرة ، ومن البراذين خمسة - يعني رأس الرقيق وعشرة دراهم ، وخمسة دراهم . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو هو ابن دينار - قال : إن حي بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول : ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية فرسا أنثى بمائة قلوص ؛ فندم البائع ، فلحق بعمر ، فقال : غصبني يعلى وأخوه فرسا لي . فكتب عمر إلى يعلى : أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر ؛ فقال عمر : إن الخيل لتبلغ عندكم هذا ؟ فقال يعلى : ما علمت فرسا بلغ هذا قبل هذا . فقال عمر : فنأخذ من أربعين شاة شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا خذ من كل فرس دينارا قال : قال : فضرب على الخيل دينارا دينارا . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن أبي حسين أن ابن شهاب أخبره أن السائب ابن أخت نمر أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقات الخيل ، قال ابن شهاب : وكان عثمان بن عفان يصدق الخيل . ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري : أن مروان بعث إلى أبي سعيد الخدري : أن ابعث إلي بزكاة رقيقك . فقال للرسول : إن مروان لا يعلم إنما علينا أن نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر أو نصف صاع بر ؛ ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن حماد بن أبي سليمان قال : وفي الخيل الزكاة . فذهب أبو حنيفة ومن قلده إلى أن في الخيل الزكاة - واحتجوا بهذه الآثار ، وبقول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } . وقالوا : والخيل أموال ؛ فالصدقة فيها بنص القرآن . وبقول رسول الله ﷺ الثابت عنه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ { الخيل لرجل أجر ، ولرجل ستر } فذكر الحديث ، وفيه { ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ، ولا ظهورها ، فهي له ستر } . قال أبو محمد : هذا ما موه به الحنفيون من الاحتجاج بالقرآن والسنة وفعل الصحابة ؛ وهم مخالفون لكل ذلك - : أما الآية فليس فيها أن كل صنف من أصناف الأموال صدقة ، وإنما فيها { خذ من أموالهم } فلو لم يرد إلا هذا النص وحده لأجزأ فلس واحد عن جميع أموال المسلم ؛ لأنه صدقة أخذت من أمواله . ثم لو كان في الآية أن في كل صنف من أصناف الأموال صدقة وليس ذلك فيها لا بنص ولا بدليل لما كانت لهم فيها حجة ؛ لأنه ليس فيها مقدار المال المأخوذ ، ولا مقدار المال المأخوذ منه ، ولا متى تؤخذ تلك الصدقة . ومثل هذا لا يجوز العمل فيه بقول أحد دون رسول الله ﷺ المأمور بالبيان ، قال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وأما الحديث فليس فيه إلا أن لله تعالى حقا في رقابها وظهورها ، غير معين ولا مبين المقدار ؛ ولا مدخل للزكاة في ظهور الخيل بإجماع منا ومنهم . فصح أن هذا الحق إنما هو على ظاهر الحديث ، وهو حمل على ما طابت نفسه منها في سبيل الله تعالى ، وعارية ظهورها للمضطر . وأما فعل عمر وعثمان رضي الله عنهما فقد خالفوهما ، وذلك أن قول أبي حنيفة : إنه لا زكاة في الخيل الذكور ولو كثرت وبلغت ألف فرس فإن كانت إناثا ، أو إناثا وذكورا ، سائمة غير معلوفة فحينئذ تجب فيها الزكاة ، وصفة تلك الزكاة أن صاحب الخيل مخير ، إن شاء أعطى عن كل فرس منها دينارا أو عشرة دراهم ؛ وإن شاء قومها فأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم . قال أبو محمد : وهذا خلاف فعل عمر . وأيضا فقد خالفوا فعل عمر في أخذه الزكاة من الرقيق عشرة دراهم من كل رأس ، فكيف يجوز لذي عقل ودين أن يجعل بعض فعل عمر حجة وبعضه ليس بحجة . وخالفوا عليا في إسقاط زكاة الخيل جملة ، وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم أحدا قاله قبلهم ؛ فظهر فساد قولهم جملة . وذهب جمهور الناس إلى أن لا زكاة في الخيل أصلا . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج عن ابن الأعرابي عن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق . وقد صح أن عمر إنما أخذها على أنها صدقة تطوع منهم لا واجبة . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن ابن أبي خالد عن شبيل بن عوف وكان قد أدرك الجاهلية قال : أمر عمر بن الخطاب الناس بالصدقة ؛ فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، خيل لنا ورقيق افرض علينا عشرة عشرة . فقال عمر : أما أنا فلا أفرض ذلك عليكم . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قرأت على أبي عن يحيى بن سعيد القطان عن زهير هو ابن معاوية - ثنا أبو إسحاق هو السبيعي - عن حارثة هو ابن مضرب - قال : { حججت مع عمر بن الخطاب فأتاه أشراف أهل الشام فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا أصبنا رقيقا ودوابا فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا وتكون لنا زكاة . فقال : هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قبلي } . قال أبو محمد : هذه أسانيد في غاية الصحة ، والإسناد فيه أن رسول الله ﷺ لم يأخذ من الخيل صدقة ؛ ولا أبو بكر بعده ؛ وأن عمر لم يفرض ذلك . وأن عليا بعده لم يأخذها . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان ثنا أبو أسامة هو حماد بن أسامة - ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ﷺ { قد عفوت عن الخيل ، فأدوا صدقة أموالكم من كل مائتين خمسة } . وقد صح عن رسول الله ﷺ : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } . والفرس والعبد اسم للجنس كله ، ولو كان في شيء من ذلك صدقة لما أغفل عليه السلام بيان مقدارها ومقدار ما تؤخذ منه ، وبالله تعالى التوفيق . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، ومكحول ، والشعبي ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، وهو فعل أبي بكر ، وعمر ، وعلي كما ذكرنا ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأصحابنا . وأما الحمير فما نعلم أحدا أوجب فيها الزكاة ، إلا شيئا حدثناه حمام قال : ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم النخعي ، قال منصور : سألته عن الحمير أفيها زكاة . فقال إبراهيم : أما أنا فأشبهها بالبقر ؛ ولا نعلم فيها شيئا . قال أبو محمد : كل ما لم يأمر النبي ﷺ فيه بزكاة محدودة موصوفة فلا زكاة فيه . ولقد كان يجب على من رأى الزكاة في الخيل بعموم قول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } أن يأخذها من الحمير ، لأنها أموال ، وكان يلزم من قاس الصداق على ما تقطع فيه اليد أن يقيسها على الإبل ، والبقر ، لأنها ذات أربع مثلها ، وإن افترقت في غير ذلك ، فكذلك الصداق يخالف السرقة في أكثر من ذلك .
وأما العسل : فإن مالكا والشافعي وأبا سليمان ، وأصحابهم : لم يروا فيه زكاة . وقال أبو حنيفة : إن كان النحل في أرض العشر ففيه الزكاة ، وهو عشر ما أصيب منه - قل أو كثر - وإن كان في أرض خراج فلا زكاة فيه - قل أو كثر . ورأى في المواشي الزكاة ، سواء كانت في أرض عشر أو في أرض خراج . وقال أبو يوسف : إذ بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد ؛ وهكذا ما زاد ففيه العشر ، والرطل هو الفلفلي . وقال محمد بن الحسن : إذا بلغ العسل خمسة أفراق ففيه العشر ، وإلا فلا - والفرق : ستة وثلاثون رطلا فلفلية ، والخمسة الأفراق : مائة رطل وثمانون رطلا فلفلية ؛ قال : والسكر كذلك . قال أبو محمد : أما مناقضة أبي حنيفة وإيجابه الزكاة في العسل ولو أنه قطرة إذا لم يكن في أرض الخراج فظاهرة لا خفاء بها . وأما تحديد صاحبيه ففي غاية الفساد والخبط والتخليط . وهو إلى الهزل أقرب منه إلى الجد . لكن في العسل خلاف قديم - : كما روينا من طريق عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب قال لأهل اليمن في العسل : إن عليكم في كل عشرة أفراق فرقا . ومن طريق الحارث بن عبد الرحمن عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب وكانت له صحبة أنه أخذ عشر العسل من قومه وأتى به عمر ؛ فجعله عمر في صدقات المسلمين ؛ قال : { وقدمت على رسول الله ﷺ فأسلمت واستعملني على قومي ، واستعملني أبو بكر بعده ، ثم استعملني عمر من بعده فقلت لقومي : في العسل زكاة ، فإنه لا خير في مال لا يزكى فقالوا : كم ترى . فقلت : العشر ، فأخذته وأتيت به عمر } . ومن طريق نعيم بن حماد عن بقية عن محمد بن الوليد الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن هلال بن مرة : أن عمر بن الخطاب قال في عشور العسل : ما كان منه في السهل ففيه العشر ، وما كان منه في الجبل ففيه نصف العشر . وصح عن مكحول ، والزهري : أن في كل عشرة أزقاق من العسل زقا رويناه من طريق ثابتة عن الأوزاعي عن الزهري . وعن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى : في كل عشرة أزقاق من عسل زق ، قال : والزق يسع رطلين . وروي أيضا من طريق لا تصح عن عمر بن عبد العزيز وهو قول ربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن وهب ، واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { جاء هلال إلى رسول الله ﷺ بعشور نحل له وسأله أن يحمي له واديا يقال له : سلبة ، فحماه له } وبما رويناه من طريق عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن : أن يؤخذ من العسل العشور } . ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى { أن أبا سيارة المتعي قال للنبي ﷺ إن لي نحلا . قال : فأد منه العشر } ومن طريق ابن جريج قال كتبت إلى إبراهيم بن ميسرة أسأله عن زكاة العسل . فذكر جوابه ، وفيه : أنه قال : ذكر لي من لا أتهم من أهلي : أن عروة بن محمد السعدي قال له : إنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل . فرد إليه عمر : قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف ؛ فخذ منه العشور قال أبو محمد : هذا كله لا حجة لهم فيه . أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : فصحيفة لا تصح ، وقد تركوها حيث لا توافق تقليدهم مما قد ذكرناه في غير ما موضع . وأما حديث أبي هريرة فمن رواية عبد الله بن محرر وهو أسقط من كل ساقط متفق على اطراحه . وأما حديث أبي سيارة المتعي : فمنقطع لأن سليمان بن موسى لا يعرف له لقاء أحد من الصحابة رضي الله عنهم . وأما حديث عمر بن عبد العزيز فمنقطع ، لأنه عمن لم يسم . وأما خبر عمر بن الخطاب : فلا يصح ؛ لأنه عن عطاء الخراساني عنه ، ولم يدركه عطاء ، وعن منير بن عبد الله عن أبيه ، وكلاهما مجهول ، وبعض رواته يقول : متين بن عبد الله ولا يدرى من هو ، وعن بقية ، وهو ضعيف ، ثم عن هلال بن مرة ، ولا يدرى من هو . فبطل أن يصح في هذا عن رسول الله ﷺ شيء ، أو عن عمر ، أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . قال أبو محمد : وقد عارض ذلك كله خبر مرسل أيضا كما حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس : { أن معاذ بن جبل لما أتى اليمن أتي بالعسل وأوقاص الغنم ، فقال : لم أؤمر فيها بشيء . } ولكنا لا نستحل الحجاج بمرسل ؛ لأنه لا حجة فيه . وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : بعثني عمر بن عبد العزيز إلى اليمن ، فأردت ، أن آخذ من العسل العشر . فقال المغيرة بن حكيم الصنعاني : ليس فيه شيء فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز . فقال : صدق ، هو عدل رضي . قال أبو محمد : وبأن لا زكاة في العسل يقول مالك ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهم . قال علي : قد قلنا : إن الله تعالى قال : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فلا يجوز إيجاب فرض زكاة في مال لم يصح عن رسول الله ﷺ فيه إيجابها . فإن احتجوا بعموم قول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } . قيل لهم : فأوجبوها فيما خرج من معادن الذهب والفضة ، وفي القصب ، وفي ذكور الخيل ، فكل ذلك أموال للمسلمين ، بل أوجبوها حيث لم يوجبها الله تعالى ، وأسقطوها مما خرج من النخل والبر والشعير ، في أرض الخراج ، وفي الأرض المستأجرة . ولكنهم قوم يجهلون