انتقل إلى المحتوى

مجموع الفتاوى/المجلد الثالث/فصل في لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن

[عدل]

ما ذكرتم من لين الكلام، والمخاطبة بالتي هي أحسن، فأنتم تعلمون أني من أكثر الناس استعمالًا لهذا، لكن كل شيء في موضعه حسن، وحيث أمر الله ورسوله بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة، فنحن مأمورون بمقابلته، لم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن. ومن المعلوم أن الله تعالى يقول: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} 1 فمن كان مؤمنًا فإنه الأعلى بنص القرآن.

وقال: {وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 2 وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ. كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} 3 والله محقق وعده لمن هو كذلك كائنًا من كان.

ومما يجب أن يعلم: أنه لا يسوغ في العقل ولا الدين طلب رضا المخلوقين لوجهين:

أحدهما: أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي رضي الله عنه: الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه ولا تعانه.

والثاني: أنا مأمورون بأن نتحرى رضا الله ورسوله، كما قال تعالى: {وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} 4، وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحدًا إلا الله، كما قال تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} 5، وقال: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} 6، وقال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} 7، {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} 8. فعلينا أن نخاف الله، ونتقيه في الناس، فلا نظلمهم بقلوبنا، ولا جوارحنا، ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا، ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم.

ومن لزم هذه الطريقة كانت العاقبة له كما كتبت عائشة إلى معاوية: أما بعد: فإنه من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس، وعاد حامده من الناس ذامًا. ومن التمس رضا الله بسخط الناس رضى الله عنه، وأرضى عنه الناس.

فالمؤمن لا تكون فكرته وقصده إلا رضا ربه، واجتناب سخطه والعاقبة له، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا مع أن المرسل فرح بهذه الأمور جُوَّانيه في الباطن، وكل ما يظهره فإنه مراءاة لقرينه، وإلا فهما في الباطن متباينان. وثم أمور تعرفها خاصتهم، ويكفيك الطيبرسي قد تواتر عنه الفرح والاستبشار بما جرى مع أنه المخاصم، المغلظ عليه.

وهذا سواء كان أو لم يكن الأصل الذي يجب اتباعه هو الأول وقول النبي : «لا تبدؤوهم بقتال، وإن أكثبوكم فارموهم بالنبل». على الرأس والعين، ولم نرم إلا بعد أن قصدوا شرنا وبعد أن أكثبونا ؛ ولهذا نفع الله بذلك.



هامش

  1. [آل عمران: 139]
  2. [المنافقون: 8]
  3. [المجادلة 20: 21]
  4. [التوبة: 62]
  5. [آل عمران: 175]
  6. [المائدة: 44]
  7. [النحل: 51]
  8. [البقرة: 41]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثالث
مجمل اعتقاد السلف | ما قاله الشيخ الإمام في التوحيد والصفات والشرع والقدر | فصل فيمن قال القول في بعض الصفات كالقول في بعض | فصل في إخبار الله لنا بما في الجنة من المخلوقات | فصل في وصف الله بالإثبات والنفي | فصل في وجوب الإيمان بما أخبر به الرسول عن ربه | فصل في ظواهر النصوص ومراداتها | فصل في توهم كثير من الناس أن صفات الله تماثل صفات المخلوقين | فصل في قصور العلم البشري | فصل في معرفة ما يجوز على الله مما لا يجوز في النفي والإثبات | فصل فيما يسلكه نفاة الصفات | فصل في أن المثبت لا يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه | فصل في التوحيد في العبادات | فصل في وجوب الإيمان بخلق الله وأمره وبقضائه وشرعه | العقيدة الواسطية | سئل شيخ الإسلام رحمه الله أن يكتب عقيدة تكون عمدة | فصل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه | فصل من الإيمان بالله الإيمان بأنه قريب من خلقه | فصل من الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق | فصل من الإيمان بالله أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانا بأبصارهم | فصل ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم | فصل من أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قول وعمل | فصل من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل في استكمال أصول أهل السنة والجماعة | ما قاله رحمه الله تعالى في أمر الاعتقاد بمقتضى ما ورد به كتاب السلطان | فصل فيما أمرنا الله تعالى به من الجماعة والائتلاف وما نهانا عنه من الفرقة والاختلاف | سبب تأليفه العقيدة الواسطية | كتاب عبد الله بن تيمية لأخيه زين الدين | سئل الشيخ رحمه الله عن مسألة القرآن والصوت | ما قاله الإمام أبو العباس أحمد بن تيمية في جواب ورقة أرسلت إليه في السجن في رمضان | باب ذكر الاستواء | فصل في لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن | فصل في ذكرهم أن الشيخ طلب تفويض الحكم إلى شخص معين | فصل فيما ينبغي علمه من أن القوم مستضعفون عند المحاقة | ما قاله الشيخ عند وصول الورقة التي ذكر فيها إخبار الشيخ باجتماع الرسول به | فصل معترض في نفي الشيخ أن يكون قد طلب النظر في المحاضر | ما قاله شيخ الإسلام عن أهل السنة والمبتدعة | فصل من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات | فصل في عدم جواز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ فيه | فصل في كون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حق يجزم به المسلمون | سئل الشيخ هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل في أصول الدين | فصل في إعراض كثير من أرباب الكلام والحروف عن القرآن | فصل في تعلق العبادة بطاعة الله ورسوله | سئل شيخ الإسلام عن قوله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة | فصل في أن الانحراف عن الوسط واقع بين الناس في أكثر الأمور | ما كتبه شيخ الإسلام إلى المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة | فصل في استكمال ما كتبه الشيخ إلى أهل السنة والجماعة | فصل في أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه | فصل في التحذير من الغلو في بعض المشائخ | فصل في الاقتصاد في السنة واتباعها | فصل في وجوب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة | فصل في أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان