مجموع الفتاوى/المجلد الأول/وسئل هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



وسئل هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟[عدل]

وسئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

هل يجوز التوسل بالنبي أم لا؟

فأجاب:

الحمد لله، أما التوسل بالإيمان به، ومحبته وطاعته، والصلاة والسلام عليه، وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك، مما هو من أفعاله، وأفعال العباد المأمور بها في حقه، فهو مشروع باتفاق المسلمين، وكان الصحابة رضى الله عنهم يتوسلون به في حياته، وتوسلوا بعد موته بالعباس عمه، كما كانوا يتوسلون به.

وأما قول القائل: اللهم إني أتوسل إليك به. فللعلماء فيه قولان، كما لهم في الحلف به قولان. وجمهور الأئمة كمالك والشافعي وأبي حنيفة على أنه لا يسوغ الحلف بغيره من الأنبياء والملائكة. ولا تنعقد اليمين بذلك باتفاق العلماء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى تنعقد اليمين به خاصة دون غيره؛ ولذلك قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذى 1 صاحبه: إنه يتوسل بالنبي في دعائه، ولكن غير أحمد قال: إن هذا إقسام على الله به، ولا يقسم على الله بمخلوق، وأحمد في إحدى الروايتين قد جوز القسم به، فلذلك جوز التوسل به.

ولكن الرواية الأخرى عنه هى قول جمهور العلماء أنه لا يقسم به، فلا يقسم على الله به كسائر الملائكة والأنبياء، فإنا لا نعلم أحدا من السلف والأئمة قال: إنه يقسم به على الله كما لم يقولوا: إنه يقسم بهم مطلقا؛ ولهذا أفتى أبو محمد بن عبد السلام: أنه لا يقسم على الله بأحد من الملائكة والأنبياء وغيرهم، لكن ذكر له أنه روى عن النبي حديث في الإقسام به فقال: إن صح الحديث كان خاصا به، والحديث المذكور لا يدل على الإقسام به، وقد قال النبي : (من كان حالفا فليحلف بالله وإلا فليصمت)، وقال: (من حلف بغير الله فقد أشرك، والدعاء عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع. والله أعلم.


هامش[عدل]

  1. [أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذى، صاحب الإمام أحمد، حدث عن أحمد بن حنبل ولازمه وعن هارون بن معروف ومحمد بن منهال وروى عنه أبو بكر الخلال وعبد الله الخرقى، ولد في حدود المائتين، وتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين. سير أعلام النبلاء 13 173-175]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الأول
مقدمة الكتاب | توحيد الألوهية | قاعدة في الجماعة والفرقة وسبب ذلك ونتيجته | فصل: في حديث ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم | قاعدة جليلة في توحيد الله | فصل: في افتقار الإنسان إلى اختيار الله وتقديره | فصل: يتضمن مقدمة لتفسير إياك نعبد وإياك نستعين | فصل: في وجوب اختصاص الخالق بالعبادة | فصل: العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارا إليه كان أقرب إليه وأعز عليه | فصل: السعادة في معاملة الخلق أن تعاملهم لله | فصل: في قوله اهدنا الصراط المستقيم | فصل: في ألا يسأل العبد إلا الله | فصل: العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع | فصل: جماع الحسنات العدل وجماع السيئات الظلم | الشرك بالله أعظم الذنوب | فصل: قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل | فصل: ذكر مناظرة إبراهيم للمشركين | سئل الشيخ عمن قال يجوز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم | سئل الشيخ عمن يقول لا يستغاث برسول الله | فصل: سمى الله آلهة المشركين شفعاء | فصل: في الشفاعة المنفية في القرآن | سئل عن رجل قال: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله | وسئل عمن يقول إن الله يسمع الدعاء بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم | وسئل هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا | رسالة في التوسل والوسيلة | فصل: لفظ التوسل قد يراد به ثلاثة أمور | الزيارة الشرعية والزيارة البدعية للقبور | تبيين للأوهام التي تحصل للعامة عند القبور | وأهل الجاهلية في هذه الأوهام نوعان | من أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان | وصية النبي لابن عباس إذا سألت فاسأل الله | ومن السؤال ما لا يكون مأمورا به والمسؤول مأمور بإجابة السائل | دين الإسلام مبني على أصلين | فصل: لفظ الوسيلة والتوسل فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه | الحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور | قول القائل أسألك بكذا | جواز التوسل بالأعمال الصالحة | السؤال بحق فلان مبني على أصلين | سؤال الله بأسمائه وصفاته أعظم ما يسأل الله تعالى به | حكايات غريبة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم | قصد السفر لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم | السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين | الكلام على حديث أول ما خلق الله العقل | لفظ التوسل والاستشفاع ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول وأصحابه | أحاديث موضوعة في التوسل | آثار عن السلف أكثرها ضعيفة | سؤال الأمة له الوسيلة | من قال من العلماء إن قول الصحابي حجة | فكما أنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق | ثبت بالنصوص الصحيحة أنه لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات | نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مسجدا | التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته على وجهين | سؤال عما يجوز وما لا يجوز من الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين | الرد على من قال أن النبي لا يشفع لأهل الكبائر من أمته | النهي عن اتخاذ القبور مساجد | الكلام على حديث اللهم إنى أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد | كلام السلف على قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه | الشفاعة نوعان | اتفق العلماء على أنه لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى | فصل: لا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين | في قول القائل أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه | سئل رحمه الله عمن يبوس الأرض دائما هل يأثم | وسئل عن النهوض والقيام عند قدوم شخص معين معتبر أحرام هو | فصل: الانحناء عند التحية | فصل: كان المشركون يعبدون أنفسهم وأولادهم لغير الله