مجموع الفتاوى/المجلد الأول/في قول القائل أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


في قول القائل أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه[عدل]

قال شيخ الإسلام:

في قول القائل: أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه.

الجواب:

أما قول القائل: أسألك بحق السائلين عليك: فإنه قد روي في حديث عن النبي رواه ابن ماجه، لكن لا يقوم بإسناده حجة؛ وإن صح هذا عن النبي كان معناه: أن حق السائلين على الله أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو كتب ذلك على نفسه. كما قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 1. فهذا سؤال الله بما أوجبه على نفسه كقول القائلين: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَاعَلَى رُسُلِكَ} 2. وكدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار لما سألوه بأعمالهم الصالحة، التي وعدهم أن يثيبهم عليها. اه.

ولما كان الشيخ في قاعة الترسيم:

دخل إلى عنده ثلاثة رهبان من الصعيد فناظرهم، وأقام عليهم الحجة بأنهم كفار، وما هم على الذي كان عليه إبراهيم والمسيح.

فقالوا له: نحن نعمل مثل ما تعملون، أنتم تقولون بالسيدة نفيسة، ونحن نقول بالسيدة مريم، وقد أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة، وأنتم تستغيثون بالصالحين الذين قبلكم ونحن كذلك، فقال لهم: وإن من فعل ذلك ففيه شبه منكم، وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان عليه، فإن الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام ألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له، ولا صاحبة له ولا ولد له، ولا نشرك معه ملكًا، ولا شمسًا ولا قمرًا ولا كوكبًا، ولا نشرك معه نبيًا من الأنبياء ولا صالحًا: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} 3.

وإن الأمور التي لا يقدر عليها غير الله لا تطلب من غيره، مثل إنزال المطر وإنبات النبات، وتفريج الكربات والهدى من الضلالات، وغفران الذنوب، فإنه لا يقدر أحد من جميع الخلق على ذلك ولا يقدر عليه إلا الله.

والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نؤمن بهم ونعظمهم ونوقرهم، ونتبعهم ونصدقهم في جميع ما جاؤوا به، ونطيعهم. كما قال نوح، وصالح، وهود وشعيب: {أَنِ اعْبُدُوا الله وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} 4 فجعلوا العبادة والتقوى لله وحده، والطاعة لهم، فإن طاعتهم من طاعة الله. فلو كفر أحد بنبي من الأنبياء وآمن بالجميع ما ينفعه إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي وكذلك لو آمن بجميع الكتب وكفر بكتاب كان كافرًا حتى يؤمن بذلك الكتاب، وكذلك الملائكة واليوم الآخر، فلما سمعوا ذلك منه قالوا: الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه. ثم انصرفوا من عنده.



هامش[عدل]

  1. [البقرة: 186]
  2. [آل عمران: 194]
  3. [مريم: 93]
  4. [نوح: 3]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الأول
مقدمة الكتاب | توحيد الألوهية | قاعدة في الجماعة والفرقة وسبب ذلك ونتيجته | فصل: في حديث ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم | قاعدة جليلة في توحيد الله | فصل: في افتقار الإنسان إلى اختيار الله وتقديره | فصل: يتضمن مقدمة لتفسير إياك نعبد وإياك نستعين | فصل: في وجوب اختصاص الخالق بالعبادة | فصل: العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارا إليه كان أقرب إليه وأعز عليه | فصل: السعادة في معاملة الخلق أن تعاملهم لله | فصل: في قوله اهدنا الصراط المستقيم | فصل: في ألا يسأل العبد إلا الله | فصل: العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع | فصل: جماع الحسنات العدل وجماع السيئات الظلم | الشرك بالله أعظم الذنوب | فصل: قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل | فصل: ذكر مناظرة إبراهيم للمشركين | سئل الشيخ عمن قال يجوز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم | سئل الشيخ عمن يقول لا يستغاث برسول الله | فصل: سمى الله آلهة المشركين شفعاء | فصل: في الشفاعة المنفية في القرآن | سئل عن رجل قال: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله | وسئل عمن يقول إن الله يسمع الدعاء بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم | وسئل هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا | رسالة في التوسل والوسيلة | فصل: لفظ التوسل قد يراد به ثلاثة أمور | الزيارة الشرعية والزيارة البدعية للقبور | تبيين للأوهام التي تحصل للعامة عند القبور | وأهل الجاهلية في هذه الأوهام نوعان | من أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان | وصية النبي لابن عباس إذا سألت فاسأل الله | ومن السؤال ما لا يكون مأمورا به والمسؤول مأمور بإجابة السائل | دين الإسلام مبني على أصلين | فصل: لفظ الوسيلة والتوسل فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه | الحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور | قول القائل أسألك بكذا | جواز التوسل بالأعمال الصالحة | السؤال بحق فلان مبني على أصلين | سؤال الله بأسمائه وصفاته أعظم ما يسأل الله تعالى به | حكايات غريبة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم | قصد السفر لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم | السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين | الكلام على حديث أول ما خلق الله العقل | لفظ التوسل والاستشفاع ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول وأصحابه | أحاديث موضوعة في التوسل | آثار عن السلف أكثرها ضعيفة | سؤال الأمة له الوسيلة | من قال من العلماء إن قول الصحابي حجة | فكما أنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق | ثبت بالنصوص الصحيحة أنه لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات | نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مسجدا | التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته على وجهين | سؤال عما يجوز وما لا يجوز من الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين | الرد على من قال أن النبي لا يشفع لأهل الكبائر من أمته | النهي عن اتخاذ القبور مساجد | الكلام على حديث اللهم إنى أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد | كلام السلف على قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه | الشفاعة نوعان | اتفق العلماء على أنه لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى | فصل: لا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين | في قول القائل أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه | سئل رحمه الله عمن يبوس الأرض دائما هل يأثم | وسئل عن النهوض والقيام عند قدوم شخص معين معتبر أحرام هو | فصل: الانحناء عند التحية | فصل: كان المشركون يعبدون أنفسهم وأولادهم لغير الله