مجموع الفتاوى/المجلد العشرون/فصل في المتكلم باللفظ العام لا بد أن يقوم بقلبه معنى عام
فصل في المتكلم باللفظ العام لا بد أن يقوم بقلبه معنى عام
[عدل]وقال رحمه الله تعالى:
المتكلم باللفظ العام لا بد أن يقوم بقلبه معنى عام، فإن اللفظ لا بد له من معنى ومن قال: العموم من عوارض الألفاظ دون المعاني فما أراد - والله أعلم - إلا المعاني الخارجة عن الذهن كالعطاء والمطر على أن قوله مرجوح فإذا حكم بحكم عام لمسمى من أمر أو نهي، أو خبر سلب أو إيجاب فهذا لا بد أن يستشعر ذلك المعنى العام والحكم عليه ولا يجب أن يتصور الأفراد من جهة تميز بعضها عن بعض بل قد لا يتصور ذلك إذا كانت مما لا ينحصر للبشر وإنما يتصورها ويحكم عليها من جهة المعنى العام المشترك بينها سواء كانت صيغة العموم اسم جمع، أو اسم واحد فإنه لا بد أن يعم الاسم تلك المسميات لفظا ومعنى فهو يحكم عليها باعتبار القدر المشترك العام بينها وقد يستحضر أحيانا بعض آحاد ذلك العام بخصوصه أو بعض الأنواع بخصوصه وقد يستحضر الجميع إن كان مما يحصر وقد لا يستحضر ذلك بل يكون عالما بالأفراد على وجه كلي جملة لا تفصيلا ثم إن ذلك الحكم يتخلف عن بعض تلك الآحاد لمعارض.
مثل أن يقول: أعط لكل فقير درهما فإذا قيل له: فإن كان كافرا أو عدوا فقد ينهى عن الإعطاء.
فهذا الذي أراد دخوله في العموم إما أن يريد دخوله بخصوصه، أو لمجرد شمول المعنى له من غير استشعار خصوصه، بحيث لم يقم به ما يمنع الدخول مع قيام المقتضي للدخول.
وأما الأول فقد أراد دخوله بعينه فهذا نظير ما ورد عليه اللفظ العام من السبب وهذا إحدى فوائد عطف الخاص على العام وهو: ثبوت المعنى المشترك فيه من غير معارض وإن كان من فوائده أن يتبين دخوله بعموم المعنى المشترك: وبخصوص المعنى المميز وإن لم يكن الحكم ثابتا للمشترك.
وأما الذي لم يرد دخوله في العموم: فإما أن يكون حين التكلم بالعموم قد استشعر قيام المعارض فيه فذاك يمنعه عن أن يكون أراد دخوله في حكم المعنى العام مع قيام المقتضي فيه، وهو المعنى العام وإما أن يكون قد استشعر ذلك قبل التكلم بالعام وذهل وقت التكلم بالعموم عن دخوله وخروجه.
فالأول كالمخصص المقارن وهذا كالمخصص السابق وإما أن يستشعر ذلك المعنى بعد تكلمه بالعام مع علمه بأنه لا يريد بالعموم ما قام فيه ذلك المعارض فهنا قد يقال: قد دخل في اللفظ العام من غير تخصيص واستشعار المانع من إرادته فيما بعد يكون نسخا، لأن المقتضي للدخول في الإرادة هو ثبوت ذلك المعنى فيه وهو حاصل.
وهذا المعنى إنما يصلح أن يكون مانعا من الإرادة إذا استشعر حين الخطاب، ولم يكن مستشعرا.
ومن قال هذا فقد يقول في استشعار المانع السابق: لا يؤثر إلا إذا قارن بل إذا غفل وقت التعميم عن إخراج شيء دخل في الإرادة العامة كما دخل في استشعار المعنى العام، إذ التخصيص بيان ما لم يرد باللفظ العام وهذا الفرد قد أريد باللفظ العام، لأنه لا يشترط إرادته بخصوصه وإنما يراد إرادة القدر المشترك، وذاك حاصل.
وقد يقال: بل هذا لم يرده بالاسم العام، لأنه إنما أراد بالاسم العام ما لم يقم فيه معارض وكل من الأمرين وإن كان لم يتصور المعارض مفصلا ذلك المعنى فمراده أن ذلك المعنى مقتض لإرادته لا موجب لثبوت الحكم فيه بمجرد ذلك المعنى من غير التفات إلى المعارض وإذا كان مراده أن ذلك المعنى مقتض: فإذا عارض ما هو عنده مانع لم يكن قد أراده فمدار الأمر على أن ثبوت المعنى العام يقتضي ثبوت الإرادة في مراده إلا أن يزول عن بعضها أو ثبوت المقتضي لإرادة الأفراد والمقتضي يقتضي ثبوت الأفراد إذا لم يعارضه معارض.
وعلى هذا فلو لم يستشعر المعارض المانع، لكن إذا استشعره لعلم أنه لا يريده: هل يقال: لم يتناوله حكمه وإرادته من جهة المعنى وإن تناوله لفظه ومعنى لفظه العام؟ قد يقال ذلك، فإنه أراد المعنى الكلي المشترك باعتبار معناه العام ولم يرد من الأفراد ما فيه معنى معارض لذلك المعنى العام راجحا عليه عنده ثم لا يكلف استشعار الموانع مطلقا في الأنواع والأشخاص لكثرتها ولو استشعر بعضها لم يحسن التعرض، لنفي كل مانع مانع منها، فإن الكلام فيه هجنة ولكنة، وطول، وعي فقد يتعسر أو يتعذر علم الموانع، أو بيانها، أو هما جميعا.
فهنا ما قام بالأفراد من الخصائص المعارضة مانع من إرادة المتكلم وإن كان لفظه ومعناه العام يشمل ذلك باعتبار القدر المشترك.
وعلى هذا فإذا كان ذلك المانع يحتمل أنه يكون عنده مانعا، ويحتمل ألا يكون فهل نحكم بدخوله لقيام المقتضي وانتفاء المخصص بالأصل، أو نقف فيه لأن المقتضي قائم والمعارض محتمل؟ فيه نظر. فإن لصاحب القول الثاني أن يقول: هذا المانع يمنع أن يكون المقتضي مقتضيا مع قيام هذا المانع. وللأول أن يقول: بل اقتضاؤه ثابت والمانع مشكوك فيه والأظهر التوقف في إرادة المتكلم حينئذ.
هامش