مجموع الفتاوى/المجلد العشرون/سئل عن معنى إجماع العلماء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


سئل عن معنى إجماع العلماء[عدل]

وسئل رحمه الله تعالى

عن معنى إجماع العلماء؛ وهل يسوغ للمجتهد خلافهم؟ وما معناه؟ وهل قول الصحابي حجة؟.

فأجاب: الحمد لله. معنى الإجماع: أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام. وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولكن كثير من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعا ولا يكون الأمر كذلك بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة. وأما أقوال بعض الأئمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم؛ فليس حجة لازمة ولا إجماعا باتفاق المسلمين بل قد ثبت عنهم - رضي الله عنهم - أنهم نهوا الناس عن تقليدهم؛ وأمروا إذا رأوا قولا في الكتاب والسنة أقوى من قولهم: أن يأخذوا بما دل عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم. ولهذا كان الأكابر من أتباع الأئمة الأربعة لا يزالون إذا ظهر لهم دلالة الكتاب أو السنة على ما يخالف قول متبوعهم اتبعوا ذلك مثل مسافة القصر؛ فإن تحديدها بثلاثة أيام أو ستة عشر فرسخا لما كان قولا ضعيفا كان طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم ترى قصر الصلاة في السفر الذي هو دون ذلك كالسفر من مكة إلى عرفة؛ فإنه قد ثبت أن أهل مكة قصروا مع النبي بمنى وعرفة. وكذلك طائفة من أصحاب مالك وأبي حنيفة وأحمد قالوا: إن جمع الطلاق الثلاث محرم وبدعة؛ لأن الكتاب والسنة عندهم إنما يدلان على ذلك وخالفوا أئمتهم. وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة رأوا غسل الدهن النجس؛ وهو خلاف قول الأئمة الأربعة. وطائفة من أصحاب أبي حنيفة رأوا تحليف الناس بالطلاق وهو خلاف الأئمة الأربعة بل ذكر ابن عبد البر أن الإجماع منعقد على خلافه. وطائفة من أصحاب مالك وغيرهم قالوا: من حلف بالطلاق فإنه يكفر يمينه؛ وكذلك من حلف بالعتاق وكذلك قال طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي؛ قالوا: إن من قال: الطلاق يلزمني لا يقع به طلاق ومن حلف بذلك لا يقع به طلاق وهذا منقول عن أبي حنيفة نفسه. وطائفة من العلماء قالوا: إن الحالف بالطلاق لا يقع به طلاق ولا تلزمه كفارة وقد ثبت عن الصحابة وأكابر التابعين في الحلف بالعتق أنه لا يلزمه؛ بل تجزئه كفارة يمين وأقوال الأئمة الأربعة بخلافه فالحلف بالطلاق بطريق الأولى ولهذا كان من هو من أئمة التابعين يقول: الحلف بالطلاق لا يقع به الطلاق ويجعله يمينا فيه الكفارة. وهذا بخلاف إيقاع الطلاق فإنه إذا وقع على الوجه الشرعي وقع باتفاق الأمة ولم تكن فيه كفارة باتفاق الأمة بل لا كفارة في الإيقاع مطلقا وإنما الكفارة خاصة في الحلف. فإذا تنازع المسلمون في مسألة وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب اتباعه كقول من فرق بين النذر والعتق والطلاق وبين اليمين بذلك؛ فإن هذا هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس؛ فإن الله ذكر حكم الطلاق في قوله تعالى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء } 1 وذكر حكم اليمين في قوله: { قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وثبت في الصحاح عن النبي أنه قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه». فمن جعل اليمين بها لها حكم والنذر والإعتاق والتطليق له حكم آخر كان قوله موافقا للكتاب والسنة. ومن جعل هذا وهذا سواء فقد خالف الكتاب والسنة. ومن ظن في هذا إجماعا كان ظنه بحسب علمه حيث لم يعلم فيه نزاعا وكيف تجتمع الأمة على قول ضعيف مرجوح ليس عليه حجة صحيحة بل الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والقياس الصحيح يخالفه. والصيغ ثلاثة: صيغة إيقاع كقوله: أنت طالق: فهذه ليست يمينا باتفاق الناس. وصيغة قسم كقوله: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا فهذه صيغة يمين باتفاق الناس. وصيغة تعليق كقوله: إن زنيت فأنت طالق فهذا إن قصد به الإيقاع عند وجود الصفة. بأن يكون يريد إذا زنت إيقاع الطلاق ولا يقيم مع زانية؛ فهذا إيقاع وليس بيمين وإن قصد منعها وزجرها ولا يريد طلاقها إذا زنت فهذا يمين باتفاق الناس.


هامش

  1. [البقرة: 231]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد العشرون - أصول الفقه
اتفاق الرسل في الأصول الاعتقادية | سئل عن معنى إجماع العلماء | فصل في أقوال الصحابة | سئل عن الاجتهاد والاستدلال والتقليد والاتباع | سئل هل كل مجتهد مصيب | فصل في الخطأ المغفور في الاجتهاد | فصل في التفريق في الأحكام قبل الرسالة وبعدها | سئل هل كان البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم مجتهدين أم مقلدين | القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعي | فصل في تعارض الحسنات والسيئات | فصل في الحسنات والعبادات ثلاثة أقسام | قاعدة جامعة في كل واحد من الدين الجامع بين الواجبات وسائر العبادات | فصل في كلام الفقهاء في الطاعات الشرعية والعقلية | فصل في أن الصدق أساس الحسنات وجماعها | فصل أن الحسنات كلها عدل والسيئات كلها ظلم | فصل في العدل القولي والصدق | قاعدة في أن جنس فعل المأمورات أعظم من جنس فعل المنهيات | أعظم الحسنات هو الإيمان بالله ورسوله | أول ذنب عصي الله به | ما يكفر به الشخص عند أهل السنة | الحسنات تذهب بعقوبة الذنوب | تارك المأمور به عليه قضاؤه وإن تركه لعذر | قتل من ترك أركان الإسلام الخمسة | أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية | أكثر شرك بني آدم من عدم التصديق بالحق | جوامع تتضمن امتثال المأمور به والوعيد على المعصية بتركه | عامة ما ذم الله به المشركين هو الشرك | خلق الله الخلق لعبادته | مقصود النهي ترك المنهي عنه | المأمور به هو الأمور التي يصلح بها العبد ويكمل | المطلوب بالأمر وجود المأمور به | الأمر أصل والنهي فرع | لم يأمر الله بأمر إلا وقد خلق سببه ومقتضيه في جبلة العبد | فعل الحسنات يوجب ترك السيئات | فعل الحسنات موجب للحسنات أيضا | ترجيح الوجود على العدم إذا علم أنه حسنة | بعث الله الرسل وأنزل الكتب بالكلم الطيب والعمل الصالح | النفي والنهي لا يستقل بنفسه بل لا بد أن يسبقه ثبوت | الحسنات سبب للتحليل دينا وكونا | تنازع الناس في الأمر بالشيء هل يكون أمرا بلوازمه | فصل في تعليل الحكم الواحد بعلتين | فصل في العلتين لا تكونان مستقلتين بحكم واحد حال الاجتماع | فصل في أن العلتين كلا منهما ليس واجبا بنفسه بل مفتقرا إلى غيره | المنحرفون من أتباع الأئمة على أنواع | فصل في المتكلم باللفظ العام لا بد أن يقوم بقلبه معنى عام | قاعدة في تعليل الحسنات | فصل في الإيجاب والتحريم | فصل في التمذهب | سئل عن تقليد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد | سئل عمن سئل عن مذهبه فقال إنه محمدي | سئل عن رجل تفقه في مذهب من المذاهب واشتغل بعده بالحديث | سئل هل لازم المذهب مذهب أم لا | سئل عمن لازم مذهبا هل ينكر عليه مخالفته | موالاة علماء المسلمين | أعذار العلماء في الخطأ في الأحكام | المجتهد ودخوله تحت أحكام الوعيد | سئل عن الشيخ عبد القادر والإمام أحمد | سئل عن صحة أصول مذهب أهل المدينة | والكلام في إجماع أهل المدينة ومراتبه | حديث أهل المدينة أصح حديث أهل الأمصار | موقف أهل المدينة من الكلام والرأي | مالك أقوم الناس بمذهب أهل المدينة | أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول | قواعد توضح أن جملة مذاهب أهل المدينة راجحة في الجملة على المذاهب | مذهب أهل المدينة في المحرم لكسبه | فصل في أنواع الكسب | مذهب أهل المدينة في مسائل العبادات | مذهب أهل المدينة في مسائل النكاح | مذهب أهل المدينة في العقوبات والأحكام | فصل في مذهب أهل المدينة في الأحكام | فصل نسخ القرأن بالسنة | فصل في الحقيقة والمجاز | فصل في ألفاظ لا تستعمل إلا مقرونة | فصل في تسمية أهل الأمصار الحقيقة والمجاز | فصل في حجة نفاة المجاز | فصل في حجة أخرى لنفاة المجاز | فصل في رد ابن عقيل على من تكلف وجعل المجاز حقيقة | فصل في أصول العلم والدين | سئل عن القياس | فصول عن القياس | فصل أن الإجارة خلاف القياس | فصل في قول من يقول حمل العقل على خلاف القياس | فصل في الأحكام التي يقال عنها أنها خلاف القياس | فصل في قولهم إن المضي في الحج الفاسد على خلاف القياس | فصل في حجة من قال إن الأكل ناسيا على خلاف القياس | فصل في موقف الصحابة من القياس | سئل هل يسوغ تقليد هؤلاء الأئمة كحماد بن أبي سليمان وابن المبارك وسفيان الثوري والأوزاعي