مجموع الفتاوى/المجلد العشرون/فصل في العدل القولي والصدق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في العدل القولي والصدق[عدل]

وقال:

ذكرت في مواضع شيئا من الصدق والعدل وموقعهما من الكتاب والسنة ومصالح الدنيا والآخرة وذكرت أيضا في مواضع أن عامة السيئات يدخل في الظلم وأن الحسنات غالبها عدل وأن القسط هو المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب والقسط والعدل هو التسوية بين الشيئين فإن كان بين متماثلين، كان هو العدل الواجب المحمود وإن كان بين الشيء وخلافه كان من باب قوله: { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ } 1 كما قالوا: { تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } 2 فهذا العدل والتسوية والتمثيل والإشراك هو الظلم العظيم. وإذا عرف أن مادة العدل والتسوية والتمثيل والقياس. والاعتبار والتشريك والتشبيه والتنظير من جنس واحد فيستدل بهذه الأسماء على القياس الصحيح العقلي والشرعي ويؤخذ من ذلك تعبير الرؤيا فإن مداره على القياس والاعتبار والمشابهة التي بين الرؤيا وتأويلها. ويؤخذ من ذلك ما في الأسماء واللغات من الاستعارة والتشبيه إما في وضع اللفظ بحيث يصير حقيقة في الاستعمال وإما في الاستعمال فقط مع القرينة إذا كانت الحقيقة أحرى فإن مسميات الأسماء المتشابهة متشابهة. ويؤخذ من ذلك ضرب الأمثال للتصور تارة وللتصديق أخرى. وهي نافعة جدا وذلك أن إدراك النفس لعين الحقائق قليل وما لم يدركه فإنما يعرفه بالقياس على ما عرفته فإذا كان هذا في المعرفة ففي التعريف ومخاطبة الناس أولى وأحرى. ثم التماثل والتعادل، يكون بين الوجودين الخارجين وبين الوجودين العلميين الذهنيين وبين الوجود الخارجي والذهني. فالأول يقال: هذا مثل هذا والثاني يقال فيه، مثل هذا كمثل هذا والثالث يقال فيه: هذا كمثل هذا. فالمثل إما أن يذكر مرة أو مرتين أو ثلاث مرات إذا كان التمثيل بالحقيقة الخارجية كما في قوله: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا } 3 فهذا باب المثل وأما باب العدل فقد قال تعالى: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } 4 وقال تعالى: { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ } 5 الآية وقال: { كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ } 6 وقال: { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } 7 { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } 8 فهذا العدل والقسط في هذه المواضع هو الصدق المبين وضده الكذب والكتمان.

وذلك أن العدل هو الذي يخبر بالأمر على ما هو عليه لا يزيد فيكون كاذبا ولا ينقص فيكون كاتما والخبر مطابق للمخبر كما تطابق الصورة العلمية والذهنية للحقيقة الخارجية ويطابق اللفظ للعلم ويطابق الرسم للفظ. فإذا كان العلم يعدل المعلوم لا يزيد ولا ينقص والقول يعدل العلم لا يزيد ولا ينقص والرسم يعدل القول: كان ذلك عدلا والقائم به قائم بالقسط وشاهد بالقسط وصاحبه ذو عدل. ومن زاد فهو كاذب ومن نقص فهو كاتم ثم قد يكون عمدا وقد يكون خطأ فتدبر هذا فإنه عظيم نافع جدا.


هامش

  1. [الأنعام: 1]
  2. [الشعراء: 97، 98]
  3. [البقرة: 17]
  4. [الأنعام: 152]
  5. [النساء: 135]
  6. [المائدة: 8]
  7. [المائدة: 106]
  8. [الطلاق: 2]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد العشرون - أصول الفقه
اتفاق الرسل في الأصول الاعتقادية | سئل عن معنى إجماع العلماء | فصل في أقوال الصحابة | سئل عن الاجتهاد والاستدلال والتقليد والاتباع | سئل هل كل مجتهد مصيب | فصل في الخطأ المغفور في الاجتهاد | فصل في التفريق في الأحكام قبل الرسالة وبعدها | سئل هل كان البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم مجتهدين أم مقلدين | القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعي | فصل في تعارض الحسنات والسيئات | فصل في الحسنات والعبادات ثلاثة أقسام | قاعدة جامعة في كل واحد من الدين الجامع بين الواجبات وسائر العبادات | فصل في كلام الفقهاء في الطاعات الشرعية والعقلية | فصل في أن الصدق أساس الحسنات وجماعها | فصل أن الحسنات كلها عدل والسيئات كلها ظلم | فصل في العدل القولي والصدق | قاعدة في أن جنس فعل المأمورات أعظم من جنس فعل المنهيات | أعظم الحسنات هو الإيمان بالله ورسوله | أول ذنب عصي الله به | ما يكفر به الشخص عند أهل السنة | الحسنات تذهب بعقوبة الذنوب | تارك المأمور به عليه قضاؤه وإن تركه لعذر | قتل من ترك أركان الإسلام الخمسة | أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية | أكثر شرك بني آدم من عدم التصديق بالحق | جوامع تتضمن امتثال المأمور به والوعيد على المعصية بتركه | عامة ما ذم الله به المشركين هو الشرك | خلق الله الخلق لعبادته | مقصود النهي ترك المنهي عنه | المأمور به هو الأمور التي يصلح بها العبد ويكمل | المطلوب بالأمر وجود المأمور به | الأمر أصل والنهي فرع | لم يأمر الله بأمر إلا وقد خلق سببه ومقتضيه في جبلة العبد | فعل الحسنات يوجب ترك السيئات | فعل الحسنات موجب للحسنات أيضا | ترجيح الوجود على العدم إذا علم أنه حسنة | بعث الله الرسل وأنزل الكتب بالكلم الطيب والعمل الصالح | النفي والنهي لا يستقل بنفسه بل لا بد أن يسبقه ثبوت | الحسنات سبب للتحليل دينا وكونا | تنازع الناس في الأمر بالشيء هل يكون أمرا بلوازمه | فصل في تعليل الحكم الواحد بعلتين | فصل في العلتين لا تكونان مستقلتين بحكم واحد حال الاجتماع | فصل في أن العلتين كلا منهما ليس واجبا بنفسه بل مفتقرا إلى غيره | المنحرفون من أتباع الأئمة على أنواع | فصل في المتكلم باللفظ العام لا بد أن يقوم بقلبه معنى عام | قاعدة في تعليل الحسنات | فصل في الإيجاب والتحريم | فصل في التمذهب | سئل عن تقليد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد | سئل عمن سئل عن مذهبه فقال إنه محمدي | سئل عن رجل تفقه في مذهب من المذاهب واشتغل بعده بالحديث | سئل هل لازم المذهب مذهب أم لا | سئل عمن لازم مذهبا هل ينكر عليه مخالفته | موالاة علماء المسلمين | أعذار العلماء في الخطأ في الأحكام | المجتهد ودخوله تحت أحكام الوعيد | سئل عن الشيخ عبد القادر والإمام أحمد | سئل عن صحة أصول مذهب أهل المدينة | والكلام في إجماع أهل المدينة ومراتبه | حديث أهل المدينة أصح حديث أهل الأمصار | موقف أهل المدينة من الكلام والرأي | مالك أقوم الناس بمذهب أهل المدينة | أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول | قواعد توضح أن جملة مذاهب أهل المدينة راجحة في الجملة على المذاهب | مذهب أهل المدينة في المحرم لكسبه | فصل في أنواع الكسب | مذهب أهل المدينة في مسائل العبادات | مذهب أهل المدينة في مسائل النكاح | مذهب أهل المدينة في العقوبات والأحكام | فصل في مذهب أهل المدينة في الأحكام | فصل نسخ القرأن بالسنة | فصل في الحقيقة والمجاز | فصل في ألفاظ لا تستعمل إلا مقرونة | فصل في تسمية أهل الأمصار الحقيقة والمجاز | فصل في حجة نفاة المجاز | فصل في حجة أخرى لنفاة المجاز | فصل في رد ابن عقيل على من تكلف وجعل المجاز حقيقة | فصل في أصول العلم والدين | سئل عن القياس | فصول عن القياس | فصل أن الإجارة خلاف القياس | فصل في قول من يقول حمل العقل على خلاف القياس | فصل في الأحكام التي يقال عنها أنها خلاف القياس | فصل في قولهم إن المضي في الحج الفاسد على خلاف القياس | فصل في حجة من قال إن الأكل ناسيا على خلاف القياس | فصل في موقف الصحابة من القياس | سئل هل يسوغ تقليد هؤلاء الأئمة كحماد بن أبي سليمان وابن المبارك وسفيان الثوري والأوزاعي