انتقل إلى المحتوى

مجموع الفتاوى/المجلد التاسع/فصل في ضبط كليات المنطق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في ضبط كليات المنطق

قال شيخ الإسلام قدس الله روحه:

فصل في ضبط كليات المنطق والخلل فيه

بنوه على أن مدارك العلم منحصرة في الحد وجنسه من الرسم ونحوه وفي القياس ونحوه من الاستقراء والتمثيل؛ لأن العلم إما تصور وهو معرفة المفردات، وإما تصديق وهو العلم بنسبة بعضها إلى بعض بالنفي أو الإثبات، وكل من العلمين إما بديهي لايحتاج إلى طريق، وإما نظري مفتقر إلى الطريق، وطريق التصور هو الحد، وطريق التصديق هو القياس الذي يسمونه البرهان إن كانت مقدماته يقينية.

ثم قالوا: الحد: هو القول الدال على ماهية الشيء، وإن كان يراد به نفس المحدود، كما أن الاسم هو القول الدال على المسمى ويراد به المسمى، إذ المفهوم من الحد والاسم هو المحدود والمسمى، كما أن الماهية هي المقولة في جواب ما هو، ويعبر عنها بأنها جواب ما يقال في السؤال بصيغة ما هو، فتكون الماهية هي الحد وهي ذات الشيء أيضا، وهذه المصادر المشتقة من الجمل الاستفهامية مولدة مثل الماهية والمائية والكيفية والحيثية والأينية واللمية بمنزلة المصادر من الجمل الخبرية كالحولقة والقلحدة والبسملة والحمدلة ونحو ذلك.

ثم قالوا: الماهية مركبة من الصفات الذاتية، وتكلموا على الفرق بين الصفات الذاتية والعرضية بأن الذاتية هي التي يمتنع تصور الموصوف إلا بتصورها، فالذات متوقفة عليها في الوجود والذهن كالتجسيم للحيوان، وما ليس كذلك فهو العرضي.

ثم هو ينقسم: إلى لازم وعارض مفارق، واللازم إما لازم للماهية كالزوجية للأربعة، والفردية للثلاثة، وإما لازم لوجودها دون ماهيتها كالسواد للقار، والحدوث للحيوان.

والعارض المفارق إما بطىء الزوال كالشباب والمشيب، وإما سريع الزوال كحمرة الخجل وصفرة الوجل، والمشكل هو الفرق بين الذاتي واللازم للماهية؛ فإن كلاهما لا يفارق الذات، لا في الوجود العيني ولا الذهني، ففرقوا بينهما بأن الذاتي يسبق تصوره تصور الماهية، بحيث لا تفهم الذات بدونه بخلاف لازم الماهية.

ثم كل من الذاتي والعرضي، إما أن يشترك فيه الجنس، وهو الجنس العام والعرض العام. وإما ينفرد به نوع وهو الفصل والخاصة، وإما أن يجمع بين المشترك والمميز وهو النوع، فهذه الكليات الخمس الجنس والفصل والنوع والخاصة والعرض العام. فالكلام في هذه الصفات وأقسامها غالب منفعته في الحدود والحقائق، وأما القياس، فإنه قول مؤلف من أقوال، إذا سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر، ولابد فيه من مقدمتين والمقدمة هي القضية وهي الجملة الخبرية ولابد فيها من مفردين، فكان الكلام فيه في ثلاث مراتب:

الأولى: الكلام في المفردات؛ ألفاظها ومعانيها لدلالة المطابقة والتضمن والالتزام، والأسماء المترادفة والمتباينة والمشتركة والمتواطئة والمفردة والمركبة والكلى والجزئي.

والمرتبة الثانية: الكلام في القضايا وأقسامها؛ من الخاص والعام والمطلق، والإيجاب والسلب وجهات القضايا، وفي أحكام القضايا، مثل كذب النقيض، وصدق العكس، وعكس النقيض.

والمرتبة الثالثة: الكلام في القياس وضروبه وشروط نتاجه من أنه لابد فيه من قضية عامة إيجابية، وأن النتاج لا يحصل عن سالبتين ولا خاصيتين جزئيتين ولا سالبة صغرى وجزئية كبرى، بل إما موجبتان فيهما كلية، وإما صغرى سالبة وكبرى جزئية وغير ذلك من أحكام صور القياس وأنواعه، التي تتبين ببرهان الخلف المردود إلى حكم نقيض القضية، أو بالرد إلى عكس القضية أو عكس نقيضها.

ثم بينوا بعد ذلك مواد القياس فقسموه إلى:

برهانى: وهو ما كانت مواده يقينية وحصروا اليقينيات فيما ذكروه من الحسيات الباطنة والظاهرة والبديهيات والمتواترات والمجربات، وزاد بعضهم الحدسيات.

وإلى خطابي: وهو ما كانت مواده مشهورة يقينية، أو غير يقينية.

وإلى جدلي: وهو ما كانت مواده مسلمة من المنازع، يقينية أو مشهورة أو غير ذلك.

وإلى شعري: وهو ما كانت مواده مشعورًا بها غير معتقدة كالمفرحة والمحزنة والمضحكة.

وإلى مغلطي سوفسطائي: وهو ما كانت مواده مموهة بشبه الحق.


هامش



مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد التاسع - المنطق
سئل شيخ الإسلام عن المنطق | فصل في وصف جنس كلام المناطقة | مسألة في القياس | قال شيخ الإسلام واصفا المنطق اليوناني | الكلام في أربع مقامات مقامين سالبين ومقامين موجبين | المقام الأول | المقام الثاني | فصل في قولهم إنه لا يعلم شيء من التصديقات إلا بالقياس | تنازع العلماء في مسمى القياس | العلوم ثلاثة | تكلم ابن سينا في أشياء من الإلهيات والنبوات | الفرق بين الآيات وبين القياس | قياس الأولى | فصل في تقسيم جنس الدليل إلى القياس والاستقراء | فصل في قولهم الاستدلال لابد فيه من مقدمتين | قول المتأخرين إن تعلم المنطق فرض على الكفاية | ظن بعض الناس أن الوسط هو ما يكون متوسطا | التباس المنطق على طائفة لم يتصوروا حقائقه ولوازمه | قياس الشبه | الزعم بأن المنطق آلة قانونية | فصل في قولهم إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن | قولهم إن الفراسة البدنية هي عين التمثيل | تفريقهم بين قياس الشمول وقياس التمثيل | قولهم كل ما يدل على أن ما به الاشتراك علة للحكم ظني | ما ذكروه من تضعيف قياس التمثيل | فصل في قولهم إن القياس أو البرهان يفيد العلم بالتصديقات | علم الفرائض نوعان | لفظ الدور يقال على ثلاثة أنواع | ليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصورا على مجرد الخبر | اعتراض قوم من متكلمي أهل الإسلام على أوضاع المنطق | اتفاق العقلاء على أن ضرب المثل مما يعين على معرفة الكليات | من أعظم صفات العقل معرفة التماثل والاختلاف | فصل في ضبط كليات المنطق | فصل اختلاف العلماء في مسمى القياس | فصل الفساد في المنطق في البرهان وفي الحد | فصل ملخص المنطق المعرب الذي بلغته العرب عن اليونانيين | سئل عن كتب المنطق | سئل شيخ الإسلام عن العقل | تسمية أرسطو وأتباعه الرب عقلا وجوهرا | فصل اسم العقل صفة | فصل عن الروح المدبرة للبدن | فصل عن معاني الروح والنفس | النفوس ثلاثة أنواع | فصل كيفية تعلم النفس | فصل عن الجوهر | سئل الشيخ أيهما أفضل العلم أو العقل | فصل في حكمة خلق القلب