كتاب الرسالة/وجه آخر في الاختلاف
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: أخبرني الصعب بن جثامة (أنه سمع النبي يسأل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال رسول الله: هم منهم. وزاد عمرو بن دينار عن الزهري هم من آبائهم) 1
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن عمه: أن النبي لما بعث إلى ابن أبي الحقيق( نهى عن قتل النساء والولدان) 2
قال: فكان سفيان يذهب إلى أن قول النبي: هم منهم إباحة لقتلهم، وأن حديث ابن أبي الحقيق ناسخ له، وقال: كان الزهري إذا حدث حديث الصعب بن جثامة، أتبعه حديث ابن كعب.
قال الشافعي: وحديث الصعب بن جثامة في عمرة النبي، فإن كان في عمرته الأولى فقد قيل: أمر ابن أبي الحقيق قبلها، وقيل: في سنتها، وإن كان في عمرته الآخرة، فهو بعد أمر ابن أبي الحقيق غير شك، والله اعلم.
ولم نعلمه - صلى الله عليه - رخص في قتل النساء والولدان ثم نهى عنه.
ومعنى نهيه عندنا - والله أعلم - عن قتل النساء والولدان: أن يقصد قصدهم بقتل، وهم يعرفون متميزين ممن أمر بقتله منهم.
ومعنى قوله: هم منهم: أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لهم حكم الإيمان الذي يمنع به الدم، ولا حكم دار الإيمان الذي يمنع به الإغارة على الدار.
وإذ أباح رسول الله البيات والإغارة على الدار، فأغار على بني المصطلق غارين: فالعلم يحيط أن البيات والإغارة إذا حل بإحلال رسول الله لم يمتنع أحد بيت أو أغار من أن يصيب النساء والولدان، فيسقط المأثم فيهم والكفارة والعقل والقود عن من أصابهم، إذ أبيح له أن يبيت ويغير، وليست لهم حرمة الإسلام.
ولا يكون له قتلهم عامدا لهم متميزين عارفا بهم.
فإنما نهى عن قتل الولدان: لأنهم لم يبلغوا كفرا فيعملوا به، وعن قتل النساء: لأنه لا معنى فيهن لقتال وأنهن والولدان يتخولون 3 فيكونون قوة لأهل دين الله.
فإن قال قائل: أبن هذا بغيره.
قيل: فيه ما اكتفى العالم به من غيره.
فإن قال: أفتجد ما تشده به غيره، وتشبهه من كتاب الله؟
قلت: نعم، قال الله: { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليما حكيما } 4
قال: فأوجب الله بقتل المؤمن خطأ الدية وتحرير رقبة، وفي قتل ذي الميثاق الدية وتحرير رقبة، إذا كانا معا ممنوعي الدم، بالإيمان والعهد والدار معا، فكان المؤمن في الدار غير الممنوعة وهو ممنوع بالإيمان، فجعلت فيه الكفارة بإتلافه، ولم يجعل فيه الدية، وهو ممنوع الدم بالإيمان، فلما كان الولدان والنساء من المشركين لا ممنوعين بإيمان ولا دار: لم يكن فيهم عقل ولا قود ولا دية ولا مأثم - إن شاء الله - ولا كفارة.
هامش
- ↑ [ البخاري: كتاب الجهاد والسير/2790؛ مسلم: كتاب الجهاد والسير/3281؛ أبو داود: كتاب الجهاد/2298؛ ابن ماجه: كتاب الجهاد/2829. ]
- ↑ [ أبو داود: كتاب الجهاد/2298؛ مالك: كتاب الجهاد/856. ]
- ↑ [ يتخذون خولا أي عبيدا وإماء ]
- ↑ [النساء: 92]