كتاب الأم/المكاتب/ما اكتسب المكاتب
[أخبرنا الربيع] قال: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ما أفاد المكاتب بعد الكتابة بوجه من الوجوه فهو له مال على معنى، وليس للسيد أخذه، ولا أخذ شيء منه، فإن قيل: فكيف لا يأخذ ماله وهو لم يخرج من ملكه؟ قيل - إن شاء الله تعالى -: لما أمر الله بالكتابة وكانت المكاتبة مالا يؤديه العبد ويعتق به فلو سلط للسيد على أخذه لم يكن للمكاتبة معنى إذا كان السيد يأخذ ما يكون العبد به مؤديا كان العبد للأداء مطيقا ومنه ممنوعا بالسيد، أو كان له غير مطيق فبطل معنى الكتابة بالمعنيين معا، ويجوز للمكاتب في ماله ما كان على النظر وغير الاستهلاك لماله ولا يجوز ما كان استهلاكا لماله فلو وهب درهما من ماله كان مردودا، ولو اشترى بما لا يتغابن الناس بمثله كان مردودا، أو باع شيئا من ماله بما لا يتغابن الناس بمثله كان مردودا وكذلك لو جنيت عليه جناية فعفا الجناية على غير مال كان عفوه باطلا؛ لأن ذلك إهلاك منه لماله، ويجوز بيعه بالنظر، وإقراره في البيع، ولا يجوز له أن ينكح بغير إذن سيده فإن نكح فأصاب المرأة فسخ النكاح، ولها عليه مهر مثلها إذا عتق ولا يكون لها أن تأخذه به قبل يعتق؛ لأنها نكحته وهي طائعة، ولو اشترى جارية شراء فاسدا فماتت في يديه كان لقيمتها ضامنا؛ لأن شراءه وبيعه جائز فما لزمه بسبب الشراء لزمه في ماله.
ولو اشترى جارية فأصابها فاستحقها رجل عليه أخذها، وأخذ منه مهر مثلها؛ لأن هذا بسبب بيع، وأصل البيع والشراء له جائز، وأصل النكاح له غير جائز فلذلك لم ألزمه في ماله - ما كان مكاتبا - صداق المرأة وألزمهوه بعد عتقه فإذا تحمل عنه الرجل بحمالة، وضمن عن آخر كان ذلك باطلا؛ لأن هذا تطوع بشيء يلزمه نفسه في ماله فهو مثل الهبة يهبها، ولا يلزمه بعد العتق، وإذا كان له ولد صغير، أو كبير زمن محتاج، أو أب زمن محتاج لم تلزمه نفقته، وتلزمه نفقة زوجته إن أذن له سيده في نكاحها قبل الكتابة وبعدها.
ولو نكح في الكتابة بغير إذن سيده فلم يعلم سيده حتى عتق فأصابها أو أصابها قبل العتق، ثم عتق كان عليه في الحالين مهر مثلها بأنه حر ويفرق بينه وبينها.
ولو كان له عبد فمات كان عليه كفنه ميتا ونفقته مريضا.
ولو بيع من قرابته من لا يعتق عليه لو كان حرا كان له شراؤه على النظر كما أن له شراء غيرهم على النظر، وإذا باع منهم عبدا على غير النظر فالبيع مردود، وإن أعتقه الذي اشتراه فالعتق باطل، وإن أعتق المكاتب بعد بيعهم الذي وصفته - مردودا - وعتق من ملكهم لهم فعتقهم باطل حتى يجدد فيهم بيعا فإذا جدد فهم مماليك إلا أن يشاء الذي اشتراهم أن يجدد لهم عتقا، ولو باع هذا البيع الفاسد فأعتق العبد، ثم جنى فقضى الإمام على مواليه بالعقل، ثم علم فساد البيع رد ورد العاقلة بالعقل على من أخذه منهم، وكذلك لو جنى عليه فقضى بالجناية عليه جناية حر فقبضها، أو قبضت له ردت على من أخذت منه.
وليس للمكاتب أن يشتري أحدا يعتق عليه لو كان حرا ولدا ولا والدا ومتى اشتراهم فالشراء فيهم مفسوخ فإن ماتوا في يديه قبل ردهم ضمن قيمتهم؛ لأنه بسبب الشراء فإن لم يردهم حتى يعتق فالشراء باطل ولا يعتقون عليه؛ لأنه لا يملكهم بالشراء الفاسد حتى يجدد لهم شراء بعد العتق فإذا جدده عتقوا عليه قال: وإنما أبطلت شراءهم؛ لأنه ليس له بيعهم.
وإذا اشترى ما ليس له بيعه فليس له بشراء نظر إنما هو إتلاف لأثمانهم وليس للمكاتب أن يتسرى، وإن أذن له سيده فإن تسرى فولد له فله بيع سريته، وليس له وطؤها؛ لأن وطأه إياها بالملك لا يجوز، وليس وطؤه إياها فتلد بأكثر من قوله لها: أنت حرة، وهو إذا قال لها: أنت حرة لم تعتق. وللمكاتب أن يشتري جارية قد كانت ولدت له بنكاح ويبيعها، وله أن يشتري من لا يعتق عليه من ذوي رحمه وغيرهم إذا كان شراؤه إياهم نظرا.
قال: وله إن أوصي له بأبيه وأمه وولده أو وهبوا له أو تصدق بهم عليه أن لا يقبلهم وإذا قبلهم أمرهم بالاكتساب على أنفسهم، وأخذ فضل كسبهم وما أفادوا من المال؛ لأنهم ملك له فاستعان به في كتابته فمن أدى عتق، وكانوا أحرارا بعتقه. وما كان لهم من مال، أو جني عليهم من جناية، أو ملكوه وهم في ملكه بوجه من الوجوه فهو للمكاتب وما ملكوه بعد العتق فهو لهم دونه، وإذا جني عليهم قبل عتق فهو جناية على مماليك، وليس له أن ينفق عليهم، وهم يقدرون على الكسب ويدعهم من أن يكتسبوا كما لا يكون ذلك له في عبيد غيرهم؛ لأن هذا إتلاف ماله، وعليه أن ينفق عليهم إن مرضوا، أو عجزوا عن الكسب، ولو خاف العجز لم يكن له بيع واحد ممن يعتق وذلك الوالدون والولد [قال]: وإن عجز رد رقيقا وكانوا معا مماليك للسيد؛ لأن عبده كان ملكهم على ما وصفت، وإن جنى واحد منهم جناية لم يكن له أن يفديه بشيء، وكان عليه أن يبيع منه بقدر الجناية، ولم يكن له أن يبيع منه أكثر من قدر الجناية؛ لأن ما قد بقي في يديه منه يعتق بعتقه إذا عتق، وإذا اشترى أحدا ممن ليس له شراؤه، أو باع أحدا ممن ليس له بيعه كان الشراء والبيع منتقضا فيه لا يجوز؛ لأن صفقته كانت فاسدة.