كتاب الأم/المكاتب/عجز المكاتب بلا رضاه
[قال الشافعي]: وإذا رضي السيد والمكاتب بالمكاتبة فليس للسيد فسخها حتى يعجز المكاتب عن نجم من نجومه فإذا عجز ولم يقل قد فسخت الكتابة فالكتابة بحالها حتى يختار السيد فسخها؛ لأن حق السيد دون حق المكاتب أن لا يثبت على الكتابة وهو غير مؤد ما عليه فيها إلا أن يترك السيد حقه بفسخها فيكون له حينئذ؛ لأنهما مجتمعان على الرضا بالكتابة فمتى حل نجم من نجوم الكتابة ولم يؤده ولم يبطل السيد الكتابة فهو على الكتابة فإن أدى بعد حلول النجم من مدة قصيرة أو طويلة لم يكن للسيد تعجيزه ولا يكون له تعجيزه إلا ونجم أو بعض حال عليه فلا يؤديه وإذا كان المكاتب حاضرا بالبلد لم يكن للسيد تعجيزه إلا بحضرته فإذا حضر فسأله ما حل عليه قل أو كثر فقال ليس عندي فأشهد أنه قد عجزه أو قد أبطل كتابته أو فسخها فقد بطلت ولو جاء المكاتب بما عليه مكانه لم يكن مكاتبا وكان لسيده أخذه منه كما يأخذه منه مملوكا وسواء كان هذا عند سلطان أو غيره فإذا جاء به السلطان فسأله نظرة مدة يؤدي إليه نجمه أو سأل ذلك سيده لم يكن على السيد ولا على السلطان إنظاره إلا أن يحضر شيئا يبيعه مكانه فينظره قدر بيعه. فإن قال لي شيء غائب أحضره لم يكن للسلطان أن ينظره إلى قدوم الغائب لأنه قد ينظره فيفوت العبد بنفسه ولا يؤدي إليه ماله وليس هذا كالحر يسأل النظرة في الدين؛ لأن الدين في ذمته لا سبيل على رقبته وهذا عبد إنما يمنع نفسه بأداء ما عليه فإذا كان غائبا فحل نجمه فأشهد عليه سيده أنه قد عجزه أو فسخ كتابته فهو عاجز، فإن جاء من غيبته وأقام بينة على سيده أنه قبض منه النجم الذي عجزه به أو أبرأه منه أو أنظره به كان على الكتابة وهكذا لو جاء سيد المكاتب السلطان فسأله تعجيزه لم ينبغ أن يعجزه حتى يثبت عنده على كتابته وحلول نجم من نجومه ويحلفه ما أبرأه منه ولا قبضه منه ولا قابض له ولا أنظره به فإذا فعل عجزه له وجعل المكاتب على حجته إن كانت له حجة قال: وإن جاء إلى السلطان فقال قد أنظرته بنجم من نجومه إلى أجل وقد مضى صنع فيه ما صنع في نجم من نجومه حل قال: وإن قال: قد أنظرته إلى غير أجل أو إلى أجل فبدا لي أن لا أنظره لم يعجزه وكتب له إلى حاكم بلده فأحضره وأعلمه أن صاحبه قد رجع في نظرته وقال إن أديت إلى وكيله أو إليه نفسه وإلا أبطلت كتابتك وبعثت بك إليه. فإن استنظره لم يكن له أن ينظر إن كان لسيده وكيل حتى يؤدي إليه، فإن لم يكن له وكيل أنظره قدر مسيره إلى سيده فضرب له أجلا إن جاء إلى ذلك الأجل وإلا عجزه حاكم بلده إلا أن يأتيه مكانه بشيء يبيعه له من ساعته فينظره قدر بيعه لا يجاوز به ذلك، أو يأتيه بغريم يدفع إليه مكانه أو يبيع على الغريم شيئا حاضرا أيضا فإن لم يكن للغريم شيء حاضر حبسه له وعجزه وجعل ما على الغريم لسيده؛ لأنه مال عبده ومتى قلت: للسيد تعجيزه أو على السلطان تعجيزه فعجزه السلطان أو السيد، ثم أحضر المال لم يرد التعجيز، فإن قال قائل فهل في قولك للسيد أن يعجزه دون السلطان أثر؟ قلت هو معقول بما وصفت [أخبرنا الربيع] قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كاتب غلامه له على ثلاثين ألفا، ثم جاءه فقال: إني قد عجزت فقال إذا أمحو كتابتك قال: قد عجزت فامحها أنت قال نافع فأشرت إليه: امحها وهو يطمع أن يعتقه فمحاها العبد وله ابنان أو ابن قال ابن عمر: اعتزل جاريتي قال: فأعتق ابن عمر ابنه بعده.
[قال الشافعي]: رحمه الله أخبرنا ابن عيينة عن شبيب بن غرقدة قال: شهدت شريحا رد مكاتبا عجز في الرق.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: يعجز السيد والسلطان المكاتب فإذا حل نجم المكاتب فسأله سيده أداءه فقال قد أديته إليك أو أديته إلى وكيلك أو إلى فلان بأمرك فأنكر السيد لم يعجل الحاكم تعجيزه وأنظره يوما وأكثر ما ينظره ثلاث، فإن جاء بشاهد أحلفه معه وأبرأه مما شهد له به شاهده وإن جاء بشاهد ولم يعرفه الحاكم لم يعجل حتى يسأل عنه، فإن عدل أحلفه معه وإن لم يعدل دعاه بغيره، فإن جاء به من يومه أو غده أو بعده وإلا عجزه، وإن ذكر بينة غائبة أشهد أنه ذكر بينة غائبة وأني قد عجزته إلا أن تكون له بينة فيما يدعي من دفع نجمه أو إبراء مولاه له منه، فإن جاء بها أثبت كتابته وأخذ سيده بما أخذ من خراجه وقيمة خدمته، وإن لم يأت بها تم عليه التعجيز، وإن عجزه على هذا الشرط، ثم جاءت بينة بإبرائه من ذلك النجم وهو آخر نجومه ومات المكاتب جعل ماله ميراثا لورثته الأحرار؛ لأنه مات حرا وأخذ السيد بما أخذ منه وقيمته وإن لم يكن آخر نجومه فقد مات رقيقا.
وإذا عجز المكاتب سيده أو السلطان فقال سيده بعد التعجيز قد أقررتك على الكتابة لم يكن عليها حتى يجدد له كتابة غيرها، ولو تأدى منه على الكتابة الأولى وقال قد أثبت لك العتق عتق بإثبات العتق وتراجعا بقيمة المكاتب كما يتراجعان في الكتابة الفاسدة، وكذلك لو قال قد أثبت لك الكتابة الأولى ولم يذكر العتق؛ لأن قوله: أثبت لك الكتابة الأولى أثبت لك العتق بالكتابة الأولى على الأداء ولو عجزه، ثم تأدى منه كما كان يتأدى ولم يقل قد أثبت لك الكتابة لم يكن حرا بالأداء وكان تأديته كالخراج يأخذه منه.
وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة فعجزوا كلهم عن نجم من النجوم فلسيدهم أن يعجز أيهم شاء وينظر أيهم شاء فيقره على الكتابة ويأخذه بحصته منها وكذلك إن أدى بعضهم ولم يؤد بعض فمن أدى على الكتابة عتق ولم يكن له تعجيزه ومن لم يؤد فله تعجيزه وهم كعبيد كاتبوا كتابة مفرقة فعجزوا فله أن يعجز أيهم شاء ويقر أيهم شاء على الكتابة وليس له تعجيز من يؤدي.
وإذا عجز المكاتب عن أداء نجم من نجومه فلم يعجزه سيده وأنظره فمات قبل أن يؤديه مات عبدا ولسيده ماله.
وإذا كاتب الرجل عبده فعجز عن نجم وأنظره السيد، ثم مات السيد فلورثته أن يأخذوه بأداء ذلك النجم مكانه، ولو أنظره أبوهم إلى مدة فلم تأت أخذ به حالا كما كان لأبيهم أن يرجع في النظرة ويأخذ به حالا، فإن أداه وإلا فلهم تعجيزه وهم يقومون في تعجيزه مقام أبيهم.
وإذا ورث القوم مكاتبا فعجز عن نجم فأراد بعضهم إنظاره وبعضهم تعجيزه كان للذي أراد تعجيزه تعجيزه، وللذي أراد إنظاره إنظاره، فكان نصيبه منه على الكتابة، وإن كان في يديه - يوم يعجزه أحدهم - مال أخذ منه الذي عجزه بقدر ما ملك منه وترك له بقدر ما يملك الذي لم يعجزه وقيل للذي عجزه لك أن تأخذه يوما بقدر ما تملك منه فتؤاجره أو تختدمه وعليك أن تنفق عليه في ذلك اليوم وكذلك لو مرض كان عليك أن تنفق عليه بقدر نصيبك منه؛ لأن أصل كتابته كان صحيحا لكل واحد ممن كاتبه عليه في حصته وله على المكاتب في حصته ما للمكاتب على سيده وللسيد على مكاتبه وليس هذا كالعبد بين اثنين يريد أحدهما ابتداء كتابته دون صاحبه أصل الكتابة في هذا باطل وهي في الأول صحيحة جائزة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو كاتب رجل عبيدا كتابة واحدة فعجزوا فأراد تعجيز بعضهم وإقرار بعضهم كان ذلك له وعلى كل حصته من الكتابة.
ولو كاتب رجل عبده فعجز فقال أعجز بعضك وأقر بعضك لم يكن له ذلك كما لم يكن له أن يكاتب بعضه، فإن فعل فأدى على هذا عتق ورجع عليه بنصف قيمته وتم عتقه كله؛ لأنه إذا عتق نصفه وهو ملكه عتق كله، والله أعلم.