كتاب الأم/المكاتب/جناية المكاتب ورقيقه
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا جنى المكاتب جناية، أو عبد للمكاتب أو المكاتبة جناية فلذلك كله سواء، وعلى المكاتبة أو المكاتب في جنايتهما الأقل من قيمة الجاني منهما يوم جنى أو الجناية فإن قدر على أدائها مع المكاتبة فهو مكاتب بحاله وله أن يؤديها قبل الكتابة إذا كانت حالة فإن صالح عليها صلحا صحيحا إلى أجل فليس له تأديتها قبل محلها؛ لأن هذا زيادة من ماله وليس له أن يزيده من ماله شيئا بغير إذن سيده، وله أن يؤدي الكتابة قبل الجناية، وقبل محل نجوم الكتابة؛ لأنه يجوز له فيما بينه وبين سيده من الزيادة ما لا يجوز له فيما بينه وبين الأجنبي، وإن كان عليه دين وجناية وكتابة، والدين والجناية حالان كان له أن يؤديهما قبل الكتابة، والكتابة قبلهما حالة كانت أو غير حالة ما لم يقوموا عليه، ويقف الحاكم ماله كما يكون للحر أن يقضي بعض غرمائه دون بعض ما لم يقف الحاكم ماله إلا أنه يخالف الحر عليه الدين فلا يكون له أن يؤدي شيئا عليه من الدين قبل محله بغير إذن سيده؛ لأن ذلك زيادة من ماله، وليس له أن يزيد من ماله بغير إذن سيده، وله أن يؤدي ذلك إلى سيده؛ لأن المال ماله، وماله لسيده وله أن يؤدي إلى الأجنبي ماله غير حال بإذن سيده وإذا وقف الحاكم ماله أدى عنه إلى سيده كتابته، وإلى الناس ديونهم، وجعلهم فيه شرعا فإن لم يكن عنده ما يؤدي هذا كله عجزه في مال الأجنبي، وإن كره ذلك السيد والمكاتب معا إذا شاء ذلك الأجنبيون، وإن شاء سيده أن يدع حقه عليه، ويأخذ الأجنبيون حقوقهم فاستوفوا هم فهو على الكتابة ما لم يعجز سيده، وإن شاء الأجنبيون وسيده إنظاره لم يعجز ومتى أنظره سيده والأجنبيون فشاء واحد منهم أن يقوم عليه حتى يستوفي حقه، أو يعجزه فذلك له، وإذا عجزه السيد أو رضي المكاتب أو عجزه الحاكم خير الحاكم سيده بين أن يتطوع أن يفديه بالأقل من أرش جنايته، وكل ما كان في حكم الجناية من تحريق متاع أو غصبه أو سرقته أو رقبته فإن فعل فهو على رقه وإن لم يفعل بيع عليه فأعطى أهل الجناية وجميع ما كان في حكمها منه حصاصا لا يقدم واحدا منهم على الآخر، وإن كان عليه دين أدانه إياه رجل من بيع أو غيره لم يحاصهم؛ لأن ذلك في ذمته ومتى عتق تبعه به، وسواء كان فعله فيما يلزمه أن يباع فيه متفرقا بعضه قبل بعض أو مجتمعا لا يبدأ بشيء قبل شيء. وكذلك لو جنى في كتابته على رجل وبعد التعجيز على آخر تحاصا جميعا في ثمنه وإن أبرأه بعض أهل الجناية أو صالح سيده له، أو قضى بعضهم كان للباقين بيعه حتى يستوفوا أو يأتوا هم ومن قابض على ثمنه، وجناية المكاتب على ابن سيده وأبيه وامرأته وكل ما لا يملكه سيده كجنايته على الأجنبي لا تختلف، وكذلك جنايته على جميع أموالهم، وكذلك جنايته على أيتام لسيده وليس لسيده أن يعفو جنايته عن أحد منهم، ولا يضع عنه منها شيئا إن كان المجني عليه حيا.
وإن كانت جناية المكاتب نفسا خطأ، وكان سيده وارث المجني عليه، ولا وارث له غيره فله أن يعفو عن مكاتبه جنايته، وإن كان له وارث غيره معه فله أن يعفو حصته من الميراث، وليس له أن يعفو حصة غيره منه.
وإن جنى المكاتب على مكاتب لسيده، وكان المكاتب المجني عليه حيا فجنايته عليه كجناية على الأجنبيين يؤدي المكاتب الأقل من أرش جنايته عليه أو قيمته، فإن عجز عن أدائه خير سيده بين أن يؤدي سيده للمجني عليه الأقل من قيمته أو الجناية، أو يدع فيباع ويعطي المكاتب أرش جنايته، وما بقي رد على سيده، وإن لم يبق شيء لم يضمن له سيده شيئا، وإن جني على المكاتب لسيده جناية جاءت على نفسه فالجناية لسيده إن شاء أخذه بها أو يعجزه وأحلف رقيقا، وإن شاء عفاها فإن قطع المكاتب يد سيده، ثم برأ السيد وأدى المكاتب إلى سيده فعتق أو أبرأه سيده من الكتابة أو عتق بأي وجه ما كان تبع المكاتب بأرش جنايته وإن برأ منها السيد ولم يؤدها المكاتب، ثم مات السيد كان لورثته ما كان له من اتباعه بالجناية أو يعجزونه فيباع.
ولو كاتب عبيده كتابة واحدة فجنى أحدهم كانت الجناية عليه دون الذين كاتبوا معه وكذلك ما لزمه من دين أو حق بوجه من الوجوه ولا تلزم أحدا من أصحابه ويكون كالمكاتب وحده إن أدى ما يلزمه بالجناية فهو على الكتابة وإن عجز كان رقيقا وبطلت الكتابة، ثم خير سيده بين أن يفديه متطوعا أو يباع عليه، ويرفع عن أصحابه حصته من الكتابة، وهكذا كل حق لزمه يباع فيه من تحريق متاع أو غيره، فأما ما لزمه من دين أدانه به صاحب الدين طائعا فلا يباع فيه، وهو في ذمته مكاتبا، فإن أداه، وإلا لزمه إذا عتق.
وإن جنى المكاتب على سيده جناية تأتي على نفسه كانت جنايته عليه كجنايته على غيره لا تبطل كتابته فإن أدى ما لزمه فيها فهو على الكتابة، وإن عجز رد رقيقا إن شاء الورثة، وإن كانت عمدا كان لهم عليه فيها القصاص إلا أن يشاءوا العقل، وكذلك لو لم تأت الجناية على نفس سيد المكاتب كان المكاتب على كتابته إن اقتص منه في العمد، أو أخذ منه الأرش إن كانت خطأ.
فإذا كاتب الرجلان عبدا لهما فجنى على أحدهما جناية فهو كعبد الرجل يكاتبه ثم يجني فإن جنى على أحدهما فجنايته كجناية مكاتبه عليه إن أدى فهو على الكتابة، وإن لم يؤد فهو عاجز، وخير سيده الشريك فيه بين أن يفدي نصفه بما يلزمه، أو يدعه فيباع نصفه في الجناية، فإن كان في ثمن نصفه فضل عن نصف الجناية رد إلى سيدة، وإلا لم يضمن سيده شيئا وسقط نصف الجناية؛ لأنه صار الجاني إلى السيد مملوكا وصنعوا بالنصف ما شاءوا؛ لأنه رقيق لهم إذا عجز، وإذا جنى عليه جناية قيمتها عشر من الإبل قيمة مائة فقال أؤدي خمسا من الإبل، وأكون على الكتابة لم يكن ذلك له حتى يؤدي أرش الجناية كلها إذا كانت قيمته أو أكثر منها ولا يبطل عنه من الجناية شيء حتى يعجز فإذا عجز بطل عنه نصفها - والله أعلم –.