كتاب الأم/المكاتب/العبد بين اثنين يكاتبانه معا
[أخبرنا الربيع]: قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: مكاتب بين قوم فأراد أن يقاطع بعضهم قال: لا إلا أن يكون له من المال مثل ما قاطع عليه هؤلاء.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وبهذا نأخذ فلا يكون لأحد من الشركاء في المكاتب أن يأخذ من المكاتب شيئا دون صاحبه، فإن أخذه فهو ضامن لنصيب صاحبه منه، وشريكه بالخيار في أن يتبع المكاتب ويتبع المكاتب الذي دفع إليه، أو يتبع المدفوع إليه ولا يبرأ المكاتب حتى يقبض كل من له فيه حق جميع حصته في كتابته. وإذا كان العبد بين اثنين فكاتباه معا كتابة واحدة فالكتابة جائزة ليس لواحد منهما أن يأخذ منه شيئا دون صاحبه وما أخذ أحدهما دون صاحبه فهو ضامن له حتى يؤديه إلى صاحبه، وإن أدى إلى أحدهما جميع نصيبه دون صاحبه لم يعتق؛ لأنه لم يسلم له ما أدى إليه حتى يقبض صاحبه مثله، أو يبرئ المكاتب من مثله، فإن فعل عتق المكاتب ولو أذن أحدهما لصاحبه أن يقبض من المكاتب دونه فقبض جميع حصته ففيها قولان. أحدهما: أن لا يعتق المكاتب؛ لأن لشريكه الرجوع عليه بما أخذ منه، وإذنه له أن يقبض ما لم يكن في يدي السيد فيعطيه إياه إذنه بما. ليس يملك فله الرجوع فيه. والآخر: يعتق ويقوم عليه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان المكاتب بين اثنين فعجز عن نجم من نجومه فأراد أحدهما إنظاره وأن لا يعجزه وأراد الآخر تعجيزه فعجزه فهو عاجز والكتابة كلها مفسوخة ولا يكون لأحدهما إثبات الكتابة وللآخر أن يفسخها بالعجز، كما لا يكون له أن يكاتب نصيبه منه دون صاحبه. ولو أن عبدا بين رجلين فكاتباه معا على نجوم مختلفة فحل بعضها قبل بعض، أو على نجوم واحدة بعضها أكثر من بعض كانت الكتابة فاسدة، ولو أجزت هذا أجزت أن يكاتبه أحدهما دون الآخر، وذلك أنهما في كسبه سواء، فإذا لم يأخذ كل واحد منهما ما يأخذ صاحبه لم تجز الكتابة وإذا أدى إليهما على هذا فعتق رجع كل واحد منهما عليه بنصف قيمته ورد إليه فضلا إن كان أخذه وتراجعا في فضل ما أخذ كل واحد منهما من العبد دون صاحبه. وإذا كان العبد بين اثنين فقال أحدهما: كاتبناه معا على ألف وقال الآخر: على ألفين وادعى المكاتب ألفا تحالف المكاتب ومدعي الكتابة على ألفين وفسخت الكتابة، ولو صدق المكاتب صاحب الألفين والألف فقال: كاتبني أحدهما على ألف والآخر على ألفين فسخت الكتابة بلا يمين، ولو قال المكاتب: بل كاتباني جميعا على ألفين فإن صدقه صاحب الألف فالكتابة ثابتة، وإن قال: بل على ألف وحلف الذي ادعى ألفين، فالكتابة مفسوخة، ولو كاتباه معا على ألف فقال: قد أديتها إلى أحدكما وصدقاه معا لم يعتق حتى يقبض الذي لم يؤد إليه خمسمائة من شريكه، أو يبرئه منها، فإذا قبضها أو أبرأه منها برئ وعتق العبد وذلك أن القابض الألف مستوف لنفسه خمسمائة لا تسلم له إلا بأن يستوفي صاحبه مثلها وهو في الخمس المائة الباقية كالرسول للمكاتب لا يبرأ المكاتب إلا بوصولها إلى سيده، ولو كاتباه على ألف فادعى أنه دفعها إليهما معا وأقر له أحدهما بجميع المال وأنكر الآخر أحلف المنكر، فإذا حلف عتق نصيب الذي أقر من العبد ورجع على شريكه بنصف الخمسمائة ولم يرجع بها هو على العبد؛ لأنه يقر فيه أن العبد قد أدى إلى صاحبه ما عليه وأن صاحبه يأخذها منه بظلم ولا يعتق عليه النصف الباقي؛ لأن العبد يقر أنه برئ من أن يعتق عليه بدعواه أنه عتق على صاحبه وإن أدى إلى صاحبه النصف الباقي عتق وإن عجز رد نصفه رقيقا وكان كعبد لصاحبه نصفه فكاتبه فعجز.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو أن مكاتبا بين رجلين أقر أحدهما أن المكاتب دفع إليهما نصيبهما فعتق وأنكر شريكه حلف شريكه ورجع على الذي أقر فأخذ نصف ما في يديه وتأداه الآخذ ما بقي من الكتابة كما وصفت في المسألة قبلها فإن أنكر المكاتب أن يكون دفع إلى المنكر شيئا لم يحلف ورجع المنكر على المقر فأخذ نصف ما أقر بقبضه منه، ولو ادعى المكاتب مع هذا أنه دفع الكل إلى أحدهما فقال المدعى عليه: بل دفعته إلينا معا حلف المدعى عليه وشركه صاحبه فيما أخذ وأحلفت الذي يبرئه المكاتب لشريكه لا للمكاتب فإن حلف برئ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان المكاتب بين اثنين فأذن أحدهما لصاحبه بأن يقبض نصيبه منه فقبض منه، ثم عجز المكاتب، أو مات، فسواء، ولهما ما في يديه من المال نصفين إن لم يكن استوفى المأذون له جميع حقه من الكتابة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإن كان المأذون له استوفى جميع حقه من الكتابة ففيها قولان، فمن قال يجوز ما قبض ولا يكون لشريكه أن يرجع فيشركه فيه فنصيب شريكه منه حر ويقوم عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا فنصيبه منه حر، فإن عجز فجميع ما في يديه للذي بقي له فيه الرق، وإنما جعلت ذلك له لأنه يأخذه بما بقي من الكتابة إن كان فيه وفاء عتق به، وإن لم يكن فيه وفاء أخذه بما بقي من الكتابة وعجزه بالباقي منه، وإن مات فالمال بينهما نصفان يرثه ربه بقدر الجزية التي فيها ويأخذ هذا ماله بقدر العبودية فيه، والقول الثاني: لا يعتق ويكون لشريكه أن يرجع. فيشركه فيما أذن له به، وهو لا يملكه فأخذ الذي له على الحر، وإذنه له بالقبض وغير إذنه سواء، فإن قبضه، ثم تركه فإنما هي هبة وهبها له تجوز إذا قبضها.