كتاب الأم/الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان/باب ما جاء في قول الله عز وجل واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم حتى ما يفعل بهن من الحبس والأذى
قال الله جل ثناؤه: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت} فيه دلالة على أمور منها أن الله عز وجل سماهن من نساء المؤمنين؛ لأن المؤمنين المخاطبون بالفرائض يجمع هذا إن لم يقطع العصمة بين أزواجهن وبينهم في الزنا وفي هذه الآية دلالة على أن قول الله عز اسمه: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} كما قال ابن المسيب إن شاء الله تعالى منسوخة. [أخبرنا الربيع] قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال: قال ابن المسيب نسختها: {وأنكحوا الأيامى منكم} فهن من أيامى المسلمين وقال الله عز وجل: {فأمسكوهن في البيوت} يشبه عندي والله تعالى أعلم أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا فالموارثة بأحكام الإسلام ثابتة عليها وإن زنت ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا لا بأس أن ينكح امرأة، وإن زنت أن ذلك لو كان يحرم نكاحها قطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها وبينه وأمر الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا منسوخ بقول الله عز وجل: {الزانية والزاني} في كتاب الله، ثم على لسان رسوله ﷺ فإن قال قائل فأين ما وصفت من ذلك؟ قيل إن شاء الله تعالى أرأيت إذا أمر الله في اللاتي يأتين الفاحشة أن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا أليس بينا أن هذا أول ما أمر به في الزانية؟ فإن قال هذا، وإن كان هكذا عندي فقد يحتمل أن يكون عندي حد الزنا في القرآن قبل هذا، ثم خفف وجعل هذا مكانه إلا أن يدل عليه غير هذا قيل له: إن شاء الله تعالى [أخبرنا الربيع] قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن عبادة بن الصامت في هذه الآية: {حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} قال كانوا يمسكوهن حتى نزلت آية الحدود فقال النبي ﷺ: (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فلا أدري أسقط من كتابي حطان الرقاشي أم لا؟ فإن الحسن حدثه عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت، وقد حدثنيه غير واحد من أهل العلم عن الثقة عن الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ مثله.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وهذا حديث يقطع الشك ويبين أن حد الزانيين كان الحبس، أو الحبس، والأذى فكان الأذى بعد الحبس، أو قبله وأن أول ما حد الله به الزانيين من العقوبة في أبدانهما بعد هذا عند قول النبي ﷺ: (قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)، والجلد على الزانيين الثيبين منسوخ: (بأن رسول الله ﷺ رجم ماعز بن مالك ولم يجلده ورجم المرأة التي بعث إليها أنيسا ولم يجلدها، وكانا ثيبين) فإن قال قائل ما دل على أن هذا منسوخ؟ قيل له: أرأيت إذا كان أول ما حد الله به الزانيين الحبس، أو الحبس، والأذى، ثم قال رسول الله ﷺ: (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة والتغريب والثيب بالثيب الجلد والرجم) أليس في هذا دلالة على أن أول ما حدهما الله به من العقوبة في أبدانهما الحبس، والأذى؟ فإن قال بلى قيل فإذا كان هذا أولا فلا نجد ثانيا أبدا إلا بعد الأول فإذا حد ثان بعد الأول فخفف من حد الأول شيء فذلك دلالة على ما خفف الأول منسوخ عن الزاني. .