كتاب الأم/الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان/باب الخلاف في شهادة الأعمى
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في شهادة الأعمى فقال لا تجوز حتى يكون بصيرا يوم شهد ويوم رأى وسمع أو رأى، وإن لم يسمع إذا شهد على رؤية فسألناهم فهل من حجة كتاب، أو سنة، أو أثر يلزم فلم يذكروا من ذلك شيئا لنا، وكانت حجتهم فيه أن قالوا إنا احتجنا إلى أن يكون يرى يوم شهد كما احتجنا إلى أن يكون يرى يوم عاين الفعل، أو سمع القول من المشهود عليه ولم تكن واحدة من الحالين أولى به من الأخرى فقلت له أرأيت الشهادة أليست بيوم يكون القول، أو الفعل، وإن يقم بها بعد ذلك بدهر؟ قال بلى قلت فإذا كان القول، والفعل وهو بصير سميع مثبت، ثم شهد به بعد عاقلا أعمى لم تجز شهادته قال، فأقول بغير الأول لا يجوز إلا بأمرين قلت أفيجوز أن يشهد على فعل رجل حي، ثم يموت الرجل فيقوم بالشهادة وهو لا يرى الرجل ويقوم بالشهادة على آخر وهو غائب لا يراه؟ قال نعم قلت فما علمتك تثبت لنفسك حجة إلا خالفتها، ولو كنت لا تجيزها إذا أثبتها بصيرا وشهد بها أعمى؛ لأنه لا يعاين المشهود عليه؛ لأن ذلك حق عندك لزمك أن لا تجيزها بصيرا على ميت ولا غائب؛ لأنه لا يعاين واحدا منهما أما الميت فلا يعاينه في الدنيا وأما الغائب ببلد فأنت تجيزها وهو لا يراه قال فإن رجعت في الغائب فقلت لا أجيزها عليه فقلت أفترجع في الميت وهو أشد عليك من الغائب؟ قال لا قال فإن من أصحابك من يجيز شهادة الأعمى بكل حال إذا أثبت كما يثبت أهله فقلت إن كان هذا صوابا فهو أبعد لك من الصواب قال فلم لم تقل به؟ قلت ليس فيه أثر يلزم، فأتبعه ومعنا القرآن، والمعقول بما وصفت من أن الشهادة فيما لا يكون إلا بعيان، أو عيان وإثبات سمع ولا يجوز أن تجوز شهادة من لا يثبت بعيان؛ لأن الصوت يشبه الصوت قال ويخالفونك في الكتاب قلت، وذلك أبعد من أن تجوز الشهادة عليه وقولهم فيه متناقض ويزعمون أنه لا يحل لي لو عرفت كتابي ولم أذكر الشهادة أن أشهد إلا وأنا ذاكر ويزعمون أني إن عرفت كتاب ميت حل لي أن أشهد عليه وكتابي كان أولى أن أشهد عليه من كتاب غيري، ولو جاز أن أفرق بينهما جاز أن أشهد على كتابي ولا أشهد على كتاب غيري ولا يجوز واحد منهما لما وصفت من معنى كتاب الله عز وجل. قال: فإنا نحتج عليك في أنك تعطي بالقسامة وتحلف الرجل مع شاهده على ما غاب بأنهم قد يحلفون على ما لا يعلمون قلت يحلفون على ما يعلمون من أحد الوجوه الثلاثة التي وصفت لك قلت فإن قال لا يكون إلا من المعاينة والسماع فقلت له اترك هذا القول إذا سئلت قال فاذكر ذلك قلت أرأيت الشهادة على النسب، والملك أتقبلهما من الوجوه التي قبلناها منها؟ قال: نعم قلت، وقد يمكن أن ينتسب الرجل إلى غير نسبه لم ير أباه يقر به ويمكن أن تكون الدار في يدي الرجل وهو لا يملكها قد غصبها، أو أعاره إياها غائب ويمكن ذلك في الثوب، والعبد قال: فقد أجمع الناس على إجازة هذا قلنا وإن كانوا أجمعوا ففيه دلالة لك على أن القول كما قلنا دون ما قلت أورأيت عبدا ابن خمسين ومائة سنة ابتاعه ابن خمس عشرة سنة، ثم باعه وأبق عند المشتري فخاصمه فيه فقال: أحلفه لقد باعه إياه بريا من الإباق فقلت وقال لك هذا ولد بالمشرق وأنا بالمغرب ولا تمكنني المسألة عنه؛ لأنه ليس ها هنا أحد من أهل بلده أثق به قال: يحلف على البت وإنما يرجع في ذلك إلى علمه قلت ويسعك ذلك ويسع القاضي؟ قال: نعم قلت أرأيت قوما قتل أبوهم فأمكنهم أن يعترفوا القاتل، أو يعاينوه أو يخبرهم من عاينه ممن مات، أو غاب ممن يصدق عندهم ولا تجوز شهادتهم عندي أليسوا أولى أن يقسموا من صاحب العبد الذي وصفها أن يحلف؟ والله تعالى أعلم.