الجامع لأحكام القرآن/سورة البقرة/طرق ما يكون به الإمام إماما
السابعة: واختلف فيما يكون به الإمام إماما وذلك ثلاث طرق، أحدها: النص، وقد تقدم الخلاف فيه، وقال به أيضا الحنابلة وجماعة من أصحاب الحديث والحسن البصري وبكر ابن أخت عبدالواحد وأصحابه وطائفة من الخوارج. وذلك أن النبي ﷺ نص على أبي بكر بالإشارة، وأبو بكر على عمر. فإذا نص المستخلف على واحد معين كما فعل الصديق، أو على جماعة كما فعل عمر، وهو الطريق الثاني، ويكون التخيير إليهم في تعيين واحد منهم كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في تعيين عثمان بن عفان رضي الله عنه. الطريق الثالث: إجماع أهل الحل والعقد، وذلك أن الجماعة في مصر من أنصار المسلمين إذا مات إمامهم ولم يكن لهم إمام ولا استخلف فأقام أهل ذلك المصر الذي هو حضرة الإمام وموضعه إماما لأنفسهم اجتمعوا عليه ورضوه فإن كل من خلفهم وأمامهم من المسلمين في الآفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الإمام، إذا لم يكن الإمام معلنا بالفسق والفساد، لأنها دعوة محيطة بهم تجب إجابتها ولا يسع أحد التخلف عنها لما في إقامة إمامين من اختلاف الكلمة وفساد ذات البين، قال رسول الله ﷺ: " ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن إخلاص العمل لله ولزوم الجماعة ومناصحة ولاة الأمر فإن دعوة المسلمين من ورائهم محيطة".
الثامنة: فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافا لبعض الناس حيث قال: لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد، ودليلنا أن عمر رضي الله عنه عقد البيعة لأبي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك، ولأنه عقد فوجب ألا يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود. قال الإمام أبو المعالي: من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير أمر، قال: وهذا مجمع عليه.
التاسعة: فإن تغلب من له أهلية الإمامة وأخذها بالقهر والغلبة فقد قيل إن ذلك يكون طريقا رابعا، وقد سئل سهل بن عبدالله التستري: ما يجب علينا لمن غلب على بلادنا وهو إمام؟ قال: تجيبه وتؤدي إليه ما يطالبك من حقه، ولا تنكر فعاله ولا تفر منه، وإذا ائتمنك على سر من أمر الدين لم تفشه. وقال ابن خويز منداد: ولو وثب على الأمر من يصلح له من غير مشورة ولا اختيار وبايع له الناس تمت له البيعة، والله أعلم.
العاشرة: واختلف في الشهادة على عقد الإمامة، فقال بعض أصحابنا: إنه لا يفتقر إلى الشهود، لأن الشهادة لا تثبت إلا بسمع قاطع، وليس ههنا سمع قاطع يدل على إثبات الشهادة. ومنهم من قال: يفتقر إلى شهود، فمن قال بهذا احتج بأن قال: لو لم تعقد فيه الشهادة أدى إلى أن يدعي كل مدع أنه عقد له سرا، وتؤدي إلى الهرج والفتنة، فوجب أن تكون الشهادة معتبرة ويكفي فيها شاهدان، خلافا للجُبّائي حيث قال باعتبار أربعة شهود وعاقد ومعقود له، لأن عمر حيث جعلها شورى في ستة دل على ذلك. ودليلنا أنه لا خلاف بيننا
وبينه أن شهادة الاثنين معتبرة، وما زاد مختلف فيه ولم يدل عليه الدليل فيجب ألا يعتبر.
هامش