الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية/كتاب الحدود

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي
  ► كتاب الديات كتاب الحدود كتاب الجهاد ◄  


كتاب الحدود


قوله تعالى: { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } قد يستدل بذلك على أن المذنب إذا لم يعرف فيه حكم الشرع فإنه يمسك فيحبس حتى يعرف فيه الحكم الشرعي فينفذ فيه وإذا زنى الذمي بالمسلمة قتل ولا يصرف عنه القتل الإسلام ولا يعتبر فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضته واشتهاره، وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سبب حدت إن لم تدع الشبهة. وكذا من وجد منه رائحة الخمر. وهو رواية عن أحمد فيهما وغلظ المعصية وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان والكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات لكن قد تحبط ما يقابلها عند أهل السنة. ولا يشترط في القطع بالسرقة مطالبة المسروق منه بماله وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر ومذهب مالك كإقراره بالزنا بأمة غيره ومن سرق تمرا أو ماشية من غير حرز أضعفت عليه القيمة وهو مذهب أحمد وكذا غيرها وهو رواية عنه. واللص الذي غرضه سرقة أموال الناس ولا غرض له في شخص معين فإن قطع يده واجب ولو عفا عنه رب المال.

فصل والمحاربون حكمهم في المصر والصحراء واحد وهو قول مالك في المشهور عنه والشافعي وأكثر أصحابنا قال القاضي المذهب على ما قال أبو بكر في عدم التفرقة ولا نص في الخلاف بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء والزوى فالمباشرة في الخراب وهو مذهب أحمد وكذا في السرقة والمرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل. والعقوبات التي تقام من حد أو تعزير إذا ثبتت بالبينة فإذا أظهر من وجب عليه الحد التوبة لم يوثق منه بها فيقام عليه وإن كان تائبا في الباطن كان الحد مكفرا وكان مأجورا على صبره وإن جاء تائبا بنفسه فاعترف فلا يقام عليه في ظاهر مذهب أحمد ونص عليه في غير موضع كما جزم به الأصحاب وغيرهم في المحاربين وإن شهد على نفسه كما شهد به ماعز والغامدية واختار إقامة الحد عليه أقيم وإلا لا، وتصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر إذا كان المقتضي للتوبة منه أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر أو كان المانع من أحدهما أشد هذا هو المعروف عن السلف والخلف ويلزم الدفع عن مال الغير وسواء كان المدفوع من أهل مكة أو غيرهم. وقال أبو العباس في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوها إليهم فهم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولاية ولا كفارة ومن أمن للرئاسة والمال لم يثب ويأثم على فساد نيته كالمصلي رياء وسمعة.

فصل والأفضل ترك قتال أهل البغي حتى يبدأ الإمام وقاله مالك وله قتل أهل الخوارج ابتداء أو متممة تخريجهم وجمهور العلماء يفرقون بين الخوارج والبغاة المتأولين وهو المعروف عن الصحابة وأكثر المصنفين لقتال أهل البغي يرى القتال من ناحية علي ومنهم من يرى الإمساك وهو المشهور من قول أهل المدينة وأهل الحديث مع رؤيتهم لقتال من خرج عن الشريعة كالحرورية ونحوهم وأنه يجب، والأخبار توافق هذا فاتبعوا النص الصحيح والقياس المستقيم، وعلي كان أقرب إلى الصواب من معاوية ومن استحل أذى من أمره ونهاه بتأويل فكالمبتدع ونحوه يسقط بتوبته حق الله تعالى وحق العبد. واحتج أبو العباس لذلك بما أتلفه البغاة لأنه من الجهاد الذي يجب الأجر فيه على الله تعالى وقتال التتار ولو كانوا مسلمين هو قتال الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة ويأخذ مالهم وذريتهم وكذا المقفز إليهم ولو ادعى إكراها، ومن أجهز على جريح لم يأثم ولو تشهد ومن أخذ منهم شيئا خمس وبقيته له والرافضة والجبلية يجوز أخذ أموالهم وسبي حريمهم يخرج على تكفيرهم قال أصحابنا وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان ضامنتان فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف وإن تقاتلا تقاصا لأن المباشرة والمعين سواء عند الجمهور وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساويا كمن جهل قدر الحرام المختلط بماله فإنه يخرج النصف والباقي له ومن دخل لصلح فقتل فجهل قاتله ضمنه الطائفتان، وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى.

فصل وإذا شككت في المطعوم والمشروب هل يسكر أو لا لم يحرم بمجرد الشك ولم يقم الحد على شاربه ولا ينبغي إباحته للناس إذ كان يجوز أن يكون مسكرا لأن إباحة الحرام مثل تحريم الحلال فتكشف عن هذا شهادة من تقبل شهادته مثل أن يكون طعمه ثم تاب منه أو طعمه غير معتقد تحريمه أو معتقدا حله لتداو ونحوه أو على مذهب الكوفيين في تحليل يسير النبيذ فإن شهد به جماعة ممن يتأوله معتقدا تحريمه فينبغي إذا أخبر عدد كثير لا يمكن تواطؤهم على الكذب أن يحكم بذلك فإن هذا مثل التواتر والاستفاضة كما استفاض بين الفساق والكفار الموت والنسب والنكاح والطلاق فيكون أحد الأمرين إما الحكم بذلك لأن التواتر لا يشترط فيه الإسلام والعدالة. وإما الشهادة بذلك بناء على الاستفاضة فلا يحصل بها التواتر ولنا أن نمتحن بعض العدول بتأوله لوجهين: أحدهما: أنه لا يعلم تحريم ذلك قبل التأويل فيجوز الإقدام على تناوله وكراهة الإقدام على الشبهة تعارضها مصلحة بيان الحال. الوجه الثاني: أن المحرمات قد تباح عند الضرورة والحاجة إلى البيان موضع ضرورة فيجوز تناولها لأجل ذلك والحشيشة القنبية نجسة في الأصح وهي حرام سكر منها أو لم يسكر والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر ولهذا أوجب الفقهاء فيها الحد كالخمر وتوقف بعض المتأخرين في الحد بها وأن أكلها يوجب التعزير بما دون الحد فيه نظر إذ هي داخلة في عموم ما حرم الله تعالى وأكلتها يتبشون عنها ويشبهونها بشرب الخمر وأكثر وتصدهم عن ذكر الله. وإنما لم يتكلم المتقدمون في خصوصها لأنها إنما حدث أكلها في أواخر المائة السادسة أو قريبا من ذلك فكان ظهورها مع ظهور سيف بن بخشخا.

لا يجوز التداوي بالخمر ولا بغيرها من المحرمات وهو مذهب أحمد ويجوز شرب لبن الخيل إذ لم يصر مسكرا. والصحيح في حد الخمر أحد الروايتين الموافقة لمذهب الشافعي وغيره أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين ليست واجبة على الإطلاق بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كما جوزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه بالجريد والنعال وأطراف الثياب في بقية الحدود. ومن التعزير الذي جاءت به السنة ونص عليه أحمد والشافعي: نفي المخنث، وحلق عمر رأس نصر بن حجاج ونفاه لما افتتن به النساء، فكذا من افتتن به الرجال من المردان ولا يقدر التعزير، بل بما يردع المعزر، وقد يكون بالعمل والنيل من عرضه مثل أن يقال له: يا ظالم يا معتدي وبإقامته من المجلس، والذين قدروا التعزير من أصحابنا إنما هو فيما إذا كان تعزيرا على ما مضى من فعل أو ترك فإن كان تعزيرا لأجل ترك ما هو فاعل له فهو بمنزلة قتل المرتد والحربي وقتال الباغي والعادي وهذا التعزير ليس يقدر بل ينتهي إلى القتل، كما في الصائل لأخذ المال يجوز أن يمنع من الأخذ ولو بالقتل وعلى هذا فإذا كان المقصود دفع الفساد ولم يندفع إلا بالقتل قتل. وحينئذ فمن تكرر منه فعل الفساد ولم يرتدع بالحدود المقدرة بل استمر على ذلك الفساد فهو كالصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل فيقتل قيل ويمكن أن يخرج شارب الخمر في الرابعة على هذا، ويقتل الجاسوس الذي يكرر التجسس وقد ذكر شيئا من هذا الحنفية والمالكية وإليه يرجع قول ابن عقيل وهو أصل عظيم في صلاح الناس. وكذلك تارك الواجب فلا يزال يعاقب حتى يفعله، ومن قفز إلى بلاد العدو أو لم يندفع ضرره إلا بقتله قتل والتعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا وهو جار على أصل أحمد لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها وقول الشيخ أبي محمد المقدسي ولا يجوز أخذ مال المعزر فإشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة.

ومن وطئ امرأة مشركة قدح ذلك في عدالته وأدب والتعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات فمن جنس ترك الواجبات من كتم ما يجب بيانه كالبائع المدلس والمؤجر والناكح وغيرهم من العاملين وكذا الشاهد والمخبر والمفتي والحاكم ونحوهم فإن كتمان الحق مشبه بالكذب وينبغي أن يكون سببا للضمان كما أن الكذب سبب للضمان فإن الواجبات عندنا في الضمان كفعل المحرمات حتى قلنا لو قدر على إنجاء شخص بإطعام أو سقي فلم يفعل فمات ضمنه فعلى هذا فلو كتم شهادة كتمانا أبطل بها حق مسلم ضمنه مثل أن يكون عليه حق بينه وقد أداه حقه وله بينة بالأداء فكتم الشهادة حتى يغرم ذلك الحق. وكما لو كانت وثائق لرجل فكتمها أو جحدها حتى فات الحق ولو قال أنا أعلمها ولا أؤديها فوجوب الضمان ظاهر. وظاهر نقل ابن حنبل وابن منصور سماع الدعوى من الأعداء والتحليف في الشهادة. ومن هذا الباب لو كان في القرية أو المحلة أو البلدة رجل ظالم فسأل الوالي أو الغريم عن مكانه ليأخذ منه الحق فإنه يجب دلالته عليه بخلاف ما لو كان قصده أكثر من الحق فعلى هذا إذا كتموا ذلك حتى تلف الحق ضمنوه ويملك السلطان تعزير من ثبت عنده أنه كتم الخبر الواجب كما يملك تعزير المقر قرارا محمولا حتى يفسره أو من كتم الإقرار وقد يكون التعزير بتركه المستحب كما يعزر العاطس الذي لم يحمد الله بترك تشميته. وقال أبو العباس: في موضع آخر والتعزير على الشيء دليل على تحريمه من هذا الباب ما ذكره أصحابنا وأصحاب الشافعي من قتل الداعية من أهل البدع كما قتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وغيلان القدري وقتل هؤلاء له مأخذان. أحدهما: كون ذلك كفرا كقتل المرتد أو جحودا أو تغليظا وهذا المعنى يعم الداعي إليها وغير الداعي وإذا كفروا فيكون قتلهم من باب قتل المرتد. والمأخذ الثاني: لما في الدعاء إلى البدعة من إفساد دين الناس ولهذا كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي في رد الشهادة وترك الرواية عنه والصلاة خلفه وهجره، ولهذا ترك في الكتب الستة ومسند أحمد الرواية عن مثل عمر وابن عبيد ونحوه ولم يترك عن القدرية الذين ليسوا بدعاة وعلى هذا المأخذ فقتلهم من باب قتل المفسدين المحاربين لأن المحاربة باللسان كالمحاربة باليد ويشبه قتل المحاربين للسنة بالرأي قتل المحاربين لها بالرواية وهو قتل من يتعمد الكذب على رسول الله كما قتل النبي الذي كذب عليه في حياته، وهو حديث جيد لما فيه من تغيير سنته. وقد قرر أبو العباس هذا مع نظائر له في " الصارم المسلول " كقتل الذي يتعرض لحرمه أو يسبه ونحو ذلك وكما أمر النبي بقتل المفرق بين المسلمين لما فيه من تفريق الجماعة. ومن هذا الباب الجاسوس المسلم الذي يخبر بعورات المسلمين ومنه الذي يكذب بلسانه أو بخطه أو يأمر بذلك حتى يقتل به أعيان الأمة علماءها وأمراءها فتحصل أنواع من الفساد كثيرة فهذا متى لم يندفع فساده إلا بقتله فلا ريب في قتله وإن جاز أن يندفع وجاز أن لا يندفع قتل أيضا وعلى هذا جاء قوله تعالى {: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض } وقوله: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } وأما إن اندفع الفساد الأكبر بقتله لكن قد بقي فساد دون ذلك فهو محل نظر. قال أبو العباس: وأفتيت أميرا مقدما على عسكر كبير في الحربية إذ نهبوا أموال المسلمين ولم ينزجروا إلا بالقتل أن يقتل من يكفون بقتله ولو أنهم عشرة إذ هو من باب دفع الصائل قال وأمر أميرا خرج لتسكين الفتنة الثائرة بين قيس يمن وقد قتل بينهم ألفان أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة ولو أنهم مائة. قال: وأفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان سنة أربع بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع بعض أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه وكنت أفتيتهم قبل هذا بأنه يعاقب عقوبتين: عقوبة على الشرب وعقوبة على الفطر فقالوا ما مقدار التعزير فقلت هذا يختلف باختلاف الذنب وحال المذنب وحال الناس. وتوقفت عن القتل فكبر هذا على الأمراء والناس حتى خفت أنه إن لم يقتل ينحل نظام الإسلام على انتهاك المحارم في نهار رمضان فأفتيت بقتله فقتل ثم ظهر فيما بعد أنه كان يهوديا وأنه أظهر الإسلام، والمطلوب له ثلاثة أحوال: أحدها: براءته في الظاهر فهل يحضره الحاكم على روايتين. وذكر أبو العباس في موضع آخر أن المدعي حيث ظهر كذبه في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه عزر لكذبه ولأذاه وأن طريقة القاضي رد هذه الدعوى على الروايتين بخلاف ما إذا كانت ممكنة. ونص أحمد في رواية عبد الله فيما إذا علم بالعرف المطرد أنه لا حقيقة للدعوى لا يعذبه وفيما لم يعرف واحد من الأمرين يعذبه. كما في رواية الأثرم وهذا التفريق حسن. والحال الثاني: احتمال الأمرين وأنه يحضره بلا خلاف. والحال الثالث: تهمته وهو قياس سبب يوهم أن الحق عنده فإن الاتهام افتعال من الوهم وحبسه هنا بمنزلة حبسه بعد إقامة البينة وقبل التعزير أو بمنزلة حبسه بعد شهادة أحد الشاهدين فأما امتحانه بالضرب كما يجوز ضربه لامتناعه من أداء الحق الواجب دينا أو عينا ففي المسألة حديث النعمان بن بشير في سنن أبي داود لما قال: { إن شئتم ضربته، فإن ظهر الحق عنده وإلا ضربتكم }. وقال: هذا قضاء الله ورسوله، وهذا يشبه تحليف المدعي إذا كان معه لون فإن اقتران اللون بالدعوى جعل جانبه مرجحا فلا يستبعد أن يكون اقترانه بالتهمة يبيح مثل ذلك والمقصود أنه إذا استحق التعزير وكان متهما بما يوجب حقا واحدا مثل أن يثبت عليه هتك الحرز ودخوله ولم يقر بأخذ المال وإخراجه ويثبت عليه الحراب خروجه بالسلاح وشهره له ولم يثبت عليه القتل والأخذ فهذا يعزر لما فعله من المعاصي وهل يجوز أن يفعل ذلك أيضا امتحانا لا غير فيجمع بين المصلحتين ؟. هذا قوي في حقوق الآدميين. فأما في حدود الله تعالى عند الحاجة إلى إقامتها فيحتمل ويقوي ذلك أن يعاقب الإمام من استحق العقوبة بقتل وتوهم العامة أنه عاقبه على بعض الذنوب التي يريد الحذر عنها وهذا شبه أنه إذا أراد غزوا ورى بغيرها والذي لا ريب فيه أن الحاكم إذا علم كتمانه الحق عاقبه حتى يقر به كما يعاقب كاتم المال الواجب أداؤها فأما إذا احتمل أن يكون كاتما فهذا كالمتهم سواء، وخبر من قال له جني بأن فلانا سرق كذا كخبر إنسي مجهول فيفيد تهمة، وإذا طلب المتهم بحق فمن عرف مكانه دل عليه.

والقوادة التي تفسد النساء والرجال ما يجب عليها الضرب البليغ وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض هذا في النساء والرجال وإذا ركبت دابة وضمت عليها ثيابها ونودي عليها هذا جزاء من يفعل كذا وكذا كان من أعظم الجرائم إذ هي بمنزلة عجوز السوء امرأة لوط وقد أهلكها الله تعالى مع قومها. ومن قال لمن لامه الناس تقرءون تواريخ آدم وظهر منه قصد معرفتهم بخطيئته عزر ولو كان صادقا وكذا من يمسك الجنة ويدخل النار ونحوه وكذا من ينقص مسلما بأنه مسلماني أو أباه مع حسن إسلامه ومن غضب فقال ما نحن مسلمون إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا حرج فيه ولا عقوبة ومن قال لذمي يا حاج عزر لأن فيه تشبيه قاصد الكنائس بقاصد بيت الله، وفيه تعظيم ذلك فهو بمنزلة من يشبه أعياد الكفار بأعياد المسلمين. وكذا يعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد حاجا إلا أن يسمى حاجا بقيد كحاج الكفار والضالين ومن سمى زيارة ذلك حجا أو جعل له مناسك فإنه ضال مضل ليس لأحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت العتيق.

وإن اشترى اليهودي نصرانيا فجعله يهوديا عزر على جعله يهوديا ولا يكون مسلما ولا يجوز للجذماء مخالطة الناس عموما ولا مخالطة الناس لهم بل يسكنون في مكان مفرد لهم ونحو ذلك كما جاءت به سنة رسول الله وخلفائه وكما ذكره العلماء. وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو المجذوم أثم بذلك وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به فسق ومن دعا عليه ظلما له أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو أخزاك الله أو لعنك أو يشتمه بغير فرية نحو يا كلب يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك وإذا كان له أن يستعين بالمخلوق من وكيل ووال وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز ومن وجب عليه الحد بقتل أو غيره يسقط عنه بالتوبة وظاهر كلام أصحابنا لا يجب عليه التعزير كقولهم هو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. وذكر أبو العباس: في موضع آخر أن المرتد إذا قبلت توبته ساغ تعزيره بعد التوبة.

فصل ويقام الحد ولو كان من يقيمه شريكا لمن يقيمه عليه في المعصية أو عونا له ولهذا ذكر العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط بذلك بل عليه أن يأمر وينهى ولا يجمع بين معصيتين والرقيق إن زنى علانية وجب على السيد إقامة الحد عليه وإن عصى سرا فينبغي أن لا يجب عليه إقامته بل يخير بين ستره أو استتابته بحسب المصلحة في ذلك كما يخير الشهود على من وجب عليه الحد بين إقامتها عند الإمام وبين الستر عليه واستتابته بحسب المصلحة فإنه يرجح أن يتوب إن ستروه وإن كان في ترك إقامة الحد ضرر على الناس كان الراجح فعله ويجب على السيد بيع الأمة إذا زنت في المرة الرابعة ويجتمع الجلد والرجم في حق المحصن وهو رواية عن أحمد اختارها شيوخ المذهب.

باب حكم المرتد

والمرتد من أشرك بالله تعالى أو كان مبغضا للرسول ولما جاء به أو ترك إنكار منكر بقلبه أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد، ولهذا لم يكفر النبي الرجل الشاك في قدرة الله، وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ومنه قول عائشة رضي الله عنها: " مهما يكتم الناس يعلمه الله "، قال: نعم.

وإذا أسلم المرتد عصم دمه وماله وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم باتفاق الأئمة بل مذهب الإمام أحمد المشهور عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي أنه من شهد عليه بالردة فأنكر حكم بإسلامه ولا يحتاج أن يفي بما شهد عليه به وقد بين الله تعالى أنه يتوب عن أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع ومن شفع عنده في رجل فقال لو جاء النبي يشفع فيه ما قبلت منه إن تاب بعد القدرة عليه قتل لا قبلها في أظهر قولي العلماء فيهما، ولا يضمن المرتد ما أتلفه بدار الحرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة، وهو رواية عن أحمد اختارها الخلال وصاحبه.

والتنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر ويحرم إجماعا، وأقوال المنجمين إن الله يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركة ذلك ما زعموا أن الأفلاك توجبه وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه.

وأطفال المسلمين في الجنة إجماعا وأما أطفال المشركين فأصح الأجوبة فيهم ما ثبت في الصحيحين: أنه سئل عنهم رسول الله فقال: { الله أعلم بما كانوا عاملين } فلا نحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار. ويروى أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار. وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، والصحيح في أطفال المشركين أنهم يمتحنون في عرصات القيامة.