محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة التاسعة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب البيوع

1427 - مسألة : ولا يحل بيع شيء من المغيبات المذكورة كلها دون ما عليها أصلا - : لا يحل بيع النوى - أي نوى كان - قبل إخراجه وإظهاره دون ما عليه . ولا بيع المسك دون النافجة قبل إخراجه من النافجة . ولا بيع البيض دون القشر قبل إخراجه عنه . ولا بيع حب الجوز ، واللوز ، والفستق ، والصنوبر ، والبلوط ، والقسطل ، والجلوز ، وكل ذي قشرة دون قشره قبل إخراجه من قشره . ولا بيع العسل دون شمعه قبل إخراجه من شمعه . ولا لحم شاة مذبوحة دون جلدها قبل سلخها . ولا بيع زيت دون الزيتون قبل عصره . ولا بيع شيء من الأدهان دون ما هو فيه قبل إخراجه منها . ولا بيع حب البر دون أكمامه قبل إخراجه منها . ولا بيع سمن من لبن قبل إخراجه ، ولا بيع لبن قبل حلبه أصلا . ولا بيع الجزر ، والبصل ، والكراث ، والفجل قبل قلعه - لا مع الأرض ولا دونها - لأن كل ذلك بيع غرر ، لا يدرى مقداره ولا صفته ولا رآه أحد فيصفه . وهو أيضا أكل مال بالباطل ، قال الله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } . وبالضرورة يدري كل أحد أنه لا يمكن ألبتة وجود الرضا على مجهول وإنما يقع التراضي على ما علم وعرف ، فإذ لا سبيل إلى معرفة صفات كل ما ذكرنا ولا مقداره فلا سبيل إلى التراضي به ، وإذ لا سبيل إلى التراضي به فلا يحل بيعه ، وهو أكل مال بالباطل . وأما الجزر ، والبصل ، والكراث ، والفجل ، فكل ذلك شيء لم يره قط أحد ، ولا تدرى صفته : فهو بيع غرر ، وأكل مال بالباطل - إذا بيع وحده - وأما بيعه بالأرض معا فليس مما ابتدأ الله تعالى خلقه في الأرض فيكون بعضها ، وإنما هو شيء من مال الزارع لها ، أودعه في الأرض كما لو أودع فيها شيئا من سائر ماله ولا فرق ، فما لم يستحل البذر عن هيئته فبيعه جائز مع الأرض ودونها لأنه شيء موصوف معروف القدر ، وقد رآه بائعه أو من وصفه له ، فبيعه جائز ؛ لأن التراضي به ممكن وأما إذا استحال عن حاله فقد بطل أن يعرف كيف هو وما صفته ، وليس هو من الأرض ، ولكنه شيء مضاف إليها ، فهو مجهول الصفة جملة ، ولا يحل بيع مجهول الصفة بوجه من الوجوه ؛ لأنه بيع غرر حتى يقلع ويرى - وبالله تعالى التوفيق . وممن أبطل بيع هذه المغيبات في الأرض : الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو سليمان . وقد تناقض الحاضرون من مخالفينا في كثير مما ذكرنا - : فأجاز أبو حنيفة بيع لحم الشاة مذبوحة قبل السلخ وأوجب السلخ على البائع . وأجاز بيع البر دون التبن والأكمام قبل أن يدرس ويصفى ، وجعل الدرس والتصفية على البائع . وأجاز بيع الجزر ، والبصل ، وغير ذلك مغيبا في الأرض . وأوجب على البائع أن يقلع منه أنموذجا قدر ما يريه المشتري فإن رضيه كان على المشتري قلع سائره - فلو أن المشتري يتولى بنفسه قلع أنموذج منه فلم يرضه لم يلزمه البيع - فلو قلع منه أكثر من أنموذج فقد لزمه البيع أحب أم كره . وقال أبو يوسف : لا أجيز البائع ولا المشتري على قلع شيء من ذلك فإن تشاحا أبطلت البيع . فإن قلع المشتري منه أقل ما يقع في المكاييل فله الخيار في إمضاء أو فسخ ، فإن قلع أكثر من ذلك فقد لزمه البيع كله . قال أبو محمد : إن في هذا لعجبا ، ليت شعري من أين وجب أن يجبر البائع على الدرس ، والتصفية ، والسلخ ، ولا يجبر على قلع الجزر ، والبصل والكراث ، والفجل ؟ وهل سمع بأسخف من هذا التقسيم ؟ وليت شعري ما هذا " الأنموذج " الذي لا هو لفظة عربية من اللغة التي بها نزل القرآن وخاطبنا بها رسول الله ولا لفظة شرعية ، ثم صار يشرع بها أبو حنيفة الشرائع فيحرم ويحلل ، فعلى " الأنموذج " العفاء ، وصفع القفاء ، وعلى كل شريعة تشرع بالأنموذج . ثم تحديد أبي يوسف ذلك بأقل ما يقع لا المكاييل ؛ وقد يتخذ الباعة مكاييل صغارا جدا ، وما عهدنا بالجزر ، ولا الفجل : يقعان في الكيل ، فمن أين خرج له تحديد هذه الشريعة بهذا الحد الفاسد - ونحمد الله تعالى على السلامة ؟ وليت شعري من أين وقع لهم جواز بيع هذه المغيبات دون الأرض ؟ ومنعوا من بيع الجنين دون أمه ، وكلا الأمرين سواء لا فرق بين شيء منهما ، وكلاهما غرر وبيع مجهول . ثم أطرف من هذا كله : منعهم من بيع الصوف على ظهور الغنم ، وذراع محدودة من هذا الطرف من هذا الثوب من أوله إلى آخره ، أو ذراع محدود إلى طرفه من خشبة حاضرة ، وحلية هذا السيف دون جفنه ونصله ؟ ورأوا هذا غررا وعملا مشترطا يفسد البيع - وكذبوا في ذلك . ولم يروا الدرس ، والتصفية ، والسلخ غررا ، ولا عملا مشترطا يفسد البيع ؟ فهل لأصحاب هذه الأقوال المتخاذلة حظ من العلم ؟ ثم أجازوا بيع القصيل على القطع والثمرة التي لم يبد صلاحها على القطع . وأجازوا بيع جذل نخلة على ظهر الأرض ؛ ولم يروا قطعه غررا ، ولا عملا مشترطا يفسد البيع ؟ وهل يشك ذو مسكة من عقل في أن إدخال الجلم إلى حاشية محدودة من ثوب وقطعه ، وقلع حلية على غمد سيف لا يتعذر على غلام مراهق : أسهل وأخف من درس ألف كر وتصفيتها ومن سلخ ناقة ؟ ولكن هذا مقدار نظرهم وفقههم . وقال بعضهم : الصوف ينمى ولا يدرى أين يقع القطع منه ومن الثوب ؟ فقلنا : والجذل ينمى ولا يدرى أين يقع القطع منه ولا فرق . فإن قالوا : قد صح عن ابن عباس المنع من بيع الصوف على ظهور الغنم ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ؟ قلنا : وقد صح عن ابن عمر ما أدركت الصفقة مجموعا حيا فمن البائع ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة فخالفتموه ، فما الذي جعل أحدهما أولى من الآخر ؟ وقالوا : لو أن أرضا تكسيرها معلوم مائة ذراع في مثلها ، أو دارا كذلك : فباع صاحبها منها عشرة أذرع في مثلها مشاعا في جميعها لم يجز ذلك . فلو باع منها عشرة أسهم من مائة سهم مشاعا في جميعها جاز ذلك - . وهذا تخليط ناهيك به ، وتحريم شيء وإباحته بعينه ، وكلا الأمرين إنما هو بيع العشر مشاعا . ولم يجيزوا بيع نصل السيف وحمائله ونصف حليته مشاعا ، وقالوا : هذا ضرر - فليت شعري أي ضرر في هذا ؟ وأما المالكيون فأجازوا بيع الصوف على ظهور الغنم ، ووفقوا في ذلك ، إلا أنهم قالوا : إن أخذ في جزازه وإلا فلا . وأجازوا بيع لبن الغنم الكثيرة شهرين فأقل - . وهذا قول ظاهر الفساد ، أنه بيع شيء لم يخلق ، وبيع غرر . ومنعوا من بيع لبن شاة واحدة كله ، وقالوا : هذا غرر وقد تموت ؟ فقلنا : وقد تموت الكثيرة أو يموت بعضها . ونسألهم عن بيع لبن شاتين كذلك ؟ فإن منعوا من ذلك سألناهم عن لبن ثلاث شياه ؟ ولا نزال نزيدهم واحدة فواحدة حتى يحدوا ما يحرمون مما يحللون ، ثم نسألهم عن الفرق ؟ وذلك ما لا سبيل إليه . وأجازوا بيع بطون المقاثي ، والياسمين ، وجزات القصيل قبل أن يخلق الله تعالى ذلك كله ، ولم يروه غررا ، ورأوا بيع العبد الآبق ، والجمل الشارد والمال المغصوب : غررا ، فيا لهذه العجائب . وأجازوا بيع لحم الشاة وهي حية دون جلدها . وأجازوا استثناء أرطال يسيرة من لحمها للبائع الثلث فأقل . ومنعوا من استثناء أكثر - فليت شعري من أي أعضائها تكون تلك الأرطال وهي مختلفة الصفات والقيم ؟ قالوا : فإن استثنى الفخذ ، أو الكبد ، أو البطن لم يجز . فإن استثنى الرأس والسواقط ؟ قال : إن كان مسافرا جاز ، وإن كان غير مسافر لم يجز - فكانت هذه أعاجيب ، لا نعلم تقسيمها عن أحد قبله ، وأقوالا متناقضة لا يعضدها قرآن ، ولا سنة ، ولا قول متقدم ، ولا قياس . وأجازوا بيع الجزر ، والبصل ، والفجل : المغيبة في الأرض ؟ قال أبو محمد : واحتج بعضهم علي في ذلك بقول الله تعالى : { يؤمنون بالغيب } فقلت : فأبح بهذه الآية بيع الجنين في بطن أمه دون أمه ؛ لأنه من الإيمان بالغيب - وهذا احتجاج نسأل الله السلامة من مثله في تحريف كلام الله تعالى عن مواضعه إلى ما ليس فيه منه شيء ؟ روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا تشتروا الصوف على ظهور الغنم ولا اللبن في ضروعها . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا ملازم بن عمرو نا زفر بن يزيد بن عبد الرحمن عن أبيه وكان من جلساء أبي هريرة قال : سألت أبا هريرة عن بيع اللبن في ضروع الغنم ؟ فقال لا خير فيه - وسألته عن الشاة بالشاتين إلى أجل ؟ فقال : لا إلا يدا بيد . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يكرهون أن يشترى اللبن في ضروع الشاة - وكرهه مجاهد ، وطاوس - وروي عن طاوس أنه أجازه بالكيل فقط . وروي عن سعيد بن جبير إجازة بيع اللبن في الضروع ، والصوف على ظهور الغنم - وروي عن الحسن أنه أجاز بيع لبن الشاة جملة أشهر . ولم يجزه أبو حنيفة ، ولا الشافعي ، ولا أحمد ، ولا إسحاق ، ولا أبو سليمان - فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف أصلا ، وإبراهيم يذكر ذلك عمن أدرك ، وهما أكابر التابعين ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق آراءهم . واحتجوا في هذا بجواز إجارة الظئر للرضاع ؟ فقلنا : أفي إجارة تكلمنا معكم أم في بيع ؟ والإجارة غير البيع ؛ لأننا نؤاجر الحرة للرضاع ولم نبتع منها لبنها أصلا . ثم أغرب شيء احتجاجهم في هذا بما ذكرنا من إجارة الظئر ، وهم يحرمون بيع لبن الشاة الواحدة ، والبقرة الواحدة والناقة الواحدة ، وهذا أشبه بإجارة الظئر الواحدة ، وإنما يجيزون ذلك في الغنم الكثيرة - فاعجبوا لسخافة هذا القياس وشدة تناقضه ، إذ حرموا ما يشبه ما قاسوا على إباحته ، وأباحوا قياسا عليه ما لا يشبهه . قال أبو محمد : فإن زاد الصوف ؟ فهما متداعيان ، والقول قول البائع مع يمينه إن كانت الغنم معروفة له أو في يده ، فإن لم تكن معروفة له وكانت في يد الآخر ، فالقول قول الآخر مع يمينه . فإن كانت في أيديهما ، أو في غير أيديهما معا ، فحكمهما حكم المتداعيين في الشيء يكون بأيديهما ، أو بغير أيديهما على ما نذكر - إن شاء الله تعالى - في التداعي في الأقضية - وبالله تعالى التوفيق .

1428 - مسألة : وأما بيع الظاهر دون المغيب فيها فحلال ، إلا أن يمنع من شيء منه نص ، فجائز بيع الثمرة واستثناء نواها ، وبيع جلد النافجة دون المسك الذي فيها ، والجراب ، والظروف كلها دون ما فيها ، وقشر البيض ، واللوز ، والجوز ، والجلوز ، والفستق ، والبلوط ، والقسطل ، وكل قشر لا تحاشي شيئا دون ما تحتها ، وبيع الشمع دون العسل الذي فيه ، وبيع التبن دون الحب الذي فيه ، وجلد الحيوان المذبوح أو المنحور دون لحمه ، أو دون عضو مسمى منها ، وبيع الأرض دون ما فيها من بذر ، أو خضراوات مغيبة أو ظاهرة ، ودون الزرع الذي فيها ، ودون الشجر الذي فيها ، والحيوان اللبون دون لبنه الذي اجتمع في ضروعه ، ولا يحل استثناء لبن لم يحدث بعد ولا اجتمع في ضروعه . ويجوز بيع الحامل دون حملها سواء نفخ فيه الروح أو لم ينفخ . ولا يحل بيع حيوان حي واستثناء عضو منه أصلا . ويجوز بيع عصارة الزيتون ، والسمسم ، دون الدهن قبل عصره . ولا يحل بيع جلد حيوان حي دون لحمه ، ولا دون عضو مسمى منه أصلا . ولا يجوز بيع مخيض لبن قبل أن يمخض ، ولا الميش قبل أن يخرج . برهان كل ما ذكرنا - : قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } . وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } . فكل بيع لم يأت في القرآن ، ولا في السنة تحريمه باسمه مفصلا فهو حلال بنص كلام الله تعالى - وكل ما ذكرنا فمال للبائع وملك له يبيع منه ما شاء فهو من ماله ويمسك منه ما شاء فهو من ماله ، فما ظهر من ماله ورئي ، أو وصفه من رآه : فبيعه جائز - ويمسك ما لم يره هو ولا غيره ، لأنه لا يحل بيع المجهول - كما قدمنا - أو لأنه لا يريد بيعه فذلك له ، وإن كان مرئيا حاضرا أو موصوفا غائبا . وأما قولنا : لا يحل استثناء لبن لم يحدث بعد ، فلأنه إنما يحدث إذا أحدثه الله تعالى في مال غيره فلا يحل له أن يشترط من مال غيره شيئا إلا أن يكون الثمن فيما باع فقط ؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل - وإنما منعنا من بيع حيوان إلا عضوا مسمى منه . وأجزنا بيع الحامل دون حملها ، فإن ذلك الحيوان لا يخلو من أن يكون من بني آدم ، أو من سائر الحيوان ، فإن كان من سائر الحيوان فاستثناء العضو المعين منه : أكل مال بالباطل ؛ لأنه لا ينتفع به إلا بذبحه ، ففي هذا البيع اشتراط ذبح ذلك الحيوان على بائع العضو منه ، أو على بائعه إلا عضوا منه ، وهذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، وإن كان ذلك الحيوان من بني آدم فكذلك أيضا ، وهو إضاعة للمال جملة ، وهذا مما يوافقنا [ عليه ] الحاضرون كلهم من خصومنا . وأما الحمل ، والصوف ، والوبر ، والشعر ، وقرن الإبل ، وكل ما يزايل الحيوان بغير مثلة ولا تعذيب ، فكما قدمنا أنه مال لبائعه يبيع من ماله ما شاء ويمسك ما شاء إلا أن يكون في ذلك إضاعة مال ، أو مثلة بحيوان أو إضرار به فلا يحل لصحة النهي عن المثلة ، وعن تعذيب الحيوان - وبالله تعالى التوفيق . وأما منعنا من بيع المخيض دون السمن قبل المخض ، ومن بيع الميش دون الجبن قبل عصره ، فلأنه لا يرى ، ولا يتميز ، ولا يعرف مقداره ، فقد يخرج المخض والعصير قليلا ، وقد يخرج كثيرا - وهذا بخلاف بيع عصارة الزيتون ، والسمسم ، دون الدهن قبل العصر ؛ لأن الزيتون ، والسمسم ، واللوز ، والجوز كل ذلك مرئي معروف ، وإنما الخافي فهو الدهن فقط ، ويحل بيعه قبل ظهوره - ويجوز استثناؤه ؛ لأنه إبقاء له في ملك مالكه - وهذا مباح حسن - وبالله تعالى التوفيق . وقد جاءت في هذا آثار - : روينا من طريق سعيد بن منصور نا حبان بن علي نا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال { نهى رسول الله عن بيع الغرر } . ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن إدريس - هو عبد الله - عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة { نهى رسول الله عن بيع الغرر } . وقد أباحه بعض السلف - كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن هشام - هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن شريح أنه كان لا يرى بأسا ببيع الغرر إذا كان علمهما فيه سواء . وكما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية - هو إسماعيل بن إبراهيم - عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال : لا أعلم ببيع الغرر بأسا . ومن طريق سعيد بن منصور نا حبان بن علي نا المغيرة عن إبراهيم قال : من الغرر ما يجوز ومنه ما لا يجوز ، فأما ما يجوز فشراء السلعة المريضة ، وأما ما لا يجوز فشراء السمك في الماء . وقد روينا إجازة بيع السمك في الماء قبل أن يتصيد عن عمر بن عبد العزيز وبه يقول ابن أبي ليلى . قال أبو محمد : لا حجة في أحد دون رسول الله والذي ذكر إبراهيم ليس شيء منه غررا ، أما المريضة فكل الناس يمرض ويموت ، وقد يموت الصحيح فجأة ، ويبرأ المريض المدنف ، فلا غرر ههنا أصلا . وأما السمك في الماء فإن كان قد ملك قبل فليس بيعه غررا بل هو بيع صحيح ، وقد وافقنا الحاضرون من خصومنا على أن بركة في دار لإنسان صغيرة صاد صاحبها سمكة ورماها فيها حية ، فإن بيعها فيها جائز ، وأما ما لم يملك من السمك بعد فلم يجز بيعه ؛ لأنه غرر ، حتى ولو كانت السمكة مقدورا عليها بالضمان ما حل بيعها ، وإنما حرم لأنه بيع ما ليس له وهذا أكل مال بالباطل . وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا قرة بن سليمان عن محمد بن فضيل عن أبيه عن ابن عمر فيمن باع أمة واستثنى ما في بطنها ؟ قال : له ثنياه - وقد صح هذا أيضا عن ابن عمر في العتق . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : من باع حبلى ، أو أعتقها واستثنى ما في بطنها ؟ فله ثنياه فيما قد استبان خلقه ، فإن لم يستبن خلقه فلا شيء له . قال علي : سواء استبان خلقه ، أو لم يستبن ؟ له ثنياه لما قد ذكرناه من أنه ماله يستثنيه إن شاء فلا يبيعه ، أو يدخل في صفقة أمه ؛ لأنه بعضها ما لم ينفخ فيه الروح ، ومن جملتها بعد نفخ الروح فيه ، ولكن من استثنى حمل الحامل الذي باع كما ذكرنا فما ولدت إن كانت من بني آدم إلى تسعة أشهر غير ساعة ، فهو له إلا أن يوقن أن حملها به كان بعد البيع فلا شيء له ؛ لأنه حدث في مال غيره وينظر في سائر الحيوان كذلك ، فما ولدت لأقصى ما يلد له ذلك الحيوان فهو للذي استثناه ، وما ولدت لأكثر فليس له لما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق . ومن طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن يونس عن الحسن البصري : أنه كان يجيز ثنيا الحمل في البيع ، ولا يجيزه في العتق - وهو قول أبي سليمان ، وأبي ثور في البيع والعتق ، وهو كما أوردنا قول صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم . وروينا : من طريق ابن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا عبد الرحمن بن مهدي نا عباد بن حبيب بن المهلب - ثقة مأمون - عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر قال : أعتق ابن عمر أمة له واستثنى ما في بطنها - وبه يقول عبيد الله بن عمر . ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن سعيد - هو القطان - عن هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين فيمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها فقال : له - ثنياه . ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن يمان عن سفيان - هو الثوري - عن جابر ، ومنصور بن المعتمر ، وابن جريج ، قال جابر : عن الشعبي ، وقال منصور : عن إبراهيم ، وقال ابن جريج عن عطاء - ثم اتفق الشعبي وإبراهيم النخعي ، وعطاء ، قالوا كلهم : إذا أعتقها واستثنى ما في بطنها : فله ثنياه . وبه إلى ابن أبي شيب نا حرمي بن عمارة بن أبي حفصة عن شعبة قال : سألت الحكم ، وحماد بن أبي سليمان عن ذلك - يعني من أعتق أمته واستثنى ما في بطنها - فقالا جميعا : ذلك له . نا حمام نا عبد الله بن علي الباجي نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن مسلم نا أبو ثور نا أسباط نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : من كاتب أمته واستثنى ما في بطنها فلا بأس بذلك . وبه يقول أبو ثور ، وأحمد بن حنبل في العتق ، والبيع . وبه يقول أيضا إسحاق ، وأبو سليمان . فهؤلاء جمهور التابعين - : الحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم ، والشعبي ، وعطاء ، والحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان ، بعضهم في البيع ، وبعضهم في العتق ، وبعضهم في الأمرين معا - وما نعلم الآن مخالفا لهم إلا الزهري ؛ وقال بقولنا هذا من الفقهاء كما ذكرنا - : عبيد الله بن عمر ، وأحمد ، وأبو ثور ، وإسحاق ، وأبو سليمان ، وغيرهم ، وليت شعري أين هم عن حجتهم بالمسلمين عند شروطهم ؟ وأما استثناء الجلد ، والسواقط : فروينا من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي نا أصبغ عن ابن وهب عن الليث بن سعد عن عمارة بن غزية عن عروة بن الزبير { أن رسول الله لما خرج هو وأبو بكر مهاجرين ، إلى المدينة اشتريا من راعي غنم شاة وشرطا له إهابها } . قال أبو محمد : هذا باطل - عبد الملك هالك ، وعمارة ضعيف - ثم هو مرسل ، ثم لو صح لكان منسوخا ، لأنه كما ترى قبل الهجرة ، وقد جاء النهي عن بيع الغرر بعد ذلك ، وبيع لحم شاة حية غرر ؛ لأنه لا يدري أهزيل أم سمين . أو ذو عاهة أم سالم ، ثم من أين لهم أن ذلك إنما جاز لأجل السفر ، فإن هذا ظن لا يصح . فإن قالوا : كان في سفر ؟ قلنا : وكان في طريق المدينة لا تجيزوه في غيره . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي عن زيد بن ثابت أن رجلا باع بقرة واشترط رأسها ثم بدا له فأمسكها فقضى له زيد بشروى رأسها ، قال سفيان : نحن نقول : البيع فاسد . ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن نسير بن ذعلوق عن عمرو بن راشد الأشجعي أن رجلا باع بختية واشترط ثنياها فبرئت فرغب فيها فاختصما إلى عمر بن الخطاب ؟ فقال : اذهبا إلى علي ، فقال علي : اذهب بها إلى السوق فإذا بلغت أفضل ثمنها ، فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها . وريناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن نسير بن ذعلوق عن عمرو بن راشد أن رجلا باع بعيرا مريضا واستثنى جلده فبرأ البعير ؟ فقال علي : يقوم البعير في السوق ، ثم يكون له شراؤه . ومن طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي حدثني أصبغ عن ابن وهب عن إسماعيل بن عياش اشترى رجل رأس جمل ونقد ثمنه واشترى آخر بقيته ونقد ثمنه لينحراه فعاش الجمل وصلح ؟ فقال مشتري الجمل لمشتري الرأس : إنما لك ثمن الرأس ؟ فاختصما إلى شريح ، فقال شريح : هو شريكك فيه بحصة ما نقد وبحكم شريح هذا يأخذ عثمان البتي ، وأحمد ، وإسحاق . ولم يجز مالك استثناء الجلد والرأس إلا في السفر ، لا في الحضر ، فخالف كل من ذكرنا - ولم يجزه أبو حنيفة ، ولا الشافعي أصلا . وأجاز الأوزاعي استثناء اليد أو الرأس أو الجلد عند الذبح خاصة ، وكرهه إن تأخر الذبح - والحنفيون - والمالكيون يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف منهم - وخالفوا ههنا : زيد بن ثابت ، وعمر بن الخطاب ، ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف . وأما المالكيون : فإنهم رأوا فيمن باع بعيرا واستثنى جلده ، فاستحياه الذي اشتراه : أن له شروى جلده أو قيمته - هذا في السفر خاصة ، وهذا خلاف حكم عمر ، وعلي ، وزيد ؛ لأنهم حكموا بذلك مطلقا ، لم يخصوا سفرا من حضر ؛ وروينا مثل قولنا عن بعض السلف - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن أبي حمزة قلت لإبراهيم : أبيع الشاة وأستثني بعضها ؟ قال : لا ، ولكن قل : أبيعك نصفها - قال ابن أبي شيبة : نا عبد الصمد بن أبي الجارود سألت جابر بن زيد عمن باع بيعا واستثنى بعضه ؟ قال : لا يصح ذلك .

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب البيوع
كتاب البيوع (مسأله 1411 - 1414) | كتاب البيوع (مسأله 1415 - 1416) | كتاب البيوع (مسأله 1417) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1417) | كتاب البيوع (مسأله 1418 - 1420) | كتاب البيوع (مسأله 1421) | كتاب البيوع (مسأله 1422) | كتاب البيوع (مسأله 1423 - 1426) | كتاب البيوع (مسأله 1427 - 1428) | كتاب البيوع (مسأله 1429 - 1446) | كتاب البيوع (مسأله 1447) | كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460) | كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) | كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) | كتاب البيوع (مسأله 1467 - 1470) | كتاب البيوع (مسأله 1471 - 1474) | كتاب البيوع (مسأله 1475 - 1479) | كتاب البيوع (مسأله 1480) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1480) | كتاب البيوع (مسأله 1481 - 1484) | كتاب البيوع (مسأله 1485 - 1491) | كتاب البيوع (مسأله 1492 - 1500) | كتاب البيوع (مسأله 1501 - 1507) | كتاب البيوع (مسأله 1508 - 1511) | كتاب البيوع (مسأله 1512 - 1516) | كتاب البيوع (مسأله 1517 - 1538) | كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) | كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) | كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594)