محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة السابعة عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب البيوع

1475 - مسألة : فمن ابتاع كذلك رطبا للأكل ثم مات فورثت عنه ، أو مرض ، أو استغنى عن أكلها إلا أنه حين اشتراها كانت نيته أكلها بلا شك ، فقد ملك الرطب ملكا صحيحا ، ويفعل فيه ما شاء من بيع أو غيره . وبالله تعالى التوفيق .

1476 - مسألة : ولا يجوز حكم العرايا المذكور في شيء من الثمار غير ثمار النخل كما ذكرنا - ولا يجوز بيع شيء من الثمار سوى ثمر النخل بخرصها أصلا ، لا في رءوس النخل ولا مجموعة في الأرض أصلا . ولا يحل أن يباع العنب بالزبيب كيلا ، لا مجموعا ولا في عوده ، ولا بيع الزرع بالحنطة ، لما روينا من طريق مسلم حدثنا يحيى بن معين ، وهارون بن عبد الله قالا : أنا أبو أسامة أنا عبيد الله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال : { نهى رسول الله عن المزابنة ، والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع الزبيب بالعنب كيلا ، وعن كل ثمر بخرصه } . ومن طريق مسلم أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا محمد بن بشر أنا عبيد الله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر أنه أخبره { أن رسول الله نهى عن بيع الزرع بالحنطة كيلا } . ومن طريق مسلم أنا قتيبة أنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر { نهى رسول الله عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كانت نخلا بتمر كيلا ، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا ، وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام } .

1477 - مسألة : فإن كان ثمر ما عدا ثمر النخل جاز أن يباع بيابس ورطب من صنفه ، ومن غير صنفه بأكثر منه ، وبأقل ومثله ، وأن يسلم في جنسه وغير جنسه ما لم يكن بخرصه كما ذكرنا ، وما لم يكن زبيبا كيلا بعنب ؛ لأن الله تعالى قال : { وأحل الله البيع } . وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } . فلو كان حراما لفصل لنا تحريمه { وما كان ربك نسيا } . فإن قيل : قد نهى عن الرطب باليابس وروي { أنه عليه السلام سأل : أينقص الرطب إذا يبس ؟ فقيل : نعم ، فنهى عن بيعه بالتمر } قلنا : أما أينقص الرطب إذا يبس ، فإن مالكا ، وإسماعيل بن أمية روياه عن عبيد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش عن سعد ، وقال مالك مرة : زيادة أبي عياش مولى بني زهرة - وهو رجل مجهول لا يدرى من هو - ثم لو صح لما وجب أن يكون ذلك علة لغير ما نص عليه فيه من الرطب بالتمر وحده ؛ لأنه كان يكون تعديا لحدود الله عز وجل . ومن العجب العجيب أن يكون صح عن رسول الله أنه قال : { ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر ، أما السن فإنه عظم ، وأما الظفر فإنه مدى الحبشة } . فخالفه الحنفيون ، والمالكيون ، ولا يرون العظمية علة لما يمنع من أن يذكى به ، ولا يرى الشافعيون كون الذي يذكى به من مدى الحبشة علة في منع الذكاة به إلا في الظفر وحده ، ثم يجعلون ما لم يصح عنه من { أينقص الرطب إذا يبس } علة في جميع الثمار ، فأي عجب أعجب من هذا ؟ وأما الرطب باليابس فلا يصح أصلا ؛ لأنه أثر رويناه من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث - وهو ضعيف - عن الليث بن سعد عن أسامة بن زيد - وهو ضعيف - وغيره - وهو مجهول - عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن بعض أصحاب النبي { سئل رسول الله عن رطب بتمر ؟ فقال : أينقص الرطب ؟ قالوا : نعم ، قال : لا يباع الرطب باليابس } ومثل هذا لا يحل الاحتجاج به ، ولو صح لما ترددنا في الأخذ به . والعجب من الحنفيين الآخذين بكل ضعيف ، ومرسل ، كالوضوء من القهقهة في الصلاة ، والوضوء بالنبيذ ، وغير ذلك ثم يخالفون هذا المرسل وهذا الضعيف . وأيضا : فإن الشافعيين ، والمالكيين ، المدعين الأخذ بهذا الخبر قد خالفوه ، لأنهم يبيحون بيع الرطب من التمر ، والتين ، والعنب ، باليابس من غير جنسه ، وهذا خلاف لعموم الخبر . فإن قالوا : إنما أريد بذلك ما كان من جنسه ؟ قلنا : وما دليلكم على ذلك ؟ وما الفرق بينكم وبين أبي حنيفة القائل : إنما أريد بذلك ما كان في رءوس أشجاره فقط ؟ وهل هي إلا دعوى بدعوى بلا برهان وحسبنا الله ونعم الوكيل . وروينا من طريق ابن أبي شيبة أنا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة ، والمزابنة ، فالمحاقلة في الزرع والمزابنة في النخل } . هذا نص لفظ أبي سعيد رضي الله عنه وهذا نص قولنا ؛ لأنه لم ير المزابنة إلا في النخل وحده ، لا في سائر الثمار - والحمد لله رب العالمين - وما نعلم له من الصحابة رضي الله عنهم مخالفا . ومن طريق مسلم أنا عبد الله بن مسلمة القعنبي أنا سليمان بن بلال عن يحيى - هو ابن سعيد الأنصاري - عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله [ من أهل دارهم ] منهم سهل بن أبي حثمة { أن رسول الله نهى عن بيع الثمر بالتمر ، وقال : ذلك الربا تلك المزابنة ، إلا أنه رخص بيع العرية } وذكر الحديث . ومن طريق مسلم أنا محمد بن رمح أنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال : { إن رسول الله نهى عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كانت نخلا بتمر كيلا ، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا ، وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام } . قال أبو محمد : لا مزابنة إلا ما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم الصحابة رضي الله عنهم بعده أنه مزابنة ، وما عدا ذلك فباطل وخطأ متيقن بلا شك - وبالله تعالى التوفيق .

1478 - مسألة : فإن قال قائل : فأنتم المنتمون إلى الأخذ بما صح من الآثار - وقد رويتم من طريق ابن وهب : أخبرني ابن جريج عن عطاء ، وأبي الزبير عن جابر قال { نهى رسول الله عن بيع الثمر حتى يطيب ، ولا يباع شيء منه إلا بالدنانير ، والدراهم } . ورويتموه أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن رسول الله وهذا خبر في غاية الصحة ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : نعم ؛ لأن الثمار كلها إذا يبست حدت أو لم تجد فهي ثمار قد طابت بلا خلاف من أحد ، ولا خلاف في اللغة . وقد صح عن رسول الله أنه أمر ببيع التمر يدا بيد ، كيلا بكيل ، مثلا بمثل ، وأمر ببيعه بغير صنفه كيف شئنا . فصح النص على جواز بيع التمر بما شئنا مما يحل بيعه ، فكان ما في هذا مضافا إلى ما في خبر جابر المذكور وزائدا عليه ، فكان ذلك : لا تبيعوا الثمر إذا طاب إلا بالدنانير والدراهم ، وبما شئتم ، حاشا ما نهيتم عنه ، وهذا هو الذي لا يجوز غيره . وقد صح الإجماع المتيقن المقطوع به على أن جميع الثمار بعد طيبها حكمها فيما يباع مما يجوز حكم التمر ، وهذا برهان صحيح - وبالله تعالى التوفيق وما نعلم أحدا منع من بيع التمر بغير الدنانير والدراهم وبالله تعالى التوفيق .

1479 - مسألة : الربا : والربا لا يكون إلا في بيع ، أو قرض ، أو سلم ، وهذا ما لا خلاف فيه من أحد ؛ لأنه لم تأت النصوص إلا بذلك ، ولا حرام إلا ما فصل تحريمه ، قال الله تعالى { : خلق لكم ما في الأرض جميعا } . وقال تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } . وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب البيوع
كتاب البيوع (مسأله 1411 - 1414) | كتاب البيوع (مسأله 1415 - 1416) | كتاب البيوع (مسأله 1417) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1417) | كتاب البيوع (مسأله 1418 - 1420) | كتاب البيوع (مسأله 1421) | كتاب البيوع (مسأله 1422) | كتاب البيوع (مسأله 1423 - 1426) | كتاب البيوع (مسأله 1427 - 1428) | كتاب البيوع (مسأله 1429 - 1446) | كتاب البيوع (مسأله 1447) | كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460) | كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) | كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) | كتاب البيوع (مسأله 1467 - 1470) | كتاب البيوع (مسأله 1471 - 1474) | كتاب البيوع (مسأله 1475 - 1479) | كتاب البيوع (مسأله 1480) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1480) | كتاب البيوع (مسأله 1481 - 1484) | كتاب البيوع (مسأله 1485 - 1491) | كتاب البيوع (مسأله 1492 - 1500) | كتاب البيوع (مسأله 1501 - 1507) | كتاب البيوع (مسأله 1508 - 1511) | كتاب البيوع (مسأله 1512 - 1516) | كتاب البيوع (مسأله 1517 - 1538) | كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) | كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) | كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594)