مجموع الفتاوى/المجلد السابع عشر/سئل شيخ الإسلام رحمه الله عما ورد في سورة قل هو الله أحد أنها تعدل ثلث القرآن
سئل شيخ الإسلام رحمه الله عما ورد في سورة قل هو الله أحد أنها تعدل ثلث القرآن
[عدل]سئل شَيْخ الإسْلام رَحمهُ الله تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رضي الله عنه عما ورد في سورة: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أنها تعدل ثلث القرآن، وكذلك ورد في سورة: الزلزلة و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } و الفاتحة، هل ما ورد في هذه المعادلة ثابت في المجموع أم في البعض؟ ومن روي ذلك؟ وما ثبت من ذلك؟ وما معنى هذه المعادلة وكلام الله واحد بالنسبة إليه عز وجل؟ وهل هذه المفاضلة بتقدير ثبوتها متعدية إلى الأسماء والصفات أم لا؟ والصفات القديمة والأسماء القديمة هل يجوز المفاضلة بينها مع أنها قديمة؟ ومن القائل بذلك؟ وفي أي كتبه قال ذلك؟ ووجه الترجيح في ذلك بما يمكن من دليل عقلي ونقلي؟
فأجاب رضي الله عنه:
الحمد لله، أما الذي أخرجه أصحاب الصحيح كالبخاري ومسلم فأخرجوا فضل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، وروي عن الدارقطني أنه قال: لم يصح في فضل سورة أكثر مما صح في فضلها. وكذلك أخرجوا فضل فاتحة الكتاب قال ﷺ فيها: «إنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها»، لم يذكر فيها أنها تعدل جزءًا من القرآن كما قال في { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } : «إنها تعدل ثلث القرآن»، ففي صحيح البخاري عن الضحاك المشْرِقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ لأصحابه: «أيعجز أَحَدُكُمْ أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة؟ »، فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: «الله الواحد الصمد ثلث القرآن». وفي صحيح مسلم عن مَعْدَان بن أبي طَلْحَةَ عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ » قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: « { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن».
وروي مسلم أيضا عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: «إن الله جَزَّأ القرآنَ ثلاثةَ أجزاءٍ. فجعل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } جزءًا من أجزاء القرآن». وفي صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صَعْصَعَة، عن أبي سعيد؛ أن رجلا سمع رجلا يقرأ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي ﷺ فذكر ذلك له، وكان الرجل يَتَقَالُّهَا، فقال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن». وأخرج عن أبي سعيد قال: أخبرني أخي قتادة بن النعمان أن رجلا قام في زمن رسول الله ﷺ يقرأ من السحر { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } لا يزيد عليها.. الحديث، بنحوه. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «احشدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن» قال: فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله ﷺ فقرأ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: إني أري هذا خبرًا جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله. ثم خرج نبي الله ﷺ فقال: «إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن». وفي لفظ له قال: خرج علينا رسول الله ﷺ فقال: «أقرأ عليكم ثلث القرآن» فقرأ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ } حتى ختمها.
وأما حديث الزلزلة و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، فروي الترمذي عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «من قرأ: { إِذَا زُلْزِلَتِ } عدلت له نصف القرآن، ومن قرأ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } عدلت له ربع القرآن». وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: « { إِذَا زُلْزِلَتِ } تعدل نصف القرآن، و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } تعدل ربع القرآن» رواهما الترمذي وقال عن كل منهما: غريب.
وأما حديث الفاتحة، فروي البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله ﷺ فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي.
قال: «ألم يقل الله: { اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم } » 1، ثم قال:
«لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن» قال: « { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم». وفي السنن والمسانيد من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال لأبي بن كعب: «ألا أعلمك سورة ما أُنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها» قال: «فإني أرجو ألا تخرج من هذا الباب حتى تعلمها»، وقال فيه: «كيف تقرأ في الصلاة؟ » فقرأت عليه أم القرآن، فقال: «والذي نفسي بيده، ما أُنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أُعطيته». ورواه مالك في الموطأ عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبي سعيد مولى عامر بن كُريز مرسلا. وفي صحيح مسلم عن عُقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ: «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } »، وفي لفظ: قال لي رسول الله ﷺ: «أُنزل علي آياتٌ لم ير مثلهن قط، المعوذتان»، فقد أخبر في هذا الحديث الصحيح أنه لم ير مثل المعوذتين، كما أخبر أنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثل الفاتحة، وهذا مما يبين فضل بعض القرآن على بعض.
هامش
- ↑ [الأنفال: 24]