الكافي/كتاب التوحيد/باب حدوث العالم وإثبات المحدث

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


1[عدل]

أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن علي بن منصور قال: قال لي هشام بن الحكم: كان بمصر زنديق تبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام أشياء، فخرج إلى المدينة ليناظره، فلم يصادفه بها وقيل له إنه خارج بمكة، فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبد الله، فصادفنا ونحن مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف وكان اسمه عبد الملك وكنيته أبو عبد الله، فضرب كتفه كتف أبي عبد الله عليه السلام، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما اسمك؟ فقال: اسمي عبد الملك، قال: فما كنيتك؟ قال: كنيتي أبو عبد الله، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ قل: ما شئت تخصم. قال هشام بن الحكم: فقلتُ للزنديق: أما ترد عليه؟ قال: فقبح قولي. فقال أبو عبد الله: إذا فرغت من الطواف فأتنا فلما فرغ أبو عبد الله أتاه الزنديق فقعد بين يدي أبي عبد الله ونحن مجتمعون عنده، فقال أبو عبد الله عليه السلام للزنديق: أتعلم أن للأرض تحتاً وفوقاً؟ قال: نعم. قال: فدخلت تحتها؟ قال: لا. قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء. فقال: أبو عبد الله عليه السلام فالظن عجز، لم لا تستيقن؟ ثم قال أبو عبد الله: أفصعدت السماء؟ قال: لا. قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا. قال: عجباً لك! لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل الأرض ولم تصعد السماء ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد بما فيهن، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! قال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك. فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأنت من ذلك في شك فلعله هو ولعله ليس هو؟ فقال الزنديق: ولعل ذلك. فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها الرجل! ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل يا أخا أهل مصر! تفهم عني فإنا لا نشك في الله أبداً. أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان و يرجعان، قد اضطرا ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلا؟ اضطرا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر، فقال الزنديق: صدقت. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أخا أهل مصر، إن الذي تذهبون إليه وتظنون أنه الدهر، إن كان الدهر يذهب بهم، لم لا يردهم؟ وإن كان يردهم، لم لا يذهب بهم؟ القوم مضطرون يا أخا أهل مصر، لم السماء مرفوعة والأرض موضوعة؟ لم لا يسقط السماء على الأرض؟ لم لا تنحدر الأرض فوق طباقها ولا يتماسكان ولا يتماسك من عليها؟ قال الزنديق: أمسكهما الله ربهما وسيدهما. قال: فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله عليه السلام، فقال له حمران: جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفار على يدي أبيك، فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد الله عليه السلام: اجعلني من تلامذتك، فقال أبو عبد الله: يا هشام بن الحكم خذه إليك وعلمه. فعلمه هشام فكان معلم أهل الشام وأهل مصر الايمان وحسنت طهارته حتى رضي بها أبو عبد الله.

2[عدل]

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هشام، عن أحمد بن محسن الميثمي قال: كنت عند أبي منصور المتطبب فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع، ترون هذا الخلق - وأومأ بيده إلى موضع الطواف - ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام - فأما الباقون فرعاع وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم. فقال له ابن أبي العوجاء: لا بد من اختبار ما قلت فيه منه. قال: فقال ابن المقفع: لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك. فقال: ليس ذا رأيك ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت. فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت علي هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت من الزلل ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال وسمه مالك أو عليك؟ قال: فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع ما هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا، فقال له: وكيف ذلك؟ قال: جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء - وهو على ما يقولون - يعني أهل الطواف - فقد سلموا وعطبتم وإن يكن الأمر علي ما تقولون - وليس كما تقولون - فقد استويتم وهم، فقلت له: يرحمك الله وأي شيء نقول وأي شئ يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا. فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحدا؟ وهم يقولون: إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأن في السماء إلهاً، وأنها عمران وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد. قال: فاغتنمتها منه. فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الايمان به؟ فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك: نشوءك ولم تكن وكبرك بعد صغرك وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك وسقمك بعد صحتك وصحتك بعد سقمك ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك وحزنك بعد فرحك وفرحك بعد حزنك وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك وعزمك بعد أناتك وأناتك بعد عزمك وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك ورجاءك بعد يأس ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه.

[عدل]

  • عنه عن بعض أصحابنا رفعه وزاد في حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبو عبد الله عليه السلام، قال: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد الله عليه السلام، فجلس وهو ساكت لا ينطق فقال أبو عبد الله عليه السلام: كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه؟ فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله. فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم عليه السلام: فما يمنعك من الكلام؟ قال: إجلالاً لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك. قال: يكون ذلك ولكن أفتح عليك بسؤال وأقبل عليه فقال له: أمصنوع أنت أو غير مصنوع؟ فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع. فقال له العالم عليه السلام: فصف لي لو كنت مصنوعاً، كيف كنت تكون؟ فبقي عبد الكريم ملياً لا يحير جواباً، وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن كل ذلك صفة خلقه، فقال له العالم: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد، على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت، ثم قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحاً، أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل: «هل في الكيس دينار»؟ فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك: «صف لي الدينار»، وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم؟ قال: لا. فقال: أبو عبد الله عليه السلام: فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة.

فانقطع عبد الكريم وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض. فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: سل عما شئت. فقال: ما الدليل على حدث الأجسام؟ فقال: إني ما وجدت شيئا صغيراً ولا كبيراً إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى، ولو كان قديماً ما زال ولا حال لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الأزل دخوله في العدم ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد. فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثهن؟ فقال العالم عليه السلام: إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فنقول إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شئ إلى مثله كان أكبر وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم كما أن في تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شيء. يا عبد الكريم

فانقطع وخزي، فلما كان من العام القابل التقي معه في الحرم فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم. فقال العالم عليه السلام: هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر بالعالم قال: سيدي ومولاي، فقال له العالم عليه السلام: ما جاء بك إلى هذا الموضع؟ فقال: عادة الجسد وسنة البلد ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة؟ فقال له العالم عليه السلام: أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم فذهب يتكلم فقال له عليه السلام: لا جدال في الحج. ونفض ردائه من يده، وقال: إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول، نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول، نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حزازة فردوني فردوه فمات لا رحمه الله.

3[عدل]

حدثني محمد بن جعفر الأسدي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي الرازي عن الحسين بن الحسن بن برد الدينوري، عن محمد بن علي عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه السلام، قال: دخل رجل من الزنادقة علي أبي الحسن عليه السلام، وعنده جماعة فقال أبو الحسن عليه السلام: أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإياكم شرعاً سواء؟ لا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟ فسكت الرجل، ثم قال أبو الحسن عليه السلام: وإن كان القول وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا؟ فقال: رحمك الله، أوجدني كيف هو وأين هو؟ فقال: ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط، هو أين الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف، فلا يُعرف بالكيفوفية ولا بأينونية ولا يُدرك بحاسة ولا يُقاس بشيء. فقال الرجل: فإذا أنه لا شيء إذا لم يُدرك بحاسة من الحواس؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته! ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شيء من الأشياء. قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان. قال الرجل: فما الدليل عليه؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانياً، فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت أن لهذا مقدراً ومنشئاً.

4[عدل]

علي بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق الخفاف أو عن أبيه، عن محمد بن إسحاق قال: إن عبد الله الديصاني سأل هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى. قال: أقادر هو؟ قال: نعم؛ قادر قاهر. قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة. فقال له: قد أنظرتك حولاً، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه السلام، فاستأذن عليه فأذن له فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي: كيت وكيت. فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام كم حواسك؟ قال خمس. قال: أيها أصغر؟ قال الناظر. قال: وكم قدر الناظر. قال: مثل العدسة أو أقل منها. فقال له: يا هشام، فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى. فقال: أرى سماءاً وأرضاً ودوراً وقصوراً و براري وجبالاً وأنهاراً، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه. وقال: حسبي يا ابن رسول الله وانصرف إلى منزله، وغدا عليه الديصاني فقال له: يا هشام إني جئتك مسلماً، ولم أجئك متقاضياً للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب، فخرج الديصاني عنه حتى أتى باب أبي عبد الله عليه السلام، فاستأذن عليه فأذن له فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد، دلني على معبودي؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما اسمك؟ فخرج عنه، ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟ قال: لو كنتُ قلتُ له: عبد الله، كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد. فقالوا له: عد إليه وقل له: يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك. فرجع إليه فقال له: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام: اجلس. وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ناولني يا غلام البيضة. فناوله إياها، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: يا ديصاني، هذا حصن مكنون له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدري للذكر خُلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبرا؟ قال: فأطرق ملياً، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه.

5[عدل]

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه السلام، وكان من قول أبي عبد الله عليه السلام: لا يخلو قولك أنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرد بالتدبير؟ وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، فإن قلت أنهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار والشمس والقمر؛ دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى نكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة، قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: وجود الأفاعيل دلت على أن صانعاً صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانياً، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟ قال: فما هو؟ قال: شيء بخلاف الأشياء، ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغيره الأزمان.

6[عدل]

محمد بن يعقوب قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كفى لأولي الألباب بخلق الرب المسخر، وملك الرب القاهر، وجلال الرب الظاهر، ونور الرب الباهر وبرهان الرب الصادق، وما أنطق به ألسن العباد، وما أرسل به الرسل، وما أنزل على العباد دليلاً على الرب.