مجموع الفتاوى/المجلد التاسع عشر/فصل في قوله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
فصل في قوله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
قال الله تعالى لنا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا }، إلى قوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ }، إلى قوله: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } 1.
فأمرنا بملازمة الإسلام إلى الممات، كما أمر الأنبياء جميعهم بالإسلام، وأن نعتصم بحبله جميعًا ولا نتفرق، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، وذكر أنه تَبْيَضُّ وجوه وتَسْوَدُّ وجوه، قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرق، وذكر أنه يقال لهم: { أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } 2، وهذا عائد إلى قوله: { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } فأمر بملازمة الإسلام، وبين أن المسودة وجوههم أهل التفرق والاختلاف، يقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ وهذا دليل على كفرهم وارتدادهم، وقد تأولها الصحابة في الخوارج.
وهذا نظير قوله للرسل: { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } 3، وقد قال في البقرة: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ } الآية 4، وقال أيضا: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } 5، وقال تعالى: { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } 6، وقال تعالى: { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 7، { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } 8، وقال تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } الآية 9، { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } الآية 10، ونظيرها في الجاثية.
وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } 11، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } 12.
هامش
- ↑ [آل عمران: 102 110]
- ↑ [آل عمران: 160]
- ↑ [الشورى: 31]
- ↑ [البقرة: 213]
- ↑ [الأنعام: 159]
- ↑ [المؤمنون: 53]
- ↑ [يونس: 105]
- ↑ [الروم: 32]
- ↑ [آل عمران: 19]
- ↑ [البينة: 4]
- ↑ [النساء: 59]
- ↑ [الحشر: 10]