مجموع الفتاوى/المجلد التاسع عشر/فصل الكتاب والسنة والإجماع واجبة الاتباع
فصل الكتاب والسنة والإجماع واجبة الاتباع
[عدل]الكتاب والسنة والإجماع، وبإزائه لقوم آخرين المنامات والإسرائيليات والحكايات؛ وذلك أن الحق الذي لا باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا، ويعرف بالكتاب والسنة والإجماع، وأما ما لم تجئ به الرسل عن الله، أو جاءت به ولكن ليس لنا طريق موصلة إلي العلم به، ففيه الحق والباطل؛ فلهذا كانت الحجة الواجبة الاتباع للكتاب والسنة والإجماع، فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال، عام الوجوب، لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحد الخروج عن شيء مما دلت عليه، وهي مبنية على أصلين:
- أحدهما: أن هذا جاء به الرسول.
- والثاني: أن ما جاء به الرسول وجب اتباعه.
وهذه الثانية إيمانية ضدها الكفر والنفاق، وقد دخل في بعض ذلك طوائف من المتكلمة والمتفلسفة والمتأمرة والمتصوفة؛ إما بناء على نوع تقصير بالرسالة، وإما بناء على نوع تفضل عليها، وإما على عين إعراض عنها، وإما على أنها لا تقبل إلا في شيء يتغير، كالفروع مثلا دون الأصول العقلية أو السياسية، أو غير ذلك من الأمور القادحة في الإيمان بالرسالة.
أما الأولي، فهي مقدمة علمية مبناها على العلم بالإسناد والعلم بالمتن، وذلك لأهل العلم بالكتاب والسنة والإجماع لفظًا ومعني، وإسنادًا ومتنًا، وأما ما سوى ذلك، فإما أن يكون مأثورًا عن الأنبياء أو لا:
أما الأول: فيدخل فيه الإسرائيليات مما بأيدي المسلمين وأيدي أهل الكتاب، وذلك قد لَبِسَ حقه بباطله، قال النبي ﷺ: «إذا حَدَّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه، وإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه»، ولكن يسمع ويروي إذا علمنا موافقته لما علمناه؛ لأنه مؤنس مؤكد، وقد علم أنه حق، وأما إثبات حكم بمجرده فلا يجوز اتفاقًا، وشرع من قبلنا إنما هو شرع لنا فيما ثبت أنه شرع لهم، دون ما رووه لنا، وهذا يغلط فيه كثير من المتعبدة والقصاص وبعض أهل التفسير، وبعض أهل الكلام.
وأما الثاني: فما يروي عن الأوائل من المتفلسفة ونحوهم، وما يلقي في قلوب المسلمين يقظة ومنامًا، وما دلت عليه الأقيسة الأصلية أو الفرعية، وما قاله الأكابر من هذه الملة علمائها وأمرائها فهذا التقليد والقياس والإلهام فيه الحق والباطل، لا يرد كله، ولا يقبل كله، وأضعفه ما كان منقولا عمن ليس قوله حجة بإسناد ضعيف، مثل المأثور عن الأوائل، بخلاف المأثور عن بعض أئمتنا مما صح نقله، فإن هذا نقله صحيح، ولكن القائل قد يخطئ وقد يصيب، ومن التقليد تقليد أفعال بعض الناس، وهو الحكايات.
ثم هذه الأمور لا ترد ردًا مطلقًا لما فيها من حق موافق، ولا تقبل قبولا مطلقًا لما فيها من الباطل، بل يقبل منها ما وافق الحق، ويرد منها ما كان باطلا.
والأقيسة العقلية الأصلية والفرعية الشرعية هي من هذا الباب، فليست العقليات كلها صحيحة، ولا كلها فاسدة، بل فيها حق وباطل، بل ما في الكتاب والسنة والإجماع، فإنه حق ليس فيه باطل بحال، فما علم من العقليات أنه حق فهو حق، لكن كثير من أهلها يجعلون الظن يقينًا بشبهة وشهوة، وهم: { إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى } 1، ويدلك على ذلك كثرة نزاعهم مع ذكائهم في مسائل ودلائل يجعلها أحدهم قطعية الصحة، ويجعلها الآخر قطعية الفساد، بل الشخص الواحد يقطع بصحتها تارة وبفسادها أخري، وليس في المنزل من عند الله شيء. أكثر ما في الباب أنه إذا تمني ألقي الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ويحكم الله آياته، والله علىم حكيم، فغاية ذلك غلط في اللسان يتداركه الله فلا يدوم.
وجميع ما تلقته الأمة عن الرسول ﷺ حق لا باطل فيه، وهدي لا ضلال فيه، ونور لا ظلمة فيه، وشفاء ونجاة.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
هامش
- ↑ [النجم: 23]