كتاب الأم/كتاب الحدود/جناية معلم الكتاب
[أخبرنا الربيع] قال: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومعلم الكتاب والآدميين كلهم مخالف لراعي البهائم وصناع الأعمال فإذا ضرب أحد من هؤلاء في استصلاح المضروب أو غير استصلاحه فتلف المضروب كانت فيه ديته على عاقلة ضاربه ولا يرفع عن أحد أصاب الآدميين العقل والقود في دار الإسلام إلا الإمام يقيم الحد فإن هذا أمر لازم ولا يحل له تعطيله، ولو عزر فتلف على يديه كانت فيه الدية والكفارة وإن كان يرى أن التعزير جائز له وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى. وقد كان يجوز تركه ولا يأثم من تركه فيه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله ﷺ كانت غير حدود فلم يضرب فيها، منها الغلول في سبيل الله وغير ذلك ولم يؤت بحد قط فعفاه. والموضع الثاني: الذي يبطل فيه العقل والقود رجل يعطي الختان فيختنه والطبيب فيفتح عروقه أو يقطع العرق من عروقه خوف أكلة أو داء فيموت في ذلك فلا نجعل فيه عقلا ولا قودا من قبل أنه فعله بصاحبه بإذنه ففعله كفعله بنفسه إذا كان الذي فعل به ذلك بالغا حرا أو مملوكا بإذن سيده فإن كان مملوكا بغير إذن سيده ضمن قيمته. فإن قال قائل: كيف يسقط عن الإمام أن يقتص في الجرح ويقطع في السرقة ويجلد في الحد فلا يكون فيه عقل ولا قود ويكون الإمام إذا أدب وله أن يؤدب ضامنا تلف المؤدب. قيل: الحد والقصاص فرض من الله عز وجل على الوالي أن يقيمه فلا يحل له ترك إقامته والتعزير كما وصفت إنما هو شيء وإن رأى بعض الولاة أن يفعله على التأديب لا يأثم بتركه. وقد قيل بعث عمر إلى امرأة في شيء بلغه عنها فأسقطت فاستشار فقال له قائل أنت مؤدب فقال له علي رضي الله عنه إن كان اجتهد فقد أخطأ وإن كان لم يجتهد فقد غش، عليك الدية. فقال عزمت عليك لا تجلس حتى تضربها على قومك وبهذا ذهبنا إلى هذا وإلى أن خطأ الإمام على عاقلته دون بيت المال وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا من مات في حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي ﷺ فمن مات فيه فديته إما قال على بيت المال وإما قال على الإمام وكان معلم الكتاب والعبيد وأجراء الصناعات في أضعف وأقل عذرا بالضرب من الإمام يؤدب الناس على المعاصي التي ليست فيها حدود وكانوا أولى أن يضمنوا ما تلف من الإمام.
فأما البهائم فإنما هي أموال حكمها غير حكم الأنفس. ألا ترى أن الرجل يرمي الشيء فيصيب آدميا فيكون عليه فيه تحرير رقبة لم يقصد قصد معصية والمأثم مرفوع عنه في الخطأ ويكون عليه دية وأن الله عز وجل وعد قاتل العمد النار وليس البهائم في شيء من هذا المعنى والآدميون يؤدبون على الصناعات بالكلام فيعقلونه وليس هكذا مؤدب البهائم فإذا خلى رب البهيمة بينها وبين الرجل بما يجوز له ففعله فإنما يفعله عن أمره أو بأمر الحاكم فيه أنه كأمره إذا كان ذلك غير تعد وهو لو أمره في البهيمة بعدوان فأمره بقتلها فقتلها لم يضمن له شيئا من قبل أنه إنما فعله عن أمره فلا يضمن له ماله عن أمره ولو كان آثما ولو أمره بقتل أبيه فقتله لم يسقط عنه ذلك كما يسقط عنه في البهيمة.