كتاب الأم/كتاب الحج/باب قتل الصيد خطأ
[قال الشافعي]: قال الله - تبارك وتعالى {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا}.
[قال الشافعي]: يجزي الصيد من قتله عمدا أو خطأ، فإن قال قائل: إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد عمدا وكيف أوجبته على قاتله خطأ؟ قيل له إن شاء الله: إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ؟ قيل أوجبته في الخطأ قياسا على القرآن والسنة والإجماع فإن قال فأين القياس على القرآن؟ قيل قال الله - عز وجل - في قتل الخطأ {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} وقال {فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} فلما كانت النفسان ممنوعتين بالإسلام والعهد فأوجب الله - عز وجل - فيهما بالخطأ ديتين ورقبتين كان الصيد في الإحرام ممنوعا بقول الله - عز وجل - {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى {هديا بالغ الكعبة}. ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان أو طائر أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى قال الله - عز وجل - {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} فلما كان الصيد محرما كله في الإحرام وكان الله - عز وجل - حكم في شيء منه بعدل بالغ الكعبة كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لا يتفرق كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطإ، فإن قال قائل: فمن قال هذا معك؟ قيل الحجة فيه ما وصفت وهي عندنا مكتفى بها وقد قاله ممن قبلنا غيرنا قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء قول الله - عز وجل - {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا} قلت له فمن قتله خطأ أيغرم؟ قال: نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت الناس يغرمون في الخطإ.
[قال الشافعي]: فإن قال قائل فهل شيء أعلى من هذا؟ قيل شيء يحتمل هذا المعنى، ويحتمل خلافه فإن قال ما هو؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قريب.
[قال الشافعي]: فيحتمل أن يكونا أوطآ الضب مخطئين بإيطائه وأوطآه عامدين له فقال لي قائل هل ذهب أحد في هذا خلاف مذهبك؟ فقلت: نعم قال فاذكره قلت: أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول: ومن قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا لحرمه أو أراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفر عنه من النعم قال فما يعني بقوله فقد أحل؟ قلت أحسبه يذهب إلى أحل عقوبة الله، قال أفتراه يريد أحل من إحرامه؟ قلت ما أراه ولو أراده كان مذهب من أحفظ عنه خلافه ولم يلزم بقوله حجة، قال فما جماع معنى قوله في الصيد؟ قلت إنه لا يكفر العمد الذي لا يخلطه خطأ، ويكفر العمد الذي يخلطه الخطأ.
قال: فنصه، قلت يذهب إلى أنه إن عمد قتله ونسي إحرامه ففي هذا خطأ من جهة نسيان الإحرام وإن عمد غيره فأصابه ففي هذا خطأ من جهة الفعل الذي كان به القتل، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {ومن قتله منكم متعمدا} لقتله ناسيا لحرمه فذلك الذي يحكم عليه ومن قتله متعمدا لقتله ذاكرا لحرمه لم يحكم عليه، قال عطاء: يحكم عليه ويقول عطاء نأخذ، فإن قال قائل فهل يخالف هذين المذهبين أحد؟ قلت: نعم، قال غيرهم من أهل العلم: يحكم على من قتله عمدا، ولا يحكم على من قتله خطأ بحال.