رسالة السجزي إلى أهل زبيد/الفصل السابع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الفصل السابع: في بيان فعلهم في إثبات الصفات في الظاهر وعدولهم إلى التأويل في الباطن

وينبغي أن يتأمل قول الكلابية والأشعرية في الصفات، ليعلم أنهم غير مثبتين ( إلها ) في الحقيقة وأنهم يتخيرون من النصوص ما أرادوه ويتركون سائرها ويخالفونه.

من ذلك اعترافهم بأن الله سبحانه يدين بذلك ورد النص في الكتاب والأثر قال الله تعالى { لما خلقت بيدي } وقال النبي ( وكلتا يدي الرحمن يمين ).

وعند الكلابية أن له يد واحدة ومن أثبت له يدي صفة فقد ضل. ثم فسروا اليد وعدلوا في التفسير عن الظاهر إلى تأويل مخالف له فعادوا إلى المعتزلة. والأشعري أثبت يدين لكنه وافق ابن كلاب في التأويل.

وكل حديث جاء في الصحيح مما يتعلق [ بالصفات ] عدلوا به إلى معنى غير الصفة. منها حديث ابن مسعود عن النبي في قوله : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ) فقال: ( يحمل السماوات على أصبع والأرضين على أصبع ). ومنها حديثه الثابت عنه عليه السلام: ( قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ) رواه النواس بن سمعان وجماعة من الصحابة رحمهم الله.

ومنها حديث أبي هريرة عن النبي : ( يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين ). وحديث أبي رزين في معناه.

ومن ذلك الغضب والرضى وغير ذلك وقد نطق القرآن بأكثرها. وعند أهل الأثر أنها صفات ذاته لا يفسر منها إلا ما فسره النبي أو الصحابي بل نمر هذه الأحاديث على ما جاءت بعد قبولها والإيمان بها والاعتقاد بما فيها بلا كيفية.

ولأبي بكر بن فورك الأصبهاني كتابان في تفسير ما ورد في القرآن من الصفات ومعنى ما جاء في الحديث الصحيح منها ما يخالف..... أهل السنة ومن أتقن السنة ثم تأمل كتابيه بان له خلاف أبي بكر بن فورك وأصحابه للحق.

والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضررا على عوام أهل السنة من هؤلاء لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تموه بل قالت: إن لله يد بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي وإنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة ولا إرادة ولا كلام ولا صفات مضافة إلى ذاته لازمة لها بل هذه الأشياء أفعال له محدثة في غيره وأن القرآن مخلوق وإن من مات من غير توبة من أصحاب الكبائر خلد في النار مع الكفار وإن الحوض والشفاعة والميزان لا أصل لها وإن من زنا أو سرق أو ارتكب كبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر وسمي فاسقا وإن الدار إذا (لم) يظهر فيها قولهم دار حرب وإن من انتحل مذهب أهل الأثر واعتقد ما في الأحاديث على ظاهرها حشوي وعند التحقيق كافر.

فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدّوهم أعداء.

والكلابية والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه وقولهم في القرآن حيره يدعون قرأنا ليس بعربي وأنه الصفة الأزلية وأما هذا النظم العربي فمخلوق عندهم. ويقولون: الإيمان التصديق. وعلى أصلهم أن من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو مؤمن ( لأمرين ):

أحدهما: أن الأصل الإيمان عندهم المعرفة كما قال جهم.

والثاني: أن الكلام معنى في النفس فهو إذا صدق بقلبه فقد تكلم على أصلهم به.

وعند أهل الأثر أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وعلماء الآفاق المتبعون كلهم على هذا القول ومخالفونا هؤلاء يقولون معنا في الظاهر مثل ذلك وعندهم أن التصديق لا مدخل للزيادة والنقصان فيه وهو الإيمان.

وعند المعتزلة أن الاسم غير المسمى وأن أهل السنة عندهم أن الاسم هو المسمى وقد نص على ذلك جماعة من الأئمة كالشافعي والأصمعي وعند الأشعري أن الاسم الذي نختلف فيه ليس هو المسمى ولا هو غير المسمى وعند المعتزلة أن الذي تحويه دفتا المصحف قرآن وكذلك ما وعته الصدور وكذلك ما يتحرك به لسان القارئ وكل ذلك مخلوق.

وعند أهل السنة أن ذلك قرآن غير مخلوق وعند الأشعري أنه مخلوق وليس بقرآن وإنما هو عبارة عنه.

وكذلك كثير من مذهبه يقول في الظاهر بقول أهل السنة مجملا ثم عند التفسير والتفصيل يرجع إلى قول المعتزلة فالجاهل يقبله بما يظهره والعالم يجهره لما منه يخبره والضرر بهم أكثر منه بالمعتزلة لإظهار أولئك ومجاوبتهم أهل السنة وإخفاء هؤلاء ومخالطتهم أهل الحق. نسأل الله السلامة من كل برحمته.

رسالة السجزي إلى أهل زبيد لأبي نصر السجزي
المقدمة | الفصل الأول في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب | الفصل الثاني في (بيان ما هي السنة وبم يصير المرء من أهلها) | الفصل الثالث في التدليل على أن مقالة الكلابية وأضرابهم مؤدية إلى نفي القرآن أصلا وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة | الفصل الرابع في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الخامس بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل السادس في إيراد الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة وأن ما عري عنهما لم يكن كلاما في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزا واتساعا وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما | الفصل السابع بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل الثامن في بيان أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات | الفصل التاسع في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم | الفصل العاشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الحادي عشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه