رسالة السجزي إلى أهل زبيد/الفصل الحادي عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الفصل الحادي عشر: في الحذر من الركون إلى كل أحد والأخذ من كل كتاب لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر

اعلموا رحمنا وإياكم الله سبحانه أن هذا الفصل من أولى هذه الفصول بالضبط لعموم البلاء وما يدخل على الناس بإهماله، وذلك أن أحوال أهل الزمان قد اضطربت والمعتمد فيهم قد عز ومن يبيع دينه بعرض يسير أو تحببا إلى من يراه قد كثر (والكذب على المذاهب قد انتشر فالواجب ) على كل مسلم يحب الخلاص ( أن ) لا يركن إلى كل أحد ولا يعتمد على كل كتاب ولا يسلم عنانه إلى من أظهر له الموافقة.

فلقد وقفت على رسالة عملها رجل من أهل أصبهان يعرف بابن اللبان وهو حي بعد فيما بلغني وسماها ب " شرح مقالة الإمام الأوحد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل " وذكر فيها مذهب الأشعري المخالف لأحمد ( أعطى ) منها نسخا إلى جماعة يطوفون بها في البلاد ويقولون هذا إمام من ( أئمة أصحاب ) أحمد رحمة الله عليه قد شرح مقالته لكتبها العوام ويظنوا صدق الناقل فيقعوا في الضلالة وأخرج هذا الرجل من بغداد بهذا السبب وعاد إلى أصبهان وهو من أصحاب أبي بكر بن الباقلاني.

وها هنا بمكة معنا من شغله برواية الحديث أكثر وقته و( يصيح ) أنه ليس بأشعري ثم يقول ( رأيت منهم أفاضل ومن التراب تحت رجله أفضل من خلق وإذا قدم البلد رجل منهم قصده قاضيا لحقه وإذا دخله رجل من أصحابنا جانبه وحذر منه وكلما ذكر بين يديه شيخ من شيوخ الحنابلة وقع فيه وقال: أحمد نبيل لكنه بلي بمن يكذب )

وهذا مكر منه لا يحيق إلا به.

ولو جاز أن يقال: إن أصحاب أحمد كذبوا عليه في الظاهر من مذهبه والمنصوص [ عليه ] لساغ أن يقال إن أصحاب مالك والشافعي وغيرهما كذبوا عليهم فيما نقلوه عنهم وهذا لا يقوله إلا جاهل رقيق الدين قليل الحيا.

ومن الناس من يظهر الرد على الأشعرية ويقول: ما أتكلم في الحرف والصوت ومن كان هكذا لم يخل أمره من أحد وجهين: إما أن يكون غير خبير بمذهب أهل الأثر وهو يريد التظاهر به تكسبا أو تحببا.

وإما أن يكون من القوم فيتظاهر بمخالفتهم ليدلس قولهم فيما يقولونه فيقبل منه أو يحسن قبيحهم فيتابع عليه ظنا أنه مخالف لهم وكثيرا ما يتم على أهل السنة مثل هذا.

فمن رام النجاة من هؤلاء والسلامة من الأهواء فليكن ميزان الكتاب والأثر في كل ما يسمع ويرى فإن كان عالما بهما عرضه عليهما واتباعه للسلف.

ولا يقبل من أحد قولا إلا وطالبه على صحته بآية محكمة أو سنة ثابتة أو قول صحابي من طريق صحيح.

وليكثر النظر في كتب السنن لمن تقدم مثل: أبي داود السجستاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وأبي بكر الأثرم وحرب بن إسماعيل السيرجاني وخشيش بن أصرم النسائي وعروة بن مروان الرقي وعثمان بن سعيد الدارمي السجستاني.

وليحذر تصانيف من تغير حالهم فإن فيها العقارب وربما تعذر الترياقي ولقد قال بعض السلف: ( سمعت مبتدعا ) في...... قولا اجتهد في إخراجه من قلبي وسمعي ولا يتم لي ذلك.

وكان ( ابن ) طاووس يسد أذنه إذا سمع مبتدعا يتكلم ويقول: القلب ضعيف.

وليكن من قصد من تكلم في السنة اتباعها وقبولها لا مغالبة الخصوم فإنه يعان بذلك عليهم وإذا أراد المغالبة ربما غلب.

وقال الحسن: ( المؤمن ينشر حكمة الله فإن قبلت منه حمد الله وإن ردت عليه حمد الله ) وموضع الحمد في الرد أنه وفق لأداء ما عليه.

وقال الهيثم بن جميل: قلت لمالك بن أنس يا أبا عبد الله الرجل يكون عالما بالسنة يجادل عليها؟ قال: لا. يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا أمسك ) .

[ وقال العباس بن غالب الهمداني الوراق قلت لأحمد بن حنبل رحمه الله: يا أبا عبد الله أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم مبتدع فيه أرد عليه؟ فقال لا تنصب نفسك لهذا، قال: أخبر بالسنة ولا تخاصم. فأعدت عليه القول فقال ما أراك إلا مخاصما.]

وروي عن النبي أنه قال: ( إذا أراد الله بقوم شرا ألقى بينهم الجدل وخزن العمل ) وقيل للحسن بن أبي الحسن البصري نجادلك؟ فقال: لست في شك من ديني ). وقال مالك بن أنس ( أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد لجدله ) وقال حسان بن عطية لغيلان إنك وإن أعطيت لسانا فإنا نعلم أنا علي حق وإنك على الباطل.

وقال النبي عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة بدعة.

وقال الأوزاعي ( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول ).

فليحذر كل مسلم مسئول ومناظر من الدخول فيما ينكره على غيره وليجتهد في اتباع السنة واجتناب المحدثات كما أمر وليعلم أن الله سبحانه لو أراد أن يكل الأمر إلى الناس ويأمرهم بالاجتهاد فيه برأيهم لفعل لكنه أبى ذلك وأمرهم ونهاهم ثم ألزمهم الاجتهاد في القيام بما أمروا به واجتناب ما نهوا عنه.

وأنا أرجو أن من تأمل هذه الرسالة حق التأمل وجد فيها بتوفيق الله سبحانه شفاء غليله وأسأل الله تعالى أن يجعل قيامي بها لوجهه خالصا وأن ينفع بها من نظر فيها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

(تمت الرسالة والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا وآله وسلم تسليما كثيرا ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.)

رسالة السجزي إلى أهل زبيد لأبي نصر السجزي
المقدمة | الفصل الأول في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب | الفصل الثاني في (بيان ما هي السنة وبم يصير المرء من أهلها) | الفصل الثالث في التدليل على أن مقالة الكلابية وأضرابهم مؤدية إلى نفي القرآن أصلا وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة | الفصل الرابع في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الخامس بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل السادس في إيراد الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة وأن ما عري عنهما لم يكن كلاما في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزا واتساعا وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما | الفصل السابع بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل الثامن في بيان أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات | الفصل التاسع في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم | الفصل العاشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الحادي عشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه