العقد الفريد/الجزء الثاني/26

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

وذَكر أعرابيّ رجلاً. فقال: إنْ حَدثته سابقك إلى ذلك الحَدِيث وإن سَكَتّ عنه أخذ في التُرهات. وذكرَ أعرابي أميراً فقال: يَصِل النَّشْوَة ويَقْضي بالعَشْوَة ويَقْبَل الرِّشْوةَ. وذكر أعرابيّ رجلاً راكباً هواه فقال: لهو واللهّ أسْرع إلى ما يهوَاه من الأسَن إلى راكد المياه أفقره ذلك أو أغنَاه. وقال أعرابيّ: ليتَ فلاناً أقَالَني من حُسْن ظَنِّي به فأخْتِمَ بصَوَاب إذ بدأتُ بخطأ ولكنْ من لم تُحْكِمْهُ التَجَارب أسْرَع بالمَدْح إلى مَنْ يَسْتوجب الذّم وبالذّم إلى مَن يَسْتوجب المَدْح. وقال أعرابيّ لرجل: هل أنتَ إلا أنتَ لم تتغيّر ولو كُنت من حدِيد ووُضعتَ في أتُون مَحْمِيّ لم تَذُب. وسمعتُ أعرابياً يقول لأخيه: قد كنتُ نَهيتُكَ أن تُدَنِّس عِرْضك بعِرْض فلان وأعلمتُك أقْبَل أعْراب! إلى سَوَار فلم يصَادف عنده ما أحب فقال فيه: رأيتُ لي رُؤيا وعَبَّرْتُها وكنتُ للأحْلام عبّارَا بأنني أخبِطَ في لَيْلَتي كَلبًا فكان الكَلْبُ سَوَّارا وقال أعرابي في ابن عم له يُسَمَّى زِيَاداً: مَنْ يُقَادِرْ مَن يُطَافِس مَن يُناذل بِزِياد مَن يُبادلني قريباً ببعيد مِن إيَادِ وقال سَعِيد بن سَلْم الباهليّ: مدَحَني أعرابي فاسْتَبطأ الثواب فقال: لكلِّ أخِي مَدْحٍ ثوابٌ يعده وليسِ لِمَدْح الباهلي ثَوَابُ مَدَحْتُ سَعِيداً والمَدِيحُ مهَزَةٌ فكان كَصَفْوَانٍ عليه ترَابُ وقاد أيضاً: وإنّ مِن غايةِ حِرْص الفَتَى طِلاَبُه المَعْروفَ في باهِلَهْ كبِيرُهم وَغد وَمَوْلودهم تَلْعَنُه من قُبْحِه القابِلَه وقال أيضاً: سَبَكْنَاهُ ونَحْسَبه لُجَيْنًا فأبْدَى الكير عن خبَثِ الحديدِ لما رَآنا فَرَّ بوَّابُه وانسَد َمن غير يَدٍ بابُه وعِنْده مِن مَقْته حاجب يَحْجُبه إن غاب حُجَّابُه دَخَل أعرابيّ على المُساور بن هِنْد وهو على الري فلم يُعْطِه شيئاً فخرج وهو يقول: أتيتُ المُساوِرَ في حاجَةٍ ما زَالَ يَسْعُل حتى ضَرَطْ وَحَكً قَفَاه بِكًرْ سُوعِه ومسحَ عُثْنُونه وامْتَخَط فأمْسكتُ عن حاجَتي خِيفة لأخرى تُقَطّعُ شَرْجَ السَّفَط فأقسم لوعُدْت في حاجَتي للطَّخ بالسًلْح وَشي النَّمَط وقال غَلِطْنَا حِسَاب الخَرَاج فقلتُ من الضّرْط جاء الغَلَط وكان كلما ركب صاح الصِّبيان: من الضّرْط جاء الغلط حتى هَرَب من غير عَزْل إلى بلاد أَصْبهان. أبو حاتِم عن أبي زَيْد قال: أنشدنا أعرابيّ في رجل قَصِير: يَكاد خَلِيلي من تَقارُب شَخْصِه يَعَضُ القُرَادُ باسْته وهو قائمُ وذَكَر أعرابيّ امرأة قَبيحة فقال: تُرْخِى ذَيْلها على عُرْقوبي نَعامة وتَسْدِل العُتْبي قال: سَمعتُ أعرابياً يقول: لا تَرك اللهّ مخًّا في سُلامَى ناقة حَمَلتْني إليك والدَّاعي عليها أحقُّ بالدَعاء عَليك إذ كلَّفها المسيرَ إليك وقال أعرابي لابن الزبير بوركت ناقة حملتني إليك. قال: إنّ وصاحبها. قوله: إن يُريد: نعم. قال ابن قيس الرقيّات: ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا ك وقد كَبِرْتَ فقلتَ إنَّه يريد: نعم. وذَكر أعرابيّ رجلاً فقال: لا يُؤْنِسُ جارًا ولا يُؤهل دارا ولا يُثْقِب نارا. وسأل أعرابيّ رجلاً فَحَرمه فقال له أخوه: نزلتَ واللهّ بوادٍ غير مَمطور وبرجُل غير مَبْرورِ فارتحِل بنَدَم أو أقِمْ بعَدَم. ودخلت أعرابية على حَمدونة بنت المهديّ فلما خرجت سُئلت عنها فقالت: والله لقد رأيتُها فما رأيتُ طائلا كأنَّ بطنها قِرْبة وكأنَّ ثَدْيها دَبّة وكأن استها رقعة وكأن وَجْهها وَجْه ديك قد نفَش عِفْرِيَتَه يُقاتل ديكا. وصاحَبَ أعرابي امرأة فقال لها: والله إنك لمُشْرفة الأذنين جاحظة العَيْنين ذات خَلْق مُتضائل يُعْجبكِ الباطل إنْ شَبِعتِ بَطِرْت وإن جُعْت صَخِبْت وإن رأيتِ حَسنًا دَفَنْته وإن رأيتِ سَيِّئا أذعْتِه تُكْرمين من حَقَرك وتُحَمّرين مَن أكْرَمكِ. وهَجَا أعرابيّ امرأته فقال: يا بِكْرَ حَوَّاء من الأولاد وأمَ آلافٍ مِنَ العِبَادِ عُمْرك مَمْدُود إلى التَّنادي فحدِّثينا بحديث عاد إني من شخصك في جهاده وقال أعرابيّ في امرأة تَزَوَّجها وذُكِر له أنها شابة طريّة ودَسوا إليه عَجوزاً: عَجوز تُرَجِّى أن تكون فَتِيّة وقد نَحَل الجَنْبَان واحدودب الظَّهْر تَدُسىّ إلى العطّارِ سِلعة أهلها وهل يُصْلِح العطار ما أفْسَدَ الدهر تَزوّجتها قبل المِحَاق بلَيْلةٍ فكان مَحاقاً كلُه ذلك الشَهر وما غرَّني إلاخِضَابٌ بكفِّها وكُحْل بعَيْنَيْها وأثْوَابُها الصُفْر وقال فيها: ولا تستطيع الكُحْلَ من ضِيق عَيْنها فإن عالَجتْه صار َفوق المحَاجِر وفي حاجبَيها حَزَّة كغِرارة فإن حُلِقا كانت ثلاثُ غَرَائر وثَدْيان أما واحدٌ فهو مِزْوَد وآخرً فيه قِرْبة لمُسافر وقال فيها: لها جِسم بُرْغوث وساقا بَعُوضة ووَجْه كَوَجْه القِرْد أو هو أقْبَحُ تُبَرِّقُ عَيْنيها إذا ما رَأيتها وتَعْبِس في وَجْهِ الضَّجيع وتَكْلح إذا عاينَ الشيطان صُورة وَجْهها تَعَوَذ منها حين يُمْسى وُيصْبح وقال أعرابي في سَوْداء: كأنها والكُحْل في مِرْوَدها تَكْحَل عَيْنَيها ببعض جِلْدِها وقال فيها: أشْبَهك المِسْكُ وَأشْبَهته قائمةً في لَوْنه قاعِدَهْ لاشَكّ إذ لَوْنُكما وَاحدٌ أنكما من طِينَة واحده ولآخر في عجوز: عجوز تُطَيِّب لي نَفسَها وقد عَطَلَ الدهرُ مِسْواكها فمن ناكها أبداً طائعاً فناك أباه كما ناكها وقال كُثَيّر في نُصَيْب بن رَباح وكان أسْود: رأيتُ أبا الحَجْنَاء في الناس حائرا ولونُ أبي الحَجْناء لوْن البَهائم تَرَاه على ما لاحَه من سَوَاده وإن كان مَظْلوما له وَجْه ظالم وقال رجل من العُمّال لأعرابيّ: ما أحْسبك تَعْرف كم تُصَلّي في كل يوم وليلة فقال له: فإن عرفتُ أتجعل لم على نَفْسك مسألة قال: نعم قال: ثم صَلاة الفَجْر لا تُضيَّعِ قال: صدقت. هات مسألتك قال له: كم فِقارُ ظَهْرك قال: لا أدري قال: أفتَحْكم بين الناس وتجهل هذا من نَفسك! قولهم في الغزل ذَكر أعرابي امرأة فقال: لها جلد من لؤلؤ مع رائحة المِسْك وفي كل عُضْو منها شَمْس طالعة. وذَكَر أعرابيّ امرأة وَدَعها للمسير: واللهّ ما رأيْتُ دَمْعة تَرقرق من عين بإثمد على دِيباجة خَدّ أحسنَ من عَبْرة أمْطرتْها عينُها فأعْشب لها قَلبي. وسمعت أعرابياً يقول: إنّ لي قَلْباً مَروعاً وعَيْنا دَمُوعا فماذا يَصنعُ كلّ واحد منهما بصاحبه مع أن داءَهما دَواؤهما وسُقْمَهما شِفاؤهما وقال أعرابي: دخلتُ البصرةَ فرأيتُ أعْيُنًا دُعْجا وحواجبَ زُجّا يَسْحَبن الثّيَاب ويَسْلُبن الألباب. وذكر أعرابيّ امرأة فقال: خلوتُ بهما ليلةً يُرينيها القَمر فلما غاب أرَتْنِيه قلتُ له فما جرى بَينكما فقال: أقرب ما أحلَّ الله مما حرَّم الإشارةُ بغير باس والتقرّب من غير مَساس. وذكر أعرابي امرأة فقال: هي أحسنُ من السماء وأطيبُ من الماء. قال: وسمعت أعرابياً يقول: ما أشدّ جَوْلةَ الرأي عند الهَوَى وفِطامَ النَّفس عن الصَبا ولقد تقطعتْ كَبدي للعاشقين لَوْمُ العاذلين قِرَطة في آذانهم ولَوْعات الحُبّ حِبَرات على أبدانهِم مع دُموع على المغاني كغًروب السَّواني. وذكر أعرابي امرأة فقال: لقد نعِمَتْ عينٌ نَظَرتْ إليها وشَقِيَ قلْب تَفَجَّع عليها ولقد كنتُ أزورها عند أَهْلها فَيُرحِّب بي طَرْفُها ويَتَجهمنىِ لِسَانُها قيل له: فما بلغ من حُبّك لها قال: إني لذاكرٌ لها وبيني وبينها عَدْوة الطائر فأجد لذِكرها ريح المِسْك. وذَكرَ أعرابيّ نِسْوة خَرَجنَ متنزّهات فقال: وُجوه كالدّنانير وأعناق كأعْناق اليَعَافير وأوْساط كأوساط الزَّنابير أَقْبلن إلينا بحُجُول تَخْفِق وأوْشحة تَقْلَق فكم من أَسير لهنّ وكم مُطْلق. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: أتبعتُ فلانة إلى طَرَابُلْس الشام والحَريص جاهِد والمُضِلّ ناشِد ولو خُضْت إليها النار ما ألمتهَا. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: الهَوَى هَوَان ولكنْ غُلِط باسمه وإنما يَعْرف ما أقول مَن أبْكَتْه المنازلُ والطلول. وقال أعرابيّ: كنتُ في شبَابي أعَضّ على المَلام عَضّ الجَواد على اللِّجام حتى أخذ الشَّيْب بعِنَان شَبَابي. وذكر أعرابيّ امرأة فقال إنّ لسَاني بذِكْرها لَذَلول وإنّ حُبّها لِقَلْبي لَقَتُول وإِنّ قصير اللّيل بها لَيَطُول. وَصَف أعرابي نساءً ببلاغة وجَمال فقال: كلامُهنَ أقتلُ من النّبْل وأو وْقع بالقَلْب من الوَبْل بالمَحْل وفُرُوعهنّ أحْسن من نروع النَخْل. ونَظَر أعرابي إلى امرأة حَسْناء جميلة تُسمَى ذَلْفَاء ومعها صَبِيْ يَبكي وكلما بكى قبلته فأنشأ يقول: يا لَيتَني كنتُ صَبِيّا مُرضَعَا تَحْمِلُني الذَلْفَاءُ حَوْلا اكْتَعَا إذا بَكَيْتُ قبلتني في أرْبعا فلا أزال الدَهر أبْكي أجْمَعا وأنشد أبو الحسن عليُّ بن عبد العزيز بمكة لأعرابي: قد أعصرت أو قد دنا إعْصَارُها يَطِيرُ من غُلْمتها إزارُها العُتْبي قال: وَصف أعرابيّ امرأة حَسْناء فقال: تَبْسم عن حُمْش اللثات كأقاحي النَبَات فالسعيدُ مَن ذاقه والشقيّ مَن أراقه. وقال العُتْبيّ: خرجت ليلةً حين انحدرت النجومُ وشالت أرْجلها فما زِلْتُ أصْدع الليلَ حتى إنصدع الفجرُ فإذا بجارية كأنّها عَلَم فجعلتً أغازلها فقالت: يا هذا أما لك ناهٍ من كرَم إنْ لم يكن لك زاجر من عَقْل قلت: والله ما ترانا إلا الكواكبُ قالت: فأين مُكَوْكبها ذَكر أعرابيّ امرأة فقال هي السُّقم الذي لا برء منه والبُرء الذي لا سُقْم معه وهي أقربُ من الحَشىَ وأبعد من السَّما. قال أعرابي: وقد نظر إلى جارية بالبَصْرِة في مأتم: وبَصْرِيةٍ لم تُبْصر العينُ مِثلَها غدَتْ بِبَياضٍ في ثِيَاب سَوَادِ غَدَوْتِ إلى الصَّحراء تَبْكين هالكا فأهْلكتِ حيًّا كُنْتِ أشْأَمَ عاد فيا ربّ خُذْ لي رَحْمَةً من فُؤادِها وحُلْ بين عَيْنَيها وبين فًؤادي وقال في جارَية وَدّعها: مالتْ توَدّعني والدمعُ يَغْلبها كما يَميلُ نَسِيم الرّيح بالغُصنِ ثم استمرًت وقالت وهي باكيةٌ يا ليتَ مَعْرفتي إياك لم تَكُن يا زَيْنَ من وَلدت حَوَاءُ من وَلد لولاك لم تَحْسُن الدنيا ولم تطِبِ أنتِ التي مَن أراه الله رُؤيَتها نال الخلود فلم يَهْرَم ولم يَشِبِ وأنشد الرّياشي لأعرابيّ: من دمْنَةٍ خُلِقَتْ عَيْناكَ في هَتَنِ فما يَرُدّ البُكا جَهْلاً على الدِّمَنِ ما كُنت للقَلْب إلا فِتْنةً عَرَضت يا حبذَا أنتِ من مَعْروضة الفِتن تسُيءُ سَلْمى وأجزِيها به حَسَناً فَمَنْ سِواي يُجازي السوء بالحَسَن قال: وسمعتُ أعرابياً يصف امرأة فقال: بَيضاء جَعْدة لا يمَس الثوبُ منها إلا مُشاشة كَتفيها وحَلَمة ثَدْييها ورَضْفَتي رُكبتيها ورانفتي ألْيتيها وأنشد: أَبت الرَّوادفُ والثُّديّ لقُمْصها مَسَّ البُطون وٍ أَنْ تَمسّ ظُهورَا وإذا الرّياح مع العَشي تنَاوحت نَبَّهْنَ حاسدة وهِجْنَ غَيُورا وقال أعرابيّ: ليت فلانة حَظِّي من أَمَلِي ولرُبّ يوم سِرْتُه إليها حتى قَبض الليلُ بَصري دونها وإنَ منِ كلام النَساء ما يقوم مَقام الماء فيَشْفي من الظمأ. وذكر أعرابيّ امرأة فقال: تلك شمْس باهتْ بها الأرضُ شمسَ سمائها. وليس لي شفيع في اقتضائها وإنَّ نفسي لَكَتُومٌ لدائها ولكنها تَفِيض عند امتلائها. أخذ هذا المعنى حبيب فقال: شكَوْتُ وما الشَكوى لمثليَ عادةٌ ولكنْ تَفيضُ النفسُ عند امتلائها وقيل لأعرابيّ: ما بالُ الحَبّ اليومَ على غير ما كان عليه قبلَ اليوم قال: نَعم كان الحبّ في القَلْب فانتقل إلى المَعدة إن أطْعمْتَه شيئاً أحَبّها وإلا فلا. كان الرجُل يُحب المرأة يُطيف بدارها حَوْلاً ويَفْرح إن رأى مَن رآها وإن ظفِر منها بمَجلس تَشَاكيا وتناشدا الأشعار وإنه اليومَ يُشير إليها وتشير إليه ويَعِدها وتَعِدُه فإذا اجتمعا لم يَشكُوا حُبًّا ولم يُنْشِدا شعرا ولكنْ يَرْفع رِجْلَيها ويَطْلُب الوَلد. وقال أعرابيّ: شكَوتُ فقالتْ كلّ هذا تَبَرُّمًا بحُئيِ أراح الله قَلبَك من حُبِّي فلما كتمتُ الُحَبّ قالت لَشَدما صَبَرْت وما هذا بِفِعْل شَجِي القَلْب وأدْلُو فتقصيني فأبعد طالباً رضاها فَتَعْتَدّ التَباعُدَ مِن ذَنْبي فشكْوَاي تُؤذِيها وصَبْري يَسُوءها وتَجْزع مِنْ بُعْدِي وتَنْفِر من قُرْبي فيا قوم هَلْ من حِيلَة تَعْلَمونها أشِيرُوا بها واسْتَوْجبوا الشكر من رَبي قولهم في الخيل الأصمعي قال: سمعتُ أعرابياً يقول: خرَجَتْ علينا خَيْلٌ مُسْتَطيرة النَّقع كأنّ هَوادِيهَا أعلام وآذانَها أطرافُ أقْلاَم وفُرْسانَها أسُود آجام. أخذ هذا المعنى عَدِيّ بن الرِّقاع فقال: تَخرُجْن فُرُجات النَّقْع داميةً كأنّ آذانَها أطرافُ أقْلاَم وقال أعرابي: خَرَجْنا حُفَاة حين انتعل كُلُّ شيء بِظلِّه وما زادُنا إلا التوكل وِلا مَطايانا إلا الأرْجل حتى لَحِقْنا القومَ. وذَكَر أعرابيّ فَرَسا وسُرْعته فقال: لما خرَجت الخيلُ أقبل شَيْطانٌ في أشْطان فلما أرْسِلت لمَع لَمْع البَرْق فكَان أقربَها إليه الذي تَقع عَيْنه عليه. وقال أعرابي في فَرَس الأعْور السُّلَميّ: مر َكلَمْع البَرْق سام ناظرُه تَسْبَحُ أولاه وَيَطْفو آخرًه فمّا يَمَسُّ الأرْضَ منه حافِرُه سُئِل أعرابيّ عن سوابق الخيل فقال: الذي إذا مَشى رَدى وإذا عدا دَحا وإذا استُقْل أقْعى وإذا استُدْبر جَبِّى وإذا اعتُرض استوَى. وذكرَ أعرابيّ خيلاً فقال: والله ما انحدرت في وادٍ إلا ملأتْ بَطنه ولا رَكِبت بطْنَ جَبَل إلا أسْهَلت حَزْنه. وقال أعرابيّ: خَرَجتَ على فَرَس يَخْتال قولهم في الغيث الأصمعي قال: قلتُ لأعرابيّ: أي الناس أوْصَفُ للغَيْث قال: الذي يقول - يعني امرأ القيس -: دِيمةٌ هَطْلاَء فيها وَطَفٌ طبقَ الأَرْضَ تَحَرّى وَتَدِرّ قلتُ: فَبعده مَات قال الذي يقول - يعني عَبِيد بن الأبرص -: يا مَنْ لِبَرْق أبيتُ الليلَ أرقُبه في عارضٍ مُكْفَهِرّ المُزنِ دَلّاح دَان مُسِفّ فُوَيْقَ الأَرْض هَيْدَبُه يَكادُ يَدْفَعه مَن قام الراح ودَخل أعرابيّ على سُليمان بن عبد الملك فقال له: أصابتك سَماءٌ في وَجهك يا أعرابيّ قال: نعم يا أميرَ المؤمنين غيرَ أنها سَحَّاء طَخْياء وَطْفَاء كأنّ هواديَها الدِّلاء مُرْجَحنَّة النَواحي موصولة بالآكام تَمسّ هامَ الرِّجال كَثِير زَجَلها قاصفٌ رَعْدُها خاطف بَرْقها حَثِيث وَدْقها بطىء سَيْرها مُتَفجّر قَطْرها مُظلم نَوْؤها قد ألجأت الوحشَ إلى أوطانها تَبْحث عن أصولها بأظْلافها مُتَجمّعة بعد شَتاتها فلولا اعتصامُنا يا أميرَ المؤِمنين بعِضاه الشَجر وتعلُقنا بقنَن الجبال لكُنّا جُفَاء في بَعْض الأودية وَلَقَم الطَريق فأطال الله لأمّة بقاءك ونَسألها في أجلك فهذا ببركتك وعادة اللهّ بك على رعيّتك وصلّى اللهّ على سيدنا محمد. فقال سُليمان: لَعَمْرُ أبيك لئن كانت بديهةً لقد أحسَنت وإن كانت مُحَبَرة لقد أجدت قال: بل مُحَبّرة مًزَوّرة يا أميرَ المؤمنين قال: يا غلام أعطه فوالله لصِدْقُه أعجبُ إلينا من وَصْفه. قيل لأعرابي: أي الألوان أحسَن قال: قصور بيض في حدائق خضر. وقيل لآخرً: أيّ الألوان أحْسن قال: بَيْضة في رَوْضة عن غِبِّ سارية والشمسُ مُكَبِّدة. وقال أعرابيّ: لقد رأيتَ بالبَصرة بُرُودا كأنها صبُغت بأنوار الرَّبيع فهي تَرُوع واللاِّبس لها أرْوع. العُتبي قال: سَمِعْتُ أعرابياً يقول: مَررت ببلدة ألقى بها الصَّيَفُ بَعاعه فأظهر غديراً يَقْصُر الطرفُ عن أرجائه وقد نَفت الريحُ القَذَى عن مائه فكأنه سَلاسل دِرْع ذاتِ فُضُول. وأنشد أبو عثمان الجاحظ لأعرابيّ: أينَ إخْوَانُنا على السرَاء أين أهْلُ القِبَاب والدَهْناءِ جاورًنا والأرضُ مُلْبَسةٌ نَوْ رَ الأقاحي يُجاد بالأنْوَاء كل يوم بأقْحُوان جديد تَضحك الأرض من بُكاء السماء قال ابنُ عِمْران المَخْزوميِّ: أتيتُ مع أبي والياً على المَدِينة من قُرَيش وعنده أعرابي يقال له ابن مُطَير وإذا مَطر جَوْد فقال له الوالي: صِفْه فقال: دَعْني أشرف وأنظر. فأشرف ونظر ثم نزل كَثُرَت لِكثرة وَدْقِه أطباؤه فإذا تُحُلِّبَ فاضَت الأطْبَاءُ وله رَبابٌ هَيْدَبٌ لرقيقه قبل التَّبَعُّق دِيمة وَطْفاءُ وكأنَّ بارقه حَريقٌ تَلْتَقي ريحٌ عليه وعَرْفَجٌ وألاءُ وكأنَّ رَيِّقه ولمّا يَحْتَفِل دُونَ السَّماء عَجَاجةٌ طَخْيَاء مُسْتَضْحِك بِلوامعٍ مُسْتَعْبِر بمَدَامع لم تُمْرِها الأقْذَاء فله بلا حَزَن ولا بمَسَرَّة ضَحِك يُؤَلف بينه وبُكاء حَيْرَان مُتَّبعِ صَبَاه تَقودُه وجَنُوبه كَفٌّ له وَرْهاء ثَقُلت كُلاَه فبَهَّرَت أصلابَه وتَبعَجَت عن مائه الأحْشاء غَدق تَبَعّج بالأباطِح مُزِّقت تلك السُّيُولُ ومالها أشْلاء غُر مَحَجًلة دوالحُ ضُمنت حَمْل اللِّقَاح وكُلُّها عَذْرَاء سُحْم فَهُنَّ إذَا عَبَسْن فَوَاحِم سُود وهُنّ إذا ضَحِكْن وِضَاء لو كان مِن لجَج السوَاحل ماؤه لم يَبْقَ في لُجَج السَّوَاحل ماء قولهم في البلاغة والإيجاز قيل لأعرابيّ: مَنْ أَبلَغُ الناس قال: أحْسنُهم لفظاً وأسْرعُهم بديهة. الأصمعي قال: خَطَبَ رَجلٌ في نِكاح فأَكثر وطوَل فقيل مَن يُجيبه فقال أعرابيّ: أنا قيل له: أنت وذاك فالتفت إلى الخاطب فقال: إني واللهّ ما أنا من تَخْطيطك وتَمْطيطك في شيء قدمَتَتّ بحُرْمة وذَكَرت حقّا وعَظُّمْت مَرْجُوًّا فَحَبْلُك مَوْصُول وفَرْضكَ مَقْبول وأنت لها كُفء كَرِيم وقد أنْكَحْناك وسلّمنا. وتكلم رَبيعةُ الرَّأي يومًا فأكْثر فكأَنّ العُجْب دَاخَله وأعرابيّ إلى جَنْبه فأقبل على الأعرابيّ فقال ما تَعُدُّون البلاغةَ يا أعرابيّ قال: قلّةُ الكلام وإيجاز الصواب قال فما تَعُدًّون العيّ قال: ما كنتَ فيه منذُ اليوم فكأَنما ألقمه حجرًا. شبيب بن شَيْبة قال: لقيتُ أعرابياً في طريق مكة فقال لي: تَكتب قلتُ: نعم قال: ومعك دَوَاة قلتُ: نعم. فأخرج قطعةَ جِراب من كُمِّه ثم قال: اكتُب ولا تَزِد حَرْفاً لا تَنْقُص: هذا كِتاب كتبه عبد الله بن عُقَيل الطائي لأَمَته لُؤلؤة: إنّي أعْتِقك لوجه الله واقتحام العَقَبة فلا سَبيل لي ولا لأحد عليك إلا سبيلً الوَلاء والمِنَّة عليَّ وعليكِ من الله وحدَه ونحنِ في الحقّ سواء ثم قال: اكتب شهادَتك. رُوي أنَّ أعرابياً حضرَ مجلس ابن عباس فسَمِع عنده قارئَاً يَقْرأ: " وكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فأَنْقَذَكُمْ مِنها ". فقال الأعرابيّ: والله ما أنقذكم منها وهو يَرْجِعُكم إليها. فقال ابن عباس: خُذوها من غير فَقيه. قولهم في حسن التوقيع وحسن التشبيه قيل لأعرابيّ: مالك لا تُطيل الهجاء قال: يَكفيك من القِلادة ما أحاط بالعُنق. وقيل لأعرابي: كم بين بلد كذا وبلد كذا قال: عُمْر ليلة وأديم يوم. وقال آخرً: سَوَاد ليلة وبياض يوم. وقيل لأعرابيّ: كيف كِتمانك للسرّ قال ما صَدْرِي له إلا قبْر. قال مُعاوية لأعرابيًة: هل من قِرًى قالت: نعم قال: وما هو قالت: خُبز خَمِير ولبن فَطِير وماء نَمير. وقيل لأعرابيّ: فيم كنتم قال: كًنَّا بين قِدْر تَفُور وكأس تَدُور وحديث لا يَحُور. وقيل لأعرابيّ: ما أعددتَ للبرد قال: شِدَّة الِرِّعْدة وقُرْفُصاء القِعْدة وذَرَب المِعْدَة. وقيل لإعرابيّ: مالك من الوَلد قال: قَلِيل خبِيث قيل له: ما معناه قال: إنه لا أقلَّ من واحد ولا أخبث من أُنثى. وقال: أضَلّ أعرابيّ الطريق ليلاً فلما طَلع القمرُ اهتدى فَرَفَع رأسَه إليه مُتشكِّرًا فقال: ما أدرى ما أقول لك وما أقول فيك أقول: رَفَعك الله فقد رَفعك أم أقول: نوَّرك الله فقد نَوَرك أم أقول: حَسَّنك اللهّ فقد حَسَّنك أم أقول: عَمَرك الله فقد عمَرك ولكنِّي أقول: جَعلني الله فِدَاك. وقيل لأعرابي: ما تَقول في ابن العم قال: عَدوُّك وعَدوّ عدوّك. وقيل لأعرابيّ وقد أدخل ناقَته في السُّوق ليبيعَها: صِفْ لنا ناقَتك قال: ما طلبتُ عليها قطّ إلا أدركت وما طُلِبتً إلا فُتّ قيل له: فَلِمَ تبيعها قال: لقول الشاعر: وقد تخرِج الحاجاتُ يا أمَّ عامر كرائمَ من رَبٍّ بهَنّ ضنِين وقيل لأعرابيّ: كيف ابنك - وكان له عاقًّاً - قال: عذابٌ لا يُقاومه الصًّبْر وفائدة لا يَجب في الشُّكر فليتَني قد استودعتُه القَبْر. قيل لشُرَيح القاضي: هل كلّمك أحد قطّ فلم تُطِق له جواباً قال: ما أعلمه إلا أن يكونَ أعرابياً خاصَم عندي وجعل يُشير بيديه فقلتُ له: أمْسِك فإن لِسَانك أطولُ من يدك قال: أسامِريٌّ أنتَ لا تُمَسّ وقيل لأعرابي: ما عِنْدَكمٍ في البادية طَبيب قال: حُمر الوَحْش لا تحتاج إلى بَيْطار. وقال أعرابي يَصف خاتَما: سُيّف تَدْوير حَلْقته ودُوِّرَ كُرسي قِضّته وأحْكِم تَرْكِيبه وأتْقِنَ تَدْبِيرُه فبه يتمّ المُلك ويَنْفُذ الأمر ويَكْرُم الكِتَاب ويَشْرف المَكْتوب إليه. وقال آخرً يَصف خاتَماً: ولم يُكْتَسَب إلا لتَسكن وَسْطه بَزيعة رأْس ما عليه خِمَار لها أخَوَاتٌ أَرْبعٌ هُنَّ مثلُها ولكنَّها الصًّغْرى وهُنَّ كِبَار قولهم في المناكح يحيى بن عبد العزيز عن محمد بن الحَكَم عن الشافعيّ قال: تَزَوَّج رجلٌ من الأعراب امرأة جديدة على امرأة قديمة وكانت جارية الجديدة تمر على باب القديمة فتقول: وما تَسْتوي الرجلاًن رِجْلٌ صحيحة ورِجْلٌ رَمى فيها الزمانُ فَشَلَّتِ ثم مرَّت بعد أيام فقالت: وما يَسْتَوِي الثَّوْبان ثَوْبٌ به البِلَى وثَوْبٌ بأيْدِي البائعين جَدِيدُ فخرجت إليها جاريةُ القديمة فقالت: نَقِّلْ فُؤادك حيثُ شِئْتَ من الهَوى ما القَلْبُ إلّا لِلحَبيبِ الأوَّل كم مَنْزِلٍ في الأرْض يأْلَفُه الفَتَى وحنينه أَبداً لأوًّل مَنْزِل الأصمعي قال: أخبَرني أعرابيّ قال: خَطَبَ منا رجلٌ مَغْموز امرأة مَغْموزة فَزوجوِه فقال رجل لوليّ المرأة: تَعمَم لكم فلان فزوِّجتُموه فقال: ما تَعَمَّم لنا حتى تَبرْقعنا له. أبو حاتم عن الأصمعي قال: قالت أعرابيّة لبنات عمّ لها: السعيدةُ منكنّ يتزوجها ابنُ عمّها فيَمْهرها بِتَيْسينْ وكَلْبيْن وعَيْرَين ورَحَيَينْ فيَنِبّ التَّيسان ويَنْهقَ العَيْرَان ويَنْبَح الكلْبان وتَدُور الرَّحَيان فَيَعِجّ الوادي والشقَيّة مِنْكُنَ مَن يَتزوّجها الحَضَريِّ فَيَكسوها الحريرَ ويُطْعِمها الخَمير ويَحْمِلها ليلَة الزفاف على عود تعنى سَرْجا. الأصمعي قال: سمعتُ أعرابياً يُشَارّ امرأته فقالت لها أخْتُه: أما واللهّ أيام شَرْخه إذ كان يَنْكتُكِ كما يَنْكت العَظْم عن مخّه لقد كنتِ له تَبُوعا ومنه سَمُوعاً فلما لان منه ما كان شديدا وأخلق منه ما كان جديدا تَغَيَّرتِ له وايمُ اللهّ لئِن كان تغيّر منه البعضُ لقد تغيّر منكِ الكل. وقيل لأعرابي: كيف حُبّك لزَوْجتك قال: ربما كنتُ معها على الفِراش فمدَّتْ يدها إلى صدري فَوَدَدْتُ والله أن آجُرَّة خَرت من السَّقف فقدَّت يدها وضِلْعين من أضْلاع صَدْري ثم أنشأ يقول: لقد كنتُ مُحْتاجاً إلى موت زَوْجتي ولكنْ قرينُ السُّوء باقٍ معَمِّرً فيا ليتها صارت إلى القَبْر عاجلا وعَذَّبها فيه نَكِيرٌ وَمُنْكَر وتزوج أعرابي امرأة فطالت صُحْبتها له فتغيَّر لها وقد طعَنت في السنّ فقالت له: ألم تكن تُرْضى إذا غَضِبْت وتُعْتِب إذا عَتَبْت وتَشْفى إذا أبيْت فما بالُك لآن قال: ذَهب الذي كان يُصْلح بيننا. الأصمعي قال: كنتُ أختلف إلى أعرابي أَقْتبس منه الغَريب فكنت إذا استأذنتُ عليه يقول: يا أمامة ائذني له فتقول: ادخُل. فاستأذنتُ ليه مِراراً فلم أسمعه يذكر أمامة فقلت له: يَرْحمك اللهِ ما أَسْمَعك تَذْكًر أمامة منذُ حين قال: فَوَجَمَ وَجْمة نَدِمْت معها على ما كان مني ثم قال: ظَعنت أمامة بالطلاقِ ونجوت من غُلّ الوَثاقِ بانَتْ فلم يَأْلم لها قَلْبي ولم تَدْمَع مآقِي وَدَوَاءُ ما لا تشته يه النفسُ تعجيل الفِراق والعيشُ ليس يَطيب بي ن اثنين من غير اتفاق لو لم أرَح بفراقها لأرَحْت نفسي بالإباق الأصمعي قال: تَزَوَج أعرابيٌّ امرأة فآذتْه وَافْتدى منها بِحِمار وجُبة فَقَدِم عليه ابن عمٍّ له من البادية فسأله عنها فقال: خَطَبْتً إلى الشَّيْطان للحَينْ بنْته فأدْخلها من شِقْوَتي في حِبَاليَا فأنْقَذني منها حِمَاري وجبتي جَزَى الله خيراً جبتي وحِمَاريا الأصمعي قال: خاصم أعرابيّ امرأته إلى زياد فشَدّد على الإعرابيّ فقال: أصلح اللهّ الأمير إِنّ خَيْرَ عُمْر الرجل آخرًه يَذْهب جهلُه وَيَثوبُ حِلْمه ويَجْتمع رأيه وإن شرَّ عُمْر المرأة آخرًهُ يَسُوء خُلقها ويحتدّ لسانها وتَعَقم رَحِمها. قال له صدقتَ اسفَع بيدها. قال: وذكرَتْ أعرابيّة زوجها وكان شيخاً فقالت: ذَهَبَ ذَفره وبَقي بَخَرِه وفٍتَر ذَكَرُه. الأصمعي قال: كان أعرابي قبيح طويل خطب امرأة فقيل له: أيّ ضرْب تريدها قالت أريدها قَصِيرة جميلة فيأتي ولدُها في جَمَالها وطُولي فتزوجها على تلك الصِّفة فجاء ولدُها في قِصَرِها وقُبْحه. قَدِمَ أعرابيّ من طيء فاحتلب لَبَناً ثم قعد مع زَوْجته يَنْتجعان فقالت له: مَن أنعم عيشاً أنحن أم بنو مَرْوَان فقال لها: بنو مروان أطيبُ منا طعاماً إلا أنّا أرْدَأ منهم كُسوة وهم أظهر منَّا نهاراً إلاّ أنَّا أظهر منهم ليَلاً. الأصمعي قال: خاصَم أعرابيّ امرأته إلى السلطان فقيل له: ما صنعتَ قال خيراً أكبها الله لوجهها ولو أمر بي إلى السجن. الأصمعي قال: استشارت أعرابيّة في رجل تتزوَجهُ فقيل لها: لا تفعلي فإنه وُكَلَة تُكَلَة يأكل خَلَلَه أي يأكل ما يَخْرُج من بين أسنانه إذا تخلَّل. قال أبو حاتم: هو الخُلالة ووُكلَة تُكَلة إذا كان يَكل أمره إلى الناس ويَتَكِل عليهم. العُتبى قال: خَطب إلى أعرابيّ رجلٌ مُوسِر إحدى ابنتيه وكان للخاطب امرأة فقالت الكبرى: لا أريده. قال أبوها: ولم قالت: يومٌ عِتَاب ويومٌ اكتئاب يَبلى فيما بين ذلك الشباب. قالت الصغرى زَوِّجْنيه قال لها: على ما سَمِعْتِ من أختك قالت: نعم يومٌ تَزَيُّن ويومٌ أحِبُّه حُبَّ الشَّحيح مالَه قد كان ذاق الفَقْر ثم نالَه إذا أرادَ بَذله بَدَا له الأصمعي قال: هلك أعرابي فأدْمنت امرأته البكاء عليه فقال لها بعض بنيها أتَفْقدين من أبينا غيرَه أتفقْدِين نَفْعَه وخَيْرَه أرَاكِ ما تَبْكِين إلِّا أيره قال: فأمْسكت عن البُكاء. جلس أعرابيّ إلى أعرابيَّة فعلمتْ أنه ما جلس إلا لِيَنْظُر إلى محاسنها فأنشأت تقول: وما نِلْتَ منها غَيْرَ أنًكَ نائِكٌ بعَيْنَيك عَيْنَيها وأيرُكَ خائِبُ الرِّياشي قال: أنشدني العُتبي لأعرابي: ماذا تَظُنّ بسَلْمَى إن ألمّ بها مُرَجَّل الرّأْس ذو بُرْدَين مَزَّاحُ حُلو فًكاهَتُه خَزّ عِمَامته في كَفّه من رُقى إبليس مِفْتَاح أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَطَبَ أعرابيّ امرأة فقالت له: سَلْ عَني بَني فلان وبَنىِ فُلان قال لها: وما عِلْمهم بذلك قالت: في كلهم نُكِحْت قال: أراك جَلَنْفعة قد خَزَمَتْك الخزائم قالت: لا ولكن جوَالة بالرحْل عَنْتَريس. تزوّج رجل من الأعراب امرأة منهم عجوزاً ذاتَ مال فكان يَصْبر عليها لمالِها ثم مَلَّها وترَكها فكتبت إليه تَسْترده فكتب إليها يقول: لَيس بيني وبين قَيْس عِتَاب غيرُ طَعْن الكُلاَ وضَرْب الرِّقاب فكتبت إليه: إنّه واللهّ ما يُريد قيسٌ غَيْر طَعْن الكلا. المًفَضَل الضَّبي قال: خَطَبَ أعرابي امرأة فجَعَل يَخْطبها ويُنْعِظ فضَرَب ذَكَرَه بيده وقال: مَه إليكِ يُساق الحديث فأرسلها مَثلا. عليّ بن عبد العزيز قال: كان أبو البَيْدَاء عِنّينا وكان يتجلّد ويقول لقومه: زَوِّجوني امرأتين فيقال له: إنّ في واحدة كفاية فيقول: أمّا لي فلا فقالوا نُزَوِّجك واحدة فإن كَفَتْك وإلا زَوَجناك أخرى فزوّجوه إعرابيَّة فدما دَخَل بها أقام معها أسبوعاً فلما كان في اليوم السابِع أتوه فقالوا له: يا أبا البَيْداء ما كان أمْرُك في اليوم الأوَل قال: عَظيم جدا قالوا: ففي الثاني قال: أجَلّ وأَعظم قالوا: ففي الثالث قال: لا تسألوا. فأجابت المرأة مِن وراء الستر فقالت: كان أبو البَيْداء يَنْزُو في الوَهَقْ حتى إذا أدْخِلَ في البيت أبقْ فيه غَزَال حَسن الدَّلّ خَرِق مارَسه حتى إذا ارفضّ العَرَق كانت لأعرابيّ امرأة لا تَرُدِّ يَد لامس فقيل له: مالك لا تُفارقها قال: إنها حسناء فلا تُفْرَك وأمِّ بَنين فلا تترك. قال شَيْخ من الإعراب: أنا شَيْخٌ ولي امرأة عَجُوزُ تُرَاودني على ما لا يَجُوزُ تريد أنيكها في كل يَوْم وذلك عند أمثالي عَزيز وقالت رَقَ إيْرُك مُذ كَبِرْنا فقلت لها بل اتسع القَفِيز الأصمعي قال: قال أعرابيّ في امرأة تَزوّجها وقد تَزوّجتْ قبله خمسةً وتَزوّج هو قبلها أربعاً فلاحَتْه يوماً فقال فيها: لو لابس الشيطانُ ما ألاَبِس أو مارس الغُولَ التي أمارِسُ لأصبح الشيطانُ وهو عابسُ زَوَجها أربعةٌ عَمارِس فانْفَلتوا منها ومات الخامسُ وساقني الحَيْنُ فها أنا السّادس وقال فيها: بُوَيْزِل أعوام أذاعتْ بخمسة وتَعْتَدُّني - إن لم يَق الله - ساديا ومِنْ قَبْلِها غَيبْت في التُّرْب أَرْبعاً وَأَعْتَدُّها مُذ جِئْتُها في رَجائيا كِلانا مُطِلّ مُشْرِف لِغَنيمة يَرَاها وَيقُضي اللهّ ما كان قاضيا أشْكو إلى الله عِيَالاً دَرْدَقَا مُقَرْقَمِينَ وعجوزاً شَمْلَقَا الدَّرْدَق: الصِّغار. والمُقَرْقَم: البَطيء الشَّبَاب. والشَّمْلَق: السيئة الخُلق.


العقد الفريد - الجزء الثاني لابن عبد ربه
العقد الفريد/الجزء الثاني/1 | العقد الفريد/الجزء الثاني/2 | العقد الفريد/الجزء الثاني/3 | العقد الفريد/الجزء الثاني/4 | العقد الفريد/الجزء الثاني/5 | العقد الفريد/الجزء الثاني/6 | العقد الفريد/الجزء الثاني/7 | العقد الفريد/الجزء الثاني/8 | العقد الفريد/الجزء الثاني/9 | العقد الفريد/الجزء الثاني/10 | العقد الفريد/الجزء الثاني/11 | العقد الفريد/الجزء الثاني/12 | العقد الفريد/الجزء الثاني/13 | العقد الفريد/الجزء الثاني/14 | العقد الفريد/الجزء الثاني/15 | العقد الفريد/الجزء الثاني/16 | العقد الفريد/الجزء الثاني/17 | العقد الفريد/الجزء الثاني/18 | العقد الفريد/الجزء الثاني/19 | العقد الفريد/الجزء الثاني/20 | العقد الفريد/الجزء الثاني/21 | العقد الفريد/الجزء الثاني/22 | العقد الفريد/الجزء الثاني/23 | العقد الفريد/الجزء الثاني/24 | العقد الفريد/الجزء الثاني/25 | العقد الفريد/الجزء الثاني/26 | العقد الفريد/الجزء الثاني/27 | العقد الفريد/الجزء الثاني/28 | العقد الفريد/الجزء الثاني/29 | العقد الفريد/الجزء الثاني/30 | العقد الفريد/الجزء الثاني/31