الصواعق المرسلة/الفصل الثالث والعشرون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة المؤلف ابن قيم الجوزية
الفصل الثالث والعشرون في أسباب الخلاف الواقع بين الأئمة بعد اتفاقهم على أصل واحد وتحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله



الفصل الثالث والعشرون

في أسباب الخلاف الواقع بين الأئمة بعد اتفاقهم على أصل واحد وتحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله


ذكر الحميدي في هذا فصلا من كلام أبي محمد بن حزم وهو من أحسن كلامه فرأينا سياقه بلفظه قال الحميدي قال لنا الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد اليزيدي الفارسي في بيان أصل الاختلاف الشرعي وأسبابه تطلعت النفس بعد تيقنها أن الأصل المتفق عليه المرجوع إليه أصل واحد لا يختلف وهو ما جاء عن صاحب الشرع إما في القرآن وإما من فعله أو قوله الذي لا ينطق عن الهوى فيه. لما رأيت وشاهدت من اختلاف علماء الأمة فيما سبيله واحد وأصله غير مختلف فبحثت عن السبب الموجب للاختلاف ولترك من ترك كثيرا مما صح من السنن فوضح لها بعد التفتيش والبحث أن كل واحد من العلماء بشر ينسى كما ينسى البشر وقد يحفظ الرجل الحديث ولا يحضره ذكره فيفتي بخلافه وقد يعرض هذا في آي القرآن ألا ترى أن عمر رضي الله عنه أمر على المنبر ألا يزاد مهور النساء على عدد ذكره ميلا إلى أن النبي لم يزد على ذلك العدد في مهور نسائه حتى ذكرته امرأة من جانب المسجد بقوله تعالى { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } 1 فترك قوله وقال: "كل أحد أعلم منك حتى النساء" وفي رواية أخرى "امرأة أصابت ورجل أخطأ" علما منه رضي الله عنه بأن النبي وإن كان لم يزد في مهور النساء على عدد ما فإنه لم يمنع مما سواه والآية أعم.

وكذلك أمر رضي الله عنه برجم امرأة ولدت لستة أشهر فذكره علي رضي الله عنه بقوله تعالى { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا } 2 مع قوله { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } 3 فرجع عن الأمر برجمها. وهم أن يسطو بعيينة بن حصن إذ جفا عليه حتى ذكره الحر بن قيس بقول الله عز وجل { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } 4، فأمسك عمر.

وقال رضي الله عنه يوم مات رسول الله : "والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يكون آخرنا حتى قرئ عليه { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } 5 فرجع عن ذلك" وقد كان علم الآية ولكنه نسيها لعظم الخطب الوارد عليه. وقد يذكر العالم الآية والسنة ولكن يتأول فيهما تأويلا من خصوص أو نسخ أو معنى ما وإن كان كل ذلك يحتاج إلى دليل ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا بالمدينة حوله مجتمعين وكانوا ذوي معايش يطلبونها وفي ضنك من القوت فمن محترف في الأسواق ومن قائم على نخله ويحضره في كل وقت منهم طائفة إذا وجدوا أدنى فراغ مما هم بسبيله.

وقد نص على ذلك أبو هريرة فقال إن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم القيام على نخلهم وكنت امرءا مسكينا أصحب رسول الله على ملء بطني. وقد قال عمر رضي الله عنه ألهاني الصفق بالأسواق في حديث استئذان أبي موسى وكان يسأل عن المسألة ويحكم بالحكم ويأمر بالشيء ويفعل الشيء فيحضره من حضره ويغيب عنه من غاب عنه فلما مات ولي أبو بكر كان إذا جاءته القضية ليس عنده فيها نص سأل من بحضرته من الصحابة عنها فإن وجد عندهم نصا رجع إليه وإلا اجتهد في الحكم فيها وكان اجتهاده واجتهاد غيره منهم رضي الله عنهم رجوعهم إلى نص عام أو إلى أصل إباحة متقدمة أو إلى نوع من هذا يرجع إلى أصل ولا يجوز أن يظن أحد أن اجتهاد احد منهم هو أن يشرع شريعة باجتهاد ما أو يخترع حكما لا أصل له حاشاهم من ذلك.

فلما ولي عمر رضي الله عنه فتحت الأمصار وتفرقت الصحابة في الأقطار فكانت الحكومة تنزل بالمدينة أو بغيرها من البلاد فإن كان عند الصحابة الحاضرين لها نص حكم به وإلا اجتهدوا في ذلك وقد يكون في تلك القضية نص موجود عند صاحب آخر في بلد آخر.

وقد حضر المدني مالم يحضر المصري وحضر المصري مالم يحضر الشامي وحضر الشامي مالم يحضر البصري والبصري مالم يحضر الكوفي والكوفي مالم يحضر البصري والمدني مالم يحضر الكوفي والبصري كل هذا موجود في الآثار وتقتضيه الحالة التي ذكرنا من مغيب بعضهم عن مجلسه في بعض الأوقات وحضور غيره يم مغيب الذي حضر وحضور الذي غاب فيدري كل واحد منهم ما حضره ويفوته ما غاب عنه هذا أمر مشاهد.

وقد كان علم التيمم عند عمار وغيره وغاب عن عمر وابن مسعود حتى قالا لا يتيمم الجنب ولو لم يجد الماء شهرين.

وكان حكم المسح على الخفين عند علي وحذيفة ولم تعلمه عائشة ولا ابن عمر ولا أبو هريرة على أنهم مدنيون.

وكان توريث بنت الابن مع البنت عند ابن مسعود وغاب ذلك عن أبي موسى وكان حكم الاستئذان عند أبي موسى وأبي سعيد الخدري وأبي وغاب عن عمر.

وكان حكم الإذن للحائض في أن تنفر قبل أن تطوف عند ابن عباس وأم سليم ولم يعلمه ابن عمر وزيد بن ثابت.

وكان حكم المتعة والحمر الأهلية عند علي وغيره ولم يعلمه ابن عباس وكان حكم الصرف عند عمر وأبي سعيد وغيرهما وغاب ذلك عن طلحة وابن عباس وابن عمر.

وكذلك حكم إجلاء أهل الذمة من بلاد العرب كان عند ابن عباس وعمر فنسيه عمر سنتين فتركهم حتى ذكر بذلك فذكره فأجلاهم.

ومثل هذا كثير فمضى الصحابة على هذا ثم خلف بعدهم التابعون الآخذون عنهم وكل طبقة من التابعين في البلاد التي ذكرنا فإنما تفقهوا بمن كان عندهم من الصحابة وكانوا لا يتعدون فتاويهم لا تقليدا لهم ولكن لأنهم أخذوا ورووا عنهم إلا اليسير مما بلغهم عن غير من كان في بلادهم من الصحابة رضي الله عنهم كإتباع أهل المدينة في الأكثر فتاوي ابن عمر وإتباع أهل مكة في الأكثر فتاوي ابن عباس وإتباع أهل الكوفة في الأكثر فتاوي ابن مسعود.

ثم أتى من بعد التابعين فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة وابن جريج بمكة ومالك وابن الماجشون بالمدينة وعثمان البتي وسوار بالبصرة والأوزاعي بالشام والليث بمصر، فجروا على تلك الطريقة من أخذ كل واحد منهم عن التابعين من أهل بلده وتابعوهم عن الصحابة فيما كان عندهم وفي اجتهادهم فيما ليس عندهم وهو موجود عند غيرهم ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وكل من ذكرنا مأجور على ما أصاب فيه أجرين ومأجور فيما خفي عنه ولم يبلغه أجرا واحدا قال تعالى { لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } 6 وقد يبلغ الرجل ممن ذكرنا نصان ظاهرهما التعارض فيميل إلى أحدهما بضرب من الترجيحات ويميل غيره إلى النص الآخر الذي تركه بضرب آخر من الترجيحات كما روى عثمان بن عفان في الجمع بين الأختين أحلتهما آية وحرمتهما آية وكما مال ابن عمر إلى تحريم نساء أهل الكتاب جملة بقوله تعالى { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } 7 وقال لا أعلم شركا أعظم من قول المرأة إن عيسى ربها وغلب ذلك على الإباحة المنصوصة في الآية الأخرى ومثل هذا كثير.

فعلى هذه الوجوه ترك بعض العلماء ما تركوا من الحديث ومن الآيات وعلى هذه الوجوه خالفهم نظراؤهم فأخذ هؤلاء ما ترك أولئك وأخذ أولئك ما ترك هؤلاء لا قصدا إلى خلاف النصوص ولا تركا لطاعتها ولكن لأحد الأعذار التي ذكرنا إما من نسيان وإما أنها لم تبلغهم وإما لتأويل ما وإما لأخذ بخبر ضعيف لم يعلم الآخذ به ضعف رواته وعلمه غيره فيأخذ بخبر آخر أصح منه أو بظاهر آية وقد يتنبه بعضهم في النصوص الواردة إلى معنى ويلوح منه حكم بدليل ما ويغيب عن غيره وقد كثرت الرحل إلى الآفاق وتداخل الناس وانتدب أقوام لجمع حديث النبي وضمه وتقييده ووصل من البلاد البعيدة إلى من لم يكن عنده وقامت الحجة على من بلغه شيء منه وجمعت الأحاديث المبينة لصحة أحد التأويلات المتأولة في الحديث وعرف الصحيح من السقيم وزيف الاجتهاد المؤدي إلى خلاف كلام رسول الله وإلى ترك عمله وسقط العذر عمن خالف ما بلغه من السنن ببلوغها إليه وقيام الحجة بها عليه ولم يبق إلا العناد والتقليد.

وعلى هذه الطريقة كان الصحابة رضي الله عنهم وكثير من التابعين يرحلون في طلب الحديث الأيام الكثيرة طلبا للسنن والتزاما لها.

وقد رحل أبو أيوب من المدينة إلى مصر في حديث واحد إلى عقبة بن عامر ورحل علقمة والأسود إلى عائشة وابن عمر ورحل علقمة إلى أبي الدرداء بالشام وكتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي بما سمعته من رسول الله ومثل هذا كثير، انتهى كلامه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: جماع الأعذار في ترك من ترك من الأئمة حديثا ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي قاله

الثاني: عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول

الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ

وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة

السبب الأول: أن لا يكون الحديث قد بلغه ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالما بموجبه فإذا لم يبلغه وقد قال في تلك النازلة بموجب ظاهر آية أو حديث آخر أو بموجب قياس أو استصحاب فقد يوافق الحديث المتروك تارة ويخالفه أخرى وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفا لبعض الأحاديث فإن الإحاطة بحديث رسول الله لم تكن لأحد من الأئمة واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة بأمور رسول الله وسننه وأحواله وخصوصا الصديق الذي لم يكن يفارقه لا سفرا ولا حضرا وكان عنده غالب الأوقات حتى كان يسمر عنده بالليل وكان كثيرا ما يقول: "دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر" "وذهبت أنا وأبو بكر وعمر" ثم مع ذلك الاختصاص خفي على أبي بكر ميراث الجدة وكان علمه عند المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة وعمران بن الحصين وليس هؤلاء الثلاثة مثل أبي بكر ولا قريبا منه في العلم وخفي على عمر سنة الاستئذان وتوريث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي وهو أمير رسول الله على بعض البوادي أن رسول الله ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فترك رأيه لذلك وقال لو لم نسمع هذا لقضينا بخلافه وخفي عليه حكم المجوس حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب وخفي عليه حكم الطاعون حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله قال: "إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه".

وتذاكر هو وابن عباس أمر الذي شك في صلاته فلم يكن قد بلغته السنة في ذلك حتى حدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي أنه يطرح الشك ويبني على ما استيقن.

وكان مرة في السفر فهاجت ريح فجعل يقول من يحدثنا عن الريح قال أبو هريرة فبلغني ذلك وأنا في أخريات الناس فحثثت راحلتي حتى أدركته فحدثته بما أمر به النبي عند هبوب الريح.

فهذه مواضع لم يكن يعلمها حتى بلغه إياها من عمر أعلم منه بكثير.

ومواضع أخرى لم يبلغه ما فيها من السنة فقضى وأفتى بغيرها كما قضى في دية الأصابع أنها مختلفة بحسب منافعها وقد كان عند أبي موسى وابن عباس وهما دونه في العلم أن النبي قال: "هذه وهذه سواء" فبلغت هذه السنة معاوية في إمارته فقضى بها ولم يجد المسلمون بدا من اتباع ذلك.

وكان عمر ينهى المحرم عن التطيب قبل الإحرام وقبل الإفاضة إلى مكة بعد رمي الجمرة هو وابنه عبد الله وغيرهما من أهل العلم ولم يبلغهم حديث عائشة رضي الله عنها طيبت رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وكان أمر لابس الخف أن يمسح عليه إلى أن يخلعه من غير توقيت واتبعه على ذلك طائفة من السلف ولم تبلغهم أحاديث التوقيت التي صحت عند من عمر أعلم منه.

وكذلك عثمان لم يكن عنده علم بأن المتوفى عنها زوجها تعتد في منزل الموت حتى حدثته الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري بقصتها لما توفي زوجها وأن النبي قال لها امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله فأخذ به عثمان وترك فتواه.

وأهدي له مرة صيد كان قد صيد لأجله وهو محرم فهم بأكله حتى أخبره علي رضي الله عنهما بأن النبي رد لحما أهدي له وهو محرم.

وأفتى علي وابن عباس وغيرهما أن المتوفى عنها إذا كانت حاملا تعتد أقصى الأجلين ولم تكن قد بلغتهم سنة رسول الله في سبيعة الأسلمية أن رسول الله أفتاها حين وضعت حملها بأنها قد حلت للأزواج.

وأفتى هو وزيد بن ثابت وابن عمر وغيرهم بأن المفوضة إذا مات عنها زوجها فلا مهر لها ولم تكن بلغتهم سنة رسول الله في بروع بنت واشق وهذا باب واسع.

وأما المنقول فيه عن من بعد الصحابة والتابعين فأكثر من أن يحصى فإذا خفي على أعلم الأمة وأفقهها بعض السنة فما الظن بمن بعدهم فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل فرد من الأئمة أو إماما معينا فقد أخطأ خطأ فاحشا.

قال أبو عمر وليس أحد بعد رسول الله إلا وقد خفيت عليه بعض سنة رسول الله من الصحابة فمن بعدهم.

وصدق أبو عمر رضي الله عنه فإن مجموع سنة رسول الله من أقواله وأفعاله وإقراره لا يوجد عند رجل واحد أبدا ولو كان أعلم أهل الأرض فإن قيل فالسنة قد دونت وجمعت وضبطت وصار ما تفرق منها عند الفئة الكثيرة مجموعا عند واحد. قيل هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض عصر الأئمة المتبوعين.

ومع هذا فلا يجوز أن يدعى انحصار سنة رسول الله في دواوين معينة ثم لو فرض انحصار السنة في هذه الدواوين فليس كل ما فيها يعلمه العالم ولا يكاد يحصل ذلك لأحد أبدا بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط علما بما فيها بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد منقطع أو لا يبلغنا بالكلية وكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين.

فصل السبب الثاني: أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده إما لأن محدثه أو من فوقه مجهول عنده أو سيء الحفظ أو متهم أو لم يبلغه مسندا بل منقطعا أو لم يضبط له لفظ الحديث ويكون ذلك الحديث بعينه قد رواه الثقات لغيره بإسناد صحيح متصل بأن يعلم غيره عدالة ذلك المجهول أو يرويه له ثقة غيره ويتصل له من غير تلك الجهة المنقطعة ويضبطه له من لم يضبطه للآخر أو يقع له من الشواهد والمتابعات مالم يقع لغيره فيكون الحديث حجة على من بلغه من هذا الوجه وليس بحجة على من بلغه من الوجه الأول ولهذا علق كثير من الأئمة القول بموجب الحديث على صحته فيقول قولي فيها كيت وكيت وقد روي فيها حديث بخلافه فإن صح فهو قولي وأمثلة هذا كثيرة جدا.

فصل السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره فقد يعتقد أحد المجتهدين ضعف رجل ويعتقد الآخر ثقته وقوته وقد يكون الصواب مع المضعف لاطلاعه على سبب خفي على الموثق وقد يكون الصواب مع الآخر لعلمه بأن ذلك السبب غير قادح في روايته وعدالته إما لأن جنسه غير قادح وإما لأن له فيه عذرا أو تأويلا يمنع الجرح.

وقد لا يعتقد الذي بلغه الحديث أن راويه سمعه من غيره لأسباب معروفة عنده خفيت على غيره.

وقد يكون للمحدث حالان: حال استقامة وحال اضطراب فلا يدري الرجل أن حديثه المعين حدث به في حال الاستقامة أو في حال الاضطراب فيتوقف فيه ويعلم غيره أنه حدث به في حال الاستقامة فيقبله.

وقد يكون المحدث قد نسي الحديث الذي قد حدث به فينكره فيبلغ المجتهد إنكاره له ولا يعمل به ويرى غيره أن نسيانه له لا يقدح في صحة الحديث ووجوب العمل به.

وأيضا فكثير من الحجازيين لا يحتج بحديث عراقي ولا شامي إن لم يكن له أصل بالحجاز حتى قال بعض من يذهب هذا المذهب نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقيل لبعض من كان يذهب إلى هذا المذهب سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله حجة قال إن لم يكن له أصل بالحجاز فلا. وكان الشافعي يرى هذا المذهب أولا ثم رجع عنه وقال للإمام أحمد يا أبا عبد الله إذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شاميا كان أو عراقيا ولم يقل أو حجازيا لأنه لم يكن يشك هو ولا غيره في أحاديث أهل الحجاز.

وأكثر أهل العلم على خلاف هذا المذهب وأن الحديث إذا صح وجب العمل به من أي مصر من الأمصار كان مخرجه وعلى هذا إجماع أهل الحديث قاطبة.

فصل السبب الرابع: اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطا يخالفه فيها غيره كاشتراط بعضهم أن يكون الراوي فقيها إذا خالف ما رواه القياس واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان مما تعم به البلوى واشتراط بعضهم أن لا يكون الحديث قد تضمن زيادة على نص القرآن لئلا يلزم منه نسخ القرآن به وهذه مسائل معروفة.

فصل السبب الخامس: أن ينسى الحديث أو الآية كما نسي عمر قوله تعالى { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } 8 ونسي قوله { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } 9 ونسي فتوى النبي له ولعمار بالتيمم للجنابة في السفر وكذلك ما روي أن عليا ذكر الزبير يوم الجمل شيئا عهده إليهما رسول الله فذكره فانصرف عن القتال قلت فيكون الناسي معذورا بفتواه بخلاف النص فما عذر الذاكر للنص إذا قلد الناس وخالف الذاكر والذكر.

فصل السبب السادس: عدم معرفته بدلالة الحديث إما لكون لفظ الحديث غريبا عنده مثل لفظ المزابنة والمحاقلة والمخابرة والملامسة والمنابذة والحصاة والغرر ونحوها من الكلمات الغريبة التي يختلف العلماء في تأويلها ومثل قوله لا طلاق ولا عتاق في إغلاق.

فإنهم فسروا الإغلاق بالإكراه قلت هذا تفسير كثير من الحجازيين.

ومنهم من فسره بالغضب وهو تفسير العراقيين ونص عليه أحمد وأبو عبيد وأبو داود.

ومنهم من فسره بجمع الثلاث في كلمة واحدة فإنه مأخوذ من غلق الباب أي أغلق عليه باب الطلاق جملة وصحح بعضهم هذاالتفسير وجعله أولى التفاسير وممن حكى الأقوال الثلاثة صاحب مطالع الأنوار وصاحب مشارق الأنوار وهذا الباب يعرض منه اختلاف كثير سببه أن يكون لذلك اللفظ في لغته وعرفه معنى غير معناه في لغة الرسول أو أعم منه أو أخص فتفطن لهذا الموضع فإنه منشأ لغلط كثير على صاحب الشرع

والصواب في لفظ الإغلاق أنه الذي يغلق على صاحبه باب تصوره أو قصده كالجنون والسكر والإكراه والغضب كأنه لم ينفتح قلبه لقصده ولا وطر له فيه ومن هذا لفظ الخمر فإنه في لغة الشارع اسم لكل مسكر لا يختص بنوع من أنواعه وهذا المعنى مطابق لاشتقاقه فتخصيصه ببعض الأنواع المسكرة دون بعض اصطلاح حادث حصل بحمل كلام الشارع عليه تخصيص لما قصد الشارع تعميمه ولهذا لم يختلف المخاطبون بالقرآن أولا وهم الصحابة في تحريم ذلك كله.

فصل ومن هذا الخلاف العارض من جهة كون اللفظ مشتركا أو مجملا أو مترددا بين حمله على معناه عند الإطلاق وهو المسمى بالحقيقة أو على معناه عند التقييد وهو المسمى بالمجاز كاختلافهم في المراد من القرء هل هو الحيض أو الأطهار ففهمت طائفة منه الحيض وأخرى الطهر وكما فهمت طائفة من الخيط الأبيض والأسود الخيطين المعروفين وفهم غيرهم بياض النهار وسواد الليل وكما فهمت طائفة من قوله في التيمم { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } 10 المسح إلى الآباط ففعلوه وفهم آخرون المسح إلى المرافق ففعلوه وأسعد الناس بفهم الآية من فهم منها المسح إلى الكوع وهذا هو الذي فهمه رسول الله من الآية وهو نظير فهمه القطع من الكوع من آية السرقة.

وكما فهمت طائفة من قوله: { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } البعض مقدرا أو غير مقدر وفهم آخرون مسح الجميع وفهمهم مؤيد بفعل الرسول.

وكما فهم بعضهم من قوله تعالى: { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَة ٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } 11 الثلاثة فصاعدا اعتمادا على الحقيقة وفهم الآخرون الإثنين فصاعدا اعتمادا على فهم الجنس الزائد على الواحد وهؤلاء أسعد بفهم الآية.

وكما فهم الصديق ومن معه من الكلالة التي يرث معها الإخوة والأخوات للأب أنها عدم الولد وإن سفل والأب وإن علا وفهم آخرون منها عدم الأب دون من فوقه والصديق أسعد بفهم الآية كما اتفق المسلمون على أن الكلالة في قوله: { كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَة ً أَوِ امْرَأَة ٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ } 12 أنها عدم الولد وإن سفل والأب وإن علا وكما فهم من فهم من السلف والخلف من قوله تعالى { الطَّلاقُ مَرَّتَان } 13 أنه مرة بعد مرة مثل قوله { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ } 14 وقوله { فَشَهَادَة ُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ } 15 وقوله في الحديث "فلما أقر أربع مرات رجمه رسول الله " وقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ } 16. وجميع ما ذكر فيه تعدد المرة فهذا سبيله فالثلاث المجموعة بكلمة واحدة مرة واحدة وفهم آخرون منها الجمع والإفراد ولا يخفى أي الفهمين أولى. وكما فهم من أباح نكاح التحليل ذلك من قوله { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } 17 وفهم المحرمون المبطلون له بطلانه من نفس الآية من عدة أوجه منها قوله { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } 18 ونكاح التحليل لا يدخل في النكاح المطلق كما لم يدخل فيه نكاح الشغار والمتعة ونكاح المعتدة ونكاح المحرمة فإن الذي أخرج هذه الأنواع من النكاح المطلق المأذون فيه هو الذي أخرج نكاح التحليل منه بنصوص أكثر وأصرح من تلك النصوص.

ومنها تسميته سبحانه لهذا الثاني زوجا وأحكام الزوج عرفا وشرعا منتفية عن المحلل وانتفاء الأحكام مستلزم لانتفاء الاسم شرعا وعرفا وكذلك هو فإن أهل العرف لا يسمونه زوجا والشارع إنما سماه تيسا مستعارا فلا يجوز تسميته زوجا إلا على وجه التقييد بأن يقال زوج ملعون أو زوج في نكاح تحليل أو في نكاح باطل.

ومنها أنه جعل الزوج الثاني وطلاقه بمنزلة الزوج الأول وطلاقه فالمفهوم منها واحد وغير ذلك من الوجوه التي أفهمت منها الآية بطلان نكاح المحلل وهي عشرة قد ذكرناها في موضع آخر ولا ريب أن فهم هؤلاء أولى بالصواب.

ومن هذا فهم بعضهم إباحة العينة من قوله تعالى { إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَة ً حَاضِرَة َ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } 19 وفهم آخرون منها تحريمها وبطلانها فإن لفظ التجارة البيع المقصود الذي يقصد به كل واحد من المتعاقدين الربح والانتفاع ولا يعرف أهل اللغة والعرف من لفظ التجارة إلا ذلك ولا يعد أحد منهم قط الحيلة على الربا تجارة وإن كان المرابي يعد ذلك تجارة كما يعد بيع الدرهم بالدرهمين فالعينة لا تعد تجارة لغة ولا شرعا ولا عرفا.

وكما فهم من فهم من قوله تعالى { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَة ً أَوْ مُشْرِكَة ً } 20 أنه العقد وفهم آخرون أنه نفس الوطء وفهم الأولين أصوب لخلو الآية عن الفائدة إذا حمل على الوطء. وكما فهم أهل الحجاز من قوله تعالى { أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ } 21. طرده من الأرض من موضع إلى موضع وفهم أهل العراق منه الحبس. وبالجملة فهذا الفصل معترك النزاع.

فصل السبب السابع: أن يكون عارفا بدلالة اللفظ وموضوعه ولكن لا يتفطن لدخول هذا الفرد المعين تحت اللفظ إما لعدم إحاطته بحقيقة ذلك الفرد وأنه مماثل لغيره من الأفراد الداخلة تحته وإما لعدم حضور ذلك الفرد بباله وإما لاعتقاده اختصاصه بخصيصة يخرجه من اللفظ العام وإما لاعتقاده العموم فيما ليس بعام أو الإطلاق فيما هو مقيد فيذهل عن المقيد كما يذهل عن المخصص.

فصل السبب الثامن: اعتقاده أن لا دلالة في ذلك اللفظ على الحكم المتنازع فيه فهاهنا أربعة أمور أحدها أن لا يعرف مدلول اللفظ في عرف الشارع فيحمله على خلاف مدلوله. الثاني أن يكون له في عرف الشارع معنيان فيحمله على أحدهما ويحمله غيره على المعنى الآخر.

الثالث أن يفهم من العام خاصا أو من الخاص عاما أو من المطلق مقيدا أو من المقيد مطلقا.

الرابع أن ينفي دلالة اللفظ وتارة يكون مصيبا في نفس الدلالة وتارة يكون مخطئا فمن نفى دلالة قوله { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ } 22 على حل أكل ذي الناب والمخلب أصاب ومن نفى دلالة قوله { وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ } 23 على جواز نكاح الزانية أصاب ومن نفى دلالة قوله { قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } 24 على الإذن في أكل ما عدا المذكور في الآية أصاب ومن نفى دلالة العام على ما عدا محل التخصيص غلط ومن نفى دلالته على ما عدا محل السبب غلط ومن نفى دلالة الأمر على الوجوب والنهي على التحريم غلط ومن هذا ما يعرض من الاختلاف في الأفعال المنفية بعد وجود صورتها كقوله "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" "ولا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ولا صلاة لفذ خلف الصف ونحو ذلك. وطائفة لم تفهم المراد منه فجعلته مجملا يتوقف العمل به على البيان.

وطائفة فهمت منه نفي الكمال المستحب وهذا ضعيف جدا فإن النفي المطلق بعيد منه.

وطائفة فهمت نفي الأجزاء والصحة وفهم هؤلاء أقرب إلى اللغة والعرف والشرع.

وطائفة فهمت نفي المسمى الشرعي وهؤلاء أسعد الناس بفهم المراد.

فصل هذا كله قبل الوصول إلى السبب التاسع: وهو اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما هو مساو لها فيجب التوقف أو ما هو أقوى منها فيجب تقديمه وهذه المعارضة نوعان معارضة في الدليل ومعارضة في مقدمة من مقدماته.

فالمعارضة في الدليل أن يعتقد أنه قد عارضه ما هو أرجح منه فيجب عليه العمل بالراجح وقد يكون مصيبا في ذلك وقد لا يكون مصيبا فالمصيب من اعتقد المعارضة بناسخ يصح فيه دلالته ومقاومته وتأخره فإن انتفى بعضها كان واهما في اعتقاد المعارضة وإبطال النص بها.

وأما المعارضة في المقدمة فأن يقوم عنده معارض كجزء الدليل مثاله أن يعتقد تحريم الميسر بالنص الدال على تحريمه ويدل عنده دليل على دخول الشطرنج فيه ثم يقوم عنده دليل معارض لهذا الدليل يدل على أن الشطرنج ليس من الميسر فها هنا أربعة أمور

أحدها: أن لا يعتقد دلالة اللفظ على المعنى.

الثاني: أن يعتقد دلالته ولكن يقوم عنده معارض للدليل.

الثالث: أن يقوم عنده معارض لمقدمة من مقدماته.

الرابع: أن يتعارض عنده الدلالتان والتعارض قد يقع في الدليلين وقد يقع في الدلالتين والفرق بينهما أن تعارض الدليلين يكون مع اعتقاد دلالة كل واحد منهما على مطلوبه.

وتعارض الدلالتين يقع في الدليل الواحد فيكون له وجهان ثم قد يتبين رجحان المعارض فيصير إلى الراجح وقد لا يتبين له الرجحان فيتوقف وقد يترك الحديث لظنه انعقاد الإجماع على خلافه إذ لم يبلغه الخلاف ويكون إنما معه عدم العلم بالمخالف لا العلم بوجود المخالف وهذا العذر لم يكن أحد من الأئمة والسلف يصير إليه وإنما لهج به المتأخرون وقد أنكره أشد الإنكار الشافعي والإمام أحمد وقال الشافعي مالا يعلم فيه خلاف لا يقال له إجماع هذا لفظه وأما الإمام أحمد فقال من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريه لعل الناس اختلفوا وقد كتبت نصوصه ونصوص الشافعي في غير هذا الموضع ولا خلاف بين الأئمة أنه إذا صح الحديث عن رسول الله لم يكن عدم العلم بالقائل به مسوغا لمخالفته فإنه دليل موجب للاتباع وعدم العلم بالمخالف لا يصلح أن يكون معارضا فلا يجوز ترك الدليل له وإذا تأملت هذا الموضع وجدت كثيرا من أعيان العلماء قد صاروا إلى أقوال متمسكهم فيها عدم العلم بالمخالف مع قيام الأدلة الظاهرة على خلاف تلك الأقوال وعذرهم رضي الله عنهم أنهم لم يكن لأحد منهم أن يبتدئ قولا لم يعلم به قائلا مع علمه بأن الناس قد قالوا خلافه فيتركب من هذا العلم وعدم ذلك العلم الإمساك عن اتباع ذلك الدليل.

وها هنا انقسم العلماء ثلاثة أقسام: فقسم أخذوا بما بلغهم من أقوال أهل العلم وقالوا لا يجوز لنا أن نخالفهم ونقول قولا لم نسبق إليه وهؤلاء معذورون قبل وصول الخلاف إليهم فأما من وصل إليه الخلاف وعلم بذلك القول قائلا فما أدري ما عذره عند الله في مخالفته صريح الدليل.

وقسم توقفوا وعلقوا القول فقالوا إن كان في المسألة إجماع فهو أحق ما اتبع وإلا فالقول فيها كيت وكيت وهو موجب الدليل ولو علم هؤلاء قائلا به لصرحوا بموافقته فإذا علم به قائل فالذي ينبغي ولا يجوز غيره أن يضاف ذلك القول إليهم لأنهم إنما تركوه لظنهم أنه لا قائل به وأنه لو كان به قائل لصاروا إليه فإذا ظهر به قائل لم يجز أن يضاف إليهم غيره إلا على الوجه المذكور وهذه الطريقة أسلم.

وقسم ثالث: اتبعوا موجب الدليل وصاروا إليه ولم يقدموا عليه قول من ليس قوله حجة ثم انقسم هؤلاء قسمين.

فطائفة علمت أنه يستحيل أن تجمع الأمة على خلاف هذا الدليل وعلمت أنه لا بد أن يكون في الأمة من قال بموجبه وإن لم يبلغهم قوله فما كل ما قاله كل واحد من أهل العلم وصل إلى كل واحد من المجتهدين وهذا لا يدعيه عاقل ولا يدعي في أحد وقد نص الشافعي على مثل ذلك فذكر البيهقي عنه في المدخل أنه قال له بعض من ناظره فهل تجد لرسول الله سنة ثابتة متصلة خالفها الكل قلت لا لم أجدها قط كما وجدت المرسل.

وطائفة قالت: يجوز أن لا يتقدم به قائل ولكن لا يلزم انعقاد الإجماع على خلافه إذ لعل تلك النازلة تكون قد نزلت فأفتى فيها بعض العلماء أو كثير منهم أو أكثرهم بذلك القول ولم يستفت فيها الباقون ولم تبلغهم فحفظ فيها قول طائفة من أهل العلم ولم يحفظ لغيرهم فيها قول والذين حفظ قولهم فيها ليسوا كل الأمة فيحرم مخالفتهم.

قالوا فنحن في مخالفتنا لمن ليس قوله حجة أعذر منكم في مخالفتكم لمن قوله حجة فإن كنتم معذورين في مخالفة الدليل لقول من بلغتكم أقوالهم مع أنهم ليسوا كل الأمة فنحن في مخالفتهم لقيام الدليل أعذر عند الله ورسوله منكم وهذا كما تراه لا يمكن دفعه إلا بمكابرة أو إجماع متيقن معلوم لا شك فيه وبالله التوفيق.

ومما يوضح هذا أن كل من ترك موجب الدليل لظن الإجماع فإنه قد تبين لغيره أنه لا إجماع في تلك المسألة والخلاف فيها قائم ونحن نذكر من ذلك طرفا يسيرا يستدل به العالم على ما وراءه.

فمن ذلك قول مالك لا أعلم أحدا أجاز شهادة العبد وصدق رضي الله عنه فلم يعلم أحدا أجازها وعلمه غيره فأجازها علي بن أبي طالب وأنس بن مالك وشريح القاضي حكاه الإمام أحمد وغيره وروى أحمد عن أنس قال لا أعلم أحدا رد شهادة العبد وقال لا أعلم أحدا أوجب الصلاة على النبي في الصلاة ووجوبها محفوظ عن أبي جعفر الباقر وقال الشافعي أجمعوا على أن المعتق بعضه لا يرث وقد صح توريثه عن علي وابن مسعود وقال الشافعي وقد قيل له فهل من مرسل ما قال به أحد قال نعم أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أن رجلا جاء إلى النبي فقال يا رسول الله إن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله فقال: "أنت ومالك لأبيك" قال الشافعي فقال محمد بن الحسن أما نحن فلا نأخذ بها ولكن هل من أصحابك من يأخذ به قلت لا لأن من أخذ بهذا جعل للأب الموسر أن يأخذ من مال ابنه قال أجل ما يقول بهذا أحد قال فلم يخالفه الناس قلت لأنه لم يثبت فإن الله لما فرض للأب ميراثه من ابنه فجعله كوارث غيره وقد يكون أنقص حظا من كثير من الورثة دل ذلك على أن ابنه مالك للمال دونه وقد قال بهذا الحديث جماعة من السلف منهم شيخ الشافعي سفيان بن عيينة وصاحبه الإمام أحمد وغيرهما ولم يعلم به الشافعي قائلا واعتذر عن مخالفته بأنه مرسل لم يثبت ولم يعتذر عن مخالفته بالإجماع وقد صح اتصاله.

وقال الثوري فيما إذا طلق المدخول بها ثم راجعها ثم طلقها قبل دخول ثان بعد الرجعة فإن أكثر العلماء على أنها تستأنف العدة قال سفيان أجمع الفقهاء على هذا وسفيان من كبار أئمة الإسلام وقد حكى الإجماع على هذا والنزاع في ذلك موجود قبله وبعده فإن مذهب عطاء أنها تبنى على ما مضى كما لو طلقها قبل الرجعة وهو أحد قولي الشافعي وأحد الروايتين عن أحمد وحكى عن مالك قول ثالث أنه إن قصد الإضرار بها بنت وإلا استأنفت وحكي عن داود قول رابع أنه لا عدة عليها بحال جعلها مطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها بالطلاق الثاني والأول انقطعت عدته بالرجعة والأكثرون يقولون هي زوجة مدخول بها.

ومن ذلك أن الليث بن سعد حكى الإجماع على أن المسافر لا يقصر الصلاة في اقل من يومين هذا مع سعة علمه وفقهه وجلالة قدره والنزاع في مسافة القصر عن الصحابة والتابعين أشهر من أن يذكر.

ومن ذلك ما ذكره مالك في موطأه فقال فمن الحجة على من قال ذلك القول أي أنه لا يقضى بشاهد ويمين لأنه ليس في القرآن فيقال أرأيت لو أن واحدا ادعى على رجل مالا أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه وإن حلف بطل ذلك الحق عنه وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق إن حقه لحق وثبت حقه على صاحبه قال فهذا مما لا خلاف فيه عند أحد من الناس ولا ببلد من البلاد اه والحلف بالقضاء بالنكول وحده دون اشتراط رد اليمين أشهر من أن يذكر.

وإبراهيم النخعي لا يقول بالرد بحال ومذهب أبي حنيفة وأصحابه لا يرون لزوم تحليف المدعي بحال بل يقضون بالنكول وأبو ثور ذكر في المسألة قولا ثالثا أنه إذا امتنع أن يحلف وسأل حبس المدين حبسه له.

وأحمد وإن كان يحلف المدعي في بعض الصور كالقسامة والقضاء بشاهد ويمين فإن المشهور عنه أنه يقضي بالنكول دون الرد. وفي مذهب أحمد قول آخر أنه يقضي بالرد وهو اختيار أبي الخطاب وأبي محمد المقدسي في العمدة. وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه من قضى بالنكول نقض حكمه. ومع هذا فأبو عبيد يحكي الإجماع على خلاف هذا فإنه قال في كتاب القضاء لما ذكر أحاديث القضاء إن اليمين على المدعى عليه قال وفي ذلك سنة يستدل عليها بالتأويل وذلك أنه لما قضى أنه لا براءة للمطلوب إلا باليمين إلى الطالب كان فيه دليل على أن ترك أدائها إيجاب للدعوى عليه وتصديق لما يدعي.

قال وقد زعم بعض من يدعي النظر في الفقه أن إباء اليمين لا يوجب عليه حقا ولكنه زعم يحبس حتى يقر أو يحلف وهذا خلاف التأويل والأخبار وإجماع العلماء.

ومن ذلك ما قاله مالك في موطئه الأمر المجمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضى به في القسامة والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بيمين المدعين في القسامة وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث فهذا يوجب القسامة للمدعين للدم على من ادعوه عليه.

قال مالك ولا تجب القسامة إلا بأحد هذين الوجهين قال مالك وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي لم يزل عليه الناس أن المبدئين بالقسامة أهل الدم الذي يدعونه في العمد والخطأ.

قال ابن عبد البر وقد أنكر العلماء على مالك قوله إن القسامة لا تجب إلا بقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي بلوث يشهدون به لأن المقتول بخيبر لم يدع على أحد ولا قال دمي عند أحد ولا قال النبي للأنصار تأتون بلوث قالوا وقد جعل مالك سنة ما ليس له مدخل في السنة. وكذلك أنكروا عليه أيضا في هذا الباب قوله الأمر المجمع عليه أن يبدأ المدعون بالإيمان في القسامة قالوا فكيف اجتمعت الأئمة في الفقه والحديث وابن شهاب يروي عن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن رجل من الأنصار أن النبي بدأ اليهود في الإيمان قال وهذا الحديث وإن لم يكن من روايته عن ابن شهاب فمن روايته عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن عمر بن الخطاب قال للجهني الذي ادعى دية وليه على رجل من بني سعد بن ليث وكان أجرى فرسه فوطئ على إصبع الجهني فنزى منها الدم فمات فقال عمر للذي ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها فأبوا وتحرجوا وقال للمدعين احلفوا فأبوا فقضى بشطر الدية على السعديين قالوا فأي أمة اجتمعت على هذا.

ومن ذلك قال الشافعي في مختصر المزني في مسألة اليمين الغموس ودل إجماعهم على أن من حلق في الإحرام عمدا أو خطأ أو قتل صيدا عمدا أو خطأ في الكفارة سواء وعلى أن الحالف بالله وقاتل المؤمن عمدا أو خطأ في الكفارة سواء فقد ذكر الإجماع على التسوية بين العامد والمخطئ في قتل الصيد وحلق الشعر ومعلوم ثبوت النزاع في ذلك قديما وحديثا فمذهب جماعة من السلف أن قاتل الصيد خطأ لا جزاء عليه ويروى ذلك عن ابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير ويروى ذلك عن القاسم وسالم وعطاء ومجاهد وهو قول ابن المنذر وداود وأصحابه وقول إسحاق في الشعر وهو رواية عن أحمد في الصيد وخرج أصحابه في مذهبه في الحلق والتقليم قولا مثله وكذلك ذكره ابن أبي هريرة قولا للشافعي في الصيد وذكر أبو إسحاق وغيره أن له قولا مخرجا في الحلق والتقليم في الخطأ أنه لا كفارة فيه كالطيب واللباس فصار في المسألة ثلاثة أقوال الكفارة فيهما وعدم الكفارة فيهما والكفارة في الصيد دون الحلق والتقليم.

ومن ذلك ما حكاه ابن المنذر قال أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد ما انقضت عدتها ثم نكحها الحالف الأول ثم دخلت الدار أنه لا يقع عليها الطلاق لأن طلاق الملك قد انقضى والنزاع في هذه المسألة معروف فإن هذه المسألة لها صورتان:

إحداهما: أن لا توجد الصفة فإن الصفة تعود في المشهور في مذهب أحمد حتى إن من أصحابه من يقول تعود الصفة هنا رواية واحدة وهذا أحد أقوال الشافعي بل هو الصحيح عند العراقيين من أصحابه كما ذكره أبو إسحاق وغيره وهو قول حماد بن أبي سليمان وزفر وكذلك ذكره الطحاوي عن الأوزاعي وعثمان البتي وابن الماجشون إذا طلق ثم تزوج تعود اليمين قال الطحاوي ولم يذكروا بعد الثلاث.

والقول الثاني: لا تعود الصفة بحال وهو قول أبي ثور والمزني وقد حكى ابن حامد رواية فيمن قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه قبل الدخول ثم اشتراه لم يعتق عليه بحال فذكر عنه في العتق أن الصفة لا تعود وفي الطلاق أولى كما صرح أصحابه بمثل ذلك القول.

الثالث: أنه إن أبانها بالثلاث لم ترجع الصفة وبدونها ترجع وهو مذهب أبي حنيفة وقول الشافعي ومن ذلك ما حكاه ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شاء فلان أنها قد ردت الأمر ولا يلزمه الطلاق إن شاء فلان كذلك قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الشافعي.

ولأصحاب الشافعي في هذه المسألة وجهان حكاهما الماوردي وغيره ومن ذلك قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا إثنتين أنها تطلق واحدة وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أنها تطلق ثنتين فإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا طلقت ثلاثا وممن حفظ هذا عنه الثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي

والخلاف في المسألة مشهور فمذهب أحمد المنصوص عنه إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وقعت الثلاث لأن استثناء الأكثر عنده باطل وإذا قال ثلاثا إلا واحدة صح الاستثناء في المشهور من مذهبه.

وقال أبو بكر عبد العزيز لا يصح الاستثناء في الطلاق وهو نظير أشهر الروايتين عند شريح فيما إذا قال أنت طالق إن دخلت الدار أنها تطلق ولا يتعلق بالشرط المؤخر وهي رواية ثابتة عن أحمد وأكثر أجوبته كقول الجمهور.

ومن ذلك ما حكاه أن ابن عبد البر نقل الإجماع على أن الاعتكاف يلزم بالشروع فقال وقال مالك يلزمه بالنية مع الدخول وإن قطعه لزمه قضاؤه.

قال ابن عبد البر لا يختلف في ذلك الفقهاء ويلزمه القضاء عند جمهور العلماء والخلاف في ذلك أشهر شيء فمذهب الشافعي وأحمد في مشهور قوله إنه لا يلزم وقال الشافعي كل عمل لك أن لا تدخل فيه فإذا دخلت فيه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة.

ومن ذلك ما حكاه صالح بن أحمد عن أبيه أنه قال لا اختلاف أنه لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم والخلاف في ذلك مشهور عن الصحابة والتابعين.

ومن ذلك ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار قال: وأما القراءة في الركوع والسجود فجميع العلماء على أن ذلك لا يجوز اه. وليس ذلك بإجماع فقد سئل عطاء عن ذلك فقال رأيت عبيد بن عمير يقرأ وهو راكع وحكي عن سلمان بن ربيعة أنه كان يقرأ وهو ساجد وقال مغيرة عن إبراهيم في الرجل يقرأ فيترك الآية فيذكرها وهو راكع قال يقرأها وهو راكع وقال مغيرة كانوا يقرأون في الركوع الآية والآيتين إذا بقي على الرجل من قراءته.

ومن ذلك ما حكاه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي في كتاب الطهور وقد ذكر من كان يتوضأ من مس الذكر ثم قال وهو منسوخ لأن أهل العلم اجتمعوا على خلاف هذا.

ومن ذلك ما ذكره أبو عمر بن عبد البر فقال وأما الشهادة على رؤية الهلال فأجمع الفقهاء على أنه لا يقبل في شهادة شوال في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين والخلاف في ذلك مشهور وقد حكى ابن المنذر عن أبي ثور وطائفة من أهل الحديث القول بقول الواحد في الصوم والفطر.

ومن ذلك ما قاله أبو ثور لا يختلفون أن أقل الطهر خمسة عشر يوما والخلاف في ذلك مشهور وقد قال إسحاق توقيت هؤلاء بخمسة عشر باطل وقال أحمد في إحدى الروايتين عنه أقله ثلاثة عشر يوما.

ومن ذلك ما حكاه غير واحد من العلماء أن الحالف بالطلاق والعتاق إذا حنث في يمينه أنه تطلق عليه زوجته ويعتق عليه عبده أو جاريته حكى ذلك بضعة عشر من أهل العلم وعذرهم أنهم قالوا بموجب علمهم وإلا فالخلاف في ذلك ثابت عن السلف والخلف من وجوه:

الوجه الأول: ما رواه الأنصاري حدثنا أشعث ثنا بكر عن أبي رافع أن مولاته أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته فقالت هي يوما يهودية ويوما نصرانية وكل مملوك لها حر وكل مال لها في سبيل الله وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما فسألت عائشة وابن عمر وابن عباس وحفصة وأم سلمة فكلهم قال لها أتريدين أن تكوني مثل هاروت وماروت وأمروها أن تكفر يمينها وتخلي بينهما.

وقال يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي حدثنا بكر بن عبد الله عن أبي رافع فذكره عن زينب ورواه الأوزاعي حدثني حسن بن الحسن حدثني بكر بن عبد الله المزني حدثني رافع فذكره وذكر فيه العتق فهذه ثلاث طرق فقد برىء سليمان التيمي من عهدة التفرد بذكر العتق بمتابعة أشعث وحسن بن الحسن له حتى ولو تفرد بها التيمي فهو أجل من أن يرد ما تفرد به وهو أجل من الذين لم يذكروا الزيادة فصح ذكر العتق في هذا الأثر وزال الارتياب فهؤلاء ستة من أصحاب رسول الله لا يعلم لهم مخالف أفتوا من قالت كل مملوك لها حر إن لم تفرق بين مملوكها وبين امرأته أن تكفر يمينها وتخلي بين الرجل وامرأته وهم ابن عباس في سعة علمه وابن عمر في شدة ورعه وتحريه وأبو هريرة مع كثرة حفظه وعائشة وحفصة وأم سلمة وهؤلاء من أفقه نساء الصحابة أو أفقههن على الإطلاق.

فإن كان التقليد فمن جعل هؤلاء بينه وبين الله أعذر عند الله ممن جعل بينه وبينه من لا يدانيهم وأن كان الدليل والحجة فهاتوا دليلا واحدا لا يطعن فيه من كتاب الله أو سنة رسوله أو قياس يستوي فيه حكم الأصل والفرع على وقوع الطلاق المحلوف به وأكثركم لم يعول في ذلك إلا على ما ظنه من الإجماع وهو معذور قبل الاطلاع على النزاع فما عذره بعد الاطلاع على أن المسألة مسألة خلاف بين الأئمة إذا استحل عقوبة من يفتي بها وجاهر بالكذب والبهت أنه خالف إجماع الأمة أفترى هؤلاء الذين هم من سادات الأمة وعلمائها يفتون بالكفارة في العتق وبلزوم الطلاق وهل يمكن بشر على وجه الأرض أن يفرق بين قول الحالف إن فعلت كذا فعبدي حر وبين قوله إن فعلت كذا وكذا فإمرأتي طالق بفرق تلوح منه رائحة الفقه.

الوجه الثاني: من الوجوه المثبتة أن المسألة مسألة نزاع لا مسألة إجماع ما رواه عبد الرزاق في جامعه حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئا قلت أكان يراه يمينا قال لا أدري.

الوجه الثالث: ما رواه سنيد بن داود في تفسيره حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن عاصم الأحول عن عكرمة في رجل قال لغلامه إن لم أجلدك مائة سوط فامرأتي طالق. قال لا يجلد غلامه ولا تطلق امرأته هذا من خطوات الشيطان.

الوجه الرابع: أن في الطلاق المعلق بالشرط قولين للعلماء أحدهما يقع عند وقوع شرطه والثاني لا يقع بحال ولا يتعلق الطلاق بالشرط كما لا يتعلق النكاح به وهذا اختيار أجل أصحاب الشافعي الذي أخذ عنه وكان يلازمه أبو عبد الرحمن ولا ينزل اختياره عن درجة من له وجه من المتأخرين بل هو أجل من أصحاب الوجوه وهو مذهب داود بن علي الأصبهاني وابن حزم وأصحابهما.

قال أبو محمد بن حزم واليمين بالطلاق لا يلزم سواء بر أو حنث لا يقع به طلاق ولا طلاق إلا كما أمر الله عز وجل ولا يمين إلا كما أمر الله على لسان رسوله والطلاق بالصفة عندنا كما هو الطلاق باليمين لا يجوز وكل ذلك لا يلزم ولا يكون طلاق إلا كما أمر الله عز وجل به وعلمه وهو القصد إلى الطلاق وأما ما عدا ذلك فباطل وممن قال بقولنا في أن اليمين بالطلاق ليس شيئا ولا يقضى به على من حلف به علي بن أبي طالب وشريح وطاوس ولا يعرف لعلي مخالف من الصحابة.

الوجه الخامس: أن أبا الحسين القدوري ذكر في شرحه أنه إذا قال طلاقك علي واجب أو لازم أو فرض أو ثابت أو إن فعلت كذا فطلاقك علي واجب أو لازم أو ثابت ففعلت قال فعلى قول أبي حنيفة لا يقع الطلاق في الكل وعند أبي يوسف إن نوى الطلاق يقع في الكل وعن محمد يقع في قوله لازم ولا يقع في قوله واجب. قال صاحب الذخيرة: وكان الشيخ ظهير الدين المرغيناني يفتي بعدم الوقوع في الكل

الوجه السادس: إن القفال أفتى في قوله الطلاق يلزمني أنه لا يقع به الطلاق نواه أو لم ينوه قال قال أبو القاسم عبد الرحمن بن يونس في شرح التنبيه في قول المصنف وإن قال الطلاق والعتاق لازم لي ونواه لزمه لأنهما يقعان بالكناية مع النية وهذا اللفظ يحتمل فجعل كناية فقال الروياني الطلاق لازم صريح وعد ذلك في صرايح الطلاق ولعل وجهه عنده استعماله لإرادة الطلاق وقال القفال في فتاويه ليس بصريح ولا كناية حتى لا يقع به الطلاق وإن نواه.

الوجه السابع: إن أشهب بن عبد العزيز وهو من أجل أصحاب مالك أفتى فيمن قال لإمرأته إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق ففعلته تقصد وقوع الطلاق به أنها لا تطلق مقابلة لها بنقيض قصدها كما لو قتل الوارث مورثه أو المدبر سيده أو الموصي له ونظائر ذلك مما يقابل به الرجل بنقيض قصده ذكر ذلك عنه ابن رشد في مقدماته وهذا محض الفقه لو كان الحلف يقع به الطلاق.

الوجه الثامن: أن أصحاب مالك من أشد الناس في هذا الباب فلا يعذرون الحالف بجهل ولا نسيان ويوقعون الطلاق على من حلف على ما لا يعلم فبان كما حلف عليه ومع هذا فقد حكوا عدم الوقوع بالحلف بالطلاق عن علي بن أبي طالب وشريح وطاوس ونحن نذكر ألفاظهم: قال أبو القاسم عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد بن بزيزة في كتاب مصالح الأفهام في شرح كتاب الأحكام الباب الثالث في حكم اليمين بالطلاق فقد قدمنا في كتاب الإيمان اختلاف العلماء في اليمين بالطلاق والعتق والمشي وغير ذلك هل يلزم أم لا فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشريح وطاوس لا يلزم عن ذلك شيء ولا يقضى بالطلاق على من حلف به فحنث ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة هذا لفظه مع اعتقاده وقوع الطلاق على من حلف به فحنث ولم يطعن في هذا النقل ولم يعترضه باعتراض.

الوجه التاسع: إن فقهاء الإمامية من أولهم إلى آخرهم ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمد وغيره من أهل البيت.

وهب أن مكابرا كذبهم كلهم وقال قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر في اجتهاد وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون ولم يزل الفقهاء ينقلون خلافهم ويبحثون معهم والقوم وإن أخطأوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأ حتى يرد عليهم هذا لو انفردوا بذلك عن الأمة فكيف وقد وافقوا في قولهم من قد حكينا قولهم وغيره ممن لم تقف على قوله.

الوجه العاشر: إنه لم يزل أئمة الإسلام يفتون بما يظهر لهم من الدليل وإن لم يتقدمهم إليه أحد وإذا شئت أن تقف على ذلك فانظر إلى كثير من فتاوي الأئمة التي لا تحفظ عن أحد من أهل العلم قبلهم.

وقال إسحاق بن منصور الكوسج سألت إسحاق عن مسألة فذكر قوله فيها فقلت إن أخاك أحمد بن حنبل أجاب فيها بمثل جوابك فقال ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها.

وقال ابن المنذر وهو من أعلم الناس بالإجماع والاختلاف لم يسبق الشافعي إلى نجاسة الأبوال أحد يريد بول ما يؤكل لحمه وقال شيخنا لم يسبق أحمد بن حنبل إلى الحكم بإسلام أولاد أهل الذمة الصغار بموت آبائهم أحد ولم يسبقه إلى إقعاد المرأة أول ما ترى الدم يوما وليلة ثم تصلي وهي ترى الدم أحد.

وأما غيره فمن له أدنى اطلاع على أقوال السلف والخلف لا يخفى عليه ذلك ولكثرته تركنا ذكره.

الوجه الحادي عشر: أنا لو لم نعلم النزاع في هذه المسألة لم يكن لنا علم بالإجماع المعلوم الذي تكون مخالفته كفرا أو فسقا عليها بل ولا ظن به فإنا قد رأينا أكثر هؤلاء الذين يحكون الإجماع إنما يحكونه على حسب اطلاعهم ومعناه عدم العلم بالمخالف وقد رأيت من نقض إجماعاتهم التي حكوها ما هو قليل من كثير.

فغاية هذه الإجماعات أن تفيدنا عدم علم ناقلها بالخلاف وهذا بمجرده لا يكون عذرا للمجتهد في ترك موجب الدليل والله أعلم.

فصل ومن ذلك نقل من نقل الإجماع على أن المتكلم بالطلاق الثلاث في مرة واحدة يقع به الثلاث وقال بموجب علمه وما بلغه وإلا فالخلاف في هذه المسألة ثابت من وجوه:

الوجه الأول: إنه على عهد الصديق إنما كان يفتي بأنها واحدة كما روى مسلم في صحيحه أن أبا الصهباء قال لعبد الله بن عباس ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر من طلق ثلاثا جعلت واحدة قال نعم وذكر الحديث ومن تتبع ألفاظه وطرقه جزم ببطلان تلك التأويلات التي غايتها أن يتطرق إلى بعض ألفاظه وسياق طرقه وألفاظه صريحة في المراد فلو قال القائل إن هذا مذهب أبي بكر الصديق وجميع الصحابة في عهده أصاب وصدق حاش من لم يصرح منهم بأنها ثلاث وهم جمع من الصحابة صح ذلك عنهم بلا ريب فأقل أحوال المسألة أن تكون مسألة نزاع بين الصحابة.

الوجه الثاني: إنه صح عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه أفتى بأنها واحدة ذكر ذلك أبو داود وغيره

الوجه الثالث: إن هذا مذهب الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، حكاه عنهما ابن وضاح وابن مغيث في وثائقه وغيرهما

الوجه الرابع: إنه إحدى الروايتين عن علي وابن مسعود وابن عباس

الوجه الخامس: إنه مذهب طاوس وخلاس بن عمرو ومحمد بن إسحاق وداود وجمهور أصحابه

الوجه السادس: أنه مذهب إسحاق بن راهويه في غير المدخول بها صرح به في كتاب اختلاف العلماء له وهو مذهب بعض فقهاء التابعين

الوجه السابع: أنه أحد القولين في مذهب مالك حكاه التلمساني في شرح التفريع قال ابن الجلاب ومن طلق امرأته ثلاثا في كلمة واحدة حرمت عليه قال الشارح إذا كان ذلك في كلمات فلا خلاف في حرمتها لقوله تعالى { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ } 25 إلى قوله { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } 26 وإن كان في كلمة ففيه خلاف هل يرجع إلى الواحدة والمشهور من المذهب أنها ثلاث ثم قال الشارع في موضع آخر في قوله من طلق امرأته ثلاثا في كلمة قال هذا تنبيه على الخلاف وهو أن الثلاث في كلمة ترجع إلى الواحدة وهو قول شاذ في المذهب ووجهه ما روي أن الثلاث على عهد رسول الله كانت واحدة.

الوجه الثامن: أنه أحد القولين في مذهب أبي حنيفة اختاره محمد بن مقاتل الرازي حكاه عنه الطحاوي.

الوجه التاسع: أنه أحد القولين في مذهب أحمد حكاه شيخنا واختاره وأفتى به وأقل درجات اختياراته أن يكون وجها في المذهب ومن الممتنع أن يكون اختيار ابن عقيل وأبي الخطاب والشيخ أبي محمد وجوها يفتى بها واختيارات شيخ الإسلام لا تصل إلى هذه المرتبة فالذي يجزم به أن دخول الكفارة في الحلف بالطلاق وكون الثلاث في كلمة واحدة واحدة أحد الوجهين في مذهب أحمد وهو مخرج على أصوله أصح تخريج والغرض نقض قول من ادعى الإجماع في ذلك ولتقرير هذه المسألة موضع آخر.

الوجه العاشر: أنه من المحال أن تجمع الأمة على لزوم الثلاث وفيها حديثان صحيحان صريحان عن رسول الله لا معارض لهما ولا ناسخ وحديث آخر ظاهر في عدم الوقوع.

الحديث الأول: حديث أبي الصهباء عن ابن عباس وقد رواه مسلم في صحيحه الحديث الثاني قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا سعد بن إبراهيم حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال طلق ركانة بن عبد يزيد أخو المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله : "كيف طلقها قال طلقتها ثلاثا قال في مجلس واحد قال نعم قال فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت قال فرجعها". قال وكان ابن عباس يرى أن الطلاق عند كل طهر ورواه محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختارته التي هي أصح من صحيح الحاكم فهذا من رواية عكرمة عن ابن عباس والأول من رواية طاوس وكان طاوس وعكرمة يقولان هي واحدة.

قال إسماعيل بن إبراهيم ثنا أيوب عن عكرمة إذ قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة قال أبو داود وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة فهؤلاء رواة الحديث عن ابن عباس قد أفتوا به ومنهم محمد بن إسحاق كان يفتي بأن من قال أنت طالق ثلاثا فهي واحدة.

وكان يقول من جهل السنة فيرد إليها وهذا عين الفقه فإن العامي الجاهل إذا جهل سنة الطلاق وطلق رد طلاقه إلى السنة لقوله كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد.

وأما الحديث الظاهر في عدم لزوم الثلاث فهو حديث محمود بن لبيد قال أخبر النبي عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" حتى قام رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله. رواه النسائي ولم يقل إنه أجازه عليه بل الظاهر برسول الله الذي يقرب من القطع أن رسول الله لا يجيز حكما تلاعب موقعه بكتاب الله بل هو أشد ردا له وإبطالا والله المستعان.

فصل ومن ذلك حكاية من حكى الإجماع على وقوع الطلاق في الحيض بحسب ما بلغه والمسألة مسألة نزاع لا مسألة إجماع فصح عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض لا تعتد بذلك وصح عن طاوس أنه كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة وكان يقول وجه الطلاق أن يطلقها طاهرا من غير جماع أو إذا استبان حملها وصح عن خلاس بن عمرو أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال لا يعتد بها قال أبو محمد بن حزم ويكفي من هذا كله المسند البين الثابت الذي خرجه أبو داود السجستاني قال حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر قال أبو الزبير وأنا أسمع كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا فقال ابن عمر طلق ابن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله فسأل عمر عن ذلك رسول الله فقال إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها علي ولم يرها شيئا وقال: "إذا طهرت فليطلق أو ليمسك" وقرأ رسول الله { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } 27

قال وهذا إسناد في غاية الصحة لا يحتمل التوجيهات والكلام على هذا الحديث وعلى الحديث الآخر أرأيت إن عجز واستحمق وبيان عدم التعارض بينهما له موضع آخر والمقصد أن المسألة من مسائل النزاع لا من مسائل الإجماع فأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد أنه لا يقع الطلاق في زمن الحيض اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وبالله التوفيق.

فلنرجع إلى ما كنا فيه وهو المقصود بذكر هذا الفصل وهو الوهم الواقع بظن الإجماع فيما فيه النزاع حتى يقدم على مقتضى الحديث أو مقتضى الدليل ثم يسلك من ظن الإجماع في تلك الأدلة مسلك التأويل فيكون الحامل له على التأويل ما ظنه من الإجماع فإذا تبين الخلاف الثابت في المسألة لم يبق للتأويل بما يخالف الظاهر مساغ وبالله التوفيق.


هامش

  1. [النساء20]
  2. [الأحقاف15]
  3. [البقرة 233]
  4. [الأعراف199]
  5. [الزمر30]
  6. [الأنعام19]
  7. [البقرة 221]
  8. [الزمر30]
  9. [النساء20]
  10. [المائدة 6]
  11. [النساء11]
  12. [النساء12]
  13. [البقرة 229]
  14. [التوبة 101]
  15. [النور6]
  16. [النور58]
  17. [البقرة 230]
  18. [البقرة 230]
  19. [البقرة 282]
  20. [النور3]
  21. [المائدة 33]
  22. [البقرة 187]
  23. [النور32]
  24. [الأنعام145]
  25. [البقرة 229]
  26. [البقرة 230]
  27. [الطلاق1]
الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة لابن قيم الجوزية
المقدمة | الفصل الأول في معرفة حقيقة التأويل ومسماه لغة واصطلاحا | الفصل الثاني وهو انقسام التأويل إلى صحيح وباطل | الفصل الثالث في أن التأويل إخبار عن مراد المتكلم لا إنشاء | الفصل الرابع في الفرق بين تأويل الخبر وتأويل الطلب | الفصل الخامس في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير وأن الأول ممتنع وقوعه في الخبر والطلب والثاني يقع فيهما | الفصل السادس في تعجيز المتأولين عن تحقيق الفرق بين ما يسوغ تأويله من آيات الصفات وأحاديثها وما لا يسوغ | الفصل السابع في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأويلا نظير ما فروا منه | الفصل الثامن في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل | الفصل التاسع في الوظائف الواجبة على المتأول الذي لا يقبل منه تأويله إلا بها | الفصل العاشر في أن التأويل شر من التعطيل فإنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها | الفصل الحادي عشر في أن قصد المتكلم من المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته ينافي قصد البيان والإرشاد والهدى وأن القصدين متنافيان وأن تركه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى | الفصل الثاني عشر في بيان أنه مع كمال علم المتكلم وفصاحته وبيانه ونصحه يمتنع عليه أن يريد بكلامه خلاف ظاهره وحقيقته وعدم البيان في أهم الأمور وما تشتد الحاجة إلى بيانه | الفصل الثالث عشر في بيان أن تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره | الفصل الرابع عشر في أن التأويل يعود على المقصود من وضع اللغات بالإبطال | الفصل الخامس عشر في جنايات التأويل على أديان الرسل وأن خراب العالم وفساد الدنيا والدين بسبب فتح باب التأويل | الفصل السادس عشر في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله | الفصل السابع عشر في أن التأويل يفسد العلوم كلها إن سلط عليها ويرفع الثقة بالكلام ولا يمكن أمة من الأمم أن تعيش عليه | الفصل الثامن عشر في انقسام الناس في نصوص الوحي إلى أصحاب تأويل وأصحاب تخييل وأصحاب تجهيل وأصحاب تمثيل وأصحاب سواء السبيل | الفصل التاسع عشر في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله | الفصل العشرون في بيان أن أهل التأويل لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبدا | الفصل الحادي والعشرون في الأسباب الجالبة للتأويل | الفصل الثاني والعشرون في أنواع الاختلاف الناشئة عن التأويل وانقسام الاختلاف إلى محمود ومذموم | الفصل الثالث والعشرون في أسباب الخلاف الواقع بين الأئمة بعد اتفاقهم على أصل واحد وتحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله | الفصل الرابع والعشرون في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان | الطاغوت الأول | العشر الأولى | العشر الثانية | العشر الثالثة | العشر الرابعة | العشر الخامسة | العشر السادسة | العشر السابعة | المكملة | الطاغوت الثاني | العشر الأولى | العشر الثانية | العشر الثالثة | العشر الرابعة | العشر الخامسة | العشر السادسة | العشر السابعة | العشر الثامنة | العشر التاسعة | العشر العاشرة | العشر الحادية عشرة | العشر الثانية عشرة | العشر الثالثة عشر | العشر الرابعة عشر | العشر الخامسة عشر | العشر السادسة عشر | العشر السابعة عشر | العشر الثامنة عشر | العشر التاسعة عشر | العشر العشرون | العشر الحادية والعشرون | العشر الثانية والعشرون | العشر الثالثة والعشرون | العشر الرابعة والعشرون | وجوه آخيرة