الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب المواريث

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



كتاب المواريث


هي مفضلة في الكتاب العزيز ومعلومة لأهل العلم والتمييز . قال الماتن : لم نتعرض ههنا لذكرها واقتصرنا على ذكر ما ثبت في السنة ، أو الإجماع ، ولم نذكر ما كان لا مستند له إلا محض الرأي كما جرت به عادتنا في هذا الكتاب ، فليس مجرد الرأي مستحقاً للتدوين فلكل عالم رأيه واجتهاده مع عدم الدليل . ولا حجة في اجتهاد بعض أهل العلم على البعض الآخر . وإذا عرفت هذا اجتمع له مما في الكتاب العزيز وما ذكرناه ههنا جميع علم الفرائض الثابت بالكتاب والسنة ، فإن عرض لك من المواريث ما لم يكن فيهما فاجتهد فيه برأيك عملاً بحديث معاذ المشهور انتهى .

ويجب الابتداء بذوي الفروض القدرة وما بقي فللعصبة لحديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما أن النبي () قال : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي لأولى رجل ذكر والمراد بالفرائض هنا الأنصباء المقدرة . وأهلها هم المستحقون لها بالنص ، وما بقي بعد إعطاء ذوي الفرائض فرائضهم فهو لأولى رجل ذكر .

والأخوات مع البنات عصبة أي يأخذن ما بقي من غير تقدير ، كما يأخذه الرجل بعد فروض أهل الفروض لحديث ابن مسعود عند البخاري وغيره أن النبي () قضى في بنت وبنت ابن وأخت بأن للبنت النصف ولبنت الإبن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت وقد أفاد هذا أن لبنت الابن مع البنت السدس تكملة الثلثين .

ولبنت الابن مع البنت السدس تكملة الثلثين وقد قيل : أن ذلك مجمع عليه .

وكذا الأخت لأب مع الأخت لأبوين وللجدة أو الجدات السدس مع عدم الأم لحديث قبيصة بن ذؤيب عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها فقال : ما لك في كتاب الله شئ وما علمت لك في سنة رسول الله شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله () أعطاها السدس فقال : هل معك غيرك ، فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال : مثل ما قال المغيرة بن شعبة ، فأنفذه لها أبو بكر . قال : ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته ميراثها فقال : مالك في كتاب الله شئ ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها قال ابن حجر : وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل فإن قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة ، قاله ابن عبد البر ، وقد اختلف في مولده ، والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة . وأخرج عبدالله بن أحمد في مسند أبيه وابن منده في مستخرجه والطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت أن النبي () قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما وهو من رواية إسحق بن يحيى عن عبادة ولم يسمع منه . وأخرج أبو داود والنسائي من حديث بريدة أن النبي () جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن الجارود ، وقواه ابن عدي ، وفي إسناده عبيد الله العتكي وهو مختلف فيه . وأخرج الدارقطني عن عبد الرحمن ابن يزيد مرسلاً قال : أعطى رسول الله () ثلاث جدات السدس ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وأخرجه أيضاً أبو داود في المراسيل عن إبراهيم النخعي . وأخرجه أيضاً البيهقي من مرسل الحسن . وأخرجه الدارقطني من طرق عن زيد بن ثابت ، وفي الباب آثار غير ما ذكر . قال في البحر : مسألة فرضهن يعني الجدات السدس وأن كثرن إذا استوين ، وتستوي أم الأم وأم الأب لا فضل بينهما ، فإن اختلفن سقط الأبعد بالأقرب ولا يسقطهن إلا الأمهات . والأب يسقط الجدات من جهة ، والأم من الطرفين .

أقول : التفاصيل والتفاريع المذكورة في الكتب ينبغي إمعان النظر في مستنداتها ، ومجرد اجتهاد فرد من أفراد الصحابة ليس بحجة على أحد ، وكذلك اجتهاد جماعة منهم لم يبلغوا حد الإجماع .

وهو للجد مع من لا يسقطه لحديث عمران بن حصين أن رجلاً أتى النبي () فقال : أن ابن ابني مات فما لي من ميراثه ؟ قال : لك السدس ، فلما أدبر دعاه . قال : لك سدس آخر ، فلما أدبر دعاه . فقال : إن السدس الآخر طعمة رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه . وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن الحسن أن عمر سأل عن فريضة رسول الله () في الجد فقام معقل بن يسار المزني فقال : قضى فيها رسول الله () قال : ماذا قال السدس قال مع من قال لا أدري . قال : لا دريت فما تغني إذن وهو منقطع لأن الحسن لم يسمع من عمر . وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الحسن عن معقل ، وقد اختلف الصحابة فمن بعدهم اختلافاً كثيراً ، ورويت عنهم قضايا متعددة . وقد دل الدليل على أنه يستحق السدس وأنه فرضه ، فإذا صار إليه زيادة فهو طعمة ، وذلك كما في حديث عمران . وإنما قيدنا استحقاقه للسدس بعدم المسقط ، لأنه إذا كان معه من يسقطه كالأب ، فلا شئ له . وهكذا إذا كان مع الجد من يسقطه الجد فله الميراث كله .

أقول : ليس في الأحاديث المتقدمة ذكر من كان معه من الورثة ولم يبق بعد ذلك إلا مجرد روايات من علماء الصحابة ومن بعدهم وتمثيلات وتشبيهات ليست من الحجة في شئ ، ولا يبعد أن يقال : بأنه أحق بالميراث من الأخوة والأخوات مطلقاً ، لأنه إن لم يكن والداً حقيقة فهو بمنزلة الوالد ، والأب يسقط الأخوة والأخوات مطلقاً . ومن زعم أنه وجد في الأب من المزايا ما لا يشاركه فيها الجد فعليه الدليل ومن قال أن ثم دليلاً يقتضي أن الجد يقاسم الأخوة ويأخذ الباقي بعد الأخوات فعليه أيضاً الدليل .

ولا ميراث للإخوة والأخوات مطلقاً الإبن أو ابن الإبن أو الأب ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم .

وفي ميراثهم مع الجد خلاف لعدم ورود الدليل الذي تقوم به الحجة . فذهب جماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمرإلى أن الجد أولى من الأخوة ، وذهب جماعة منهم علي وابن مسعود وزيد بن ثابت إلى أن الجد يقاسم الأخوة . والخلاف في المسألة يطول ، فمن قال أنه يسقط الأخوه قال : إنه يصدق عليه إسم الأب ، وأجاب الآخرون بأنه مجاز لا تقوم به الحجة . ووقع الخلاف في كيفية المقاسمة كما هو مبين في كتب الفرائض .

ويرثون أي الأخوة مع البنات إلا الإخوة لأم لحديث جابر عند أحمد وأبي داود وابن ماجة والترمذي وحسنه والحاكم قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله () بابنتيها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيداً وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً ولا تنكحان إلا بمال . فقال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت آية الميرات ، فأرسل رسول الله صلى الله وسلم عليه الى عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك فهذا دليل على ميراث الأخوة مع البنات . وأما الأخوة لأم فلا يرثون مع البنت لقوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة الآية . هي في الأخوة لام كما في بعض القراآت .

ويسقط الأخ لأب مع الأخ لأبوين لحديث علي قال : إنكم تقرؤن هذه الآية من بعد وصية يوصى بها أو دين وأن رسول الله () قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي والحاكم ، وفي إسناده الحرث الأعور ، ولكنه قد وقع الإجماع على ذلك ، والمراد بالأعيان الأخوة لأبوين ، والمراد ببني العلات الأخوة لأب ، ويقال للأخوة لأم الأخياف .

وأولو الأرحام يتوارثون وهم أقدم من بيت المال لقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فإنها تفيد أنه إذا مات ميت ولا وارث له إلا من هو من ذوي أرحامه ، وهو من عدا العصبات وذوي السهام في مصطلح أهل الفرائض ، فإنه يرثه . وقوله تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ولفظ الرجال والنساء والأقربين يشمل ذوي الأرحام ، ومما يؤيد ذلك حديث المقدام بن معد يكرب عند أحمد وأبي داود وابن ماجة والنسائي والحاكم وابن حبان وصححاه عن النبي () قال : من ترك مالاً فلورثته وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه ، والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه وأخرج أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه من حديث عمر عن النبي () بلفظ والخال وارث من لا وارث له وأخرجه بهذا اللفظ من حديث عائشة الترمذي والنسائي والدارقطني ، وحسنه الترمذي ، وأعله الدارقطني بالاضطراب . وأخرجه عبدالرزاق عن رجل من أهل المدينة . وأخرجه العقيلي وابن عساكر عن أبي الدرداء وأخرجه ابن النجار عن أبي هريرة كلها مرفوعة ، وهو حديث له طرق أقل أحواله أن يكون حسناً لغيره ومن ذلك حديث أبن أخت القوم منهم وهو حديث صحيح ، ومن ذلك ما ثبت من جعله () ميراث ابن الملاعنة لورثة ابن الملاعنة لورثة أمه وهم لا يكونون إلا ذوي الأرحام . والكلام على هذه الأحاديث مبسوط في شرح المنتقي ، ويمكن أن يقال أن حديث فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر يدل على أن الذكور من ذوي الأرحام أولى من الإناث ، فيكون حديث نفي ميراث العمة والخالة مفيداً لهذا المعنى ومقوياً له مع حديث الخال وارث وبذلك يجمع بين الأحاديث . وقد قال بمثل ذلك أبو حنيفة ، وقد اختلف في ذلك الصحابة فمن بعدهم . وإلى توريث ذوي الأرحام ذهب الجمهور . وهذه الأدلة كما تفيد إثبات التوارث بين ذوي الأرحام تفيد تقديمهم على بيت المال ، ومما يؤيد ذلك حديث عائشة عند أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي أن مولى للنبي () خر من عذق نخلة فمات فأتى به النبي () فقال : هل له من نسب أو رحم قالوا : لا. قال : أعطوا ميراثه بعض أهل قريته فقوله : أو رحم . فيه دليل على تقديم ميراث ذوي الأرحام على الصرف إلى بيت مال المسلمين . وأخرج أبو داود من حديث ابن عباس قال : كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر ، فنسخ ذلك آية الأنفال فقال : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وأخرجه أيضاً الدارقطني . وأخرج نحوه ابن سعد عن أبي الزبير . وفي ذلك دليل على أن الآية في توريث ذوي الأرحام محكمة وبها نسخ ما كان من الميراث بالمخالفة . فإن تزاحمت الفرائض فالعول وذلك هو الحق الذي لا يمكن الوفاء بما أمر الله به إلا بالمصير . وقد أوضح الماتن ذلك في رسالة مستقلة سماها إيضاح القول في إثبات مسألة العول . ودفع جميع ما قاله النافون للعول . وقد أوضحت المقام في دليل الطالب على أرجح المطالب فليراجع ولا يرث ولد الملاعنة والزانية إلى من أمه وقرابتها والعكس لحديث سهل بن سعد في الصحيحين وغيرهما في حديث الملاعنة أن ابنها كان ينسب إلى أمه فجرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي () أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمة ولورثتها من بعدها وفي إسناده ابن لهيعة . وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث وائلة بن الأسقع أن النبي () قال : إن المرأة تحوز ثلاثة مواريث : عتيقها ، ولقيطها ، وولدها الذي لاعنت عنه قال الترمذي حسن غريب ، وفي إسناده عمر بن روبة التغلبي وفيه مقال . وقد صحح هذا الحديث الحاكم : وأخرج أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله () : لا مساعاة في الإسلام . من ساعى في الجاهلية فقد ألحقته بعصبته ، ومن ادعى ولداً من غير رشدة فلا يرث ولا يورث وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله () : أيما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زناً لا يرث ولا يورث وفي إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي . قال البيهقي : ليس بمشهور . وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب أيضاً عن أبيه عن جده أن النبي () قضى أن كل مستلحق ولد وزنا لأهل أمه من كانوا حرة أو أمة وذلك فيما استلحق في أول الإسلام وفي إسناده محمد بن راشد المكحولي الشامي وفيه مقال وقد أجمع العلماء على أن ولد الملاعنة وولد الزنا لا يرثان من الأب ، ولا من قرابته ، ولا يرثونهما ، وأن ميراثهما يكون لأمهما ولقرابتهما وهما يرثان منهم .

ولا يرث المولود إلا إذ استهل لحديث أبي هريرة عند أبي داود عن النبي () قال : إذا استهل المولود ورث وفي إسناده محمد بن إسحـق وفيه مقال معروف . وقد روي عن ابن حبان تصحيحه . وأخرج أحمد في رواية ابنه عبدالله في المسند عن المسور بن مخرمة وجابر بن عبدالله قالا : قضى رسول الله () لا يرث الصبي حتى يستهل . وأخرجه أيضاً الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ إذا استهل السقط صلى عليه وورث وفي إسناده إسمعيل بن مسلم وهو ضعيف . قال الترمذي : وروي مرفوعاً ، والموقوف أصح ، وبه جزم النسائي ، وقال الدارقطني في العلل : لا يصح رفعه . والمراد بالإستهلال صدور ما يدل على حياة المولود من صياح ، أو بكاء ، أو نحوهما . ولا خلاف بين أهل العلم في اعتبار الإستهلال في الإرث وميراث العتيق لمعتقه ويسقط بالعصبات وله الباقي بعد ذوي السهام لحديث الولاء لمن أعتق وهو ثابت في الصحيح . وأخرج أحمد عن قتادة عن سلمى بنت حمزة أن مولاها مات وترك ابنته فورث النبي () ابنته النصف وورث يعلى النصف وكان ابن سلمى ورجال أحمد رجال الصحيح ، ولكن قتادة لم يسمع من سلمى بنت حمزة . وأخرجه أيضاً الطبراني . وأخرج الدارقطني من حديث ابن عباس أن مولىً لحمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة فأعطى النبي () ابنته النصف وابنة حمزة النصف . وأخرج ابن ماجة ونحوه من حديث ابنة حمزة ، وكذلك أخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف . وقد وقع الإختلاف في اسم ابنة حمزة فقيل : سلمى ، وقيل : فاطمة . وفي الحديثين دليل على أن لذوي سهام العتيق سهامهم والباقي للمعتق ، أو لعصبته . وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه ، فروي عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس أن مولى العتاق لا يرث إلا بعد ذوي الأرحام وذهب غيرهم إلى أنه يقدم علي ذوي الأرحام ويأخذ الباقي بعض ذوي السهام ويسقط بالعصبات . وقد روي أن المولى كان لحمزة ، واستدل به من قال : أنه يكون لذوي سهام المعتق الباقي بعد ذوي سهام العتيق . والصحيح أنه مولى ابنة حمزة . وقد أخرج ابن أبي شيبة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي () قال : إن ميراث الولاء للأكبر من الذكور ، ولا ترث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن ، أو أعتقه من أعتقن ؟ وأخرج البيهقي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن وأخرج البرقاني على شرط الصحيح عن هذيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله بن الزبير فقال : إني أعتقت عبداً لي وجعلته سائبة فمات وترك مالاً ولم يدع وارثاً فقال عبد الله : إن أهل الإسلام لا يسيبون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولي نعمته فلك ميراثه وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقلبه ونجعله في بيت المال .

ويحرم بيع الولاء وهبته لحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما عن النبي () أنه نهى عن بيع الولاء وهبته وفي الباب أحاديث قد تقدم بعضها منها حديث الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب وقد صححه ابن حبان والبيهقي من حديث ابن عمر أيضاً . وقد ذهب الجمهور إلى عدم جواز بيع الولاء وهبته ، وخالف في ذلك مالك وتقدمه بعض الصحابة . ولا توارث بين أهل ملتين لما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني وابن السكن من حديث عبد الله ابن عمرو أن رسول الله () قال : لا يتوارث أهل ملتين شتى وأخرج الترمذي من حديث جابر مثله بدون لفظ شتى وفي إسناده ابن أبي ليلى وأخرج البخاري وغيره من حديث أسامة عن النبي () : قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وهو أيضاً في مسلم . وأخرج البخاري وغيره حديث وهل ترك لنا عقيل من رباع وكان عقيل وطالب كافرين . وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يرث المسلم من الكافر ، ولا الكافر من المسلم والخلاف في توارث الملل الكفرية المختلفة ، وعموم حديث عبد الله بن عمرو وجابر يقتضي عدم التوارث . قال في المسوى: والكفر ملة واحدة يرث اليهودي من النصراني وبالعكس

أقول : وأما المرتد فكافر ليس من أهل ملة الإسلام فقد شملته الأحاديث المتقدمة فمن زعم أنه يرث مال المرتد قرابته المسلمون فعليه الدليل الصالح للتخصيص .

ولا يرث القاتل من المقتول لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي () قال : لا يرث القاتل شيئاً وأخرجه أبو داود والنسائي ، وأعله الدارقطني ، وقواه ابن عبد البر . وأخرج مالك في الموطأ ، وأحمد وابن ماجة والنسائي والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : سمعت النبي () يقول ليس لقاتل ميراث وفيه انقطاع . وأخرج الدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعاً لا يرث القاتل شيئاً وفي إسناده كثير بن سليم وهو ضعيف . وأخرج البيهقي عنه حديثاً آخر بلفظ من قتل قتيلاً فإنه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وفي لفظ وإن كان والده أو ولده وفي إسناده عمرو بن برق وهو ضعيف . وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة بلفظ القاتل لا يرث وفي إسناده إسحـق بن عبد الله بن أبي فروة وهو ضعيف . وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً ، وهي تدل على أنه لا يرث القاتل من غير فرق بين العامد والخاطئ ، وبين الدية وغيرها من مال المقتول ، وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم وقال مالك والنخعي : أن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية وهو تخصيص بغير مخصص ، ويرده على الخصوص ما أخرجه الطبراني أن عمر بن شيبة قتل امرأته خطأ فقال النبي () : إعقلها ولا ترثها وما أخرجه البيهقي أن عدياً الجذامي كان له امرأتان اقتتلتا فرمى إحداهما فماتت فلما قدم رسول الله () أتاه فذكر ذلك له فقال له اعقلها ولا ترثها وأخرج البيهقي أيضاً أن رجلاً رمى بحجر فأصاب أمه فطالب في ميراثها فقال له () : حقك من ميراثها الحجر ، وأغرمه الدية ولم يعطه من ميراثها شيئاً وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة مصرحة بذلك ساقها البيهقي وغيره . قلت : وعليه عامة أهل العلم أن من قتل مورثه لا يرثه عمداً كان القتل أو خطأ : إلا أن أبا حنيفة قال : قتل الصبي لا يمنع الميراث كذا في المسوى . وأما إرث المماليك من بعضهم البعض ، أو من مواليهم ، فقد قيل: أنه وقع الإجماع على أن الرق من موانع الإرث ، وفي دعوى الإجماع نظر ، فإن الخلاف في كون العبد يملك أو لا يملك معروف ، ومقتضى ذلك إثبات الميراث ، وليس في المقام ما يدل على عدم الإرث . وقد ورد من حديث ابن عباس أن رجلاً مات على عهد رسول الله () ولم يترك وارثاً إلا عبداً فأعطاه ميراثه أخرجه أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي ، وقد قيل : إنه صرف إليه ذلك صرفاً وهو خلاف الظاهر

الروضة الندية شرح الدرر البهية
المقدمة | كتاب الطهارة | كتاب الصلاة | كتاب الجنائز | كتاب الزكاة | كتاب الخمس | كتاب الصيام | كتاب النكاح | كتاب الطلاق | كتاب البيع | كتاب الشفعة | كتاب الإجارة | كتاب الرهن | كتاب الوديعة والعارية | كتاب الغصب | كتاب العتق | كتاب الوقف | كتاب الهدايا | كتاب الهبات | كتاب الإيمان | كتاب النذر | كتاب الأطعمة | كتاب الأشربة | كتاب اللباس | كتاب الأضحية | كتاب الطب | كتاب الوكالة | كتاب الضمانة | كتاب الصلح | كتاب الحوالة | كتاب المفلس | كتاب اللقطة | كتاب القضاء | كتاب الخصومة | كتاب الحدود | كتاب القصاص | كتاب الديات | كتاب الوصية | كتاب المواريث | كتاب الجهاد والسير