الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الرهن

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



كتاب الرهن


يجوز رهن ما يملكه الراهن في دين عليه الرهن جائز بالإجماع . وقد نطق به الكتاب العزيز . وتقييده بالسفر خرج مخرج الغالب ، كما ذهب إليه الجمهور . وقال مجاهد والضحاك والظاهرية : لا يشرع إلا في السفر . وقد رهن النبي صلي الله عليه وسلم درعاً له عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيراً لأهله كما أخرجه البخاري وغيره من حديث أنس ، وهو في الصحيحين من حديث عائشة ، وأخرجه أحمد بن حنبل و الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث ابن عباس ، وصححه الترمذي وصاحب الاقتراح ، وفي ذلك دليل على مشروعية الرهن في الحضر كما قال الجمهور .

والظهر يركب واللبن يشرب بنفقة المرهون لما أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي () أنه كان يقول : الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً وعلى الذي يركب ويشرب النفقة وللحديث ألفاظ . والمراد أن المرتهن ينتفع بالرهن وينفق عليه ، وقد ذهب أحمد بن حنبل وإسحق والليث والحسن وغيرهم . قال ابن القيم : وأخذ أحمد بن حنبل وغيره من أئمة الحديث بهذه الفتوى وهو الصواب . وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء : لا ينتفع المرتهن من الرهن بشئ بل الفوائد للراهن والمؤمن عليه . قالوا : والحديث ورد على خلاف القياس ، ويجاب بأن هذا القياس فاسد الاعتبار مبني على شفا جرف هار ، ولايصح الاحتجاج به لما ورد من النهي عن أن تحلب ماشية الرجل بغير إذنه كما في البخاري وغيره ، لأن العام لايرد به الخاص بل يبنى عليه . وقال ابن القيم في أعلام الموقعين وهذا الحكم من أحسن الأحكام وأعدلها ولا يصلح للراهنين غيره وما عداه ففساده ظاهر . فإن الراهن قد يغيب ويتعذر على المرتهن مطالبته بالنفقة التي تحفظ الرهن ، ويشق عليه أو يتعذر رفعه إلى الحاكم ، وإثبات الرهن وإثبات غيبة الراهن وإثبات أن قدر النفقة عليه قدر حلبه وركوبه . وطلبه منه الحكم له بذلك في هذا من العسر والحرج والمشقة ما ينافي الحنيفية السمحة ، فشرع الشارع الحكم القيم بمصالح العباد . وللمرتهن أن يشرب لبن الرهن ويركب ظهره وعليه نفقته وهذا محض القياس لو لم تأت به السنة الصحيحة انتهى . ثم أطال في تخريج هذا القياس إلى مالا يسعه هذا القرطاس .

ولا يغلق الرهن بما فيه لحديث أبي هريرة عن النبي () قال : لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه أخرجه الشافعي والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وحسن والدارقطني إسناده . وقال الحافظ ابن حجز : في بلوغ المرام أن رجاله ثقات إلا أن المحفوظ عند أبو داود وغيره إرساله . وأخرجه ابن ماجه من طريق أخرى والرفع زيادة ، وقد خرجت من مخرج مقبول . والمراد بالغلاق هنا إستحقاق المرتهن له حيث لم يفكه الراهن في الوقت المشروط . وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك بمالك فالرهن لك قال : ثمن بلغني عنه أنه قال : إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه . وقد روي أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذا لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع . والغنم والغرم هنا هو أعم مما تقدم من أن الظهر يركب بنفقة المرهون واللبن يشرب . قال في الحجة البالغة : ومبنى الرهن على الإستيثاق وهو بالقبض ، فلذلك إشترط فيه . ولا اختلاف عندي بين حديث لا يغلق الرهن وحديث الظهر يركب إلخ ... لأن الأول هو الوظيفة . لكن إذا إمتنع الراهن من النفقة عليه وخيف الهلاك وأحياه المرتهن فعند ذلك ينتفع به بقدر ما يراه الناس عدلاً انتهى . قلت : وعليه أهل العلم . قال محمد : وبهذا نأخذ . وتفسير قوله : لا يغلق الرهن أن الرجل كان يرهن الرهن أي المرهون عند الرجل فيقول : إن جئتك بمالك إلى كذا وكذار ، وإلا فالرهن لك بمالك قال رسول الله () لا يغلق الرهن ولا يكون للمرتهن بماله وكذلك نقول : وهو قول أبي حنيفة وكذلك فسره مالك بن أنس . وفي شرح السنة : معناه لا يستغلق بحيث لا يعود إلى الراهن بل متى أدى الحق المرهون به افتك وعاد إلى الراهن . وروى الشافعي هذا الحديث مع زيادة ولفظه لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه قال الشافعي  : غنمه زيادته وغرمه هلالكه . وفيه دليل على أنه إذا هلك في يد المرتهن يكون من ضمان الراهن ولا يسقط بهلاكه شئ من حق المرتهن وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : قيمته إن كانت قدر الحق يسقط بهلاكه الحق ، وإن كانت أقل من الحق يسقط بقدره ، وإن كان أكثر من الحق يسقط الحق . وعند الشافعي  : دوام القبض ليس بشرط في الرهن فيستعمل الدابة المرهونة بالنهار وترد إلى المرتهن بالليل ولا يسافر عليها ، ولم يجوزه أبو حنيفة .

أقول : الحق أن الرهن إذا تلف في يد المرتهن بدون جنايته ولا تفريطه فهو غير مضمون عليه ، وإن كان بجنايته أو تفريطه ضمنه للجناية عليه أو التفريط لا لكونه مستحقاً حبسه فإن الحبس للرهن بمجرده ليس بسبب للضمان والمدارك الشرعية واضحة المنار

الروضة الندية شرح الدرر البهية
المقدمة | كتاب الطهارة | كتاب الصلاة | كتاب الجنائز | كتاب الزكاة | كتاب الخمس | كتاب الصيام | كتاب النكاح | كتاب الطلاق | كتاب البيع | كتاب الشفعة | كتاب الإجارة | كتاب الرهن | كتاب الوديعة والعارية | كتاب الغصب | كتاب العتق | كتاب الوقف | كتاب الهدايا | كتاب الهبات | كتاب الإيمان | كتاب النذر | كتاب الأطعمة | كتاب الأشربة | كتاب اللباس | كتاب الأضحية | كتاب الطب | كتاب الوكالة | كتاب الضمانة | كتاب الصلح | كتاب الحوالة | كتاب المفلس | كتاب اللقطة | كتاب القضاء | كتاب الخصومة | كتاب الحدود | كتاب القصاص | كتاب الديات | كتاب الوصية | كتاب المواريث | كتاب الجهاد والسير