محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة السابعة والستون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الحدود

2221 - مسألة : من أحل لأخر فرج أمته

قال أبو محمد رحمه الله : سواء كانت امرأة أحلت أمتها لزوجها , أو ذي رحم محرم أحل أمته لذي رحمه , أو أجنبي فعل ذلك : فقد ذكرنا قول سفيان في ذلك وهو ظاهر الخطأ جدا , لأنه جعل الولد مملوكا لمالك أمه , وأصاب في هذا , ثم جعله لاحق النسب بواطئ أمه وهذا خطأ فاحش لأن رسول الله قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر. وبين عز وجل ما هو الفراش وما هو العهر فقال تعالى : {والذين هم لفروجهم حافظون} إلى قوله تعالى : {هم العادون} . فهذه التي أحل مالكها فرجها لغيره ليست زوجة له , ولا ملك يمين للذي أحلت له وهذا خطأ , لأن الله تعالى يقول {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} .

وقال رسول الله  : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. وقد علمنا أن الذي أحل الفرج لم يهب الرقبة ، ولا طابت نفسه بإخراجها عن ملكه , ولا رضي بذلك قط , فإن كان ما طابت به نفسه من إباحة الفرج وحده حلالا فلا يلزمه سواه , ولا ينفذ عليه غير ما رضي به فقط , وإن كان ما طابت به نفسه من إباحة الفرج حراما , فإنه لا يلزمه , والحرام مردود , لقول رسول الله  : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فلا ينفذ عليه هبة الفرج.

وأما الرقبة فلم يرض قط بإخراجها عن ملكه , فلا يحل أخذها له بغير طيب نفسه , إلا بنص يوجب ذلك أو إجماع

قال أبو محمد رحمه الله : فإذا الأمر كما ذكرنا فالولد غير لاحق , والحد واجب , إلا أن يكون جاهلا بتحريم ما فعل وبالله تعالى التوفيق.


2222 - مسألة : من أحل فرج أمته لغيره ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاووسا يقول : قال ابن عباس : إذا أحلت امرأة الرجل , أو ابنته , أو أخته له جاريتها فليصبها وهي لها , فليجعل به بين وركيها. قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاووس عن أبيه أنه كان لا يرى به بأسا , وقال : هو حلال فإن ولدت فولدها حر , والأمة لأمرأته , ولا يغرم الزوج شيئا. قال ابن جريج : وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن طاووس ، أنه قال : هو أحل من الطعام , فإن ولدت فولدها الذي أحلت له , وهي لسيدها الأول. قال ابن جريج : وأخبرني عطاء بن أبي رباح قال : كان يفعل , يحل الرجل وليدته لغلامه , وابنه , وأخيه وتحلها المرأة لزوجها. قال عطاء : وما أحب أن يفعل , وما بلغني عن ثبت , قال : وقد بلغني أن الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا قول .

وبه يقول سفيان الثوري ,

وقال مالك , وأصحابه : لا حد في ذلك أصلا. ثم اختلف قوله في الحكم في ذلك : فمرة قال : هي لمالكها المبيح ما لم تحمل , فإن حملت قومت على الذي أبيحت له. ومرة قال : تقام بأول وطئه على الذي أبيحت له حملت أو لم تحمل.

وقالت طائفة : إذا أحلت فقد صار ملكها للذي أحلت له بكليتها :

كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن مجاهد , وعمرو بن عبيد , قال ابن مجاهد عن أبيه : وقال عمرو عن الحسن , ثم اتفقا : إذا أحلت الأمة لأنسان فعتقها له , ويلحق به الولد. وبه إلى عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن قيس : أن الوليد بن هشام أخبره أنه سأل عمر بن عبد العزيز فقال : امرأتي أحلت جاريتها لأبيها , قال : فهي له فهذا قول ثان. وذهب آخرون إلى غير هذا :

كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في الرجل يحل الجارية للرجل فقال : إن وطئها جلد مائة أحصن أو لم يحصن ، ولا يلحق به الولد , ولا يرثه , وله أن يفتديه ليس لهم أن يمنعوه. وقال آخرون : بتحريم ذلك جملة :

كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن المسيب قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إن أمي كانت لها جارية , وإنها أحلتها لي أن أطأها عليها قال : لا تحل لك إلا من إحدى ثلاث : إما أن تتزوجها

وأما أن تشتريها ,

وأما أن تهبها لك ". وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن عمر قال : لا يحل لك أن تطأ إلا فرجا لك إن شئت بعت , وإن شئت وهبت , وإن شئت أعتقت. وبه إلى عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : لا تعار الفروج

قال أبو محمد رحمه الله : أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاووس في غاية الصحة , ولكنا لا نقول به , إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله وقد قال تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} الآية إلى قوله {هم العادون} فقول الله أحق أن يتبع.

وأما قول مالك فظاهر الخطأ , وما نعلم أحدا قال به قبله ويبطل قوله في التقويم بما يبطل به قول من رأى أن الملك ينتقل بالإباحة , إلا أن قول مالك : زاد إيجاب القيمة في ذلك.

وأما قول عمر بن عبد العزيز , والحسن , ومجاهد قد تقدم إبطالنا إياه بأنه لا يحل أن يلزم المرء في ماله ما لم يلتزمه , إلا أن يلزمه ذلك نص أو إجماع , فمن أباح الفرج وحده فلم يبح الرقبة , فلا يحل إخراج ملك الرقبة عن يده بالباطل وليس إلا أحد وجهين لا ثالث لهما : إما جواز هبته فهو قول ابن عباس ,

وأما إبطاله فهو قول ابن عمر فالرقبة في كلا الوجهين باقية على ملك مالكها , لا يحل سوى ذلك أصلا.

وأما قول الزهري فخطأ أيضا لا يخلو وطء الفرج الذي أحل له من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يكون زانيا فعليه حد الزنى من الرجم والجلد أو الجلد والتغريب أو يكون غير زان فلا شيء عليه.

وأما الأقتصار على مائة جلدة فلا وجه له , ولا يلحق الولد هاهنا أصلا جاهلا كان أو عالما لأنها ليست فراشا أصلا , ولا له فيها عقد , ولا مهر عليه أيضا , لأن ماله حرام , إلا بنص أو إجماع , ولم يوجب عليه المهر هاهنا نص ، ولا إجماع وعلى المحلل التعزير إن كان عالما فإن كانوا جهالا , أو أحدهم فلا شيء على الجاهل أصلا.


2223 - مسألة : الشهود في الزنى لا يتمون أربعة

قال أبو محمد رحمه الله : قال قوم : إذا لم يتم الشهود أربعة حدوا حد القذف : كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة : أن أبا بكرة وزيادا , ونافعا , وشبل بن معبد , كانوا في دار أبي عبد الله في غرفة ورجل في أسفل ذاك , إذ هبت ريح فتحت الباب ووقعت الشقة , فإذا رجل بين فخذيها فقال بعضهم : قد ابتليا بما ترون , فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقوموا بشهادتهم , فلما حضرت صلاة العصر أراد الرجل أن يتقدم فيصلي بالناس فمنعه أبو بكرة , وقال : لا والله لا تصلي بنا , وقد رأينا ما رأينا فقال الناس : دعوه فليصل فإنه الأمير , واكتبوا بذلك إلى عمر فكتبوا إلى عمر فكتب عمر بن الخطاب : أن اقدموا علي فلما قدموا شهد عليه أبو بكرة , ونافع , وشبل , وقال زياد : قد أريت رعة سيه , ورأيت ورأيت , ولكن لا أدري أنكحها أم لا فجلدهم عمر , إلا زيادا فقال أبو بكرة : ألستم قد جلدتموني قالوا : بلى , قال : فأشهد بالله ألف مرة لقد فعل فأراد عمر بن الخطاب أن يجلده الثانية , فقال علي بن أبي طالب : إن كانت شهادة أبي بكرة شهادة : رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلدتموه.

حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، عن ابن المسيب قال : شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنى ونكل زياد , فجلد عمر الثلاثة , وقال لهم : توبوا تقبل شهادتكم فتاب اثنان ولم يتب أبو بكرة فكانت لا تقبل شهادته وأبو بكرة أخو زياد لأمه فحلف أبو بكرة أن لا يكلم زيادا أبدا , فلم يكلمه حتى مات.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي عن أبي الوضاح قال : شهد ثلاثة نفر على رجل وامرأة بالزنى , وقال الرابع : رأيتهما في ثوب واحد , فإن كان هذا زنى فهو ذاك , فجلد علي الثلاثة وعزر الرجل والمرأة

قال أبو محمد رحمه الله رحمه الله : وبهذا يقول أبو حنيفة , والشافعي , وأصحابهما. وقال أبو ثور , وأبو سليمان , وجميع أصحابنا : لا يحد الشاهد بالزنى أصلا كان معه غيره أو لم يكن

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها ليلوح الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى , فوجدنا من قال : يحد الشهود إذا لم يتموا أربعة , بأن ذكروا : ما ناه حمام ، حدثنا ابن المفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قال رسول الله  : قضاء الله ورسوله أن لا تقبل شهادة ثلاثة , ولا اثنين , ولا واحد , على الزنى ويجلدون ثمانين جلدة , ولا تقبل لهم شهادة أبدا حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح وإصلاح. وقالوا : حكم عمر بن الخطاب بحضرة علي وعدة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا ينكر ذلك عليه منهم أحد , فكان هذا إجماعا , وهذا كل ما موهوا به , ما نعلم لهم حجة غير هذا , إلا أن بعضهم ذكر قول رسول الله للذي رمى امرأته البينة وإلا حد في ظهرك.

قال أبو محمد رحمه الله : وكل هذا لا حجة لهم فيه : أما خبر عمرو بن شعيب فمنقطع أقبح انقطاع لأنه لم يذكر من بينه وبين رسول الله ولا حجة عندنا في مرسل , ولا عند الشافعي , فلا يجوز لهم أن يحتجوا علينا به , لأننا لا نقول به أصلا , فيلزمونا إياه على أصلنا , وهم لا يقولون به فيحتجوا به على أصولهم

قال أبو محمد رحمه الله : ثم نظرنا في قول من قال " إنه لا حد على الشاهد سواء كان وحده لا أحد معه أو اثنين كذلك , أو ثلاثة كذلك " فوجدناهم يقولون : قال الله تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}

وقال رسول الله  : للقاذف البينة وإلا حد في ظهرك. فصح يقينا لا مرية فيه بنص كلام الله تعالى وكلام رسوله أن الحد إنما هو على القاذف الرامي , لا على الشهداء , ولا على البينة. وقد صح أن رسول الله قال : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا فبشرة الشاهد حرام بيقين لا مرية فيه , ولم يأت نص قرآن , ولا سنة صحيحة , يجلد الشاهد في الزنى إذا لم يكن معه غيره وقد فرق القرآن ; والسنة , بين الشاهد من البينة وبين القاذف الرامي , فلا يحل ألبتة أن يكون لأحدهما حكم الآخر فهذا حكم القرآن والسنة الثابتة.

وأما الإجماع فإن الأمة كلها مجمعة بلا خلاف من أحد على أن الشهود إذا شهدوا واحدا بعد واحد , فتموا عدولا أربعة , فإنه لا حد عليه.

وكذلك أجمعوا بلا خلاف من أحد منهم لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلا كذلك بالزنى مجتمعين , أو مفترقين : أن الحد عليهم كلهم حد القذف إن لم يأتوا بأربعة شهداء , فإن جاءوا بأربعة شهداء : سقط الحد عن القذفة فقد صح الإجماع المتيقن الذي لا شك فيه.

وأما المخالفون لنا في الجملة على الفرق بين حكم القاذف وبين حكم الشاهد ، وأن القاذف ليس شاهدا , وأن الشاهد ليس قاذفا , فقد صح الإجماع على هذا بلا شك , وصح اليقين ببطلان قول من قال : بأن يحد الشاهد والشاهدان والثلاثة , إذا لم يتموا أربعة , لأنهم ليسوا قذفة , ولا لهم حكم القاذف وهذا هو الإجماع حقا , الذي لا يجوز خلافه.

وأما طريق النظر فنقول وبالله تعالى التوفيق : إنه لو كان ما قالوا لما صحت في الزنا شهادة أبدا , لأنه كان الشاهد الواحد إذا شهد بالزنى صار قاذفا عليه الحد على أصلهم فإذ قد صار قاذفا فليس شاهدا , فإذا شهد الثاني فكذلك أيضا يصير قاذفا وهذا فاسد كما ترى , وخلاف للقرآن في إيجاب الحكم بالشهادة بالزنى , وخلاف السنة الثابتة بوجوب قبول البينة في الزنى , وخلاف الإجماع المتيقن بقبول الشهادة في الزنى , وخلاف الحس والمشاهدة في أن الشاهد ليس قاذفا , والقاذف ليس شاهدا.

وأيضا فنقول لهم : أخبرونا عن الشاهد إذا شهد على آخر بالزنى وهو عدل : ماذا هو الآن عندكم : أشاهد أم قاذف أم لا شاهد ، ولا قاذف ، ولا سبيل إلى قسم ثالث

فإن قالوا : وهو شاهد

قلنا : صدقتم , وهذا هو الحق , وإذ هو شاهد فليس قاذفا حين نطق بالشهادة , فمن المحال الممتنع أن يصير قاذفا إذا سكت ولم يأت بثلاثة عدول إليه , وليس في المحال أكثر من أن يكون شاهدا لا قاذفا , فإن تكلم بإطلاق الزنى على المشهود عليه , ثم يصير قاذفا لا شاهدا إذا لم يتكلم ، ولا نطق بحرف فهذا محال لا إشكال فيه ,

وإن قالوا هو قاذف فقد ذكروا وجوب الحد على القاذف بلا شك , فقد وجب الحد عليه.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب الحدود
كتاب الحدود (مسألة 2167 - 2169) | كتاب الحدود (مسألة 2170 - 2171) | كتاب الحدود (مسألة 2172 - 2173) | كتاب الحدود (مسألة 2174 - 2175) | كتاب الحدود (مسألة 2176 - 2178) | كتاب الحدود (مسألة 2179 - 2180) | كتاب الحدود (مسألة 2181 - 2182) | كتاب الحدود (مسألة 2183 - 2186) | كتاب الحدود (مسألة 2187 - 2188) | كتاب الحدود (مسألة 2189 - 2192) | كتاب الحدود (مسألة 2193 - 2194) | كتاب الحدود (مسألة 2195 - 2196) | كتاب الحدود (مسألة 2197 - 2198) | كتاب الحدود (مسألة 2199) | كتاب الحدود (مسألة 2200 - 2202) | كتاب الحدود (مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 1 مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 2 مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 3 مسألة 2203) | كتاب الحدود (مسألة 2204 - 2207) | كتاب الحدود (مسألة 2208 - 2209) | كتاب الحدود (مسألة 2210 - 2212) | كتاب الحدود (مسألة 2213 - 2216) | كتاب الحدود (مسألة 2217 - 2220) | كتاب الحدود (مسألة 2221 - 2223) | كتاب الحدود (مسألة 2224 - 2228) | كتاب الحدود (مسألة 2229 - 2231) | كتاب الحدود (مسألة 2232 - 2235) | كتاب الحدود (مسألة 2236 - 2238) | كتاب الحدود (مسألة 2239 - 2243) | كتاب الحدود (مسألة 2244 - 2246) | كتاب الحدود (مسألة 2247 - 2255)