البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة ثلاثون وسبعمائة
استهلت بالأربعاء والحكام بالبلاد هم المذكورون بالتي قبلها سوى الشافعي فإنه توفي وولي مكانه في رابع المحرم منها علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السبكي الاخنائي الشافعي.
وقدم دمشق في الرابع والعشرين منه صحبة نائب السلطنة تنكز، وقد زار القدس وحضر معه تدريس التنكزية التي أنشأها بها.
ولما قدم دمشق نزل بالعادلية الكبيرة على العادة، ودرّس بها وبالغزالية، واستمر بنيابة المنفلوطي، ثم استناب زين الدين بن المرحل، وفي صفر باشر شرف الدين محمود بن الخطيري شد الأوقاف وانفصل عنها نجم الدين بن الزيبق إلى ولاية نابلس.
وفي ربيع الآخر شرع بترخيم الجانب الشرقي من الأموي نسبة الجانب الغربي، وشاور ابن مراجل النائب والقاضي على جمع الفصوص من سائر الجامع في الحائط القبلي، فرسما له بذلك.
وفي يوم الجمعة أقيمت الجمعة في إيوان الشافعية بالمدرسة الصالحية بمصر، وكان الذي أنشأ ذلك الأمير جمال الدين نائب الكرك، بعد أن استفتى العلماء في ذلك.
وفي ربيع الآخر تولى القضاء بحلب شمس الدين بن النقيب عوضا عن فخر الدين بن البازري، توفي، وولي شمس الدين بن مجد البعلبكي قضاء طرابلس عوضا عن ابن النقيب.
وفي آخر جمادى الأولى باشر نيابة الحكم عن الاخنائي محيي الدين بن جميل عوضا عن المنفلوطي توفي.
وفي هذا الشهر وقف الأمير الوزير علاء الدين مغلطاي الناصري مدرسة على الحنفية وفيها صوفية أيضا، ودرّس بها القاضي علاء الدين بن التركماني، وسكنها الفقهاء.
وفي جمادى الآخرة زينت البلاد المصرية والشامية ودقت البشائر بسبب عافية السلطان من وقعة انصدعت منها يده، وخلع على الأمراء والأطباء بمصر، وأطلقت الحبوس.
وفي جمادى الآخرة قدم على السلطان رسل من الفرنج يطلبون منه بعض البلاد الساحلية فقال لهم: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، ثم سيرهم إلى بلادهم خاسئين.
وفي يوم الأحد سادس رجب حضر الدرس الذي أنشأه القاضي فخر الدين كاتب المماليك على الحنفية بمحرابهم بجامع دمشق، ودرّس به الشيخ شهاب الدين ابن قاضي الحصين، أخو قاضي القضاة برهان الدين بن عبد الحق بالديار المصرية.
وحضر عنده القضاة والأعيان، وانصرفوا من عنده إلى عند ابن أخيه صلاح الدين بالجوهرية، درّس بها عوضا عن حموه شمس الدين بن الزكي نزل له عنها.
وفي آخر رجب خطب بالجامع الذي أنشأه الأمير سيف الدين ألماس الحاجب ظاهر القاهرة بالشارع، وخطب بالجامع الذي أنشأه قوصون بين جامع طولون والصالحية، يوم الجمعة حادي عشر رمضان وحضر السلطان وأعيان الأمراء الخطبة، خطب به يومئذ قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي، وخلع عليه خلعة سنية، واستقل في خطابته بدر الدين بن شكري.
وخرج الركب الشامي يوم السبت حادي عشر شوال وأميره سيف الدين المرساوي صهر بلبان البيري، وقاضيه شهاب الدين ابن المجد عبد الله مدرّس الإقبالية، ثم تولى قضاء القضاة كما سيأتي.
وممن حج في هذه السنة: رضي الدين بن المنطيقي، والشمس الأردبيلي شيخ الجاروخية، وصفي الدين بن الحريري، وشمس الدين ابن خطيب بيروذ، والشيخ محمد النيرباني وغيرهم، فلما قضوا مناسكهم رجعوا إلى مكة لطواف الوداع، فبينما هم في سماع الخطبة إذ سمعوا جلبة الخيل من بني حسن وعبيدهم، قد حطموا على الناس في المسجد الحرام، فثار إلى قتالهم الأتراك فاقتتلوا فقتل أمير من الطبلخانات بمصر.
يقال له سيف الدين جخدار وابنه خليل، ومملوك له، وأمير عشيرة يقال له الباجي، وجماعة من الرجال والنساء ونهبت أموال كثيرة، ووقعت خبطة عظيمة في المسجد، وتهارب الناس إلى منازلهم بأبيار الزاهر، وما كادوا يصلون إليها وما أكملت الجمعة إلا بعد جهد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
واجتمعت الأمراء كلهم على الرجعة إلى مكة للأخذ بالثأر منهم، ثم كروا راجعين وتبعهم العبيد حتى وصلوا إلى مخيم الحجيج، وكادوا ينهبون الناس عامة جهرة، وصار أهل البيت في آخر الزمان يصدون الناس عن المسجد الحرام، وبنو الأتراك هم الذين ينصرون الإسلام وأهله ويكفون الأذية عنهم بأنفسهم وأموالهم، كما قال تعالى: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34] .
من الأعيان:
علاء الدين بن الأثير
كاتب السر بمصر، علي بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبي الأصل، ثم المصري، كانت له حرمة ووجاهة وأموال وثروة ومكانة عند السلطان، حتى ضربه الفالج في آخر عمره فانعزل عن الوظيفة وباشرها ابن فضل الله في حياته.
الوزير العالم أبو القاسم
محمد بن محمد بن سهل بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي الأندلسي، من بيت الرياسة والحشمة ببلاد المغرب، قدم علينا إلى دمشق في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين، وهو بعزم الحج، سمعت بقراءته (صحيح مسلم) في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني، قراءة صحيحة.
ثم كانت وفاته في القاهرة في ثاني عشرين المحرم، وكانت له فضائل كثيرة في الفقه والنحو والتاريخ والأصول، وكان عالي الهمة شريف النفس محترما ببلاده جدا، بحيث إنه يولي الملوك ويعزلهم، ولم يلِ هو مباشرة شيء ولا أهل بيته، وإنما كان يلقب بالوزير مجازا.
شيخنا الصالح العابد الناسك الخاشع شمس الدين أبو عبد الله محمد
بن الشيخ الصالح العابد شرف الدين أبي الحسن بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي، إمام مسجد السلالين بدار البطيخ العتيقة، سمع الحديث وأسمعه، وكان يقرئ القرآن طرفي النهار، وعليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة.
وكان من الصالحين الكبار، والعباد الأخيار، توفي يوم السبت سادس صفر وصلّي عليه بالجامع ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة.
وفي هذا الشهر - أعني صفر- كانت وفاة والي القاهرة القديدار وله آثار غريبة ومشهورة.
بهادرآص الأمير الكبير
رأس ميمنة الشام، سيف الدين بهادرآص المنصوري أكبر أمراء دمشق، وممن طال عمره في الحشمة والثروة، وهو ممن اجتمعت فيه الآية الكريمة {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} الآية [آل عمران: 14] .
وقد كان محببا إلى العامة، وله بر وصدقة وإحسان، توفي ليلة الثلاثاء ودفن بتربته خارج باب الجابية، وهي مشهورة أيضا.
الحجار ابن الشحنة
الشيخ الكبير المسند المعمر الرحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن بن علي بن بيان الديرمقرني، ثم الصالحي الحجار المعروف بابن الشحنة، سمع البخاري علي الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة بقاسيون، وإنما ظهر سماعه سنة ست وسبعمائة ففرح بذلك المحدثون وأكثروا السماع عليه، فقرئ البخاري عليه نحوا من ستين مرة وغيره.
وسمعنا عليه بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع، وسماعه من الزبيدي وابن التي، وله إجازة من بغداد فيها مائة وثمانية وثلاثون شيخا من العوالي المسندين، وقد مكث مدة مقدم الحجارين نحوا من خمس وعشرين سنة، ثم كان يخيط في آخر عمره، واستقرت عليه جامكيته لما اشتغل بإسماع الحديث.
وقد سمع عليه السلطان الملك الناصر، وخلع عليه وألبسه الخلعة بيده، وسمع عليه من أهل الديار المصرية والشامية أمم لا يحصون كثرة، وانتفع الناس بذلك، وكان شيخا حسنا بهي المنظر سليم الصدر ممتعا بحواسه وقواه، فإنه عاش مائة سنة محققا، وزاد عليها، لأنه سمع البخاري من الزبيدي في سنة ثلاثين وستمائة وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمائة في تاسع صفر بجامع دمشق، وسمعنا عليه يومئذ ولله الحمد.
ويقال إنه أدرك موت المعظم عيسى بن العادل لما توفي، والناس يسمعهم يقولون مات المعظم، وقد كانت وفاة المعظم في سنة أربع وعشرين وستمائة، وتوفي الحجار يوم الاثنين خامس عشرين صفر من هذه السنة، وصلّي عليه بالمظفري يوم الثلاثاء ودفن بتربة له عند زاوية الدومي، بجوار جامع الأفرم.
وكانت جنازته حافلة رحمه الله.
الشيخ نجم الدين بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن
أبي نصر المحصل المعروف بابن الشحام، اشتغل ببلده ثم سافر وأقام بمدينة سراي من مملكة إربل، ثم قدم دمشق في سنة أربع وعشرين فدرّس بالظاهرية البرانية ثم بالجاروخية، وأضيف إليه مشيخة رباط القصر، ثم نزل عن ذلك لزوج ابنته نور الدين الأردبيلي، توفي في ربيع الأول وكان يعرف طرفا من الفقه والطب.
الشيخ إبراهيم الهدمة
أصله كردي من بلاد المشرق، فقدم الشام، وأقام بين القدس والخليل، في أرض كانت مواتا فأحياها وغرسها وزرع فيها أنواعا، وكان يقصد للزيارة، ويحكي الناس عنه كرامات صالحة، وقد بلغ مائة سنة، وتزوج في آخر عمره ورزق أولادا صالحين، توفي في جمادى الآخرة رحمه الله.
الست صاحبة التربة بباب الخواصين الخوندة المعظمة المحجبة المحترمة:
ستيته بنت الأمير سيف الدين
كركاي المنصوري، زوجة نائب الشام تنكز، توفيت بدار الذهب، وصلّي عليها بالجامع ثالث رجب، ودفنت بالتربة التي أمرت بإنشائها بباب الخواصين، وفيها مسجد وإلى جانبها رباط للنساء ومكتب للأيتام.
وفيها صدقات وبر وصلات، وقراء عليها، كل ذلك أمرت به، وكانت قد حجت في العام الماضي رحمها الله.
قاضي قضاة طرابلس
شمس الدين محمد بن عيسى بن محمود البعلبكي المعروف بابن المجد الشافعي، اشتغل ببلده وبرع في فنون كثيرة، وأقام بدمشق مدة يدرّس بالقوصية وبالجامع، ويؤم بمدرسة أم الصالح، ثم انتقل إلى قضاء طرابلس فأقام بها أربعة أشهر، ثم توفي في سادس رمضان وتولاها بعده ولده تقي الدين وهو أحد الفضلاء المشهورين، ولم تطل مدته حتى عزل عنها وأخرج منها.
الشيخ الصالح عبد الله بن أبي القاسم بن يوسف
بن أبي القاسم الحوراني، شيخ طائفتهم وإليه مرجع زاويتهم بحوران، كان عنده تفقه بعض شيء، وزهادة ويزار، وله أصحاب يخدمونه، وبلغ السبعين سنة، وخرج لتوديع بعض أهله إلى ناحية الكرك من ناحية الحجاز فأدركه الموت هناك، فمات في أول ذي القعدة.
الشيخ حسن بن علي
ابن أحمد الأنصاري الضرير كان بفرد عين أولا ثم عمي جملة، وكان يقرأ القرآن ويكثر التلاوة ثم انقطع إلى المنارة الشرقية، وكان يحضر السماعات ويستمع ويتواجد، ولكثير من الناس فيه اعتقاد على ذلك، ولمجاورته في الجامع وكثرة تلاوته وصلاته والله يسامحه، توفي يوم السبت في العشر الأول من ذي الحجة بالمئذنة الشرقية، وصلّي عليه بالجامع، ودفن بباب الصغير.
محيي الدين أبو الثناء محمود
ابن الصدر شرف الدين القلانسي، توفي في ذي الحجة ببستانه، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وهو جد الصدر جلال الدين بن القلانسي، وأخيه علاء، وهم ثلاثتهم رؤساء.
الشاب الرئيس صلاح الدين يوسف
بن القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية، ناظر الجيش أبوه، نشأ هذا الشاب في نعمة وحشمة وترفه وعشرة واجتماع بالأصحاب، توفي يوم السبت تاسع عشرين ذي الحجة فاستراح من حشمته وعشرته إن لم تكن وبالا عليه، ودفن بتربتهم تجاه الناصرية بالسفح، وتأسف عليه أبواه ومعارفه وأصحابه سامحه الله.
البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر | |
---|---|
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767 |