البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة أربع عشرة وسبعمائة
استهلت والحكام هم هم في التي قبلها إلا الوزير أمين الملك فمكانه بدر الدين التركماني وفي رابع المحرم عاد الصاحب شمس الدين غبريال من مصر على نظر الدواوين وتلقاه أصحابه.
وفي عاشر المحرم يوم الجمعة قرئ كتاب السلطان على السدة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والأمراء يتضمن بإطلاق البواقي من سنة ثمان وتسعين وستمائة إلى آخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، فتضاعفت الأدعية للسلطان، وكان القارئ جمال الدين بن القلانسي ومبلغه صدر الدين بن صبح المؤذن.
ثم قرئ في الجمعة الأخرى مرسوم آخر فيه الإفراج عن المسجونين، وأن لا يؤخذ من كل واحد إلا نصف درهم، ومرسوم آخر فيه إطلاق السخر في الغصب وغيره عن الفلاحين، قرأه ابن الزملكاني وبلغه عنه أمين الدين محمد بن مؤذن النجيبي.
وفي المحرم استحضر السلطان إلى بين يديه الفقيه نور الدين علي البكري وهمّ بقتله شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام في الفتوى والعلم، وكان قد هرب لما طلب من جهة الشيخ تقي الدين بن تيمية فهرب واختفى، وشفع فيه أيضا، ثم لما ظفر به السلطان الآن وأراد قتله شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام والفتوى، وذلك لاجترائه وتسرعه على التكفير والقتل والجهل الحامل له على هذا وغيره.
وفي يوم الجمعة مستهل صفر قرأ ابن الزملكاني كتابا سلطانيا على السدة بحضرة نائب السلطان القاضي وفيه الأمر بإبطال ضمان القواسير وضمان النبيذ وغير ذلك، فدعا الناس للسلطان.
وفي أواخر ربيع الأول اجتمع القضاة بالجامع للنظر في أمر الشهود ونهوهم عن الجلوس في المساجد، وأن لا يكون أحد منهم في مركزين، وأن لا يتولوا ثبات الكتب ولا يأخذوا أجرا على أداء الشهادة، وأن لا يغتابوا أحدا وأن يتناصفوا في المعيشة، ثم جلسوا مرة ثانية لذلك وتواعدوا ثالثة فلم يتفق اجتماعهم، ولم يقطع أحد من مركزه.
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه عقد مجلس في دار ابن صصرى لبدر الدين بن بضيان وأنكر عليه شيء من القراءات فالتزم بترك الإقراء بالكلية ثم استأذن بعد أيام في الإقراء فأذن له فجلس بين الظهر والعصر بالجامع وصارت له حلقة على العادة.
وفي منتصف رجب توفي نائب حلب الأمير سيف الدين سودي ودفن بتربته وولي مكانه علاء الدين الطنبغا الصالحي الحاجب بمصر، قبل هذه النيابة.
وفي تاسع شعبان خلع على الشريف شرف الدين عدنان بنقابة الأشراف بعد والده أمين الدين جعفر توفي في الشهر الماضي.
وفي خامس شوال دفن الملك شمس الدين دوباج بن ملكشاه بن رستم صاحب كيلان بتربته المشهورة بسفح قاسيون، وكان قد قصد الحج في هذا العام، فلما كان بغباغب أدركته منيته يوم السبت سادس عشرين رمضان فحمل إلى دمشق وصلي عليه ودفن في هذه التربة، اشتريت له وتممت وجاءت حسنة وهي مشهورة عند المكارية شرقي الجامع المظفري، وكان له في مملكة كيلان خمسة وعشرين سنة، وعمر أربعا وخسمين سنة. وأوصى أن يحج عنه جماعة ففعل ذلك وخرج الركب في ثالث شوال وأميره سيف الدين سنقر الإبراهيمي، وقاضيه محيي الدين قاضي الزبداني.
وفي يوم الخميس سابع ذي القعدة قدم القاضي بدر الدين بن الحداد من القاهرة متوليا حسبة دمشق فخلع عليه عوضا عن فخر الدين سليمان البصراوي، عزل فسافر سريعا إلى البرية ليشتري خيلا للسلطان يقدمها رشوة على المنصب المذكور، فاتفق موته في البرية في سابع عشر الشهر المذكور، وحمل إلى بصرى فدفن بها عند أجداده في ثامن ذي القعدة، وكان شابا حسنا كريم الأخلاق حسن الشكل.
وفي أواخره مسك نائب صفد بلبان طوباي المنصوري وسجن وتولى مكانه سيف الدين بلباي البدري.
وفي سادس ذي الحجة تولي ولاية البر الأمير علاء الدين علي بن محمود بن معبد البعلبكي، عوضا عن شرف الدين عيسى بن البركاسي، وفي يوم عيد الأضحى وصل الأمير علاء الدين بن صبح من مصر وقد أفرج عنه فسلم عليه الأمراء.
وفي هذا الشهر أعيد أمين الملك إلى نظر النظار بمصر وخلع على الصاحب بهاء الدين النسائي بنظر الخزانة عوضا عن سعد الدين حسن بن الأقفاصي.
وفيه: وردت البريدية بأمر السلطان للجيوش الشامية بالمسير إلى حلب وأن يكون مقدم العساكر كلها تنكز نائب الشام، وقدم من مصر ستة آلاف مقاتل عليهم الأمير سيف الدين بكتمر الأبوبكري، وفيهم تجليس وبدر الدين الوزيري، وكتشلي وابن طيبرس وشاطي وابن سلار وغيرهم، فتقدموا إلى البلاد الحلبية بين يدي نائب الشام تنكز.
وممن توفي فيها من الأعيان:
سودي نائب حلب في رجب
ودفن بتربته، وهو الذي كان السبب في إجراء نهر إليها، غرم عليه ثلاثمائة ألف درهم، وكان مشكور السيرة حميد الطريقة رحمه الله.
وفي شعبان توفي:
الصاحب شرف الدين
يعقوب بن مزهر وكان بارا بأهله وقرابته رحمه الله.
والشيخ رشيد أبو الفداء إسماعيل
أبو محمد القرشي الحنفي المعروف بابن المعلم، كان من أعلام الفقهاء والمفتيين، ولديه علوم شتى وفوائد وفرائد، وعنده زهد وانقطاع عن الناس، وقد درّس بالبلخية مدة ثم تركها لولده وسار إلى مصر فأقام بها، وعرض عليه قضاء دمشق فلم يقبل، وقد جاوز السبعين من العمر، توفي سحر يوم الأربعاء خامس رجب ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
وفي شوال توفي:
الشيخ سليمان التركماني
الموله الذي كان يجلس على مصطبته بالعلبيين، وكان قبل ذلك مقيما بطهارة باب البريد، وكان لا يتحاشى من النجاسات ولا يتقيها، ولا يصلي الصلوات ولا يأتيها، وكان بعض الناس من الهمج له فيه عقيدة قاعدة الهمج الرعاع الذين هم أتباع كل ناعق من المولهين والمجانين، ويزعمون أنه يكاشف وأنه رجل صالح، ودفن بباب الصغير في يوم كثير الثلج.
وفي يوم عرفة توفيت: الشيخة الصالحة العابدة الناسكة
أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية
بظاهر القاهرة، وشهدها خلق كثير، وكانت من العالمات الفاضلات، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، وتقوم على الأحمدية في مواخاتهم النساء والمردان، وتنكر أحوالهم وأصول أهل البدع وغيرهم، وتفعل من ذلك ما لا تقدر عليه الرجال.
وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعتُ الشيخ تقي الدين يثني عليها ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرا من المغني أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وهي التي ختّمت نساءً كثيرا القرآن.
منهن أم زوجتي عائشة بنت صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المزي، وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي أمة الرحيم زينب رحمهن الله وأكرمهن برحمته وجنته، آمين.
البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر | |
---|---|
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767 |