البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وسبعمائة
استهلت وأرباب الولايات هم المذكورون في التي قبلها، سوى والي البر بدمشق فإنه علم الدين طرقشي، وقد صرف ابن معبد إلى ولاية حوران لشهامته وصرامته وديانته وأمانته.
وفي المحرم حصلت زلزلة عظيمة بدمشق، وقى الله شرها، وقدم تنكز من الحجاز ليلة الثلاثاء حادي عشر المحرم، وكانت مدة غيبته ثلاثة أشهر.
وقدم ليلا لئلا يتكلف أحد لقدومه، وسافر نائب الغيبة عنه قبله بيومين لئلا يكلفه بهدية ولا غيرها، وقدم مغلطاي عبد الواحد الجحدار أحد الأمراء بمصر بخلعة سنية من السلطان لتنكز فلبسها وقبل العتبة على العادة، وفي يوم الأربعاء سادس صفر درس الشيخ نجم الدين القفجازي بالظاهرية للحنيفة، وهو خطيب جامع تنكز، وحضر عنده القضاة والأعيان، ودرس في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] .
وذلك بعد وفاة القاضي شمس الدين بن العز الحنفي، توفي مرجعه من الحجاز، وتولى بعده نيابة القضاء عماد الدين الطرسوسي، وهو زوج ابنته، وكان ينوب عنه في حال غيبته، فاستمر بعده، ثم ولي الحكم بعده، مستنيبه فيها.
وفيه: قدم الخوارزمي حاجبا عوضا عن كتبغا، وفي ربيع الأول قدم إلى دمشق الشيخ قوام الدين مسعود بن الشيخ برهان الدين محمد بن الشيخ شرف الدين محمد الكرماني الحنفي، فنزل بالقصاعين وتردد إليه الطلبة ودخل إلى نائب السلطنة واجتمع به وهو شاب مولده سنة إحدى وسبعين وقد اجتمعت به، وكان عنده مشاركة في الفروع والأصول ودعواه أوسع من محصوله، وكانت لأبيه وجده مصنفات، ثم صار بعد مدة إلى مصر ومات بها كما سيأتي.
وفي ربيع الأول تكامل فتح إياس ومعاملتها وانتزاعها من أيدي الأرمن، وأخذ البرج الأطلس وبينه وبينها في البحر رمية، ونصف فأخذه المسلمون بإذن الله وخربوه، وكانت أبوابه مطلية بالحديد والرصاص، وعرض سوره ثلاثة عشر ذراعا بالنجار، وغنم المسلمون غنائم كثيرة جدا، وحاصروا كواره فقوى عليهم الحر والذباب، فرسم السلطان بعودهم فحرقوا ما كان معهم من المجانيق وأخذوا حديدها وأقبلوا سالمين غانمين، وكان معهم خلق كثير من المتطوعين.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى كمل بسط داخل الجامع فاتسع على الناس، ولكن حصل حرج بحمل الأمتعة على خلاف العادة، فإن الناس كانوا يمرون وسط الرواق ويخرجون من باب البرادة، ومن شاء استمر يمشي إلى الباب الآخر بنعليه، ولم يكن ممنوعا سوى المقصورة لا يمكن أحد الدخول إليها بالمداسات، بخلاف باقي الرواقات، فأمر نائب السلطة بتكميل بسطه بإشارة ناظره ابن مراحل. وفي جمادى الآخرة رجعت العساكر من بلاد سيس ومقدمهم أقوش نائب الكرك.
وفي آخر رجب باشر القاضي محيي الدين بن إسماعيل بن جهبل نيابة الحكم عن ابن صصرى عوضا عن الداراني الجعفري، واستغنى الداراني بخطبة جامع العقبية عنها.
وفي ثالث رجب ركب نائب السلطنة إلى خدمة السلطان فأكرمه وخلع عليه، وعاد في أول شعبان ففرح به الناس.
وفي رجب كملت عمارة الحمام الذي بناه الأمير علاء الدين بن صبيح جوار داره شمالي الشامية البرانية.
وفي يوم الاثنين تاسع شعبان عقد الأمير سيف الدين أبو بكر بن أرغون نائب السلطنة عقده على ابنة الناصر، وختن في هذا اليوم جماعة من أولاد الأمراء بين يديه، ومد سماطا عظيما، ونثرت الفضة على رؤوس المطهرين، وكان يوما مشهودا، ورسم السلطان في هذا اليوم وضع المكس عن المأكولات بمكة، وعوض صاحبها عن ذلك بإقطاع في بلد الصعيد.
وفي أواخر رمضان كملت عمارة الحمام الذي بناه بهاء الدين بن عليم بزقاق الماجية من قاسيون بالقرب من سكنه، وانتفع به أهل تلك الناحية ومن جاورهم.
وخرج الركب الشامي يوم الخميس ثامن شوال وأميره سيف الدين بلبطي نائب الرحبة، وكان سكنه داخل باب الجابية بدرب ابن صبرة، وقاضيه شمس الدين بن النقيب قاضي حمص.
من الأعيان:
القاضي شمس الدين بن العز الحنفي
أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدين أبي البركات محمد بن الشيخ عز الدين أبي العز صالح بن أبي العز بن وهيب بن عطاء بن جبير بن كابن بن وهيب الأذرعي الحنفي، أحد مشايخ الحنفية وأئمتهم وفضلائهم في فنون من العلوم متعددة، حكم نيابة نحوا من عشرين سنة.
وكان سديد الأحكام محمود السيرة، جيد الطريقة كريم الأخلاق كثير البر والصلة والإحسان إلى أصحابه وغيرهم، وخطب في جامع الأفرم مدة، وهو أول من خطب به ودرس بالمعظمية واليغمورية والقليجية والظاهرية، وكان ناظر أوقافها، وأذن للناس بالإفتاء، وكان كبيرا معظما مهيبا.
توفي بعد مرجعه من الحج بأيام قلائل، يوم الخميس سلخ المحرم، وصلّي عليه يومئذ بعد الظهر بجامع الأفرم، ودفن عند المعظمية عند أقاربه، وكانت جنازته حافلة، وشهد له الناس بالخير وغبطوه لهذه الموتة رحمه الله.
ودرس بعده في الظاهرية نجم الدين الفقجازي، وفي المعظمية والقليجية والخطابة الأفرم ابنه علاء الدين، وباشر بعده نيابة الحكم القاضي عماد الدين الطرسوسي، مدرس القلعة.
الشيخ الإمام العالم أبو إسحاق بقية السلف رضي الدين:
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي
إمام المقام أكثر من خمسين سنة، سمع الحديث من شيوخ بلده والواردين إليها ولم يكن له رحلة، وكان يفتي الناس من مدة طويلة، ويذكر أنه اختصر شرح السنة للبغوي.
توفي يوم السبت بعد الظهر ثامن ربيع الأول بمكة، ودفن من الغد، وكان من أئمة المشايخ.
شيخنا العلامة الزاهد ركن الدين بقية السلف ركن الدين:
أبو يحيى زكريا بن يوسف بن سليمان بن حماد البجلي الشافعي
نائب الخطابة، ومدرس الطيبية والأسدية، وله حلقة للاشتغال بالجامع، يحضر بها عنده الطلبة، كان يشتغل في الفرائض وغيرها، مواظبا على ذلك، توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى عن سبعين سنة، ودفن قريبا من شيخه تاج الدين الفزاري رحمهما الله.
نصير الدين أبو محمد عبد الله بن وجيه الدين أبي عبد الله علي
بن محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد بن معالي ابن محمد بن أبي بكر الربعي التغلبي التكريتي أحد صدور دمشق، قدم أبوه قبله إليها وعظم في أيام الظاهر وقبله، وكان مولده في حدود خمسين وستمائة، ولهم الأموال الكثيرة والنعمة الباذخة، توفي يوم الخميس عشرين رجب، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله.
وفي يوم الأحد حادي عشر شوال توفي:
شمس الدين محمد بن المغربي
التاجر السفار، باني خان الصنمين الذي على جادة الطريق للسبيل رحمه الله وتقبل منه، وهو في أحسن الأماكن وأنفعها.
الشيخ الجليل نجم الدين
نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن محمد بن إسماعيل القرشي المعروف بابن عنقود المصري، كانت له وجاهة وإقدام على الدولة، توفي بكرة الجمعة ثالث عشرين شوال، ودفن بزاويته، وقام بعده فيها ابن أخيه.
شمس الدين محمد بن الحسن
ابن الشيخ الفقيه محيي الدين أبو الهدى أحمد بن الشيخ شهاب الدين أبي شامة، ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة فأسمعه أبوه على المشايخ وقرأ القرآن واشتغل بالفقه وكان ينسخ ويكثر التلاوة ويحضر المدارس والسبع الكبير، توفي في سابع عشرين شوال، ودفن عند والده بمقابر باب الفراديس.
الشيخ العابد جلال الدين جلال الدين
أبو إسحاق إبراهيم بن زين الدين محمد بن أحمد بن محمود بن محمد العقيلي المعروف بابن القلانسي، ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، وسمع على ابن عبد الدائم جزء ابن عرفة، ورواه غير مرة، وسمع على غيره أيضا، واشتغل بصناعة الكتابة والإنشاء ثم انقطع وترك ذلك كله وأقبل على العبادة والزهادة، وبنى له الأمراء بمصر زاوية وترددوا إليه.
وكان فيه بشاشة وفصاحة، وكان ثقيل السمع، ثم انتقل إلى القدس وقدم دمشق مرة فاجتمع به الناس وأكرموه، وحدث بها ثم عاد إلى القدس وتوفي بها ليلة الأحد ثالث ذي القعدة، ودفن بمقابر ماملي رحمه الله، وهو خال المحتسب عز الدين بن القلانسي، وهذا خال الصاحب تقي الدين بن مراحل.
الشيخ الإمام قطب الدين محمد بن عبد الصمد
بن عبد القادر السنباطي المصري، اختصر الروضة وصنف كتاب التعجيز ودرّس بالفاضلية وناب في الحكم بمصر، وكان من أعيان الفقهاء، توفي يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة عن سبعين سنة، وحضر بعده تدريس الفاضلية ضياء الدين المنادي، نائب الحكم بالقاهرة وحضر عنده ابن جماعة، والأعيان والله أعلم.
البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر | |
---|---|
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767 |