معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/في الإسلام الخلاص/مشكلات أخرى يحلها الإسلام
مشكلات أخرى يحلها الإسلام
وبعد. فإن الإسلام لا يحل لنا المشكلات الاجتماعية وحدها، ولا يقف بنا داخل حدودنا الداخلية فى عزلة وانزواء.
إنه يمنحنا الذاتية الشخصية التىي تبرز بها فى المجتمعات الدولية فالإسلام عقيدة استعلاء واعتداد، وهو يأبى علينا أن نكون ذيلا وإمعة، أو أن نسلم زمامنا إلى كتلة شرقية أو غربية، أو أن نقف تحت لواء غير لواء الإسلام. اللواء الذى يمكن أن تجتمع إليه كتلة ضخمة يتجاوز تعدادها ثلاثمائة مليون؛ والتي تتحكم بمراكزها الاستراتيجية، وبمواردها الطبيعة، فى كتلتى الغرب والشرق سواء. لو كان لها علم واحد تؤوب إليه، وتصطف تحته فى استعلاء الإسلام وعزة الإسلام.
إنه ليس من الضرورى الآن أن تكون هنالك حكومة واحدة في تلك الرقعة الفسيحة؛ إنما المهم أن تتكتل تحت لواء واحد؛ فالإسلام هو الإسلام، وقوانينه هى قوانينه، وشخصيته من القوة والوضوح بحيث لا تتدغم ولا تنبهم فى نظام آخر، وروحه من القوة بحيث لا تخضع للتلاشي والفناء.
إنما نحن مستعمرات ومناطق نفوذ، لأننا تخلينا عن هذا الروح، فتخلى عنا، وخجلنا من الوقوف تحت لوائه فأنف منا؛ وتهنا فى غمار الآخرين، ففقدنا شارة العزة والاستعلاء والاحترام.
فلنعتزم أن تسلك الطريق الوحيد الذى يرد إلينا اعتبارنا بين كتلتى الشرق والغرب، ويمنحنا احترامنا فى نظر الجميع. وقد يرد للعالم طمأنينته وأمنه، حين تنهض الكتلة المسلمة، فتمسك بيدها ميزان التوازن والسلام؛ وتضع حدا لهذا الجنون الذى تزاوله الكتلتان بإثارة حرب ثالثة، لأنها تقف وجها لوجه، تنازع وتتصارع علينا.. نحن الممتلكات والمستعمرات والأشياء!
حينئذ لا ينعق الناعقون فى أرض الإسلام من هنا ومن هناك: انضموا إلى هذا المعسكر أو ذاك! كأنه لا سبيل لنا إلا هذا أو ذاك؛ وكأنه لا مفر من أن تكون أبداً فى ذيل القافلة، ولا يكون لنا يوماً كيان مستقل، ووجود محترم؛ وكأننا لا نملك أن تبرز إلى الوجود كتلة ثالثة تمسك بيدها ميزان التوازن، وتمثل فلسفة اجتماعية خاصة، قائمة على فكرة الإسلام الكلية التى تتضمن محاسن الاشتراكية والشيوعية جميعاً، وتبرأ من عيوبهما جميعاً؛ وتزيد على هذه وتلك آفاقاً أعلى، وعدالة أشمل، ومثالا كريماً للحياة لم تعرف مثليه الحياة.
... ونحن نملك أن نقدم للبشرية هذه الفكرة التى تهدف إلى تعاون إنسانى كامل، وإلى تكافل اجتماعى تصحيح، وترمى إلى رفع قيمة الحياة إلى المستوى اللائق بعالم يصدر عن الله، ومكاننا إذن ليس فى ذيل القافلة، ولكن فى مأخذ الزمام 1 ...
- ↑ فكرة الإسلام الكاملة عن الحياة عالجت منها طرفا فى كتاب «العدالة الاجتماعية» فى فصل «طبيعة العدالة الاجتماعية فى الإسلام» وموعدى بمعالجتها علاجاً شاملاً كتاب مستقل عن: «فكرة الإسلام من الكون والحياة والإنسان» بشيئة الله.