معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/في الإسلام الخلاص
في الإسلام خلاص
إذا اتضح أن الإسلام يملك أن يحل لنا مشكلاتنا الأساسية؛ ويمنحنا عدالة اجتماعية شاملة؛ وردنا إلى عدل فى الحكم، وعدل فى المال، وعدل فى الفرص، وعدل فى الجزاء.. فإنه يكون بلا شك أقدر على العمل فى بلادنا من كل مذهب آخر، نحاول استعارته، عن طريق التقليد، أو على طريقة المشاركة فى الحضارة الإنسانية بالاستجداء!
أجل – إذا اتضح هذا كله – فالإسلام أقدر على العمل في بيئتنا. أقدر من الشيوعية بكل تأكيد (وذلك على فرض تكافؤهما فى القيمة الإنسانية، وتكافؤ أثرهما فى العدالة الاجتماعية) فالإسلام معنا هنا فى الداخل، ولن نحتاج إلى استجلابه من وراء الحدود، كما نستجلب القوالب الجاهزة، فتجىء فضفاضة أو خانقة، لأنها لم تصنع على أعينتا ولم تفصل على قدنا، ولم تنبع من آلامنا وآمالنا.
والإسلام صاحب لنا صديق، صاحبناه ألفاً وثلاثمائة عام على الخير والشر، وعلى النعماء والبأساء، صاحبناه كارها وراضياً، وبررناه أو عققناه. ولكنه بعد ذلك كله صديق، له فى الجوانح هزة، وفي المشاعر ذكرى، وفى الضمائر أصداء؛ وليس بالغريب على أرواحنا ومشاعرنا وعاداتنا وتقاليدنا غربة الشيوعية، التى نحمد منها أشياء ونكره منها أشياء، ونألف منها اتجاهاً، وننكر عليها اتجاها، وتتوزع مشاعرنا إزاءها على أية حال توزعاً لا يضمن معه توحد الجبهة فى طلب عدالة اجتماعية قوية كما تضمن توحدها إذا نحن هتفنا إلى العدالة باسم الإسلام.
والإسلام حجة قوية لا تملك لها الرأسمالية المستغلة دفعاً كما تجد للشيوعية. والمخلصون للوطن وللمجتمع فى الدعوة إلى العدالة الاجتماعية، الذين يريدون العدالة الاجتماعية لذاتها ويجعلون منها هدفهم الحقيقى؛ ولا يتخذونها مجرد ستار لتهييج الجماهير، ابتغاء لنشر مذهب معين، هو الغاية الأولى، والعدالة وسيلة! .. هؤلاء لا يملكون أن يغفلوا سلاحاً قوياً كسلاح العقيدة الإسلامية. سلاحا حاضراً فى الأيدى، مذخوراً فى النفوس، يدعى باسمه فيستجاب، وتستجاش العزائم باسمه فتذكو وتهيج ...
إن الذين يريدون تنحية الإسلام عن معركة العدالة الاجتماعية، ليخوضوها تحت راية الشيوعية؛ إنما يخونون أنفسهم إن كانوا مخلصين فى دعوى العدالة؛ أو يخونون قضية الجماهير، جهلا بقيمة القوة الكبرى التى يزوّدهم الإسلام بها؛ أو عداوة مريبة لهذه القوة العظيمة، أو احتقاراً لانفسهم وكفراً بقيمتهم، ورضاء كرضاء العبيد بقتات الموائد ووقفة الأذناب ...
إنني أفهم جيداً أن ينصب المستغلون والطغاة للإسلام، لينحوه عن هذه المعركة، إما باستغلال المحترفين لإصدار الفتاوى المكذوبة على الدين؛ وإما باضطهاد الدعاة الحقيقيين لعدالة الإسلام؛ واتهامهم بشتى التهم، للتخلص من ذلك السيف الحاد المصلت على رقاب البغى والاستغلال. فأما أن ينصب للإسلام دعاة العدالة الاجتماعية، فذلك أمر عندى غير مفهوم. وإن وراءه لخبيئاً يجب أن يفطن إليه الأبرياء، الذين يريدون العدالة لذاتها؛ ويكافحون الجماهير وحدها؛ ويتجردون لهذه الغاية النبيلة بلا رياء ولا التواء.
ولكن مالنا نعجل قبل أن نعرض مشكلاتنا الأساسية على الإسلام لنرى إن كانت لها عنده حلول؟
ماهى مشكلاتنا الاجتماعية التى نعانيها فى اجتماعنا الحاضر، وفى وضعنا الراهن ؟... إنها:
١ - سوء توزيع الملكيات والثروات.
۲ - مشكلة العمل والأجور.
۳ - عدم تكافؤ الفرص.
٤ - فساد جهاز العمل وضعف الإنتاج.
وهنالك مشكلات فرعية أخرى، تعد ثماراً ونتائج لهذه المشكلات الأساسية الكبرى، أو مضاعفات مرضية من مضاعفاتها. فلنتناول هذه المشكلات واحدة واحدة، نعرضها على الإسلام لننظر كيف يعالجها فى ثقة وهدوء وسلام.