معجم البلدان/الجزء الأول/الباب الثالث: في تفسير الألفاظ التي يتكرر ذكرها في هذا الكتاب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: الباب الثالث: في تفسير الألفاظ التي يتكرر ذكرها في هذا الكتاب


فان فسرناها في كل موضع تجيء فيه أطننا ان ذكرناها في موضع دون الاخر بخسنا أحدهما حقه ويبهم على المستفيد موضعها لان ألقيناها جملة أحوجنا الناظر في هذا الكتاب إلى غيره فجئنا بها ههنا مفسرة مبينة مسهلة على الطالب أمرها وهي البريد والفرسخ والميل والكورة والاقليم والمخلاف والاستان والطسوج والجند والسكة والمصر وأباذ والطول والعرض والدرجة والدقيقة والصلح والسلم والعنوة والخراج والفيء والغنيمة والقطيعة.

فأما البريد. ففيه خلاف وذهب قوم إلى أنه بالبادية اثنا عشر ميلا وبالشام وخراسان ستة أميال. وقال أبو منصور البريد الرسول وابراده إرساله. وقال بعض العرب الحمى بريد الموت أي أنها رسول الموت تنذر به. والسفر الذي يجوز فيه قصر الصلاة أربعة برد ثمانية وأربعرن ميلا بالأميال الهاشمية التي في طريق مكة وقيل لدابة البريد بريد لسيرها في البريد. قال الشاعر:

واني أنص العيش حتى كأنني ** عليها بأجواز الفلاة

بريد وقال ابن الأعرابي كل ما بين المنزلين بريد، وحكى بعضهم ما خالف به من تقدم ذكره فقال من بغداد إلى مكة مائتان وخمسة وسبعون فرسخا وميلان ويكون أميالا ثمانمائة وسبعة وعشرين ميلا وهذه عدة ثمانية وخمسين بريدا وأربعة أميال ومن البريد عشرون ميلا هذه حكاية قوله الله أعلم، وخبرني بعض من لا يوثق به لكنه صحيح النظر والقياس أنه إنما سميت خيل البريد بهذا الاسم لأن بعض ملوك الفرس اعتاق عنه رسل بعض جهات مملكته فلما جاءته الرسل سألها عن سبب بطئها فشكوا من مروا به من الولاة وأنهم لم يحسنوا معونتهم فأحضرهم الملك وأراد عقوبتهم فاحتجوا بأنهم لم يعلموا أنهم رسل الملك فأمر أن تكون أذناب خيل الرسل وأعرافها مقطوعة لتكون علامة لمن يمرون به ليزيحوا عللهم في سيرهم فقيل بريد أي قطع فعرب فقيل خيل البريد الله أعلم. وأما الفرسخ، فقد اختلف فيه أيضا فقال قوم هو فارسي معرب وأصله فرسنك. وقال اللغويون الفرسخ عربي محض يقال انتظرتك فرسخا من النهار أي طويلا. رقال الأزهري أرى أن الفرسخ أخذ من هذا. وروى ثعلب عن ابن الأعربي قال سمي الفرسخ فرسخا لأنه إذا مشى صاحبه استراح وجلس. قلت كذا قال وهذا كلا لا معنى له والله أعلم. وقد روي في حديث حذيفة ما بينكم وبين أن يصب عليكم الشر فراسخ إلا موت رجل فلو قيل قد مات صب عليكم الشر فراسخ. قال ابن شميل في تفسيره: وكل شيء دائم كثير فرسخ. قلت أنا أرى الفرسخ من هذا أخذ لأن المشي يستطيله ويستديمه ويجوز في رأي أن يكون تأويل حديث حذيفة أنه يصب عليكم الشر طويلا بطول الفراسخ ولم يرد به نفس الطول وانما يراد به مقدار طول الفرسخ الذي هو علم لهذه المسافة المحدودة والله أعلم. وقالت الكلابية فراسخ الليل والنهار ساعاتهما وأوقاتهما ولعله من الأول وان كان هذا هو الأصل فالفرسخ مشتق منه كأنه يراد سير ساعة أو ساعات هذا إن كان عربيا. وأما حد ه ومعناه فلا بد من بسط يتحقق به معناه ومعنى الميل معا. قالت الحكماء اسدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة والدرجة خمسة وعشرون فرسخا والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة الاف ذراع فالفرسخ اثنا عشر ألف ذراع والذراع أربعة وعشروق إصبعا والاصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض: وقيل الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة تكون بذراع المساحة وهي الذراع الهاشسمية وهي ذراع وربع بالمرسل تسعة الاف ذراع وستمائة ذراع. وقال قوم الفرسخ سبعة الاف خطوة ولم أرلهم خلافا في أن الفرسخ ثلاثة أميال وأما الميل. فقال بطليموس في المجسطي الميل ثلاثة الاف ذراع بذراع الملك والذراع ثلاثة أشبار والشبر ستة وثلاثون إصبعا والاصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها إلى بعض قال والميل جزء من ثلاثة أجزاء من الفرسخ، وقيل الميل ألفا خطوة وثلاثمائة وثلاث وثلاثون خطوة. وأمام أهل اللغة فالميل عندهم مدى البصر ومنتهاه. قال ابن السكيت وقيل للاعلام المبنية في طريق مكة أميال لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل ولا نعني بمدى البصر كل مرأ فانا نرى الجبل من مسيرة أيام إتما نعني أن ينظر الصحيح البصر ما مقداره ميل وهي بنية ارتفاعها عشرة أذرع أو قريب من ذلك وغلظها مناسب لطولها وهذا عندي أحسن ما قيل فيه

وأما الاقليم، فقد تقدم من القول فيه اشتقاقا واحدا واختلافا في الباب الثاني ما أغنانا عن إعادة ذكره وانما ترجمناه ههنا لأنه حري بأن يكون فيه فلما تقدم ما تقدم من أمره دللنا على موضعه ليطلب.

وأما الكورة، فقد ذكر حمزة الأصفهاني الكورة اسم فارسي بحت يقع على قسم من أقسام الاستان وا استعارتها العرب وجعلتها اسما للأستان كما استعارت الاقليم من اليونانيين فجعلته اسما للكشخر فالكورة والإستان واحد، قلت أنا الكورة كل صقع يشتمل على عدة قرى ولا بد لتلك القرى من قصبة أو مدينة أونهر يجمع اسمها ذلك اسم الكورة كقولهم دارا بجرد مدينة بفارس لها عمل واسع يسمى ذلك العمل بجملته كورة دارا بجرد ونحو نهر الملك فانه نهر عظيم مخرجه من الفرات ويصب في دجلة عليه نحو ثلاثمائة قرية ويقال لذلك جميعه نهر الملك وكذلك ما أشبه ذلك.

وأما المخلاف، فاكثر ما يقع في كلام أهل اليمن وقد يقع في كلام غيرهم على جهة التبم والانتقال لهم وهو واحد مخاليف اليمن وهي كورها، ولكل مخلاف منها اسم يعرف به رهو قبيلة من قبائل اليمن أقامت به وعمرته فغلب عليه اسمها. وفي حديث معاذ من تحول من مخلاف إلى مخلاف فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته الأول إذا حال عليه الحول. وقال أبو عمرو: يقال استعمل فلان على مخاليف الطائف وعلى الأطرا ف والنواحي. وقال خالد بن جنبة في كل بلد مخلاف بمكة مخلاف والمدينة والبصرة والكوفة. قلت وهذا كما ذكرنا بالعادة والإلف إذا انتقل اليماني إلى هذه النواحي سمى الكورة بما الله من لغة قومه وفي الحقيقة إنما هي لغة اهل اليمن خاصة. وقال بعضهم مخلاف البلد سلطانه. وحكى عن بعض العرب قال كنا نلقى بني نمير ونحن في مخلاف المدينة وهم في مخلاف اليمامة. وقال أبو معاذ المخلاف البنكرد وهو أن يكون لكل قوم صدقة على حدة فذاك بنكرده يودي إلى عشيرته التى كان يؤدى اليها. وفي كتاب العين يقال فلان من مخلاف كذا وكذا وهوعند أهل اليمن كالرستاق والجمع مخاليف. قالت هذا الذي بلغني فيه ولم أسمع في اشتقاقه شيئا وعندي فيه ما أذكره وهو أن ولد قحطان لما اتخذوا أرض اليمن مسكنأ وكثروا فيها لم يسعهم المقام في موضع واحد فجمعوا رأيهم على أن يسيروا في نواحي اليمن ليختار كل بني أب موضعا يعمرونه ويسكنونه وكانوا إذا صاروا إلى ناحية واختارها بعضهم تخلف بها عن سائر القبائل وسماها باسم أبي تلك القبيلة المتخلفة فيه فسموها مخلافا لتخلف بعضهم عن بعض فيها ألا تراهم سموها مخلاف زبيد ومخلاف سنحان ومخلاف همدان لا بد من إضافته إلى قبيلة الله أعلم.

وأما الاستان، فقد ذكرنا عن حمزة أنه قال إن الاستان والكورة واحد ثم قال شهرستان وطبرستان وخوزستان مأخوذ من الاستان فخفف بحذف الألف. ومثال ذلك أن رقعة فارس خمسة أساتين أحدها إستان دار بجرد ثم ينقسم الاستان إلى الرساتيق وينقسم الرستاق إلى الطساسيج وينقسم كل طسوج إلى عدة من القرى مثال ذلك اصطخراستان من أساتين فارس ويزد رستاق من رساتيق اسطخر ونائين وقرى معها طسوج من طساسيج رستاق يزد ونياستانه قرية من قرى طسوج نائين، وزعم مؤيد الرأي أن معنى الاستان المأوى ومنه يقال وهما إستان كرفت إذا أصاب موضعا ياوي إليه.

وأما الرستاق، فهو فيما ذكره حمزة بن الحسن مشتق من روذه فستا وروذه اسم للسطر والصف والسماط وفستا اسم للحال والمعنى أنه على التسطير والنظام. قلت الذي عرفناه وشاهدناه في زماننا في بلاد الفرس أنهم يعنون بالرستاق كل موضع فيه مزارع وقرى ولا يقال ذلك للمدن كالبصرة وبغداد فهو عند الفرس بمنزلة السواد عندص أهل بغداد وهو أخص من الكورة والاستان.

وأما الطسوج. بوزن سبوح وقدوس فهو أخص وأقل من الكورة والرستاق والاستان كأنه جزء من أجزاء الكورة كما أن الطسوج جزء من أربعة وعشرين جزأ من الدينار لأن الكورة قد تشتمل على عدة طساسيج وهي لفظة فارسية أصلها تسو فعربت بقلب التاء طاء وزيادة الجيم في اخرها وزيد في تعريبها بجمعها على طساسيج وكثر ما تستعمل هذه اللفظة في سواد العراق وقد قسموا سواد العراق على ستين طسوجا أضيف كل طسوج إلى اسم وقد ذكرت في مواضعها من كتابنا ياسقاط طسوج.

وأما الجند، فيجيء في قولهم جند قنسرين وجند فلسطين وجند حمص وجند دمشق وجند الأردن فهي خمسة أجناد وكلها بالشام ولم يبلغني أنهم استعملوا ذلك في غير أرض الشام. قال الفرزدق.

فقلت ما هو إلا الشئام تركبه ** كأنما الموت في أجناده البغر

قال أحمد بن يحيى بن جابر اختلفوا في الأجناد فقيل سمى المسلمون كل واحد من أجناد الشام جندا لأنه جمع كورا والتجند على هذا التجمع وجندت جندا أي جمعت جمعا. وقيل سمى المسلمون لكل صقع جندا بجند عينوا له يقبضون أعطياتهم فيه منه فكانوا يقولون هؤلاء جند كذا حتى غلب عليهم وعلى الناحية.

وأما أباذ: فيكثر مجيئه في أسماء بلدان وقرى ورساتيق في هذا الكتاب كقولهم أسداباذ ورستماباذ وحصناباذ فأسد اسم رجل وأباذ اسم العمارة بالفارسية فمعناه عمارة أسد وكذلك كل ما يجيء في معناه وهو كثير جدا.

وأما السكة: في الطريق المسلوكة التي تمر فيها القوافل من بلد إلى آخر فإذا قيل في الكتب من بلد كذا إلى بلد كذا كذا سكة إنما يعنون الطريق مثال ذلك أن يقال من بغداد إلى ال موسى ل خمسة سكك يعنون أن القاصد من بغداد الى ال موسى ل يمكنه أن يأتيها من خمس طرق. وحكي عن بعضهم أن قولهم سكك البريد يريدون منازل البريد في كل يوم والأول أظهر وأصح الله أعلم.

وأما المصر. فيجيء في قولهم مصرت مدينة كذا في زمن كذا وفي قولهم مدينة كذا مصر من الأمصار والمصر في الأصل الحذ بين الشيئين وأهل هجر يكتبون في شروطهم اشترى فلان من فلان هذه الدار بمصورها أي بحدودها. قال عدي بن زيد:

وجاعل الشمس مصرالاخفاء لها ** بين النهار وبين الليل قد فصلا

وأما الطول. فيجيء في قولنا عرض البلد كذا وطوله كذا وهو من ألفاظ المنجمين. وفسروه فقالوا معنى قولنا طوله أي بعده عن أقصى العمارة سوى اخذه في معدل النهار أو في خط الاستواء الموازي لهما وذلك لتشابه بينهما يقيم أحدهما مقام الاخر ولأن ما يستعمل من هذه الصناعة إنما هو مستنبط من اراء اليونانيين وهم ابتدؤا العمارة من أقرب نهاية العمارة إليهم وهي الغربية فطول البلد على ذا هو بعده عن المغرب. إلا أن في هذه النهاية بينهم اختلافا فإن بعضهم يبتدىء بالطول من ساحل بحر أوقيانوس الغربي وهو البحر المحيط وبعضهم يبتدى به من سمت الجزائر الواغلة في البحر المحيط قريبا من مائتي فرسخ تسمى جزائر السعادات والجزائر الخالدات وهي بحيال بلاد المغرب ولهذا ربما يوجد للبلد الواحد في الكتب نوعان من الطول بينهما عشر درج فيحتاج في تميز ذلك إلى فطنة ودربة. هذا كله عن أبي الريحان.

وأما العرض. فان عرض البلد مقابل لطوله الذي ذكر قبل، ومعناه عند المنجمين هو بعده الأقصى عن خط الاستواء نحو الشمال لأن البلد والعمارة في هذه الناحية وتحاذيه من السماء قوس عظيمة شبيهة به واقفة بين سمت الراس وبين معدل النهار ويساويه ارتفاع القطب الشمالي فلذلك يعبر عنه به وانحطاط القطب الجنوبي وان ساواه أيضا فانه خفي لا يشعر به، وهذا كلام صاحب التفهيم.

وأما الدرجة والدقيقة، في أيضا من نصيب المنجمين يجيء ذكرها في هذا الكتاب في تحديد الطول والعرض. وقالوا الدرجة قدر ما تقطعه الشمس في يوم وليلة من الفلك وفي مساحة الأرض خمسة وعشرون فرسخا وتنقسم الدرجة إلى ستين دقيقة والدقيقة إلى ستين ثانية والثانية إلى ثالثة وترقى كذلك.

وأما الصلح. فيجيء في قولنا فتح بلد كذا صلحا أو عنوة ومعنى الصلح من الصلاح وهو ضد الفساد والصلح في هذه المواضع ضد الخلف. ومعناه أن المسلمين كانوا إذا نزلوا على حصن أو مدينة وخافهم اهله فخرجوا إلى المسلمين وبذلوا لهم عن ناحيتهم مالا أو خراجا أو وظيفة يوظفونها عليهم ويؤدونها في كل عام على رؤوسهم وأرضهم أو مالا يعجلونه لهم أي أنها لم تفتح عن غلبة كما كان العنوة بمعنى الغلبة.

وأما السلم. في قوله تعالى: ادخلوا في السلم كافة البقرة: 208، فقالوا أعني به الإسلام وشرائعه والسلم الصلح. والسلم بالتحريك الاستسلام والقاء المقادة إلى إرادة المسلمين فكأنه والصلح متقاربان. وعندي انه من السلامة أي أنه إذا اتفق الفريقان واصطلحا سلم بعضهم من بعض الله أعلم.

وأما العنوة. فيجيء في قولنا فتح بلد كذا عنوة وهو ضد الصلح. قالوا العنوة أخذ الشيء بالغلبة. قالوا وقد يكون عن تسليم وطاعة مما يوخذ منه الشيء وأنشد الفراء:

فما أخذوها عنوة عن مودة ** ولكن بحد المشرفي استقالها

قالوا وهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال. قلت وهذا تأويل في هذا البيت على أن العنوة بمعنى الطاعة ويمكن أن يؤول تأويلا يخرجه عن أن يكون بمعنى الغصب والغلبة فيقال ان معناه فما أخذوها غلبة و هناك مودة القتال أخذها عنوة كما تقول ما أساء إليك زيد عن محبة أي بغضة كما تقول ما صدر هذا الفعل عن قلب صاف وهناك قلب صاف أي كدر ويكون قريبا في المعنى من فوله تعالى: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم المائدة: 18، ويصلح أن يجعل قوله أخذوها دليلا على الغلبة والقهر ولولا ذلك لقال فما سلموها فان قائلا لو قال أخذ الأمير حصن كذا لسبق الوهم وكان مفهومه أنه أخذوه قهرا ولو قال أن أهل حصن كذا سلموه لكان مفهومه أنهم أذعنوا به عن إرادة واختيار وهذا ظاهر والإجماع أن العنوة الغلبة ومنه العاني وهو الأسير يقال أخذته عنوة أي قسرا وقهرا وفتحت هذه المدينة عنوة أي بالقتال قوتل أهلها حتى غلبوا عليها أو عجزوا عن حفظها فتركوها وجلوا من غير أن يجري بينهم وبين المسلمين فيها عقد صلح.

وأما الخراج. فان الخراج والخرج بمعنى واحد وهو أن يؤدي العبد إليك خراجه أي غلته. والرعية تؤدي الخراج إلى الولاة وأصله عن قوله تعالى: أم تسألهم خرجا المؤمنون: 172 وقرىء خراجا معناه أم تسألهم أجرا على ما جئت به فأجر ربك وثوابه خير. وأما الخراج الذي وظفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على السواد فأراضي الفىء فانه معناه الغلة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان قالوا هو غلة العبد يشتريه الرجل فيستغله زمانا ثم يعثر منه على عيب دلسه البائع ولم يطلعه عليه فله رد العبد على البائع والرجوع عليه بجميع الثمن والغلة التي استغلها المشتري من العبد طيبة له لأنه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله وكان عمر رضي الله عنه أمر بمسح السواد ودفعه إلى الفلاحين الذين كانوا فيه على غلة كل سنة ولذلك سمي خراجا ثم بعد ذلك قيل للبلاد التي فتحت صلحا ووظف ما صولحوا عليه على أرضهم خراجية لأن تلك الوظيفة أشبهت الخراج الذي لزم الفلاحين وهو الغلة لأن جملة معنى الخراج الغلة، وفي الحديث أن أبا طيبة لما حجم النبي أمر له بصاعين من طعام وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه أي من غلته.

وأما الفيء والغنيمة، فان أصل الفيء في اللغة الرجوع ومنه الفيء وهو عقيب الظل الذي للشجرة وغيرها بالغداة والفيء بالعشي كما قال حميد بن ثور:

فلا الظل من بردالضحى تستطيعه ** ولا الفيء من برد العشي تذوق

وقال أبو عبيدة كلما كانت الثممس عليه وزالت فهو فيء وظل وما لم تكن الشمس عليه فهو ظل ومنه قوله تعالى في قتال أهل البغي حتى تفيء إلى أمر الله الحجرات: 9، الآية أي ترجع وسمى هذا المال فيئا لأنه رجع الى المسلمين من أملاك الكفار. وقال أبو منصور الأزهري في قوله تعالى: إما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الحشر: 7، الاية أي ما رد الله على أهل دينه من أموال من خالف أهل ملته بلا قتال أما أن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رؤوسهبم أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم فهذا المال هو الفيء في كتاب الله قال الله تعالى: أوما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب الحشر: 6، أي لم توجفوا عليه خيلا ولا ركابا أنزلت في أموال بني النضير حين نقضوا العهد وجلوا عن أوطانهم إلى الشام فقسم رسول الله أموالهم من النخيل وغيرها في الوجوه التي أراد الله أن يقسمها فيها وقسمة الفيء غير قسمة الغنيمة التي أوجف عليها بالخيل والركاب. قلت هذه حكاية قول الأزهري وهو مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه اذا كان الفيء كما قلنا الرجوع فلا فرق بين أن يرجع إلى المسلمين بالايجاف أو غير الإيجاف ولا فرق أن يفيء على رسول الله خاصة أو على المسلمين عامة وأما الاية فانما هي حكاية الحال الواقعة في قصة بني النضير لا دليل فيها على أن الفيء يكون بايجاف أو بغير إيجاف لأن الحال هكذا وقعت ولو فاء هذا المال بالايجاف وكان للمسلمين عامة لجاز أن يجيء في الاية ما أفاء الله على المؤمنين من اهل القرى ففي رجوع الفيء إلى رسول الله بنفي الايجاف دليل على أنه يفيء على غيره بوجود الايجاف لو أنهما واحد لاستغنى عن النفي واكتفى بقوله عز وجل: أما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الحشر: 7، اذا كان الكلام بدون نافيه مفهوما. وقد عكس قدامة قول الأزهري فقال إن الفيء اسم لما غلب عليه المسلمون من بلاد العدو قسرا بالقتال والحرب ثم جعل موقوفا عليهم لأن الذي يجتبى عنه راجع إليهم في كل سنة. فتخصيص قدامة لمال الفيء بأنه لا يكون إلا ما غلب عليه قسرا بالقتال غلط فان الذي سماه فيئا في قوله تعالى: وما أفاء الله على رسوله منهم الحشر: 6 والذي يعتمد عليه أن الفيء كلما استقر للمسلمين وفاء إليهم من الكفار ثم رجعت إليهم أمواله في كل عام مثل مال الخراج وجزية الرؤوس كأموال بني النضير ووادي القرى وفدك التي فتحت صلحا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكأموال السواد التي فتحت عنوة ثم أقرت بأيدي أهلها يؤدون خراجها في كل عام. ولا اختلاف بين أهل التحصيل أن الذي افتتح صلحا كأموال بني النضير وغيرهم يسمىفيئا وأن الذي افتتح من أراضي السواد وغيرها عنوة وأقر بأيدي أهله أنه يسمى فيئأ لكن الفرق بينهما أن ما فتح كان فيئا للمسلمين الذين شهدوا الفتح يقسم بينهم كما فعل رسول الله بأموال خيبر ويسمى غنيمة أيضا واما الذين رغبوا في الصلح مثل وادي القرى وفدك أو جلوا عن أوطانهم من غير أن يأتيهم أحد من المسلمين كأموال بني النضير فأمره إلى رسول الله والأثمة من بعده يقسمرن أمواله على من يريدون كما يرون رسول الله بأموال هؤلاء.

وأما الغنيمة. فهي ما غنم من أموال المشركين من الأراضي كأرض خيبر فإن النبي قسمها بين اصحابه بعد إفراز الخمس وصارت كل أرض لقوم مخصوصين وليست كأموال السواد التي فتحت أيضا عنوة لكن رأي عمر رضي الله عنه أن يجعلها لعامة المسلمين ولم تقسم فصارت فيئا يرجع إلى المسلمين في كل عام، ومن الغنيمة الأموال الصامتة التي يؤخذ خمسها ويقسم باقيها على من حضر القتال للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم شيء استنبطته أنا بالقياس من غير أن أقف على نص هذا حكايته ثم بعد وقفت على كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام فوجدته مطابقا لما كنت قلته ومؤيدا له فانه قال الأموال التي تتولاها أئمة المسلمين ثلاثة وتأولها من كتاب الله الصدقة والفيء والخمس وهي أسماء مجملة يجمع كل واحد منها أنواعا من المال.

فأما الصدقة. فزكاة أموال المسلمين من الذهب والورق والابل والبقر رالغنم والحب والثمر فهذه الأصناف الثمانية التي سماها الله تعالى لا حق لأحد من الناس فيها سواهم. وقال عمر رضي الله عنه هذه لهولاء وأما مال الفيء فما اجتبى من أموال أهل الذمة من جزية رؤوسهم التي بها حقنت دماؤهم وحرمت أموالهم صولحوا عليه من جزية ومنه خراج الأرضين التي افتتحت عنوة ثم أقرها الامام بأيدي أهل الذمة على قسط يؤدونه في كل عام ومنه وظيفة أرض الصلح التي منعها أهلها حتى صولحوا عنها على خراج مسمى. ومنه ما يأخذه العاشر من أموال أهل الذمة التي يمرون بها عليه في تجارتهم. ومنه ما يؤخذ من أهل الحرب إذا دخلوا الاسلام للتجارات فكل هذا من الفيء وهذا الذي يعم المسلين غنيهم وفقيرهم فيكون في أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الامام من أمور الناس بحسن النظر للاسلام وأهله.

وأما الخمس. فخمس غنانم أهل الحرب والركاز العادي وما كان من عرض أو معدن فهو الذي اختلف فيه اهل العلم. فقال بعضهم هو للاصناف الخمسة المسمين في الكتاب لما قال عمر رضي الله عنه وهذه لهؤلاء وقال بعضهم سبيل الخمس سبيل الفيء يكون حكمه إلى الامام إن رأى أن يجعله فيمن سمى الله جعله وان أن الأفضل للمسلمين والأوفر لحظهم أن يضعه في بيت مالهم لنائبة تنوبهم ومصلحة تعن لهم مثل سد ثغرواعداد سلاح وخيل وأرزاق أهلى الفيء من المقاتلين والقضاة وغيرهم ممن يجري مجراهم فعل.

وأما القطيعة. فلها معنيان أحدهما أن يعمد الإمام الجائز الأمر والطاعة إلى قطعة من الأرض يفرزها عما جماورها ويهبها ممن يرى ليعمرها وينتفع بها إما أن يجعلها منازل يسكنها ويسكنها من يشاء واما أن يجعلها مذدرعا ينتفع بما يحصل من غلتها ولا خراج عليه فيها وربما جعل على مزدرعها خراج وهذه حال قطائع المنصور ولده بعده ببغداد في محالها فمن ذلك قطيعة الربغ وقطيعة أم جعفر وقطيعة فلان وقد ذكرت في مواضعها من الكتاب. وأما القطيعة الأخرى فهي أن يقطع السلطان من يشاء من قواده وغيرهم القرى والنواحي ويقطع عليهم عنها شيئا معلوما يؤدونه في كل عام قل أو كثر توفر محصولها أو نزر لا مدخل للسلطان معه في اكثر من ذلك.

معجم البلدان - الجزء الأول
الباب الأول: في صفة الأرض وما فيها من الجبال والبحار وغير ذلك | الباب الثاني في ذكر الأقاليم السبعة واشتقاقها والاختلاف في كيفيتها | الباب الثالث: في تفسير الألفاظ التي يتكرر ذكرها في هذا الكتاب | الباب الرابع: في أقوال الفقهاء في أحكام أراضي الفيء والغنيمة وكيف قسمة ذلك | الباب الخامس: في جمل من أخبار البلدان | باب الهمزة والألف وما يليهما | باب الهمزة والباء وما يليهما | باب الهمزة والتاء وما يليهما | باب الهمزة والثاء المثلثه وما يليهما | باب الهمزة والحاء وما يليهما | باب الهمزة والخاء وما يليهما | باب الهمزة والدال وما يليهما | باب الهمزة والذال وما يليهما | باب الهمزة والراء وما يليهما | باب الهمزة والزاي وما يليهما | باب الهمزة والسين وما يليهما | باب الهمزة والشين وما يليهما | باب الهمزة والصاد وما يليهما | باب الهمزة والضاد وما يليهما | باب الهمزة والطاء المهملة وما يليهما | باب الهمزة والغين وما يليهما | باب الهمزة والكاف وما يليهما | باب الهمزة والميم وما يليهما | باب الهمزة والنون وما يليهما | باب الهمزة والهاء وما يليهما | باب الهمزة والياء وما يليهما