محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة السادسة والثمانون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتـاب الصلاة

صلاة العيدين

543 - مسألة : هما عيد الفطر من رمضان .

وهو : أول يوم من شوال ، ويوم الأضحى : وهو اليوم العاشر من ذي الحجة ، ليس للمسلمين عيد غيرهما ، إلا يوم الجمعة .

وثلاثة أيام بعد يوم الأضحى ؛ لأن الله تعالى لم يجعل لهم عيدا غير ما ذكرنا ، ولا رسوله .

ولا خلاف بين أهل الإسلام في ذلك ، ولا يحرم العمل ، ولا البيع في شيء من هذه الأيام : لأن الله تعالى لم يمنع من ذلك ، ولا رسوله ولا خلاف أيضا بين أهل الإسلام في هذا ؟

وسنة صلاة العيدين : أن يبرز أهل كل قرية أو مدينة إلى فضاء واسع بحضرة منازلهم ضحوة إثر ابيضاض الشمس ، وحين ابتداء جواز التطوع .

ويأتي الإمام فيتقدم بلا أذان ولا إقامة ، فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ، وفي كل ركعة " أم القرآن " وسورة ، وتستحب أن تكون السورة في الأولى " ق " .

وفي الثانية " اقتربت الساعة " أو " سبح اسم ربك الأعلى " . و " هل أتاك حديث الغاشية " .

وما قرأ من القرآن مع ( أم القرآن ) أجزأه .

ويكبر في الركعة الأولى إثر تكبيرة الإحرام : سبع تكبيرات متصلة قبل قراءة القرآن ( أم القرآن ) ويكبر في أول الثانية إثر تكبيرة القيام : خمس تكبيرات . يجهر بجميعهن قبل قراءته ( أم القرآن ) .

ولا يرفع - يديه في شيء منها إلا حيث يرفع في سائر الصلوات فقط .

ولا يكبر بعد القراءة إلا تكبيرة الركوع فقط .

فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة ، فإذا أتمهما افترق الناس .

فإن خطب قبل الصلاة فليست خطبة ، ولا يجب الإنصات له ، كل هذا لا خلاف فيه إلا في مواضع نذكرها إن شاء الله تعالى ؟

منها : ما يقرأ مع ( أم القرآن ) وفي صفة التكبير وأحدث بنو أمية : تأخير الخروج إلى العيد ، وتقديم الخطبة قبل الصلاة والأذان والإقامة فأما الذي يقرأ مع " أم القرآن " :

فإن أبا حنيفة قال : أكره أن يقتصر على سورة بعينها .

وشاهدنا المالكيين لا يقرءون مع " أم القرآن " " إلا " " والشمس وضحاها " ، و " سبح اسم ربك الأعلى " .

وهذان الاختياران : فاسدان ، وإن كانت الصلاة كذلك جائزة .

وإنما ننكر اختيار ذلك ، لأنهما خلاف ما صح عن رسول الله .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : { أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله في الفطر ، والأضحى ؟ فقال : كان يقرأ فيهما بق والقرآن المجيد و اقتربت الساعة } .

قال أبو محمد : عبيد الله أدرك أبا واقد الليثي وسمع منه ، واسمه الحارث بن عوف ، ولم يصح عن رسول الله شيء غير هذا ؟

وما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان ثنا وكيع ثنا مسعر بن كدام ، وسفيان هو الثوري كلاهما عن معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب { أنه عليه السلام كان يقرأ في العيد : سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية } .

واختيارنا هو اختيار الشافعي ، وأبي سليمان .

وقد روي عن أبي حنيفة أنه ذكر بعض ذلك ؟ ومنها التكبير .

فإن أبا حنيفة قال : يكبر للإحرام ثم يتعوذ ثم يكبر ثلاث تكبيرات يجهر بها ، ويرفع يديه مع كل تكبيرة ، ثم يقرأ ثم يركع ، فإذا قام بعد السجود إلى الركعة الثانية كبر للإحرام ثم قرأ ، فإذا أتم السورة مع ( أم القرآن ) كبر ثلاث تكبيرات جهرا ، يرفع مع كل تكبيرة يديه ، ثم يكبر للركوع .

وقال مالك : سبعا في الأولى بتكبيرة الإحرام ، وخمسا في الثانية سوى تكبيرة القيام واختلف في ذلك عن السلف رضي الله عنهم - : فروينا عن علي رضي الله عنه : أنه كان يكبر في الفطر ، والأضحى ، والاستسقاء سبعا في الأولى ، وخمسا في الآخرة ، ويصلي قبل الخطبة ، ويجهر بالقراءة .

وأن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان : كانوا يفعلون ذلك ، إلا أن في الطريق إبراهيم بن أبي يحيى ، وهو أيضا منقطع ، عن محمد بن علي بن الحسين : أن عليا ؟

وروينا من طريق مالك ، وأيوب السختياني كلاهما عن نافع قال : شهدت العيد مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبعا ، وفي الأخرى خمسا قبل القراءة .

وهذا سند كالشمس وروينا من طريق معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود بن يزيد قال : كان ابن مسعود جالسا وعنده حذيفة ، وأبو موسى الأشعري ، فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في الصلاة يوم الفطر ، والأضحى ؟ فقال ابن مسعود يكبر أربعا ثم يقرأ ، ثم يكبر فيركع ، ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا بعد القراءة ؟

ومن طريق شعبة عن خالد الحذاء ، وقتادة كلاهما عن عبد الله بن الحارث هو ابن نوفل قال : كبر ابن عباس يوم العيد في الركعة الأولى أربع تكبيرات ثم قرأ ثم ركع ، ثم قام فقرأ ثم كبر ثلاث تكبيرات سوى تكبيرة الصلاة وهذان إسنادان في غاية الصحة ، وبهذا تعلق أبو حنيفة .

قال أبو محمد : أين وجد لهؤلاء رضي الله عنهم أو لغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ما قاله من أن يتعوذ إثر الأولى ثم يكبر ثلاثا ، وأنه يرفع يديه معهن ؟ فبطل عن أن يكون له متعلق بصاحب .

وأطرف ذلك أمره برفع الأيدي في التكبير ، الذي لم يصح قط أن رسول الله رفع فيه يديه ، ونهيه عن رفع الأيدي في التكبير في الصلاة حيث صح أن رسول الله كان يرفع يديه وهكذا فليكن عكس الحقائق ، وخلاف السنن ؟

وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في التكبير في العيدين ؟ قال : يكبر تسعا أو إحدى عشرة ، أو ثلاث عشرة - وهذا سند في غاية الصحة ؟ وعن جابر بن عبد الله قال : التكبير في يوم العيد في الركعة الأولى أربعا ، وفي الآخرة ثلاثا ، والتكبير سبع سوى تكبير الصلاة إلا أن في الطريق إبراهيم بن يزيد وليس بشيء

قال أبو محمد : وفي هذا آثار عن رسول الله لا يصح شيء منها : منها - من طريق ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة { أن رسول الله كان يكبر في الفطر ، والأضحى ، في الأولى : سبع تكبيرات ، وفي الثانية : خمس تكبيرات } .

ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله أنه قال { التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة ، والقراءة بعدهما كلتاهما } .

وهذا كله لا يصح ، ومعاذ الله أن نحتج بما لا يصح كمن يحتج بابن لهيعة وعمرو بن شعيب إذا وافقا هواه ، كفعله في زكاة الإبل وغير ذلك ، ويرد روايتهما إذا خالفا هواه هذا فعل من لا دين له ، ولا يبالي بأن يضل في دين الله تعالى ويضل ومنها خبر من طريق زيد بن الحباب عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول أخبرني أبو عائشة جليس أبي هريرة أنه حضر سعيد بن العاص { سأل أبا موسى الأشعري ، وحذيفة بن اليمان كيف كان رسول الله يكبر في الأضحى ، والفطر ؟ فقال أبو موسى كان يكبر أربعا ، تكبيره على الجنائز ، قال حذيفة : صدق ، قال أبو موسى كذلك كنت أكبر بالبصرة حيث كنت عليهم } .

قال أبو محمد : عبد الرحمن بن ثوبان ضعيف وأبو عائشة مجهول ، لا يدرى من هو ولا يعرفه أحد ولا تصح رواية عنه لأحد ، ولو صح لما كان فيه للحنفيين حجة ، لأنه ليس فيه ما يقولون من أربع تكبيرات في الأولى بتكبيرة الإحرام ، وأربع في الثانية بتكبيرة الركوع ، ولا أن الأولى يكبر فيها قبل القراءة ، وفي الثانية بعد القراءة ، بل ظاهره أربع في كلتا الركعتين في الصلاة كلها ، كما في صلاة الجنازة .

وهذا قياس عليهم لا لهم ؛ لأن تكبير الجنازة أربع فقط .

وهم يقولون : بست في كلتا الركعتين دون تكبيرتي الإحرام والركوع والقيام ، أو بعشر تكبيرات إن عدوا فيها تكبيرة الإحرام ، والقيام ، والركوع ، وليس فيه رفع الأيدي كما زعموا ، فظهر تمويههم جملة ولله تعالى الحمد .

قال علي : وأما مالك فإنه جعل في الأولى سبعا بتكبيرة الإحرام ، وخمسا في الثانية دون تكبيرة القيام ، وهذا غير محفوظ عن أحد من السلف .

وإنما اخترنا ما اخترنا ، لأنه أكثر ما قيل ، والتكبير خير ، ولكل تكبيرة عشر حسنات ، فلا يحقرها إلا محروم ، ولو وجدنا من يقول : بأكثر لقلنا به ، لقول الله تعالى : { وافعلوا الخير } والتكبير خير بلا شك . واختيارنا هو اختيار الشافعي ، وأبي سليمان ومنها ما أحدث بنو أمية من تأخير الصلاة ، وإحداث الأذان والإقامة ، وتقديم الخطبة قبل الصلاة .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري عن أبي عاصم ، ويعقوب بن إبراهيم . قال أبو عاصم : أنا ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس . وقال يعقوب : ثنا أبو أسامة هو حماد بن أسامة ثنا عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر . ثم اتفق ابن عباس ، وابن عمر كلاهما يقول { إن رسول الله وأبا بكر ، وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة قال ابن عباس وعثمان } .

ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، كلهم يصلي ثم يخطب .

وبالسند المذكور إلى البخاري : ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني عطاء عن ابن عباس ، وجابر بن عبد الله قالا جميعا : لم يكن يؤذن يوم الفطر ، ولا يوم الأضحى ؟

قال علي : لا أذان ولا إقامة لغير الفريضة ، والأذان والإقامة فيهما الدعاء إلى الصلاة ، فلو أمر عليه السلام بذلك لصارت تلك الصلاة فريضة بدعائه إليها ؟

واعتلوا : بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم ولم يشهدوا الخطبة ، وذلك لأنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فكان المسلمون يفرون ، وحق لهم ، فكيف وليس الجلوس للخطبة واجبا ؟

حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا عبد الله بن أحمد الكرماني ثنا الفضل بن موسى السيناني عن ابن جريج عن عطاء هو ابن أبي رباح عن { عبد الله بن السائب قال شهدت مع رسول الله العيد فصلى ، ثم قال عليه السلام : قد قضينا الصلاة فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب } .

قال أبو محمد : إن قيل : إن محمد بن الصباح أرسله عن الفضل بن موسى ؟

قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟

المسند زائد علما لم يكن عند المرسل ، فكيف وخصومنا أكثرهم يقول : إن المرسل والمسند سواء ؟

وروينا من طريق ابن جريج عن عطاء ، قال : ليس حقا على الناس حضور الخطبة ، يعني في العيدين والآثار في هذا كثيرة جدا

544 - مسألة : ويصليهما ، العبد ، والحر ، والحاضر ، والمسافر ، والمنفرد ، والمرأة والنساء : وفي كل قرية ، صغرت أم كبرت ، كما ذكرنا .

إلا أن المنفرد لا يخطب وإن كان عليهم مشقة في البروز إلى المصلى صلوا جماعة في الجامع ؟

لأن رسول الله قد ذكرنا عنه في كلامنا في القصر في صلاة السفر وصلاة الجمعة أن صلاة العيد ركعتان ، فكان هذا عموما ، لا يجوز تخصيصه بغير نص ، وقال تعالى : { وافعلوا الخير } والصلاة خير : ولا نعلم في هذا خلافا ، إلا قول أبي حنيفة : إن صلاة العيدين لا تصلى إلا في مصر جامع ، ولا حجة لهم إلا شيئا رويناه من طريق علي : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع .

وقد قدمنا أنه لا حجة في أحد دون رسول الله .

فإن كان قول علي رضي الله عنه حجة في هذا فقد روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ثنا محمد بن النعمان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل : أن علي بن أبي طالب أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس أربع ركعات في المسجد يوم العيد ؟

فإن ضعفوا هذه الرواية ؟

قيل لهم : هي أقوى من التي تعلقتم بها عنه أو مثلها ، ولا فرق ، وكلهم مجمع على أن صلاة العيدين تصلى حيث تصلى الجمعة .

وقد ذكرنا حكم الجمعة ولا فرق بين صلاة العيدين وصلاتها في المواطن وقد روينا عن عمر ، وعثمان رضي الله عنهما : أنهما صليا العيد بالناس في المسجد لمطر وقع يوم العيد ، وكان رسول الله يبرز إلى المصلى لصلاة العيدين ، فهذا أفضل ، وغيره يجزئ ، لأنه فعل لا أمر وبالله تعالى التوفيق

545 - مسألة : ويخرج إلى المصلى : النساء حتى الأبكار ، والحيض وغير الحيض ، ويعتزل الحيض المصلى ، وأما الطواهر فيصلين مع الناس ، ومن لا جلباب لها فلتستعر جلبابا ولتخرج ، فإذا أتم الإمام الخطبة فنختار له أن يأتيهن يعظهن ويأمرهن بالصدقة ، وتستحب لهن الصدقة يومئذ بما تيسر .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو الرقي ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري ثنا أيوب السختياني عن { حفصة بنت سيرين قالت : كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد ، فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها ؟ فقالت عن رسول الله أنه قال : لتخرج العواتق ذوات الخدور أو قال : وذوات الخدور } شك أيوب { والحيض ، فيعتزل الحيض المصلى ، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين } .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام هو ابن حسان - عن حفصة بنت سيرين عن { أم عطية قالت أمرنا رسول الله أن نخرجهن في الفطر ، والأضحى : العواتق والحيض ، وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ، قلت : يا رسول الله ، إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها } .

وبالسند المذكور إلى البخاري : ثنا إسحاق هو ابن إبراهيم بن نصر ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول { قام النبي يوم الفطر فصلى ، فبدأ بالصلاة ، ثم خطب ، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن ، وهو يتوكأ على يد بلال وبلال باسط ثوبه ، تلقي فيه النساء صدقة } .

وقلت لعطاء : أترى حقا على الإمام ذلك ، يأتيهن ويذكرهن ؟ قال : إنه لحق عليهم ، وما لهم لا يفعلونه ؟

وبالسند المذكور إلى مسلم حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن { ابن عباس قال : شهدت صلاة الفطر مع النبي وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب ، فنزل نبي الله كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ، ثم أقبل يشقهم ، حتى جاء النساء ومعه بلال فقال { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } فتلا هذه الآية ، ثم قال : أنتن على ذلك ؟ فقالت امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها منهن : نعم يا نبي الله ، قال : فتصدقن ، فبسط بلال ثوبه ، ثم قال : هلم فدى لكن أبي وأمي ، فجعلن يلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال } .

فهذه آثار متواترة عنه من طريق جابر ، وابن عباس وغيرهما بأنه عليه السلام رأى حضور النساء المصلى ، وأمر به ، فلا وجه لقول غيره إذا خالفه ولا متعلق للمخالف إلا رواية عن ابن عمر أنه منعهن ، وقد جاء عن ابن عمر خلافها ، ولا يجوز أن يظن بابن عمر إلا أنه إذ منعهن لم يكن بلغه أمر رسول الله فإذا بلغه رجع إلى الحق كما فعل إذ سب ابنه أشد السب إذ سمعه يقول : نمنع النساء المساجد ليلا ؟ ولا حجة في أحد مع رسول الله ولو ادعى امرؤ الإجماع على صحة خروج النساء إلى العيدين ، وأنه لا يحل منعهن : لصدق ، لأننا لا نشك في أن كل من حضر ذلك من الصحابة رضي الله عنهم أو بلغه ممن لم يحضر : فقد سلم ورضي وأطاع ، والمانع من هذا مخالف للإجماع وللسنة

546 - مسألة : ونستحب السير إلى العيد على طريق والرجوع على آخر ، فإن لم يكن ذلك فلا حرج ، لأنه قد روي ذلك من فعل رسول الله وليست الرواية فيه بالقوية ؟

547 - مسألة : وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة : صلي للعيد ، ثم للجمعة ولا بد ، ولا يصح أثر بخلاف ذلك ؟

لأن في رواته : إسرائيل ، وعبد الحميد بن جعفر ، وليسا بالقويين ، ولا مؤنة على خصومنا من الاحتجاج بهما إذا وافق ما روياه تقليدهما ، وهنا خالفا روايتهما فأما رواية إسرائيل ، فإنه روى عن عثمان بن المغيرة { عن إياس بن أبي رملة : سمعت معاوية سأل زيد بن أرقم : أشهدت مع رسول الله عيدين ؟ قال : نعم صلى العيد أول النهار ، ثم رخص في الجمعة } .

وروى عبد الحميد بن جعفر : حدثني وهب بن كيسان قال " اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير ، فأخر الخروج حتى تعالى النهار ، ثم خرج فخطب فأطال ، ثم نزل فصلى ركعتين ، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة ، فقال ابن عباس : أصاب السنة " .

قال أبو محمد : الجمعة فرض والعيد تطوع ، والتطوع لا يسقط الفرض .

548 - مسألة : والتكبير ليلة عيد الفطر : فرض ، وهو في ليلة عيد الأضحى : حسن .

قال تعالى وقد ذكر صوم رمضان : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } .

فبإكمال عدة صوم رمضان وجب التكبير ، ويجزئ من ذلك تكبيرة . وأما ليلة الأضحى ويومه ، ويوم الفطر : فلم يأت به أمر ، لكن التكبير فعل خير وأجر

549 - مسألة : ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى ، فإن لم يفعل فلا حرج ، ما لم يرغب عن السنة في ذلك ، وإن أكل يوم الأضحى قبل غدوه إلى المصلى فلا بأس ، وإن لم يأكل حتى يأكل من أضحيته فحسن ، ولا يحل صيامها أصلا .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الرحيم أنا سعيد بن سليمان أخبرنا هشيم أنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس قال : { كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات }

قال أبو محمد : يلزم من أوجب ذلك أن يوجب : التمر ، دون غيره .

روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع قال : كان ابن عمر يغدو يوم الفطر من المسجد ، ولا أعلمه أكل شيئا .

وعن إبراهيم النخعي عن علقمة ، والأسود : أن ابن مسعود قال : لا تأكلوا قبل أن تخرجوا يوم الفطر إن شئتم ؟ وعن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال : إن شاء طعم يوم الفطر ، والأضحى ، وإن شاء لم يطعم ؟

550 - مسألة : والتنفل قبلهما في المصلى حسن ، فإن لم يفعل فلا حرج ، لأن التنفل فعل خير .

فإن قيل : قد صح أن رسول الله لم يصل قبلهما ، ولا بعدهما ؟ قلنا : نعم ؛ لأنه عليه السلام كان الإمام ، وكان مجيئه إلى التكبير لصلاة العيد بلا فصل ، ولم ينه عليه السلام قط لا بإيجاب ولا بكراهة عن التنفل في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها ، ولو كانت مكروهة لبينها عليه السلام .

وقد صح أن رسول الله لم يزد قط في ليلة على ثلاث عشرة ركعة ، أفتكرهون الزيادة أو تمنعون منها ؟

فمن قولهم : لا .

فيقال لهم : فرقوا ولا سبيل إلى فرق

وروينا عن قتادة : كان أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، والحسن ، وأخوه سعيد ، وجابر بن زيد يصلون قبل خروج الإمام وبعده : يعني في العيدين ؟

وعن معمر عن أيوب السختياني قال : رأيت أنس بن مالك والحسن يصليان قبل صلاة العيد .

وعن معتمر بن سليمان عن أبيه قال : رأيت أنس بن مالك ، والحسن ، وأخاه سعيدا ، وأبا الشعثاء جابر بن زيد : يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام .

وعن علي بن أبي طالب : أنه أتى المصلى فرأى الناس يصلون ، فقيل له في ذلك فقال : لا أكون الذي ينهى عبدا إذا صلى

551 - مسألة : والتكبير إثر كل صلاة ، وفي الأضحى ، وفي أيام التشريق ، ويوم عرفة - : حسن كله .

لأن التكبير فعل خير ، وليس ههنا أثر عن رسول الله بتخصيص الأيام المذكورة دون غيرها .

وروينا عن الزهري ، وأبي وائل ، وأبي يوسف ، ومحمد : استحباب التكبير غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق عند العصر .

وعن يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود وأصحاب ابن مسعود قال : كان ابن مسعود يكبر صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر يوم النحر .

قال عبد الرحمن في روايته : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، الحمد لله .

وعن علقمة مثل هذا ، وهو قول أبي حنيفة وعن ابن عمر : من يوم النحر إلى صلاة الصبح آخر أيام التشريق .

قال أبو محمد : من قاس ذلك على تكبير أيام منى فقد أخطأ ، لأنه قاس من ليس بحاج على الحاج ، ولم يختلفوا أنهم لا يقيسونهم عليهم في التلبية ، فيلزمهم مثل ذلك في التكبير .

ولا معنى لمن قال : إنما ذلك في الأيام المعلومات ، لقول الله تعالى { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } .

وقال : إن يوم النحر مجمع عليه أنه من المعلومات وما بعده مختلف فيه ؛ لأنه دعوى فاسدة ، وما حجر الله تعالى قط ذكره في شيء من الأيام ؟

ولا معنى لمن اقتصر بالمعلومات على يوم النحر ؛ لأن النص يمنع من ذلك ، بقوله تعالى : { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } وقد صح أن يوم عرفة ليس من أيام النحر ، وأن ما بعد يوم النحر هو من أيام النحر ، فبطل هذا القول وبالله تعالى التوفيق

552 - مسألة : ومن لم يخرج يوم الفطر ، ولا يوم الأضحى لصلاة العيدين : خرج لصلاتهما في اليوم الثاني ، وإن لم يخرج غدوة خرج ما لم تزل الشمس ، لأنه فعل خير .

وقال تعالى : { وافعلوا الخير }

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضي ثنا شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له من أصحاب النبي { أن ركبا جاءوا إلى رسول الله يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم } .

قال أبو محمد : هذا مسند صحيح ، وأبو عمير مقطوع على أنه لا يخفى عليه من أعمامه من صحت صحبته ممن لم تصح صحبته وإنما يكون هذا علة ممن يمكن أن يخفى عليه هذا ، والصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم ، لثناء الله تعالى عليهم .

وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي فلو لم يخرج في الثاني من الأضحى وخرج في الثالث فقد قال به أبو حنيفة ، وهو فعل خير لم يأت عنه نهي ؟

553 - مسألة : والغناء واللعب والزفن في أيام العيدين حسن في المسجد وغيره .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب وأنا عمرو هو ابن الحارث أن محمد بن عبد الرحمن هو يتيم عروة عن { عائشة قالت : دخلت على رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند رسول الله فأقبل عليه رسول الله فقال : دعها فلما غفل غمزتهما فخرجتا ، وكان يوم عيد ، يلعب السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت رسول الله وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم ، قال : فاذهبي } .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثني ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن شهاب حدثه عن عروة { عن عائشة : أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان ، ورسول الله مسجى بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف رسول الله عنه وقال : دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد } .

وبه إلى مسلم : ثنا زهير بن حرب ثنا جرير هو ابن عبد المجيد عن هشام هو ابن عروة عن أبيه { عن عائشة قالت : جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد ، فدعاني النبي فوضعت رأسي على منكبه ، فجعلت أنظر إلى لعبهم ، حتى كنت أنا التي انصرفت } .

وبه إلى مسلم : حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : { بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب ، فأهوى إليهم ليحصبهم بالحصباء ، فقال رسول الله دعهم يا عمر }

قال أبو محمد : أين يقع إنكار من أنكر من إنكار سيدي هذه الأمة بعد نبيها أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ؟

وقد أنكر عليه السلام عليهما إنكارهما ، فرجعا عن رأيهما إلى قوله عليه السلام

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)