محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الرابعة والأربعون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الصلاة

والترويح لمن آذاه الحر ؛ لقول الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فلو تروح عبثا بطلت صلاته ؟ . وروينا عن محمد بن المثنى عن محمد بن أبي عدي عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني قال : كان الحسن لا يرى بأسا بالترويح في الصلاة ؟ . وعن مجاهد : أنه كان يتروح في الصلاة ويمسح العرق ؟ . ومن ذلك إماطته عن كل ما يؤذيه ويشغله عن توفية صلاته حقها : لما ذكرنا ؟ ، وكذلك سقوط ثوب ، أو حك بدن ، أو قلع بثرة ، أو مس ريق ، أو وضع دواء ، أو رباط منحل : إذا كان كل ذلك يؤذيه فواجب عليه إصلاح شأنه ؛ ليتفرغ لصلاته ؟ . روينا عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : إذا رأى الإنسان في ثوبه دما وهو في الصلاة فانصرف يغسله ؟ أتم ، صلى ما بقي على ما مضى ما لم يتكلم ؟ . قال علي : وما لم ينحرف عن القبلة عامدا ؟ ، وروينا عن علي بن أبي طالب : أنه كان لا يتحرك في صلاته إلا أن يصلح ثوبا أو يحك جلدا . وأما من استرخى ثوبه حتى مس كعبه ففرض عليه أن يرفعه ؛ لئلا يصلي مسبلا عامدا فتبطل صلاته ؟ . وحت النخامة من حائط المسجد الذي في قبلته - : لما حدثناه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا قتيبة بن سعد ثنا الليث هو ابن سعد - عن نافع عن ابن عمر قال : { رأى النبي نخامة في قبلة المسجد وهو يصلي بين يدي الناس فحتها ثم قال حين انصرف : إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله تعالى قبل وجهه ، فلا يتنخمن أحدكم قبل وجهه في الصلاة } . وقتل الحية ، والعقرب ، والغراب ، والحدأة ، والكلب العقور ، والفأر ، والوزغ - صغارها وكبارها - : مباح في الصلاة ؟ ؛ لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : { اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية ، والعقرب } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو عوانة عن زيد بن جبير قال : { سأل رجل ابن عمر : ما يقتل المحرم من الدواب ؟ فقال ابن عمر : حدثتني إحدى نسوة النبي عليه السلام أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور ، والفأرة ، والعقرب ، والحديا والغراب ، والحية قال : وفي الصلاة أيضا ؟ } . قال علي : كل نساء النبي ثقات فواضل عند الله عز وجل مقدسات بيقين ، ولا يمكن ألبتة أن يغيب على ابن عمر علمهن ولا علم واحدة منهن . فإن تأذى بوزغة ، أو برغوث ، أو قمل ؟ فوجب عليه دفعهن عن نفسه . فإن كان في دفعه قتلهن دون تكلف عمل شاغل عن الصلاة فلا حرج في ذلك ؛ لأننا قد روينا عنه الأمر بقتل الوزغ من طريق أبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأم شريك . ولا يجوز له التفلي في الصلاة ، ولا أن يشتغل بربط برغوث ، أو قملة في ثوبه ؛ إذ لا ضرورة إلى ذلك ؛ ولا جاء النص بإباحته ، ولا طلب قتل من لم يؤمر بقتله فيها ؛ لقوله { إن في الصلاة لشغلا } ؟ . ومن خطر عليه مسكين فخشي فوته فله أن يناوله صدقة وهو يصلي ؟ ولو خشي على نعليه أو خفيه مطرا أو أذى أو سرقة فله أن يحصنهما ويزيلهما عن مكان الخوف ؛ لأن رسول الله نهى عن إضاعة المال ؟ . ولو كان بحضرته أو عنده شيء فطلبه صاحبه فليشر له إليه ، أو ليناوله إياه ؛ لأنها أمانة تؤدى إلى أهلها ، قال عز وجل : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ، وإنما هذا إذا خشي ضياع الشيء أو فوت صاحبه ؛ فإذا لم يخش ذلك فلا يفعل ؛ إلا حتى يتم الصلاة ؟ . ومن صف قدميه أو راوح بينهما فذلك جائز ؛ لأنه كله قيام ، ومن أن في صلاته ، فإن كان من شدة مرض غالب لا يقدر منه على أكثر ؛ فلا شيء عليه ؛ رحمه الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فإن تعمده لغير ضرورة بطلت صلاته ، لأنه لم يأت النص بإباحته ؟ . ومن صلى ، وفي فمه - : دينار ، أو درهم ، أو لؤلؤة ، أو في كمه - : حرير ، أو ذهب ، أو غير ذلك مما عليه حفظه - : فذلك جائز له . ودفع المار بين يدي المصلي وسترته ومقاتلته إن أبى - : حق واجب على المصلي ، فإن وافق ذلك موت المار دون تعمد من المصلي لقتله : فهو هدر ، ولا دية فيه ، ولا قود ، ولا كفارة ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة ثنا ابن هلال يعني حميدا - قال : قال لي { أبو صالح السمان : بينما أنا مع أبي سعيد الخدري يصلي يوم الجمعة إلى شيء يستره من الناس إذ جاء رجل شاب من بني أبي معيط أراد أن يجتاز بين يديه فدفع في نحره ، فنظر فلم يجد مساغا إلا بين يدي أبي سعيد ؛ فعاد فدفع في نحره أشد من الدفعة الأولى ، فمثل قائما فنال من أبي سعيد ؛ ثم زاحم الناس فخرج ، فدخل على مروان فشكا إليه ما لقي ، ودخل أبو سعيد على مروان فقال له مروان : ما لك ولابن أخيك ؟ جاء يشكوك فقال أبو سعيد : سمعت رسول الله يقول : إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره ؛ فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان } . فإن ذكروا قول مالك : بلغني أن رجلا جاء إلى عثمان بن عفان برجل كسر أنفه ، فقال : مر بين يدي في الصلاة ، وقد بلغني ما سمعت في المار بين يدي المصلي فقال له عثمان : فما صنعت أشد يا ابن أخي ضيعت الصلاة ، وكسرت أنفه . قال علي : هذا بلاغ لا يصح ؛ ولو صح لما كان إلا على المخالف ، لأنه ليس فيه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أقاد من كسر أنفه ، وحتى لو كان ذلك فيه لما كان في قول أحد حجة دون رسول الله وقد رأى مقاتلته وضربه أبو سعيد الخدري وغيره ؟ . وحمل المصلي صغيرا على عنقه [ أوالسجود به ] إذا دعت إلى حمله حاجة جائز ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن أبي عمر ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن عثمان بن أبي سليمان ، ومحمد بن عجلان سمعا عامر بن عبد الله بن الزبير يحدث عن عمرو بن سليم الزرقي عن { أبي قتادة الأنصاري قال : رأيت رسول الله يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي بنت زينب ابنة رسول الله على عاتقه ، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع من السجود أعادها } ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى ثنا محمد يعني ابن إسحاق - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة صاحب رسول الله قال : { بينما نحن ننتظر رسول الله في الظهر أو العصر ، وقد دعاه بلال للصلاة إذ خرج علينا وأمامة بنت أبي العاص - بنت ابنة رسول الله - على عاتقه فقام رسول الله في مصلاه ، فقمنا خلفه ، وهي في مكانها الذي هي فيه ، فكبر ؟ فكبرنا ، حتى إذا أراد رسول الله أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد ، حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها ؛ فما زال رسول الله يفعل ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته } . وبهذا يقول الشافعي ، وأبو سليمان ، وهذان الحديثان يثبتان كذب من خالفهما ، وادعى أنه كان في نافلة ، وكل ما فعله عليه السلام فهو غاية الخشوع ، وكل ما خالفه فهو الباطل ، وإن ظنه المخطئ خشوعا . وهذا الخبر بلا شك كان بعد قول رسول الله لابن مسعود { إن في الصلاة لشغلا } ؛ لأن هذا القول منه عليه السلام كان قبل بدر ، إثر مجيء ابن مسعود من بلاد الحبشة ؛ لم ترد زينب المدينة وابنتها إلا بعد بدر ، بالأخبار الثابتة في ذلك ؟ ، ومن ركب على ظهره صغير وهو يصلي فتوقف لذلك فحسن ؟ . ومن استراب بتطويل الإمام سجوده فليرفع رأسه ليستعلم : هل خفي عنه تكبير الإمام أو لا ؟ ؛ لأنه مأمور باتباع الإمام ؛ فإن رآه لم يرفع فليعد إلى السجود ؛ ولا شيء عليه ؛ لأنه فعل ما أمر به من مراعاة حال الإمام . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي ثنا يزيد بن هارون أنا جرير بن حازم ثنا محمد بن أبي يعقوب البصري عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : { خرج علينا رسول الله في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، فرفعت رأسي ، فإذا الصبي على ظهره عليه السلام وهو ساجد ؛ فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلاته قال أناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك ؟ فقال رسول الله كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته } . وتحريك من خشي المصلي نومه ، وإدارة من كان على اليسار إلى اليمين : مباح كل ذلك في الصلاة . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا محمد بن أبي فديك أنا الضحاك هو ابن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن { ابن عباس قال : بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث ، فقلت لها : إذا قام رسول الله فأيقظيني ؛ فقام رسول الله فقمت إلى جنبه الأيسر ، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن ، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني } وذكر باقي الحديث ؟ . ويدعو المصلي في صلاته في سجوده وقيامه وجلوسه بما أحب ، مما ليس معصية ، ويسمي في دعائه من أحب ، وقد { دعا رسول الله على : عصية ، ورعل ، وذكوان } . { ودعا للوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام ، يسميهم بأسمائهم } ، وما نهي عليه السلام قط عن هذا ، ولا نهى هو عنه . { وقال عليه السلام في السجود أخلصوا فيه الدعاء } أو نحو هذا . وقال : { ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه } ، وسنذكرها بأسانيدها إن شاء الله تعالى في صفة أعمال الصلاة ؟ . وكل منكر رآه المرء في الصلاة ففرض عليه إنكاره ، ولا تنقطع بذلك صلاته ؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق ، وفاعل الحق محسن ، ما لم يمنع من شيء منه نص أو إجماع . وقال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } . ومن جملة ذلك - : إطفاء النار المشتعلة ، وإنقاذ الصغير ، والمجنون ، والمقعد ، والنائم : من نار ، أو من حنش ، أو سبع ، أو إنسان عاد ؛ أو من سيل والمحاربة لمن أراد المصلي أو أراد مسلما بظلم ، وشد الأسير الكافر ، أو الظالم - إلا أن يمنع من شيء من ذلك نص أو إجماع ، ومن فرق بين شيء من ذلك فقد أخطأ ، وقال بلا برهان ؟ . وروينا من طريق البخاري : حدثنا آدم ثنا شعبة ثنا { الأزرق بن قيس قال : كنا بالأهواز نقاتل الحرورية ؛ فبينما أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي ولجام دابته في يده ؛ فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها قال شعبة وهو أبو برزة الأسلمي ؛ فجعل رجل من الخوارج يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ ؛ فلما انصرف الشيخ قال : إني سمعت قولكم ، وإني غزوت مع رسول الله ست غزوات أو سبع غزوات وشهدت تيسيره ، وإني كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي } . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر [ عن الزهري ] عن الأزرق بن قيس أن أبا برزة الأسلمي خاف على دابته الأسد فمشى إليها ، وهو في الصلاة . وبه إلى معمر عن قتادة : سأله رجل قال : تدخل الشاة بيتي وأنا أصلي فأطأطئ رأسي فآخذ القصبة فأضربها بها ؟ قال قتادة : لا بأس به ؟ . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا سليمان التيمي عن الحسن البصري في القملة يقتلها الرجل في الصلاة . قال علي : وكذلك من خاف على ماله أو سرقت نعله أو خفه أو غير ذلك فله أن يتبع السارق فينتزع منه متاعه ؟ . ولا يضر في كل ما ذكرنا ما اضطر من استدبار القبلة وكثرة العمل وقلته ؛ ما لم يتكلم ؛ فإن كان إماما أو مأموما فطمع بشيء من إدراك الصلاة بعد تمام حاجته ، أو بانتظار الناس له - : رجع ولا بد ؛ كما فعل رسول الله إذ { كبر ناسيا وهو جنب فذكر فاغتسل ورجع فأتم الصلاة } ، وكما فعل يوم ذي اليدين . فإن لم يرج بإدراك شيء من الصلاة ، أو أيقن أن الناس لا ينتظرونه [ أو كان قد ] أتم صلاته حين تمام حاجته في أول مكان تجوز له فيه الصلاة . ولا يحل له أن يخطو خطوة واحدة لغير رجوع إلى الصلاة ؛ أو لزوال عن مكان لا تجوز فيه الصلاة ؟ . فلو رجا بصلاة [ في جماعة أخرى أقرب منها فليدخل فيها ؛ فآخر صلاة ] صلاها أهل الإسلام مع رسول الله فبإمامين : بدأ أبو بكر وأتم رسول الله ومن رغب عن سنة رسول الله [ التي أجمع عليها جميع الصحابة رضي الله عنهم ، أولهم عن آخرهم ، معه عليه السلام ] وقلد رأي من يخطئ مرة ويصيب أخرى - : فما خير له في ذلك ، ونسأل الله العافية والتوفيق لما يرضيه . آمين . قال أبو محمد : وكل من فرق بين قليل العمل وكثيره فلا سبيل له إلى دليل على ذلك ، ولا بد له ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما : إما أن يحد في ذلك برأيه حدا فاسدا ليس هو أولى به من غيره بغير ذلك التحديد ، فيحصل على التحكم بالباطل ، وأن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله ، وإما أن لا يحد في ذلك حدا ، فيحصل على أقبح الحيرة في أهم أعمال دينه ، وعلى أن لا يدري ما تبطل به صلاته مما لا تبطل به ، وهذا هو الجهل المتعوذ بالله منه ؟ . ونسأله عن عمل عمل : أهذا مما أبيح في الصلاة ؟ أو مما لم يبح فيها ؟ ولا سبيل إلى وجه ثالث ؟ ، فإن قال : هو مما أبيح فيها - لزمه أن قليله وكثيره : مباح ، وهو قولنا فيما جاء البرهان بإباحته فيها ، وإن قال : هو مما لم يبح فيها - لزمه أن قليله وكثيره : غير مباح فيها ؛ وهو قولنا فيما لم يأت البرهان بإباحته فيها ؟ . فإن قالوا : أبيح قليله ولم يبح كثيره ؟ . قلنا : هذه دعوى كاذبة مفتقرة إلى دليل ، فهاتوا برهانكم على صحة هذه الدعوى أولا ، ثم على بيان حد القليل المباح من الكثير المحظور ؛ ولا سبيل إلى شيء من ذلك ؟ . قال علي : ومشي المصلي إلى فتح الباب للمستفتح حسن لا يضر الصلاة شيئا - : حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتتي القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا برد أبو العلاء هو ابن سنان - عن الزهري عن عروة قالت عائشة : { كان رسول الله يصلي ، فأستفتح الباب ، والباب في القبلة ، فيجيء فيفتح الباب ثم يعود في صلاته } . قال ابن أيمن : وحدثناه أبو بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل ثنا برد بن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : { كان رسول الله يصلي وعليه باب مغلق فجئت فاستفتحته فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه } . قال علي : ورواه يزيد بن زريع قال ثنا برد ثنا الزهري ، يذكره ؟ . قال علي : فالمشي لما ذكرنا مباح ، ولم يوقف عليه السلام على مشي من مشى ؟ . ومسح الحصى في الصلاة مرة واحدة جائز ونكرهه ، فإن زاد عامدا بطلت صلاته ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص أنه سمع أبا ذر يرويه عن رسول الله قال : { إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى } . وبه إلى أبي داود : ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام هو الدستوائي ، عن يحيى هو ابن كثير - عن أبي سلمة عن معيقيب أن النبي قال : { لا تمسح - يعني الحصى - وأنت تصلي ، فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة } . قال علي : فإن احتجوا بهذا في الفرق بين القليل والكثير ؟ . قلنا : هذا في مسح الحصى المنهي عنه جملة ، المستثنى منه الواحدة فقط ؛ فقولوا لنا : ماذا تقيسون على هذا الخبر ؟ الأعمال المباحة جملة بالنصوص ؟ أم الأعمال المنهي عنها جملة ؟ ولا بد من أحد الأمرين ؟ . فإن قالوا : بل الأعمال المباحة جملة ؟ . قلنا : القياس كله باطل ؛ ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل أول ذلك : أنه قياس المباح على المحظور ، وهذا باطل عند صاحب كل قياس ؛ لأنه قياس الشيء على ضده ، وإنما القياس عند القائلين به : قياس الشيء على نظيره جملة ، أو على نظيره في العلة التي هي علامة الحكم بزعمهم . وأيضا : فأنتم تبيحون الخطوتين والثلاث في الصلاة والضربة والضربتين ، وأخذ الماء بإناء من الجابية لمن عليه الحدث في الصلاة ، وهذا أكثر من المرة الواحدة ؛ فظهر بطلان قياسكم وتحرمون ما زاد على ما ذكرنا . ؟ واستقاء الماء من البئر لمن عليه الحدث في الصلاة ؛ فلاح أنكم لم تتعلقوا بقياس أصلا ؟ . فإن قالوا : بل قسنا الأعمال المنهي عنها على هذا الخبر ؟ . قلنا لهم : فأبيحوا إدخال الإبرة في خياطة الثوب مرة واحدة ؛ وقدح النار بالزند بضربة واحدة ؛ وأبيحوا لطمة واحدة للخادم ، ورد مرمى الحائك مرة واحدة ؛ وقد الأديم بضربة واحدة ؛ والتذكية بجرة واحدة - كل ذلك في الصلاة ؛ وهم لا يقولون بهذا ؛ فظهر فساد قولهم - ، وبالله تعالى التوفيق . قال علي : فإن ذكروا ما روينا من طريق يعقوب بن عتبة بن الأخنس عن أبي غطفان عن أبي هريرة أن رسول الله  : قال { التسبيح للرجال - يعني في الصلاة ، والتصفيق للنساء ، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعدها - يعني في الصلاة } . قال أبو داود : هذا الحديث وهم ؛ ولو صح لوجب ضمه إلى الأخبار الثابتة التي ذكرنا قبل ؛ من إشارة النبي في الصلاة بأن يرد السلام ، وإلى الخادم في أن تستأخر عنه ؛ وكل ما بالمرء إلى الإشارة به ، وإليه ضرورة ؛ فتخرج تلك الإشارات بالنصوص التي فيها ، وتبقى كل إشارة لم يأت بإباحتها نص على التحريم ، كالإشارة بالبيع وبالمساومة ، وبماذا عملت ؛ والاستخبار ؛ وغير ذلك ؛ فهذا هو العمل الذي لا يجوز غيره لو صح هذا الخبر - ، وهو قولنا ، ولله الحمد - ؛ لأن الإشارات أنواع مختلفة ؛ فما أبيح منها بالنص كان مباحا ، وما لم يبح منها بالنص كان محرما ؛ فكيف والحديث لا يصح ؟ ، وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)