كتاب الأم/كتاب الطهارة/باب ذكر الله عز وجل على غير وضوء
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر (أن رجلا مر على النبي ﷺ وهو يبول فسلم عليه الرجل فرد عليه النبي ﷺ فلما جاوزه ناداه النبي ﷺ فقال إنما حملني على الرد عليك خشية أن تذهب فتقول إني سلمت على النبي ﷺ فلم يرد علي فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلم علي فإنك إن تفعل لا أرد عليك) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال (مررت على النبي ﷺ وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ثم مسح يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد علي) أخبرنا إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار (أن النبي ﷺ ذهب إلى بئر جمل لحاجته ثم أقبل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى تمسح بجدار ثم رد عليه السلام).
[قال الشافعي]: والحديثان الأولان ثابتان، وبهما نأخذ وفيهما وفي الحديث بعدهما دلائل منه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى فإذا رده رسول الله ﷺ قبل التيمم وبعد التيمم في الحضر والتيمم لا يجزي المرء وهو صحيح في الوقت الذي لا يكون التيمم فيه طهارة للصلاة دل ذلك على أن ذكر الله عز وجل يجوز والمرء غير طاهر للصلاة.
قال: ويشبه - والله تعالى أعلم - أن تكون القراءة غير طاهر كذلك؛ لأنها من ذكر الله تعالى.
قال: ودليل على أنه ينبغي لمن مر على من يبول أو يتغوط أن يكف عن السلام عليه في حالته تلك ودليل على أن رد السلام في تلك الحال مباح؛ لأن النبي ﷺ رد في حالته تلك وعلى أن ترك الرد حتى يفارق تلك الحال ويتيمم مباح ثم يرد وليس ترك الرد معطلا لوجوبه ولكن تأخيره إلى التيمم.
قال: وترك رد السلام إلى التيمم يدل على أن الذكر بعد التيمم اختيارا على الذكر قبله وإن كانا مباحين لرد النبي ﷺ قبل التيمم وبعده.
قال: فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول لما تيمم النبي ﷺ رد السلام؛ لأنه قد جاز له قلنا بالتيمم للجنازة والعيدين إذا أراد الرجل ذلك وخاف فوتهما قلنا والجنازة والعيد صلاة والتيمم لا يجوز في المصر لصلاة فإن زعمت أنهما ذكر جاز العيد بغير تيمم كما جاز في السلام بغير تيمم.