كتاب الأم/كتاب الطهارة/باب تقديم الوضوء ومتابعته
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.
قال: وتوضأ رسول الله ﷺ كما أمره الله عز وجل وبدأ بما بدأ الله تعالى به قال فأشبه - والله تعالى أعلم - أن يكون على المتوضئ في الوضوء شيئان أن يبدأ بما بدأ الله ثم رسوله عليه الصلاة والسلام به منه ويأتي على إكمال ما أمر به فمن بدأ بيده قبل وجهه أو رأسه قبل يديه أو رجليه قبل رأسه كان عليه عندي أن يعيد حتى يغسل كلا في موضعه بعد الذي قبله وقبل الذي بعده لا يجزيه عندي غير ذلك وإن صلى أعاد الصلاة بعد أن يعيد الوضوء ومسح الرأس وغيره في هذا سواء.
فإذا نسي مسح رأسه حتى غسل رجليه عاد فمسح رأسه ثم غسل رجليه بعده وإنما قلت يعيد كما قلت وقال غيري في قول الله عز وجل: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} فبدأ رسول الله ﷺ بالصفا وقال نبدأ بما بدأ الله به ولم أعلم خلافا أنه لو بدأ بالمروة ألغى طوافا حتى يكون بدؤه بالصفا وكما قلنا في الجمار إن بدأ بالآخرة قبل الأولى أعاد حتى تكون بعدها وإن بدأ بالطواف بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت أعاد فكان الوضوء في هذا المعنى أوكد من بعضه عندي والله أعلم.
[قال]: وذكر الله عز وجل اليدين والرجلين معا فأحب أن يبدأ باليمنى قبل اليسرى وإن بدأ باليسرى قبل اليمنى فقد أساء ولا إعادة عليه وأحب أن يتابع الوضوء ولا يفرقه؛ لأن رسول الله ﷺ جاء به متتابعا؛ ولأن المسلمين جاءوا بالطواف ورمي الجمار وما أشبههما من الأعمال متتابعة، ولا حد للتتابع إلا ما يعلمه الناس من أن يأخذ الرجل فيه ثم لا يكون قاطعا له حتى يكمله إلا من عذر والعذر أن يفزع في موضعه الذي توضأ فيه من سيل أو هدم أو حريق أو غيره فيتحول إلى غيره فيمضي فيه على وضوئه أو يقل به الماء فيأخذ الماء ثم يمضي على وضوئه في الوجهين جميعا وإن جف وضوءه - كما يعرض له في الصلاة الرعاف وغيره - فيخرج ثم يبني وكما يقطع به الطواف لصلاة أو رعاف أو انتقاض وضوء فينصرف ثم يبني [قال الربيع]: ثم رجع الشافعي عن هذا بعد وقال عليه أن يبتدئ الصلاة إذا خرج من رعاف. و[قال الشافعي]: إنه إذا انصرف من رعاف أو غيره قبل أن يتم صلاته أنه يبتدئ الصلاة [قال الربيع]: رجع الشافعي عن هذه المسألة وقال إذا حول وجهه عن تمام الصلاة عامدا أعاد الصلاة إذا خرج من رعاف وغيره.
[قال الشافعي]: وإن تحول من موضع قد وضأ بعض أعضائه فيه إلى موضع غيره لنظافته أو لسعته أو ما أشبه ذلك مضى على وضوء ما بقي منه وكذلك لو تحول لاختياره لا لضرورة كانت به في موضعه الذي كان فيه وإن قطع الوضوء فيه فذهب لحاجة أو أخذ في غير عمل الوضوء حتى تطاول ذلك به جف الوضوء أو لم يجف فأحب إلي لو استأنف وضوءا ولا يبين لي أن يكون عليه استئناف وضوء وإن طال تركه له ما لم يحدث بين ظهراني وضوئه فينتقض ما مضى من وضوئه؛ ولأني لا أجد في متابعته الوضوء ما أجد في تقديم بعضه على بعض وأصل مذهبنا أنه يأتي بالغسل كيف شاء ولو قطعه؛ لأن الله عز وجل قال {حتى تغتسلوا} فهذا مغتسل وإن قطع الغسل ولا أحسبه يجوز إذا قطع الوضوء إلا مثل هذا.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي لجنازة فدخل المسجد ليصلي عليها فمسح على خفيه ثم صلى عليها.
قال: وهذا غير متابعة للوضوء ولعله قد جف وضوءه وقد يجف فيما أقل مما بين السوق والمسجد وأجده حين ترك موضع وضوئه وصار إلى المسجد آخذا في عمل غير الوضوء وقاطعا له.
قال: وفي مذهب كثير من أهل العلم أن الرجل إذا رمى الجمرة الأولى ثم الآخرة ثم الوسطى أعاد الوسطى والآخرة حتى يكونا في موضعهما ولم يعد الأولى وهو دليل في قولهم على أن تقطيع الوضوء لا يمنعه أن يجزي عنه كما قطع الذي رمى الجمرة الأولى رميها إلى الآخرة فلم يمنعه أن تجزي عنه الوسطى.