كتاب الأم/كتاب الصلاة/باب من لا يحسن القراءة وأقل فرض الصلاة والتكبير في الخفض والرفع
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن مالك أنه سمع النبي ﷺ يقول: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله تعالى، ثم ليكبر فإن كان معه شيء من القرآن قرأ به وإن لم يكن معه شيء من القرآن فليحمد الله وليكبر، ثم ليركع حتى يطمئن راكعا، ثم ليرفع فليقم حتى يطمئن قائما، ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا، ثم ليرفع رأسه فليجلس حتى يطمئن جالسا فمن نقص من هذا فإنما ينقص من صلاته) أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني محمد بن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع قال (جاء رجل يصلي في المسجد قريبا من رسول الله ﷺ ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ: أعد صلاتك فإنك لم تصل، فعاد فصلى كنحو مما صلى فقال النبي ﷺ أعد صلاتك فإنك لم تصل فقال علمني يا رسول الله كيف أصلي؟ قال: إذا توجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وما شاء الله أن تقرأ فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن ركوعك وامدد ظهرك فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها فإذا سجدت فمكن سجودك فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن).
[قال الشافعي]: وبهذا كله نأخذ فأمر من لم يحسن يقرأ أن يذكر الله تعالى فيحمده ويكبره ولا يجزيه إذا لم يحسن يقرأ إلا ذكر الله عز وجل وفي هذا دليل على أنه إنما خوطب بالقراءة من يحسنها وكذلك خوطب بالفرائض من يطيقها ويعقلها وإذ لم يحسن أم القرآن وأحسن غيرها لم يجزه أن يصلي بلا قراءة وأجزأه في غيرها بقدر أم القرآن لا يجزيه أقل من سبع آيات، وأحب إلي أن يزيد إن أحسن، وأقل ما أحب أن يزيد آية حتى تكون قدر أم القرآن وآية ولا يبين لي إن اقتصر على أم القرآن إن أحسنها، أو غيرها وقدرها إن لم يحسنها أن عليه إعادة فإن لم يحسن سبع آيات وأحسن أقل منهن لم يجزه إلا أن يقرأ بما أحسن كله إذا كان سبع آيات، أو أقل فإن قرأ بأقل منه أعاد الركعة التي لم يكمل فيها سبع آيات إذا أحسنهن وسواء كان الآي طوالا، أو قصارا لا يجزيه إلا بعدد آي أم القرآن وسواء كن في سورة واحدة، أو سور متفرقة لا يجزيه حتى يأتي بسبع آيات إذا أحسن سبعا، أو ثمانيا وكان أقل ما عليه أن يأتي بسبع آيات وإن لم يحسن سبعا ذكر الله عز وجل مع ما أحسن ولا يجزيه إلا أن يذكر الله العظيم فإذا جاء بشيء من ذكر الله تعالى أجزأه مع ما يحسن وإنما قلت هذا أن رسول الله ﷺ إذ جعل عليه أن يذكر الله حين لا يحسن أم القرآن وإن لم يأمره بصلاة بلا ذكر عقلت أنه إذا أحسن أم القرآن الذي هو سنة الصلاة كان عليه أوجب من الذكر غيره إن لم يحسن الرجل أم القرآن لم يجز أن يؤم من يحسن أم القرآن فإن أمه لم تجز للمأموم صلاته وأجزأت الإمام فإذا أحسن أم القرآن ولم يحسن غيرها لم أحب أن يؤم من يحسنها وأكثر منها وإن فعل فلا يبين لي أن يعيد من صلى خلفه؛ لأنها إن انتهى إليها فلا يبين لي أن يعيد من لم يزد عليها ولا أحب إلا أن يزاد معها آية، أو أكثر ويجوز أن يؤم من لا يحسن أم القرآن ولا شيئا من القرآن من لا يحسن ولا يجوز أن يؤم من لا يحسن أحدا يحسن شيئا من القرآن ومن أحسن شيئا من القرآن فهو أولى بأن يؤم ممن لا يحسن ومن أحسن أقل من سبع آيات فأم، أو صلى منفردا ردد بعض الآي حتى يقرأ به سبع آيات، أو ثمان آيات وإن لم يفعل لم أر عليه إعادة ولا يجزيه في كل ركعة إلا قراءة ما أحسن مما بينه وبين أن يكمل سبع آيات، أو ثمان آيات من أحسنهن.
[قال الشافعي]: وفي حديث رفاعة بن مالك عن النبي ﷺ دليل على أن رسول الله ﷺ علمه الفرض عليه في الصلاة دون الاختيار فعلمه الوضوء وتكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولم يذكر أنه علمه القول بعد تكبيرة الافتتاح قبل القراءة ولا التكبير في الخفض والرفع وقول سمع الله لمن حمده ولا رفع اليدين في الصلاة ولا التسبيح في الركوع والسجود وقد علمه القراءة فإن لم يحسن فالذكر وعلمه الركوع والسجود والاعتدال من الركوع والسجود والجلوس في الصلاة والقراءة فلهذا قلنا: من ترك افتتاح الصلاة بعد تكبيرة الافتتاح والتكبير في الخفض والرفع ورفع اليدين في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويجلس جلسة لم يأمره بها في الصلاة فقد ترك الاختيار وليست عليه إعادة صلاته وعلم رجلا في حديث ابن عجلان قراءة أم القرآن وقال ما شاء الله فجعل ذلك إلى القارئ فاحتمل أن يكون قراءة أم القرآن في الصلاة فرضا مع ما جاء فيها غير هذا مما يشبه أن يكون يدل على أنها تجزئ عن غيرها ولا يجزئ غيرها عنها وإن تركها وهو يحسن لم تجزه الصلاة وإن ترك غيرها كرهته له ولا يبين لي أن عليه إعادة الصلاة وهو قد يحتمل أن يكون الفرض على من أحسن القراءة قراءة أم القرآن وآية، أو أكثر؛ لأن أقل ما ينبغي أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية لقول النبي ﷺ (وما شاء الله معها) فلا أحب لأحد أن يدع أن يقرأ مع أم القرآن في ركعة آية وإن تركها كرهته له، ولا يبين لي أن عليه إعادة لما وصفت وإن حديث عبادة وأبي هريرة يدلان على فرض أم القرآن ولا دلالة له فيهما ولا في واحد منهما على فرض غيرها معها.
[قال الشافعي]: والعمد في ترك أم القرآن والخطأ سواء في أن لا تجزئ ركعة إلا بها، أو بشيء معها إلا ما يذكر من المأموم إن شاء الله تعالى ومن لا يحسن يقرؤها؛ ولهذا قلنا: إن من لم يحسن يقرأ أجزأته الصلاة بلا قراءة وبأن الفرض على من علمه ولم يذكر النبي ﷺ الجلوس للتشهد إنما ذكر الجلوس من السجود فأوجبنا التشهد والصلاة على النبي ﷺ على من أحسنه بغير هذا الحديث، فأقل ما على المرء في صلاته ما وصفنا، وأكمله ما نحن فيه ذاكرون إن شاء الله تعالى.