كتاب الأم/قسم الفيء/كيف تفريق القسم
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وكل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب من شيء قل، أو كثر من دار، أو أرض وغير ذلك من المال، أو سبي قسم كله إلا الرجال البالغين فالإمام فيهم بالخيار بين أن يمن على من رأى منهم، أو يقتل، أو يفادي أو يسبي، وإن من، أو قتل فذلك له، وإن سبى، أو فادى فسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى سبيل ما سواه من الغنيمة قال: وذلك إذا أخذ منهم شيئا على إطلاقهم فأما أن يكون أسير من المسلمين فيفاديه بأسيرين، أو أكثر فذلك له، ولا شيء للمسلمين على من فادى من المسلمين بأسارى المشركين، وإذا جاز له أن يمن عليهم فلا يعود على المسلمين منه منفعة يقبضونها كان أن يستخرج أسيرا من المسلمين أنفع وأولى أن يجوز، أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين (أن النبي ﷺ فادى رجلا برجلين).
[قال الشافعي]: وفي الرجل يأسره الرجل فيسترق، أو تؤخذ منه الفدية قولان أحدهما ما أخذ منه كالمال يغنم وأنه إن استرق فهو كالذرية، وذلك يخمس وأربعة أخماسه بين جماعة من حضر فلا يكون ذلك لمن أسره، وهذا قول صحيح لا أعلم خبرا ثابتا يخالفه، وقد قيل الرجل مخالف للسبي والمال؛ لأن عليه القتل فهو لمن أخذه وما أخذ منه فلمن أخذه كما يكون سلبه لمن قتله؛ لأن أخذه أشد من قتله، وهذا مذهب والله أعلم، فينبغي للإمام أن يعزل خمس ما حصل بعدما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه ويحسب من حضر القتال من الرجال المسلمين البالغين ويعرف من حضر من أهل الذمة وغير البالغين من المسلمين ومن النساء فينفلهم شيئا فمن رأى أن ينفلهم من الأربعة الأخماس لهم نفلهم وسيذكر هذا في موضعه إن شاء الله.
ثم يعرف عدد الفرسان والرجالة من بالغي المسلمين الذين حضروا القتال فيضرب للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما فيسوي بين الراجل والراجل فيعطيان سهما سهما ويفضل ذو الفرس، فإن الله عز وجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} الآية، فأطاع في الرباط وكانت عليه مؤنة في اتخاذه وله غناء بشهوده عليه ليس الراجل شبيها به أخبرنا الثقة عن إسحاق الأزرق عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر (أن النبي ﷺ ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم) فزعم بعض الناس أنه لا يعطى فرس إلا سهما وفارس سهما، ولا يفضل فرس على مسلم فقلت لبعض من يذهب مذهبه: هو كلام عربي، وإنما يعطي الفارس بسبب القوة والغناء مع السنة والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه، ولا يقال لا يفضل فرس على مسلم والفرس بهيمة لا يقاس بمسلم، ولو كان هذا كما قال صاحبك لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم، وفي قوله وجهان أحدهما خلاف السنة والآخر قياسه الفرس بالمسلم، وهو لو كان قياسا له دخل عليه أن يكون قد سوى فرسا بمسلم وقال: بعض أصحابه بقولنا في سهمان الخيل وقال: هذه السنة التي لا ينبغي خلافها.
[قال الشافعي]: وأحب الأقاويل إلي وأكثر قول أصحابنا أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية ولأنها قد تغني غناءها في كثير من المواطن واسم الخيل جامع لها، وقد قيل: يفضل العربي على الهجين، وإذا حضر الرجل بفرسين، أو أكثر لم يسهم إلا لفرس واحد، ولو جاز أن يسهم لاثنين جاز أن يسهم لأكثر، وهو لا يلفى أبدا إلا على واحد، ولو تحول عنه كان تاركا له آخذه لمثله.
[قال الشافعي]: وليس فيما قلت من أن لا يسهم إلا لفرس واحد، ولا خلافه خبر يثبت مثله والله تعالى أعلم، وفيه أحاديث منقطعة أشبهها أن يكون ثابتا أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وسهما في ذي القربى.
[قال الشافعي]: يعني والله تعالى أعلم بسهم ذي القربى سهم صفية أمه، وقد شك سفيان أحفظه عن هشام عن يحيى سماعا، ولم يشك سفيان أنه من حديث هشام عن يحيى هو، ولا غيره ممن حفظه عن هشام.
[قال الشافعي]: وحديث مكحول عن النبي ﷺ مرسل (أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأعطاه النبي ﷺ خمسة أسهم سهما له وأربعة أسهم لفرسه)، ولو كان كما حدث مكحول أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأخذ خمسة أسهم كان ولده أعرف بحديثه وأحرص على ما فيه زيادة من غيرهم إن شاء الله تعالى.
[قال الشافعي]: ولا يسهم لراكب دابة غير الفرس لا بغل، ولا حمار، ولا بعير، ولا فيل، ولا غيره وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل فلا يدخل إلا شديدا، ولا يدخل حطما، ولا قحما ضعيفا، ولا ضرعا، ولا أعجف رازحا فإن غفل فشهد رجل على واحد من هذه، فقد قيل: لا يسهم له؛ لأنه ليس لواحد منها غناء الخيل التي أسهم لها رسول الله ﷺ ولم نعلمه أسهم لأحد فيما مضى على مثل هذه الدواب.
[قال الشافعي]: ولو قال: رجل أسهم للفرس كما أسهم للرجل، ولم يقاتل كانت شبهة ولكن في الحاضر غير المقاتل العون بالرأي والدعاء وإن الجيش قد ينصرون بأضعفهم وأنه قد لا يقاتل، ثم يقاتل، وفيهم مرضى فأعطي سهمه سنة وليست في فرس ضرع، ولا قحم، ولا واحد مما وصفنا من هذه المعاني.
[قال الشافعي]: وإنما أسهم للفارس بسهم فارس إذا حضر شيئا من الحرب فارسا قبل أن تنقطع الحرب فأما إن كان فارسا إذا دخل بلاد العدو وكان فارسا بعد انقطاع الحرب وقبل جمع الغنيمة فلا يسهم له بسهم فارس قال: وقال: بعض الناس إذا دخل بلاد العدو فارسا، ثم مات فرسه أسهم له سهم فارس، وإن أفاد فرسا ببلاد العدو قبل القتال فحضر عليه لم يسهم له.
[قال الشافعي]: فقيل له: ولم أسهمت له إذا دخل أدنى بلاد العدو فارسا، وإن لم يحضر القتال فارسا؟ قال: لأنه قد يثبت في الديوان فارسا قيل: فقد يثبت هو في الديوان فإن مات فلا يسهم له إلا أن يموت بعدما تحرز الغنيمة قيل: فقد أثبت هو وفرسه في الديوان فزعمت أن الموت قبل إحراز الغنيمة، وإن حضر القتال يقطع حظه في الغنيمة، وإن موت فرسه قبل حضور القتال لا يقطع حظه قبل فعله، وقد أوفى أدنى بلاد العدو قيل: فذلك كله يلزمك في نفسه ويلزمك في الفرس أرأيت الخراساني، أو اليماني يقود الفرس للروم حتى إذا لم يكن بينه وبين أدنى بلاد العدو إلا ميل فمات فرسه أيسهم لفرسه؟ قال: لا قيل فهذا قد تكلف من المؤنة أكثر مما يتكلف رجل من أهل الثغور ابتاع فرسا، ثم غزا عليه فأمسى بأدنى بلاد العدو، ثم مات فرسه فزعمت أنك تسهم له، ولو كنت بالمؤنة التي لزمته في الفرس تسهم له كان هذا أولى أن تحرمه من الذي تكلف أكثر مما تكلف فحرمته.
[قال الشافعي]: ولو حاصر قوم مدينة فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة، أو غزا قوم في البحر فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة لا ينتفعون بالخيل في واحد من المعنيين أعطي الفارس سهم الفارس لم ينقص منه.
[قال الشافعي]: ولو دخل رجل يريد الجهاد فلم يجاهد أسهم له، ولو دخل أجير يريد الجهاد، فقد قيل: يسهم له وقيل يخير بين أن يسهم له ويطرح الإجارة، أو الإجارة، ولا يسهم له، وقد قيل: يرضخ له.
[قال الشافعي]: ولو انفلت أسير في أيدي العدو قبل أن تحرز الغنيمة، فقد قيل: لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل فأرى أن يسهم له، وقد قيل: يسهم له ما لم تحرز الغنيمة، ولو دخل قوم تجار فقاتلوا لم أر بأسا أن يسهم لهم، وقد قيل: لا يسهم لهم.
[قال الشافعي]: فأما الذمي غير البالغ والمرأة يقاتلون فلا يسهم لهم ويرضخ لهم وكان أحب إلي في الذمي لو استؤجر بشيء من غير الغنيمة، أو المولود في بلاد الحرب يرضخ له ويرضخ لمن قاتل أكثر مما يرضخ لمن لم يقاتل وليس ذلك عندي حد معروف يعطون من الخرثي والشيء المتفرق مما يغنم، ولو قال قائل يرضخ لهم من جميع المال كان مذهبا وأحب إلي أن يرضخ لهم من الأربعة الأسهم؛ لأنهم حضروا القتال والسنة بالرضخ لهم بحضورهم كما كانت بالإسهام لغيرهم بحضورهم.
[قال الشافعي]: فإن جاء مدد للمسلمين بلاد الحرب قبل أن تنقطع الحرب فحضروا من الحرب شيئا قل، أو كثر شركوا في الغنيمة، وإن لم يأتوا حتى تنقطع الحرب، ولا يكون عند الغنيمة مانع لها لم يشركوهم، ولو جاءوا بعدما أحرزت الغنيمة، ثم كان قتال بعدها فإن غنموا شيئا حضروه شركوا فيه، ولا يشركون فيما أحرز قبل حضورهم، ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين، ولم تغنم الأخرى، أو بعث سرية من عسكر، أو خرجت هي فغنمت في بلاد العدو، ولم يغنم العسكر، أو غنم العسكر، ولم تغنم السرية شرك كل واحد من الفريقين صاحبه؛ لأنه جيش واحد كلهم رد، لصاحبه قد مضت خيل المسلمين فغنمت بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العسكر: حنين فشركوهم وهم مع رسول الله ﷺ.
[قال الشافعي]: ولو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركهم المقيمون، وإن كان منهم قريبا؛ لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم، ولا يشركهم أهل المدينة، ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وأمر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدو غنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون فإن اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد ويرفعون الخمس إلى الإمام وليس واحد من القائدين بأحق بولاية الخمس إلى أن يوصله إلى الإمام من الآخر وهما فيه شريكان.
[قال الشافعي]: ولو غزت جماعة باغية مع جماعة أهل عدل شركوهم في الغنيمة ولأهل العدل بطاعة الإمام أن يلوا الخمس دونهم حتى يوصلوه إلى الإمام.