كتاب الأم/قسم الفيء/باب تقويم الناس في الديوان على منازلهم
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} الآية. وروي عن الزهري أن (النبي ﷺ عرف عام حنين على كل عشرة عريفا).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: (وجعل النبي ﷺ للمهاجرين شعارا وللأوس شعارا وللخزرج شعارا وعقد النبي ﷺ الألوية عام الفتح فعقد للقبائل قبيلة قبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله) وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك؛ لأن في تفريقهم إذا أريد والأمر مؤنة عليهم وعلى واليهم وهكذا أحب للوالي أن يضع ديوانه على القبائل ويستظهر على من غاب عنه ومن جهل ممن يحضره من أهل الفضل من قبائلهم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه أجمع على تدوين الديوان فاستشار فقال بمن ترون أبدأ؟ فقال له رجل: ابدأ بالأقرب فالأقرب بك قال: ذكرتموني بل أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله ﷺ فبدأ ببني هاشم. أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ؟ قيل له ابدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله ﷺ أخبرنا غير واحد من أهل العلم والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وغيرهم وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من بعض، وقد زاد بعضهم على بعض في الحديث أن عمر لما دون الديوان قال أبدأ ببني هاشم ثم قال حضرت رسول الله ﷺ يعطيهم وبني المطلب. فإذا كانت السن في الهاشمي قدمه على المطلبي، وإذا كانت في المطلبي قدمه على الهاشمي فوضع الديوان على ذلك وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة ثم استوت له بنو عبد شمس ونوفل في جذم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي ﷺ لأبيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا بني نوفل يتلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي ﷺ وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم وهم من حلف الفضول، وفيهم كان النبي ﷺ وقد قيل ذكر سابقة فقدمهم على بني عبد الدار ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم ثم انفردت له زهرة فدعاها تتلو عبد الدار ثم استوت له بنو تيم ومخزوم فقال في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين، وفيهما كان النبي ﷺ وقيل: ذكر سابقة وقيل: ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوما يتلونهم ثم استوت له سهم وجمح وعدي بن كعب فقيل له: ابدأ بعدي فقال: بل أقر نفسي حيث كنت، فإن الإسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد، ولكن انظروا بني سهم وجمح فقيل: قدم بني جمح ثم دعا بني سهم فقال وكان ديوان عدي وسهم مختلطا كالدعوة الواحدة فلما خلصت إليه دعوته كبر تكبيرة عالية ثم قال الحمد لله الذي أوصل إلي حظي من رسول الله ﷺ. ثم دعا بني عامر بن لؤي فقال بعضهم: إن أبا عبيدة بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال: أكل هؤلاء تدعو أمامي؟ فقال يا أبا عبيدة اصبر كما صبرت أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا قال فقدم معاوية بعد بني الحارث بن فهر ففصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح للسابقة فيهم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا فرغ من قريش قدمت الأنصار على قبائل العرب كلها لمكانهم من الإسلام.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: الناس عباد الله فأولاهم أن يكون مقدما أقربهم بخيرة الله لرسالته ومستودع أمانته وخاتم النبيين وخير خلق رب العالمين محمد عليه الصلاة والسلام.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن فرض له الوالي من قبائل العرب رأيت أن يقدم الأقرب فالأقرب منهم برسول الله ﷺ في النسب، فإذا استووا قدم أهل السابقة على غير أهل السابقة ممن هم مثلهم في القرابة.