إظهار الحق/المسلك الخامس: وقت ظهوره
(المسلك الخامس) أنه ظهر في وقت كان الناس محتاجين إلى من يهديهم إلى الطريق المستقيم، ويدعوهم إلى الدين القويم لأن العرب كانوا على عبادة الأوثان، ووأد البنات. والفرس على اعتقاد الإلهين ووطء الأمهات والبنات. والترك على تخريب البلاد وتعذيب العباد. والهند على عبادة البقر، والسجود للشجر والحجر. واليهود على الجحود ودين التشبيه، وترويج الأكاذيب المفتريات. والنصارى على القول بالتثليث، وعبادة الصليب وصور القديسين والقديسات. وهكذا سائر الفرق في أودية الضلال والانحراف عن الحق والاشتغال بالمحال، ولا يليق بحكمة الله الملك المبين أن لا يرسل في هذا الوقت أحداً يكون رحمة للعالمين، وما ظهر أحد يصلح لهذا الشأن العظيم ويؤسس هذا البنيان القويم غير محمد بن عبد الله ﷺ. فأزال الرسوم الزائغة والمقالات الفاسدة، وأشرقت شموس التوحيد وأقمار التنزيه، وزالت ظلمة الشرك والوثنية والتثليث والتشبيه، عليه من الصلاة أفضلها ومن التحيات أكملها، وإليه أشار الله تعالى بقوله: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير}. قال الفخر الرازي قدس سره في تفسير هذه الآية: (الفائدة في بعثة محمد ﷺ عند فترة من الرسل هي أن التغير والتحريف قد تطرق إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها، وبسبب ذلك اختلط الحق بالباطل والصدق بالكذب وصار ذلك عذراً ظاهراً في إعراض الخلق عن العبادات، لأن لهم أن يقولوا يا إلهنا عرفنا أنه لا بد من عبادتك ولكنا ما عرفنا كيف نعبد، فبعث الله تعالى في هذا الوقت محمداً ﷺ إزالة لهذا العذر) انتهى كلامه بلفظه.